تعليقة على
(مقال الرد على أوقفوا المد)
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: هذا المانشيت الدعائي القبيح، ذو الصبغة السياسية المعروفة، أُريد له أن يلبس عباءة الدين، ويطوف بين الغارقين لا ليمدهم بأسباب النجاة، أو يدلهم على طريق الخلاص، ولكن ليمجد هذه المحرقة، ويُجلَّ صانعيها، بعد أن يمنحهم وسام العظمة والفضيلة، ودرع الحصانة والعصمة.
يبدأ هذا الرد بخطاب شعبوي حماسي، يتيح إلقاء اللوم على اختيار التوقيت دون الطريقة والمنهجية التي تُدار بها الحرب، في محاولة للفت الأنظار تجاه القضايا الهامشية، وإشغال بال طلبة العلم والعوام بها، ثم صورة مدمجة لجمعٍ من المبتسمين من موريتانيا وليبيا ومصر والمغرب، الذين صادقوا على هذا الرد المبني على الفقه المريح، الذي يخدم سياسات المحور، ويتماشى مع أغراض الساسة وأهدافهم. أما تشخيص الواقع فيمكنهم التعرف إليه من خلال القنوات التلفزيونية.
يقوم هذا الرد على خلط المفاهيم، وإثارة الفوضى في فتوى الشيخ، ثم كلمات خاطفة حول اتباع الحق، وتوزيع الأدوار بين الفساطيط، بعد تثبيت رؤيتهم العليا فيما يدور بسطوة الحزب وقهره. تحت مسمى "جماهير العلماء" الذين لا نعرف دورهم في هذه الكارثة، ولا في أي اتجاه يسيرون.
يزعم هذا الرد الخوف من تأثر المجا.هدين في الميدان بذلك (المقال) الشرعي، وكان الأحرى بهم ألا يترددوا في قبول الحق الذي دعاء إليه الشيخ، والموجب لوقف هذه المقتلة والمجزرة العامة، لكنه الكبر والعناد والاعتداد بالذات. والفتاوى جاهزة، فقط تنتظر من يوقعها من هذا اللفيف التائه والمغيب.
ولم يخلُ هذا الرد من المغالطات العلمية، التي لا تصلح أن تصدر ممن يهجي المتون الفقهية، فضلاً عن علماء المنشوتات والردود، والتي ستصبح فيما بعد الحجة البالغة لمن لا يزال يستمد فتواه من نشرات الأخبار وتحليلاتها.
بناءً على هذا الرد الضعيف، عليك -أخي المواطن -أن تستحضر حروف الترجي، والتمني: (لعلَّ)، (وربما)، (وليت)، وتتذكر المعجزات والخوارق التي رآها الطوفانيون في الأحلام، دون أن تلتفت للأسباب بالمطلق؛ لأن الأسباب معطلة ولا قيمة لها، وفي النهاية لن يحدث في القطاع إلا ما أراده الساسة وقدروه.
ويجب عليك أن تحذر من أساليب التعجيز والتوبيخ والتأنيب؛ لأن ذلك يضرُّ بثوابك عند الله، وبمعنويات القوم وسياساتهم، ثم عليك أن تغض الطرف عن صور المآسي والمذابح أو أسبابها، لأنها تضحيات (قليلة) بل لا تكاد تذكر أمام الإنجازات (العظيمة) التي حققتها هذه المعركة المجيدة، على حساب دماء أطفالنا ونسائنا وشبابنا، والذين قتل منهم أكثر من مائة وخمسين ألفاً، وجرح منهم أكثر من مائتي ألف، وأصيب بالعاهات الدائمة من لا يُحصى، فضلاً عن أراضي القطاع التي أُعيد احتلالها، وتدمير 80% من البيوت والتي عادت كومةً من الركام وإياك أن تذكر الغلاء والمجاعة التي تنهش فلذات أكبادنا، حتى أصبحنا ننتظر إدخال الطعام بتنسيق مع الاحتلال.
وأيضاً يجب عليك أن تؤجل النقد أو تتركه بالكلية-وهو الأفضل من المنظور الحركي -كي يتسنى إتمام المهام العالية من القضاء على بقية الغزيين، واستباحة ما بقي البلاد تحت غطاء "المقا.ومة" و"الجها.د"، و"التضحيا.ت"، وهم في ذلك يخوضون معركة الضمير العالمي، الذي لن يستيقظ ولو أبيد الغزيين عن بكرة أبيهم.
هذه المفاهيم الشرعية العظيمة التي غابت عن الشيخ، وجاء هؤلاء ليقرروها ويردوا عليها. ترد على نفسها من نفسها، ويكفي في ذلك قراءتها، ومن الجميل في الرد أنه أقرَّ بالأخطاء التي قررها الشيخ، والتي بقي أن تتعلموها وتفهموا ما فيها.
من الغريب أن المنشوت يُقرُّ السياسيين في عدم ذهابهم إلى مصالحة مع إخوتهم في "فتح"؛ لأن هذا في نظرهم (وهم وسراب) حسب تعبير المنشوت، ولأن (الاحتلال لا يرضى عن عباس وحكومته) فما الفائدة من هذا الأمر؟! فعلاً ما الفائدة أيها الحزبيون من مصالحة لا يرضاها الاحتلال ولا يريدها.
لم أجد في هذا الرد شيئاً علمياً يمكن الرد عليه أو التعليق عليه، لذا دعوني أكتب مقالي بشكل خطابي وعظي، ربما يكون ذلك أفضل في تقرير ما أريد.
1-في الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: (إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت)، أي إذا لم تخش من العار، عملت ما شئت، لأنه لم يردعك عن مواقعة المحرمات رادع، وسيكافئك الله على فعلك، ويجازيك على عدم مبالاتك بما حرمه الله عليك.
2-وقد جعل سبحانه أهل العلم في بلدنا هذا حُجّةً على أصحاب هذا المنشوت الصادر عن تلك الوجوه الناعمة والمستريحة، والتي أطلت علينا من بلدان عربية بعيدة، لم يفهموا خطاب الشيخ ولن يفهموه طالما أنهم ينظرون بعدسة الحزب، ويُنقّرون على ما توهموه خطئاً -وهو عين الصواب والحقيقة، وصدق الشاعر إذ يقول:
وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً ... وآفته من الفهم السقيمِ
3- ولا أدري من هم جمهور العلماء الذين أشار إليهم ذلك المنشوت، وقد قتل الاحتلال أكثرهم في هذه الحرب، وما بقي منهم إلا القليل، وهم مع شعبهم فيما أعلم في رفض هذا الطوفان وهذه الإبادة، لا كما ذكر في المنشوت، بل الذي أحسبه أن جمهور علماء الأمة معنا لا علينا، وهم يريدون وقف هذا العبث والرقص على الدماء.
4-لا أري أن أتورط في تصنيف هؤلاء العلماء في إحدى البطانيتين المعروفتين، ولكن أقرأ عليهم لحديث الآخر عند البخاري -رحمه الله : (ما استخلف خليفة إلا له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم -أي المحفوظ من شرّ البطانة الثانية -من عصم الله)، والبطانة الثانية لا تألوا ذلك الراعي والمسؤول خبالاً، حتى تُفسد أمر المسلمين، وتُزين ذلك في قلبه وعينيه، وما كان لذلك أن يحصل لولا أنه تكلم في الناس غير الموثوق في دينه وأمانته، وراح يُشرّق ويُغرّب برغبته وهواه.
وكما ترى أن هذا البيان الصادر عن هذه الجمعية! تبرر ما نعيشه من إبادة وقتل وتشريد بلسان تبرأ منه كل أدلة الدين والإيمان والعقيدة، تحت مُسمى "جهاد الدفع" مع تجاهل "جهاد الاختيار" الذي تحدث عنه القرضاوي في مؤلفه العظيم "الجهاد"، وهو الذي يناسب حالتنا الغزية دون مواربة أو التواء أو تحيُّز لطائفة أو جماعة، وهي التوصيف الصحيح لحالة الجهاد في القطاع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق