أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 27 نوفمبر 2024

فوبيا داعش وأخواتها غوين داير بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

فوبيا داعش وأخواتها

غوين داير

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

       تمهيد: بعد خروج القاعدة من مسرح الإرهاب العالمي، دخل تنظيم داعش بدلاً منها بأساليب أكثر دراماتيكية في الإعدام، وأفلام بشعة بإخراج أفضل، مع ثورة دعائية كبيرة أرغمت شاعريتها انضمام الكثير من الشباب، إلى دولة جديدة، لها علمها الخاص، وخليفتها المُتّبع. ومع ذلك فإن مجموع عدد الإرهابيين المنتسبين إلى داعش مع داعميهم في العالم لا يمثل سوى نسبة ضئيلة جداً، لا تكاد تُذكر بالأرقام الصحيحة.

       ولا يخفى على القارئ مدى الكآبة التي تسري بين النُّخب العلمية في العالم العربي، حينما نرى مثل هذه الجماعات تعيش في المشرق، وتتطفل على قضايا الإسلام، وتنتزع شرعيتها من نصوص الكتاب والسنة، وهما منهم برآء، وتبدأ الحكاية مع هذا التنظيم من مآسي المسلمين المنتشرة حول العالم، والأزمات الاقتصادية والسياسية التي تتعرض لها بلدان العالم الإسلامي، وتصرفات بعض قادة ورؤساء العالم الإسلامي، والخنوع الرهيب الذي تشهده دول الشرق، بالإضافة القضايا التي لا زالت عالقة وتنتظر حلاً ينهيها من جذورها.

       وقد حاولت داعش تقديم حلول لكنها بالنسبة للواقع موضعية ومُضرَة أيضاً، كما أن إثمها أكثر من نفعها، فبدلاً من توجيه تلك الطاقات بطريقة سليمة لا تنتهك الحرمات، ولا تشوّه الدين، فعلوا وارتكبوا ما أدى لذلك وأكثر. وقد استند الداعشيون في نظرتهم المتطرفة إلى بعض الكتابات التي تطرقت لموضوعات مثل الجهاد، والهجرة، والحاكمية، وبنوا مذهبهم على أسس دون بعضها سيد قطب في كتاباته المنفلعة والمتأثرة بوضع جماعته؛ حتى عدَّ المسيحيين واليهود والمسلمين الذين لا يلتزمون بشعائر الإسلام في بلاد الإسلام أعداء الله وأهل حرب يجب قتلهم والقضاء عليهم.

       وبعد إعدام سيد قطب في مصر، بسبب مواقفه المتشددة من نظام الحكم وتكفيره لأجهزة الدولة ورئيسها، ودعوته إلى قتلهم، انتقل محمد قطب شقيقة إلى السعودية ليعمل في إحدى جامعاتها، وينشر فكر أخيه "سيد" حتى تأثر به من كان يحضره من مشاريع الجهاديين مثل "أسامة بن لادن" كما أخبر بذلك أحد أصدقائه. وبذلك تطور هذا الأمر تحت مسمى "الصحوة" وأخذت تناصب العداء للشيعة وبعض إخوانهم من السُّنة.

وقد اعترف الشيخ يوسف القرضاوي، في فيديو له أن زعيم تنظيم داعش الإرهابي، أبو بكر البغدادي كان من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين. وأوضح القرضاوي أن البغدادي كان له «نزعة قيادية، مما حثه على الانضمام لـ(داعش) وقيادة التنظيم بعد خروجه من السجن». وأشار أيضاً إلى أن (داعش)، وغيره من التنظيمات الإرهابية، استقطبت شبابا من عدة دول تحت ذريعة الجهاد في سبيل الله.

وفي تسجيل صوتي نادر لسيد قطب أكد فيه أن طريق الدعوة المزعومة للجماعة ليست مفروشة بالورود، ولكنها مفروشة بالأشلاء والجماجم مزينة بالدماء وليست مزينة بالورود والرياحين. وكانت هذه الكلمات مقدمة، بل تأصيلا منهجيا يسير عليه أتباع هذا الفكر الدموي الضال الذي انبنت عليه فكرة ما يسمى «داعش» التي نشرت أخيرا في الرقة والموصل ملصقات لأقوال سيد قطب أو أفكار القطبيين، والتي بات لها مشايخ وأئمة يؤمنون بأفكار القطبيين ويقدسونها، حيث يتحدث أتباعه باللهجة نفسها، فهم يعتبرون أن الدين لا يمكن أن يصل إلى الناس عن طريق الدعوة أو المنابر ويسخرون من كل ما ينادي بهذا المنهج، وقد انتشرت فيديوهات التنظيم على الشبكة العنكبوتية في مواقعهم التي تؤكد فكرة أن الإسلام لا يقوم عن طريق المنابر، بل إن هناك طريقا واحدا فقط هو الطريق المفروش بالجماجم والأشلاء.

ولا تخلو إصدارات «داعش» من أفكار سيد قطب التكفيرية، ومنها استشهاد أغلب إصدارات التنظيم بمقولة سيد قطب في الظلال 3/ 1543 «فالاستعداد بما في الطوق فريضة تصاحب فريضة الجهاد»، و«النص يأمر بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها. فهي حدود الطاقة إلى أقصاها.. بحيث لا تقعد العصبة المسلمة عن سبب من أسباب القوة يدخل في طاقتها»، بحسب محسوبين على متطرفين في لندن. 

وبالعودة إلى كتاب أيمن الظواهري «فرسان تحت راية النبي» نجد مقولة للظواهري: «إن سيد قطب هو الذي وضع دستورنا في كتابه (معالم في الطريق)، وإن سيد هو مصدر الإحياء الأصولي، وإن كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام)، يعد أهم إنتاج عقلي وفكري للتيارات المتطرفة، وإن فكره كان شرارة البدء في إشعال الثورة ضد أعداء الإسلام في الداخل والخارج، والتي ما زالت فصولها الدامية تتجدد يوما بعد يوم. والكتاب منشور اليوم بالكامل في موقع (التوحيد والجهاد) الذي يشرف عليه أبو محمد المقدسي المنظر الشرعي لكل المتطرفين حول العالم».

كما أكد الظواهري في محاضرة له، أن أسامة بن لادن خرج من تنظيم الإخوان المسلمين وأشار إلى أنه كان يتبع تعليمات التنظيم بحذافيرها عندما توجه إلى باكستان، فيما قال عبد الله عزام الزعيم الروحي للأفغان العرب في كتابه «عشرون عاما على استشهاد سيد قطب»: «والذين يتابعون تغير المجتمعات وطبيعة التفكير لدى الجيل المسلم يدركون أكثر من غيرهم البصمات الواضحة التي تركتها كتابة سيد قطب وقلمه في تفكيرهم. والذين دخلوا أفغانستان يدركون الأثر العميق لأفكار القطبيين آنذاك وفي الجيل كله فوق الأرض كلها. ومنهم أيضا محمد المقدسي وهو أحد الأفغان العرب المشهورين بشدة التكفير والحكم بالردة على المسلمين واستباحة دمائهم، وله عدة كتب تعج بالآراء المتطرفة مثل (ملة إبراهيم), وهذه الكتب كانت توزع في معسكرات أسامة بن لادن على الأفغان العرب، فقد قال في كتابه (ميزان الاعتدال): بل قد أمضيت عمرا في رافد تصحيحي من روافد الإخوان الذين قد أرضعونا (الظلال) و(المعالم) وغيرها من كتب سيد وأخيه والمودودي – رضاعة في طور الحضانة أعني بداية الهداية».

إلى ذلك، أكد خبراء مصريون أن «(داعش) وجبهة النصرة وأنصار الشريعة والتوحيد والجهاد وأنصار بيت المقدس، جميعها أسماء لجماعة واحدة هي جماعة الإخوان، وأن طلب تنظيم داعش عودة الخلافة الإسلامية هي ورقة قديمة في الفكر الإخواني، وأن قسم كل من يدخل الجماعة أو التنظيم يكون على المصحف والمسدس، وأن قادة (داعش) يقرأون الأفكار المتطرفة وفتاوى الدماء الصادرة عن جماعة الإخوان». 

فيما قال قيادي جهادي مصري، إن الاعتقاد بوجود فرق بين فكر الإخوان و«داعش».. جهل، وإن اعتراف الأب الروحي للإخوان الشيخ يوسف القرضاوي، بانتماء زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، للإخوان، خير دليل ويعني أنه «شهد شاهد من أهلها».

من جانبه، قال القيادي في تنظيم الجهاد المصري، الشيخ نبيل نعيم، إن «أي إنسان يعتقد أنه ليس هناك فرق بين الإخوان و(داعش).. جاهل»، مضيفا: «لكن (الإخوان) كانت لديهم قدرة على إخفاء ما يعتنقونه خاصة فيما يخص المسلمين».

وتابع بقوله: «(الإخوان) أول من كفر المجتمعات، ومحمد قطب شقيق سيد قطب كفرهم، وسيد قطب، أبرز منظري جماعة الإخوان، قال في كتابه (معالم في الطريق): إن الناس ليسوا مسلمين كما يدعون، وهم يحيون حياة الجاهلية، وإذا كان فيهم من يريد أن يخدع نفسه، أو يخدع الآخرين، فيعتقد أن الإسلام ممكن أن يستقيم مع هذه الجاهلية، فله ذلك، ولكن انخداعه أو خداعه لا يغير من حقيقة الواقع شيئا، ليس هذا إسلاما، وليس هؤلاء مسلمين»، لافتا إلى أن «هذه هي عقيدة تنظيمات داعش وجبهة النصرة وأنصار الشريعة والقاعدة».

وحالياً تنفي جماعة الإخوان أي صلة بينها وبين داعش، وأصدرت لذلك عدة منشورات وكتب تؤكد فيها على هذا المعنى، ولكن تبقى أدبيات الإخوان وتراثهم القطبي يُدين هذا الفكر ويجعله رائداً لتلك الجماعات المتطرفة، التي لا زالت تقتبس من مقالات قطب وغيره، كما أن كثيراً من الدواعش نبتوا من رحم الإخوان، كما هو موثق في كثير من بلدان العالم الإسلامي، ولا يستطيع الإخوان التنصل منه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق