أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 17 ديسمبر 2022

التربية الإيمانية أساس مكافحة الفساد الأخلاقي رشيد بن أحمد الإدريسي الحسني يليه الآثار السلبية للتلفاز والهواتف الذكية على أطفالنا بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

التربية الإيمانية أساس مكافحة الفساد الأخلاقي

رشيد بن أحمد الإدريسي الحسني

يليه الآثار السلبية للتلفاز والهواتف الذكية على أطفالنا

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد/ تعد قضية الفساد الأخلاقي من أكثر القضايا التي أرقت عقول وقلوب العلماء والمصلحين في هذا العصر، لكثرة التأثيرات الخارجية على هذا الجيل، لا سيما الهواتف النقالة والذكية التي سيطرت ببرامجها المختلفة عل عقول وقلوب أبنائنا، حيث ساهمت هذه الهواتف في تشييد منظومة معقدة من الاتجاهات والقيم البعيدة كل البعد عن الأخلاق والأعراف والآداب الإسلامية الأصيلة، وتمكنت هذه الآلة الصغيرة من إضعاف العقائد الإيمانية، وخلق حالة من الفراغ والبطالة وسوء التربية والكسل، بالإضافة إلى دورها السيء في تفكيك الروابط الاجتماعية وتردي الحالة الثقافية والعلمية لدى النشء.

وهذا يقودنا للحديث عن العقيدة الإيمانية باعتبارها صمام الأمان في حياة كل مسلم، والبرنامج البشري الذي يحد من عمل تلك الفيروسات الثقافية والأمراض الاجتماعية، ولا شك أن العقيدة الإيمانية تشكل الوقود الحيّ الذي يغذي مناعة الفرد، ويجعله يحس بالخطر تجاه ما يعرض أمامه عبر هذه الشاشة الصغيرة والملوثة بالأفكار والثقافات المشوهة.

وتكمن أهمية العقيدة الإيمانية، أنها تعطي الفرد القوة والثقة في اتخاذ القرار في أن يحجب عن نفسه كل ما هو ضار في علاقاته وفكره وثقافته، وهي تمثل الزاجر الأكبر للإنسان عن ارتكاب الأعمال المشينة والقبيحة في هذا العالم المفتوح بلا قيود، كما أنها تضبط سلوكياته التي قد تخرج عن الحد المشروع من غش، وخديعة، وكذب، وتزوير، وظلم، وسوء خلق، وفقدان للرحمة.

وفي المقابل فإن الارتكاز على هذه العقائد والتمسك بها، يُحسن الأخلاق ويُرقيها، ويبعث في النفس الأمن والطمأنينة، بل والقدرة على التأثير والغصلاح في هذا العالم الذي يتحرك بحسب الأهواء والمصالح والشهوات. 

ومن أهم الطرق الباعثة على تحقيق التربية الإيمانية المثمرة، هي العلم النافع، الباعث على العمل الصالح، ذلك أن العلم هو الذي يورث النفس السمو والرفعة إذا نطق الإغراء، والوفاء والتفاني في ساعة النكوص والتراجع، والتقدم والاندفاع في مواطن الانخزال والتراجع.

ولا شك أن أصل الإصلاح عموماً وأساس مكافحة الفساد الأخلاقي خصوصاً يتمثل في تعميق هذه التربية الإيمانية، وفق منهج الكتاب والسنة، وبالطبع لا يمكن الاستغناء عن كتابات أهل التربية والإصلاح، لأن الخبرات والكتابات وسيلة من وسائل الفهم الجيد لنصوص القرآن والسنة، ويضاف إلى ذلك وازع السلطان باعتباره الرافد المساعد الذي يؤكد قانون الإصلاح والتربية في المجتمع.

والمقصود بالفساد الأخلاقي: الحالة التي يتحرر فيها الإنسان من جميع القيود الاجتماعية والدينية، ومن جملة الأعراف والتقاليد المتوارثة، وتتعارض مع تعاليم الدين.

ولعل الدافع إلى الكتابة في مثل هذا الموضوع ما نراه من آثار خطيرة لهذه المظاهر التي نراها في الشوارع والمقاهي والمحلات وعلى الشواطئ، ولعل أبرزها: 

(1) اختلال نظام المصالح والمفاسد في العرف العام، وكون الموازين الشخصية والمكاسب الدنيوية هي التي تحكم علاقات الناس طريقة حياتهم.

(2) المحاولات الكثيرة من أصحاب الأموال والاستثمار لإشباع الرغبات الجنسية وزيادة الموارد المالية بأي طريقة كانت، دون النظر إلى حكم الشرع فيها.

(3) التأثر بالحالة المتردية للأخلاق في الغرب وذلك في كثير دول العالم العربي والإسلامي في وقت لاحق، حتى نشأت جمعيات الشذوذ، ونوادي الليونز والريتوري، والجمعيات المشبوهة التي تروج للانحراف الديني والأخلاقي، سيراً على خطى الغرب المجرم.

ونظرة سريعة على قضية الشذوذ -مثلاً -نجد أن أوروبا وأمريكا اعترفت بحقوق الشواذ جنسياً بشكل متسارع، مثلما اعترفت الدنمارك بزواج المثليين عام 1989م، ثم تبعتها بقية الدول الاسكندنافية وهولندا عام 2000م ثم ألمانيا عام 2001م، وبلجيكا عام 2003م، وبريطانيا عام 2004م، وسويسرا وفنلندا وإسبانيا عام 2005م، وفرنسا عام  2006م. واليوم يحوال الغرب إقحام هذا الشذوذ في عالمنا العربي والإسلامي، وقد نجحوا في بعض البلدان العربية للأسف باسم بعض الاتفاقيات المجحفة بحق الدين والإنسان والشرف.

أما مظاهر الفساد الأخلاقي؛ فكثيرةٌ جداً، منها:

1) الانحلال عن أحكام الدين بترخيص الزنا والخمور، وفتح الباب لها.

2) ذيوع الفسق والخيانات الزوجية والاستبداد والاختلاسات والسرقات.

3) ظهور الفواحش والانحرافات الجنسية من خلال إقامة النوادي والحفلات المختلطة.

4) نشر المسلسلات الهابطة والأفلام الخليعة التي تملكت الكثير من القلوب الضعيفة.

وأساس التغيير إنما ينبع من الداخل {إن الله لا يُغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم}، فأخبر تعالى في هذه الآية أنه لا يُغير أحوال الأقوام حتى يقع منهم التغيير الشامل على مستوى الفرد والجماعة والمجتمع، كما غيّر الله المنهزمين يوم أحد بسبب تغيير الرماة مواقعهم.

والتغيير تغييران، وأحدهما شرط للآخر:

الأول: تغيير الأنفس والأعمال، وهو على العبد بتوفيق الله.

الثاني: تغيير الواقع والحال، وهو على الرب سبحانه وتعالى.

والغيث مع أنه صالحٌ في نفسه إلا أنه يحتاج إلى أرضٍ خصبة، حتى ينبت النبات الطيب، فيأتي أكله كل حين بإذن ربه، وكذلك المنهج الإسلامي هو نهج صالح إلا أنه يفتقر إلى من يطبقه في واقع الحياة ليؤتي ثمره وأكله، وتنعم البشرية بعدله ورحمته.

- الآثار السلبية للتلفاز والهواتف الذكية على أطفالنا:

هناك آثار سلبية على الطفل من الناحية الجسمية والعقلية حيث "يؤكد الأطباء وعلماء النفس أن جلوس الأطفال أمام التلفزيون لساعات طويلة، قد يهدد صحتهم البدنية والعقلية ويؤثر على حواسهم البصرية والسمعية ويحد من حركتهم، لذلك نجد في عصرنا الحالي الكثير من الأطفال من يرتدي النظارات الطبية، وهم في عمر صغير، وهذا نتيجة الإكثار من مشاهدة التلفزيون.

أما من الناحية الاجتماعية ، فإن التلفاز يهدر الوقت ويؤدي بالمشاهد إلى التساهل، وإلى شيوع ثقافة عدم المبالاة بالوقت وعدم استثماره "أما بالنسبة للوقت الذي يقضيه الأطفال، فهناك دراسات أجنبية تقدره بحوالي 28 ساعة في الأسبوع، أي بمعدل أربع ساعات يومياً في أمريكيا وكندا، ولكن المعدل ينخفض في السويد إلى ما بين ساعتين وساعتين ونصف، ولا يزيد هذا المعدل عن ساعة ونصف في النرويج، وفي مجتمعنا الفلسطيني يقضي الأطفال وقتاً طويلاً في مشاهدة التلفزيون ،لاسيما في فترة الإجازات.

إن التلفاز يعرض كثير من مشاهد العنف والجريمة والرعب، مما يثير في نفوس الأطفال الصغار الخوف والرهبة، وهذا يؤثر عليهم في يقظتهم ونومهم، وقد أكد الباحثون دور التلفزيون في انحراف أحداث السن وجنوحهم بسبب تقليدهم لما يرونه من أفلام العنف والجريمة والجنس على شاشة التلفزيون.

كما أن كثيراً من البرامج التلفزيونية المخصصة للأطفال، تؤثر تأثيراً سلبياً على الفطرة السليمة، فيشوبها الانحراف والفساد وتمحو معالم الخير في ، ومن أبرز الانتقادات الموجهة لهذه البرامج ما يلي:

أ- تدني مستوى اللغة المقدمة في بعض البرامج المخصصة للأطفال، وهذا ما يؤخذ على بعض البرامج هبوط في المستوى اللغوي، واعتمادها بشكل رئيسي على اللهجات العامة.

ب- احتواؤها على مشاهد عنف وعدوان وألفاظ غير مقبولة، مما يؤدي إلى غرس السلوك العدواني لدى الأطفال، وإغراق عقولهم في الخيال.

ج- قلة الإنتاج المحلي لهذه البرامج، واستيرادها من الغرب، الذي يختلف عن مجتمعاتنا في المعتقد والثقافة والأخلاق، بالإضافة إلى"اغتراب معظم القائمين على توجيه البرامج بحكم تكوينهم الثقافي، الذي تولد في فترة الابتعاث والدراسة في الدول الأجنبية.

د- انعدام التخطيط القائم على معرفة طبيعة الأطفال في هذه البرامج.

هـ- التناقض التام بين القيم التي تقدمها هذه البرامج ،مع القيم الإسلامية ، مما ينتج عنه انفصام في شخصية الطفل ،ومما يدلل على ذلك بعض البرامج المخصصة للأطفال التي تبثها قنوات تلفزيونية فضائية ،مثل ،mbc3، وبراعم وغيرها.

إن للتلفاز تأثيراً كبيراً على شخصية الأطفال، ولكن هناك مؤسسات يمكن أن تقلل وتحد من هذا التأثير، وأقدر هذه المؤسسات على فعل ذلك الأسرة، فلا بد أن تقوم بدورها في الاستخدام السليم للتلفاز عبر:

- غرس التربية الإسلامية في نفوس الأطفال، لأنها التربية الصحيحة التي سوف يقبلها الأطفال بسهولة لأنهم ولدوا على الفطرة .

- تحديد وقت معين لمشاهدة التلفزيون، وأوقات أخرى للمطالعة واللعب والدراسة.

- متابعة البرامج مع أطفالهم لتصحيح المفاهيم الخاطئة، وتعزيز المفاهيم الإيجابية، ومساعدة الأبناء على التمييز بين الحقيقة والخيال.

- توجيه الآباء النصائح لأطفالهم ، بأن تكون الجلسة صحيحة، والبعد عن التلفزيون أمتار عديدة حتى لا يتعرضوا لضعف البصر .

- منع الأطفال من مشاهدة البرامج العنيفة والمرعبة لما له من أثر سلبي على الأطفال.

- اختيار قنوات فضائية، تعزز القيم والأخلاق الإسلامية ، والبعد عن القنوات التي تدس السم في العسل للأطفال.

- أن يكون الوالدان مثالا للقدوة السليمة وليس العكس في اختيار البرامج المفيدة للأسرة .

-تحديد موعد للنوم ، وعدم سهر الطفل على البرامج التلفزيونية ، مهما كانت جاذبيتها.

دور الإعلام الإسلامي في الحفاظ على الفطرة

لابد من وجود إعلام إسلامي بديل عن ما هو موجود على الساحة ، من خلاله يمكن المحافظة على فطرة أبنائنا كما خلقها الله.

ويمكن تعريف الإعلام الإسلامي بأنه "تكوين رأي صائب،يدرك الحقائق الدينية ويفهمها ويتأثر بها ،في معتقداته وعبادته ومعاملاته، من خلال الكلمة المكتوبة أو المسموعة أو المشاهدة". 

وهذا الإعلام الإسلامي المنشود لابد أن يقوم على لحماية الأجيال المسلمة من الانحراف والفساد، و يتم ذلك من خلال ما يلي:

- إعداد برامج إذاعية وتلفزيونية، تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية.

- إنتاج رسوم متحركة للأطفال تزرع في نفوسهم حب الإسلام والاعتزاز به.

- إعداد برامج يقوم بتقديمها أطفال ،لصناعة جيل جريء في قول الحق.

- إعداد حلقات تاريخية تلفزيونية عن شخصيات إسلامية كان لها تأثير في التاريخ الإسلامي.

- إعداد برامج ترفيهية، اجتماعية، اقتصادية تهم أفراد المجتمع من منظور إسلامي.

- نشر الثقافة الإسلامية عبر عدة برامج تهتم بالقرآن الكريم، وبالسنة النبوية، وبسير التابعين، بالأخلاق الحميدة.

- لابد أن يكون للمرأة نصيب في ذلك من خلال إعداد برامج تخصها ويكون كل ذلك من منظور إسلامي.









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق