بعد عام من الطوفان تأملات وتوقعات وحلول
تأليف الشيخ رامي الدالي
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: طرقت العديد من المؤلفات المتعلقة بهذا الطوفان، في سياقها الديني والسياسي، فألفيتُ في كثيرٍ منها تأصيلات ضعيفة تفتقر إلى البناء السليم، والقواعد الصحيحة، بل تفتقر إلى بداهة النظر فضلاً عن التدقيق والتعمّق في الحيثيات والتفاصيل، فمن إيراد دليل في غير محله، أو ذكر شاهد في غير مشهده، أو تعليق آمالٍ في غير موضعها.
وللأسف رأينا بعض الشيوخ من يُقرر هذه الإبادة، ويُمجّد هذه المحرقة، ويتعامل مع آراء السياسيين وتقديراتهم البشرية تعامله مع الأدلة والنصوص الشرعية، من حيث تنزيهها عن الخطأ، وإلحاقها بالمُقدس والمتعالي، سعياً في تقديم حصانة شرعية تحمي تلك الآراء والتقديرات من المراجعة والنقد، حتى كتب أحدهم: (هذه الحرب يديرها الله!) كأنه يقول لمنتقديها: إنكم تقفون في الجانب المعادي لله والدين!
إن هذه الأوهام والمبررات التي يزرعها هؤلاء الشيوخ في عقول الكبار والشباب ممن أدركوا هذه الحرب، سيستمر نتاجها المُر حتى أجيال قادمة، وما قيمة هذه الأوهام التي يُلوّح بها هؤلاء إذا فقد الناس الثقة في فهم هؤلاء وكلامهم؛ إذ كيف يُجعل من رفض كلام الساسة وانتقاده رفضاً للدين برمته.
هل هذا لأن الزمرة التي تبنت الحرب أملت على الناس أنها هي الطائفة المنصورة التي تمثل الإسلام، والإسلام بالطبع لا يخطئ أبداً. وبالتالي فإن هذه القيادات معصومة لا تخطئ! من قال هذا الإفك؟ لا شك أن هذه المغالطات فتنةٌ عظيمة يعرضها هؤلاء الشيوخ، فصفعتهم على وجوههم.
ثم من هذا الذي يجعل من فهم القادة والسياسيين وأفعالهم حجةً على الدين، وهم بشر يخطئون ويصيبون، وقد تحقق خطؤهم هذه المرة بلا ريب، ولا حرج عليَّ أن أقول ذلك أو أصرّح به. إن دين الله –سبحانه وتعالى –دينٌ خالد، وهو فوق أي احتكارٍ أو ادّعاءٍ أو تمثيل، ولا يمكن اختزال أحكامه في رؤية سياسية، أو تحليل إعلامي، أو هوىً نفساني (حزبي أو شخصي).
وهذه رسالة قيّمة في ترتيبها وتدرجها في بيان قضية الحرب ومعرفة فقهها للشيخ أبي محمد الدالي –وفقه الله -تتضمن جملةً صالحة من الأسباب الشرعية التي ساهمت في نشوب هذه الحرب واستعارها، وهي وإن لم تكن السبب المباشر لها؛ إلا أنها تؤصل للمعنى الشرعي العام للحرب.
وتأتي هذه الرسالة في السياق: التصحيحي والإنذاري للقادة والساسة وصُناع القرار، في إطار غزوة أحد وما يليها من غزوات النبيّ صلى الله عليه وسلم ومعاركه، وذلك باعتبار ما جرى عقوبة عمّت الجميع.
وقد ذكر الشيخ عدة أمور هيأت لهذه العقوبة، ومنها: عدم تحكيم شرع الله تعالى. وعدم وضوح راية الحق وتجردها. ومجاملة أهل البدع في أمور العقيدة. وأن هذه العقوبة تناولت من نصّبوا أنفسهم لحمل لواء الدين، وكون العقاب الذي جلبوه على أنفسهم والناس أشد من العقاب الذي يجلبه العوام.
وفي ذلك يقول: "فلا يجوز بحال أن نقول عن قائد أهل البدع إنه شهيد القدس؛ لأن القدس تقع في الصميم من عقيدتنا ولا يفتحها إلا أهل العقيدة الصحيحة والإيمان الخالص، وهذا تعديل ومدح لعقيدته، والشهادة تزكية في ذاتها، فإذا أُضيفت إلى العقيدة كانت تزكيةً لها".
وقال أيضاً في الإشارة إلى حوثيي اليمن والحشد الشعبي: "ولا يجوز أن نقول كذلك إنهم من الجند الوارد ذكرهم في حديث ابن حوالة: (سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنوداً مجندة: جندٌ بالشام، وجندٌ باليمن، وجندٌ بالعراق"... لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكرهم على سبيل التزكية، وأنهم الذين يمثلون الإسلام ويرفعون راية الحق الخالص الذي يفتح الله على أيديهم. ولا أن نقول مثلاً هؤلاء شرفاء هذه الأمة؛ لأن شرفاء الأمة هم أكرمها وهم أنقياؤها...".
وذكر الشيخ من هذه الأسباب: الاستخفاف بالذنوب والمعاصي، وتراخي السلطة الحاكمة عن الأخذ على أيدي هؤلاء. وأن الجهاد وسيلة وليس غاية. ونسي الشيخ –حفظه الله –أسباباً شرعية أخرى، نبَّه عليها غيرُه كفضيلة الشيخ العلامة الدكتور سلمان بن نصر الداية في رسالته الأخيرة، ولعلي أفرد لها مقالاً خاصاً بها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق