آداب الفتى
علي فكري
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: الأدب في أبسط تعريفاته هو السلوك المترتب على معرفة الخير والشر، وتمييز النافع من الضار، ومعرفة الحقوق للمطالبة بها والواجبات للقيام بها، ومداوة النفوس من الأمراض والأغراض السافلة، وتبرئها من المساوئ والعيوب، وتحليها بالفضائل، وتطهيرها من الرذائل، حتى يصير صاحبها محمود الأقوال والأفعال، ومثالاً للفضيلة والكمال.
ولا ريب أن تأديب الفتيان والنشء مما ينبغي العناية به، وبثه بين الناس، وأن غرس الفضائل فيهم من أولى أولويات التربية الإسلامية، لما يترتب على ذلك من سعادتهم الدنيوية والأخروية، وكمال عقولهم وزيادة معرفتهم ومنفعتهم.
وهذا الكتاب اللطيف تضمن جملةً كبيرة من آداب الفتية والصبيان في جميع المستويات، ومع جميع الدوائر الاجتماعية العلوية والسفلية، فبدأ بذكر الأدب تعريفه ومفهومه، ثم أدب الفتى مع نفسه، ووالديه، ثم مع إخوته، وأقاربه، وجيرانه، وفي منزله، وفي مدرسته، وذكر علاقة الأدب بآداب التعلم، وعلاقته بشتى المناحي السلوكية التي تلازم الإنسان في المأكل والمشرب والملبس والخروج من المنزل والدخول إليه، وغير ذلك.
وقد قسم المؤلف هذه الآداب إلى أربعة أقسام كبرى، وهي:
1-آداب نفسيه: وتُعنى بتهذيب الأخلاق، والحث على محاسن الشيم والعادات.
2-آداب روحية: وعنى بمراعاة علاقة العبد بربه، وعبادته، والشعائر التي تنتظم فيها العبادة.
3-آداب مجتمعية: بأن يتعامل المرء مع الناس كما يُحب أن يعاملوك.
4-آداب وطنية: وتكون بمحبته لوطنه، وخدمته لأفراد شعبه، والمشاركة في رفعة الوطن ومنفعته.
ولعل أجمل ما في الكتاب فصوله الأخيرة، وأنت تقف على جملة من وصايا الآباء للأبناء، ولعلي أنقل جملة كريمةً منها:
1-وصية بديع الزمان إلى ابن أخته:
((أنت ولدي ما دمت، والعلم شأنك، والمدرسة مكانك، والمحبرة حليفك، والدفتر أليفك، فإن قصّرت فلا أخالك، فغيري خالك، والسلام)).
2-وصية أب صالح لابنه:
أوصى بعض الصُّلحاء وصيةً لابنه، ونفعها عام لجميع الناس، يقول فيها: يا بني أرشدك الله وأيدك أوصيك بوصايا إن أنت حفظتها وحافظت عليا، رجوت لك السعادة في دينك ومعاشك بفضل الله ورحمته إن شاء الله تعالى. أولها وأولاها: مراعاة تقوى الله العظيم بحفظ جوارحك كلها عن معاصي الله عز وجل، حياءً من الله تعالى، والقيام بأوامر الله، عبوديةً لله. وثانيها: أن لا تجزع عند المصيبة. وثالثها: أن تنصف من نفسك ولا تنتصف لها إلا لضرورة. وراعها: ألا تعادي مسلماً ولا ذمياً. وخامسها: أن تقنع بما رزقك الله من جاه ومال. وسادسها: أن لا تستهين بمنن الناس عليك. وسابعها: أن تُحسن التدبير فيما يديك استغناءً به عن الخلق. وثامنها: أن لا تطبع نفسك في الفضول بترك استعلام ما لم تعلمه والإعراض عما قد علمت. وتاسعها: أن تلقى الناس مبتدئاً بالسلام، ومحسناً في الكلام منطقاً، صادق الوعد، متواضعاً باعتدال، مساعداً بما تجد إإليه السبيل، متحبباً إلى أهل الخير، مدارياً لأهل الشر، مبتغياً في ذلك السُّنة. وعاشرها: أن لا تستقر على جهل ما تحتاج إليه في مصلحة دينك ومعاشك. اللهم أهله في ذلك لامتثالها.
3-وصية عبد الله بن الحسين بن الحسين بن علي لابنه:
(( أي بنىّ! إني مؤدّ حقّ الله في تأديبك، فأدّ إلىّ حقّ الله في الاستماع منى؛ أى بنىّ! كفّ الأذى، وارفض البذى، واستعن على الكلام بطول الفكر في المواطن التي تدعوك فيها نفسك إلى الكلام، فإنّ للقول ساعات يضرّ فيها الخطأ، ولا ينفع فيها الصّواب، واحذر شورة الجاهل. وإن كان ناصحا، كما تحذر مشورة العاقل إذا كان غاشّا؛ لأنه يرديك بمشورته؛ واعلم يا بنىّ أن رأيك إذا احتجت إليه وجدته نائما، ووجدت هواك يقظان، فإياك أن تستبدّ برأيك، فإنه حينئذ هواك؛ ولا تفعل فعلا إلا وأنت على يقين أنّ عاقبته لا ترديك، وأن نتيجته لا تجنى عليك. وهو القائل: إياك ومعاداة الرجال فإنك لن تعدم مكر حليم، أو معاداة لئيم)).
4-وصية أحد الأشراف:
((يا بُني أوصيك أن تأتمَّ بالعلماء وتؤاخي الفضلاء، وتأتسي (تقتدي) بأولي المروءة وأن تتباعد عن الدناءات، وأن يكون الكمال ظاهراً على هيئتك، والتقوى ملء فؤادك، وأن تؤدي ما يجب عليك أداؤه في وقته، وأتن تتمسك بالائتلاف مع الناس، ومواساة ذوي البؤس، وصلة من يستحقون الصلات، وإذا ائتمنك امرؤ فلا تخنه، ولا ييئسنك المطلب السّني معهما كانت العوائق حائلة دونه، وهي دائماً لكل أمرٍ الأسباب الت تؤدي إلى النجاح فيع، ولا تقل علام أسعى وكل شيء مقدور؛ فإن القدر لا يمنع السعي، وقلما تخلو حركة من بركة. يا بني ينبغي لك أن تحاسب نفسك كل ليلة متى أويت إلى منامك، وتنظر ما اكتسبت في يومك من حسنةٍ فتشك الله عليها، وسيئة فتستغفر الله منها، وتقلع عنها، وترتب في نفسك ما تعمله في غدك من الأعمال النافعة في الدنيا والآخرة)).
5- وصية أحد الأدباء:
((يا بني هداك الله إلى سبيل الرشاد. أوصيك أن لا تسعى في نفع نفس بضر غيرك، فيغضب عليك الخالق والخلق، لأنك بهذا الفعل تعصي الله ورسوله وتخالف مقتضيات الإسلام والإيمان، فإن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من آمن الناس من شره وضره. واعلم أن هذه الدنيا التي تغرك زخارفها فتؤديك إلى فعل القبائح من غدرٍ وخيانة للحصول على أغراضها الفانية، ليست إلا سبيلاً إلى دار عقاب أو ثواب على ما فعلت في دنياك، وقد جاء في القرآن المجيد (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) فأولى بك أن توجه جميع مقاصدك إلى تجنب ما يكسبك العار في الدنيا والنار في الآخرة، فلا تقرب الخيانة، ولا تحد عن سبيل الأمانة، فإن الخيانة من أقبح الخصال، وأسوأ الأخلاق، بخلاف الأمانة؛ فإنها أصل ما تخلق به الإنسان الكامل، وأحسن ما تتوصل به إلى محبة الله والناس)).
6-وصية العلامة السهروردي لابنه (جامعة للنصائح والمواعظ):
((يا بني لا عقل لمن لا وفاء له، ولا مروءة لمن لا صدق له، ولا علم لمن لا رغبة له، ولا كرم لمن لا حياء له، ولا توبة لمن لا توفيق له، ولا كنز أنفع من العلم، ولا مال أربح من الحلم، ولا حسب أرفع من الأدب، ولا رفيق أزكى من العقل، ولا دليل أوضح من الموت، ولا كرم أنفع من ترك المعاصي، ولا حمل أثقل من الدين، ولا عبادة أفضل من الصمت، ولا شرٌّ أشرَّ من الكذب، ولا كبر أكبر من الحمق، ولا فقر أضر من الجهل، ولا ذل أذل من الطمع، ولا عار أقبح من البخل، ولا غنى أغنى من القناعة. يا بني من نظر في عيب غيره استعظم ذلة نفسه، ومن سلّ سيف البغي قُتل به، ومن حفر حُفرة لغيره وقع فيها، يا بني من صارع الحق صُرع، ومن تعرض لهتك مسلم هتك الله عورته، ومن أُعجب برأيه ضل، ومن تكبر على الناس ذلّ، ومن شاور لم يندم، ومن جالس العلماء وُقر، ومن جالس السفهاء حُقر، ومن قلّ كلامه حُمدت عاقبته، ومن عُرف بالكذب لم يُصدقه أحد، ومن طاوع نفسه في شهواتها فضحته، ومن لم يعرف مقادير الرجال فألحقه بالبهائم. يا بني إني ذُقت الطيبات كلها فلم أجد ألذ من العافية، وذقتُ المرارات كلها فلم أجد أمرَّ من الحاجة إلى الناس، ونقلتُ الحديد والصخر، فلم أجد شيئاً أثقل من الدين. يا بني إذا جاورك قومٌ فغض نظرك عن محارمهم، ومن أساء إليك فأحسن عليه. يا بني ازرع الجميل تحصد الجزيل، واصحب الأشراف وتجنب الأطراف؛ لأن الأشراف إن صحبتهم رفعوك، أما الأطراف فإن صحبتهم وضعوك، وإن أمنتهم خدعوك، وإن اطلعوا على سرك فضحوك، وإن استغنوا عنك تركوك، يا بني عليك بالندامة على الذنب، واذكر الله بالعشي والأبكار وصلّ على النبيّ المختار، يا بني انظر لمن هو تحتك في الدنيا، وإلى من هو فوقك في الدين، تفوز بالسعادة في الدنيا والآخرة)).
7-مقتطفات من الوصية التي قالها علي بن أبي طالب لابنه الحسين، وهي جامعة لمكارم الأخلاق:
((يا بني إن بقيت أو فنيت فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل وعمارة قلبك بذكره والاعتصام بحبله فإن الله يقول: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 103]. وأي سبب يا بني أوثق من سبب بينك وبين الله عز وجل. أحي قلبك بالموعظة ونوره بالحكمة وقوه بالزهد وذلله بالموت وقرره بالفناء وحذره صولة الدهر وتقلب الليالي. واعرض عليه أخبار الماضين وسر في ديارهم وآثارهم فانظر ما فعلوا وأين حلوا فأنك تجدهم قد انتقلوا من دار الغرور ونزلوا دار الغربة. وكأنك عن قليل يا بني قد صرت كأحدهم فبع دنياك بآخرتك ولا تبع آخرتك بدنياك، ودع القول فيما لا تعرف والأمر فيما لا تكلف، ومر بالمعروف بيدك ولسانك، وكن من أهله وأنكر المنكر بيدك ولسانك وباين من فعله. يا بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فاحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم، واحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وإن قل ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك، واعلم أن الاعجاب ضد الصواب، وآفة الالباب، فاسع في كدحك، ولا تكن خازنا لغيرك، وإذا أنت هديت لقصدك، فكن أخشع ما تكون لربك))
8-وصية زياد بن أبيه لابنه عبيد الله عند موته:
((يا بني لا تدنسن عرضك، ولا تبذلن وجهك، ولا تخلقن جدتك بالطلب إلى من إن ردك كان رده عليك عيبا، وإن قضى حاجتك جعلها عليك منا، واحتمل الفقر بالتنزه عما في أيدي الناس، والزم القناعة بما قسم لك، فإن سوء عمل الفقير يضع الشريف، ويخمل الذكر، ويوجب الحرمان. واعلم أن حفظ ما في يديك أحب إلي من طلب ما في يدي غيرك، ومرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس، والحرفة مع العفة، خير من الغنى مع الفجور، والمرء أحفظ لسره، ورب ساع فيما يضره)).
9-وصية أحد الصالحين لولده:
((يا بني قارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تبن عنهم، بئس الطعام الحرام! وظلم الضعيف أفحش الظلم! إذا كان الرفق خرقا، كان الخرق رفقاً، ربما كان الدواء داء، والداء دواء، وربما نصح غير الناصح، وغش المستنصح، وإياك والاتكال على المنى فإنها بضائع النوكى، والعقل حفظ التجارب، وخير ما جربت ما وعظك، بادر الفرصة قبل أن تكون غصة، ليس كل طالب يصيب، ولا كل غائب يئوب، ومن الفساد إضاعه الزاد، ومفسدة المعاد، ولكل أمر عاقبة، سوف يأتيك ما قدر لك، التاجر مخاطر، ورب يسير أنمى من كثير)).
10-وصية سيدنا علي بن أبي طالب إلى الحارث الهمداني:
وفيه ((وتمسك بحبل القرآن وانتصحه، وأحل حلاله، وحرم حرامه، وصدق بما سلف من الحق، واعتبر بما مضى من الدنيا لما بقى منها فإن بعضها يشبه بعضا، وآخرها لاحق بأولها، وكلها حائل مفارق. وعظم اسم الله أن تذكره إلا على حق، وأكثر ذكر الموت وما بعد الموت، ولا تتمن الموت إلا بشرط وثيق. واحذر كل عمل يرضاه صاحبه لنفسه، ويكرهه لعامة المسلمين، واحذر كل عمل يعمل به في السر، ويستحى منه في العلانية، واحذر كل عمل إذا سئل عنه صاحبه أنكره واعتذر منه، ولا تجعل عرضك غرضا لنبال القوم، ولا تحدث الناس بكل ما سمعت به، فكفى بذلك كذبا، ولا ترد على الناس كل ما حدثوك به، فكفى بذلك جهلا. وأكظم الغيظ، واحلم عند الغضب، وتجاوز عند المقدرة، وأصفح مع الدولة تكن لك العاقبة، واستصلح كل نعمة أنعمها الله عليك، ولا تضيعن نعمة من نعم الله عندك، ولير عليك أثر ما انعم الله به عليك. واعلم أن أفضل المؤمنين أفضلهم تقدمة من نفسه وأهله وماله، وإنك ما تقدم من خير يبق لك ذخره، وما تؤخره يكن لغيرك خيره. واحذر صحابة من يفيل رأيه، وينكر عمله، فإن الصاحب معتبر بصاحبه. واسكن الامصار العظام فإنها جماع المسلمين، واحذر منازل الغفلة والجفاء، وقلة الاعوان على طاعة الله، وأقصر رأيك على ما يعنيك. وإياك ومقاعد الاسواق فإنها محاضر الشيطان، ومعاريض الفتن. وأكثر أن تنظر إلى من فضلت عليه، فإن ذلك من أبواب الشكر. ولا تسافر في يوم جمعة حتى تشهد الصلاة إلا فاصلا في سبيل الله، أوفى أمر تعذر به. وأطع الله في جمل أمورك، فإن طاعة الله فاضلة على ما سواها. وخادع نفسك في العبادة وأرفق بها ولا تقهرها، وخذ عفوها ونشاطها، إلا ما كان مكتوبا عليك من الفريضة، فإنه لا بد من قضائها، وتعاهدها عند محلها. وإياك أن ينزل بك الموت وأنت آبق من ربك في طلب الدنيا، وإياك ومصاحبة الفساق، فإن الشر بالشر ملحق)).
11-وصية علي بن أبي طالب لعبد الله بن العباس:
((سع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك، وإياك والغضب فإنه طيرة من الشيطان وأعلم أن ما قربك من الله يبعدك من النار، وما باعدك من الله يقربك من النار والسلام))
12-وصية أخرى لعلي بن أبي طالب لأتباعه:
((أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل لكانت لذلك أهلاً. لا يرجون أحد منكم إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحين أحد منكم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم ولا يستحين أحد إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه، وعليكم بالصبر، فإن الصبر من الايمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا خير في إيمان لا صبر معه)).
13-وصية ف مجلس (أنيس الجليس) بقلم حضرة الفاضل محمد أفندي محمد بالأوقاف:
((وصيتي لأقربائي وأحبابي وأصدقائي. إذا نُعيت إليم ونزل خبر انتقالي عليكم، فاجتمعوا لتشييعي، وقوموا بواجب توديعي، ولكن أحذركم أن تسمحوا لنادبةٍ أو تسمعوا لصاخبة، أو ترضوا لفاطمة أن تكون لاطمة، أو تأذنوا لنائحة أو تنصتوا لصائحة، أو تفتحوا باباً للمؤبنات هؤلاء اللاتي اشتهرن (بالمعددات)، ثم اعلموا أن الحزن إنما هو في القلوب، لا بلطم الخدود ولا بشق الجيوب، فأنهاكم أن تأتوا شيئاً من هذه المعايب، وأن تحملوا أوزاكم على ظهوركم بهذه المثالب. فالنبي لما نجع بولده والذة كبده قال ( إن العين لتدمع وان القلب ليخشع وانا بك يا ابراهيم لمحزونون إنا لله وإنا إليه راجعون) ولذلك لا تخرج وراء النعش قريبة ولا جارة ولا صاحبة ولا نسيبة لا راكبات ولا راجلات ولا مبرقعات ولا سافرات ولا أختى ولا زوجتى ولا بنت أخي ولا إبنتي فقد نهى عن ذلك سيد الكائنات بقوله ( إرجعن ما زورات غير مأجورات) وإياكم وخروج النساء إلى القبر فذلك عيب لا يستطاع عليه الصبر أما أنتم فإذا زرتم المقابر فليكن للعظة ولكم في ذلك ذكرى وموعظة: تنظرون إلى الموتى في حضرتكم نظر الذي سيلحق بهم في ليلة زورتهم وتتفكرون في من ضمت هذه المقابر من الأكابر والأصاغر ومن ملك ومملوك وأمير وصعلوك وكيف أنا لا ينتظرون غير الموت حل بهم فجعلهم الجميع عفو ربهم لا شئ مما اقتنوا ولا قصر مما بنوا ولا مال ولا بنين ولا أمل في غير رب العالمين فيظهر لكم بأجلى برهان قدرة الواحد الديان وكيف اننا بعد الحياة ميتون و بعد الموت منتشرون (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم بيتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) وكذلك اجتنبوا السرف في النفقات ولا تبسطوا أيديكم في تقديم الصدقات كذلك أنها كم عما تسمونه بالكفارة والنقوش في الحجارة فذلك وزر على وزر وهذا عمل لا يفيد ساكن القبر وبالجملة آمركم أن تكونوا عند حد الشرع الطاهر وأن لا تقربوا شيئاً من تلك المظاهر وأن تحاربوا تلك العادات بعدتكم وعدتكم وتجاهدوا لازالة تلك السيئات بجميع قوتكم لتظهر وا بيت العلم من مثل هذا الخزى والاثم لانه إذا كانت بيوت العلماء ميداناً لهذا الشفاء والبلاء وما تم الكبار تشتمل على مثل هذا العار.
فكيف برجى لنا الصلاح أو تتعلق آمالنا في النجاح . كنت في الحياة أظهر بأجمل رونق بنياب من سندس واستبرق وإنا إلى البلى اليوم صار فما معنى هذه المفاخر ؟ فالله الذي وعد المتقين خيراً في الدار الآخرة يقول (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) فمن سلك سبيل الطاعات يحمد منه السرى ، فقد قال تعالى (وأن ليس للإنسان الا ما سعى وأن سعيه سوف يرى) ومن ضل عن الصراط السوى ولم يتبين الرشد من الغي فبشره بالعذاب الأليم (والذين كذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) فيا قوم كتابك وعدكم بالثواب على الحسنات واوعدكم بالعقاب على السيئات والله لا يخلف الميعاد ولا يمنع ما أراد فاعملوا بأوامره واجتنبوا نواهيه تكونوا من الفائزين ولا تظنوا غير ذلك (فذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين) فهذه وصيتي بكتابي لجميع الذين يحضرونه (فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه)).
14-وصية والد قبل وفاته لولده ( بقلم أحمد بك حافظ عوض )
((إعلم يا ولدي العزيز ان هذه الدنيا ليست بدار بقاء وانا ان لم أرحل عنها الآن فسأرحل عنها قريباً فلا تحزن فالحزن ليس من شأن الرجال وأنا أموت مرتاح البال لاني ربيتك وهذبت أخلاقك وإن كنت لم أترك لك ثروة كبيرة تستعين بها على متاعب الدنيا غير اني واثق بهمتك وانصحك بان نتخذ لك طريقاً تسلكه في هذا العالم لتعيش به شريفاً مكرماً وأوصيك يا ولدي بالهمة والنشاط ومساعدة إخوانك والفقراء والمساكين بقدر امكانك وتمسك بقواعد الدين الشريف والأخلاق المرضية وفوق كل شيء لا تنس خدمة بلادك فإنها في احتياج لخدمة أمثالك وأنا أموت مطمئنا لأنك ستكون خير خلف لأبيك والله يوفقك ويهديك لما فيه الخير والفلاح)).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق