معارج العلوم من الأميّة إلى الإمامة
د. محمد محمد الأسطل
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: هذا الكتاب النفيس بمقدماته ومباحثه ومطالبه، للبحّاثة الشيخ محمد الأسطل، هو سُلم علميٌّ رصين، يضبط مسير الطالب في رحلته العلمية، ودرج يرتقي من خلاله مراقي العلوم الشرعية والإنسانية، وينتقل به أيضاً من الأمية إلى الإمامة والريادة.
وقد أجاد مُقدمه الشيخ الكبير محمد خالد كلاب –حفظه الله –في تقديمه المتألف للكتاب، حتى أتى فوق ما فيه من النصاعة، فزاده بحسن بيانه تألقاً ونضارة، وقد نظّر في هذه المقدمة لأهمية حفظ العلم وضبطه ومذاكرته، وإدامة التأمل فيه، والتفرغ له، من أجل ترسيخ المعارف وتحصيل الملكة، وقد أتى المؤلف على ذلك بالتفصيل في ثنايا كتابه.
وقد أحسن المؤلف في إيجاد إجابات واضحة عن مهمات تفاصيل البرنامج العلمي، وردم مظاهر الحسرة والتشتت لدى الطالب في نصف كتابه الأول بما يدل على المهارة العالية والفقه الكبير في قضية الطلب، وكذلك غوصه في الكتب التي تحدثت بخصوص هذا الموضوع، وساعده في ذلك سؤاله أهل التجرية والخبرة من العلماء في عالمنا الإسلامي.
يقول المؤلف: "ومن مقاصد الكتاب تبليغ الطالب مرحلة المنتهي بأخصر سبيل من غير قفزٍ أو إخلال، وإيلاجه بحور العلم، والتخصص الموسوعي فيه؛ ليرى أنواره، ويطلع على الفقه العالي للشريعة، ويعلم أن الرسوخ في العلم والإمامة فيه شيءٌ ممكن".
وقبل الولوج في تفاصيل هذا الكتاب لا بُد من ملاحظة هامة تأتي على النصف الثاني من الكتاب، وبشكل خاص الفصل الخامس منه، فيما يتعلق بالمنهجية التي اختارها المؤلف في سلمه التعليمي، فإنه بعد المقدمات الرائعة التي وشّى بها أوائل الكتاب، لم يراعي تلك الجودة والمستوى في أخريات الكتاب، فالسلم الذي وضعه هو نُتفٌ متشعبة من منهجيات متعددة من أقطار مختلفة، وقد أدى هذا إلى حشوٍ كثير، واستطرادات يمكن الاستغناء عنها، وانعكس ذلك من خلال التشتت في رسم المنهجية الصحيحة، أو انتقاء الكتب بصورة سليمة.
ومن الملاحظ في سلم المؤلف: الحشد الكبير للكتب والذي لا يطيقه متقدم في الطلب ناهيك عن المبتدئ والمتوسط، بالإضافة إلى المبالغة الكبيرة في التأطير لكتب الآلة مع أن المقصود منها الكفاية في الفهم، مع إهمال العناية بالكتب الرئيسية في العلوم الشرعية، وهذا يعني أنه ينبغي وضع سلم يتناسب مع الطالب ضمن مستويات أو مراحل، في كل مرحلة يدرس كتباً لكل فنٍّ من الفنون الشرعية والإنسانية، وما بعد ذلك يضع برنامجاً يتناول الموسوعات والمؤلفات الضخمة والكبيرة.
وقد أحسن المؤلف إذ اختصر "معارجه" في تسعة وعشرين صفحة (من ص 398 إلى 427)، وهذا يفيد من يحب المراجعة أو الحفظ لهذه المنهجية والاستفادة منها بشكل عملي.
ويتألف الكتاب من مقدمة، وخمسة فصول، وهي:
الفصل الأول: في خارطة العلوم وأنواعها، وأهمية العلوم الإنسانية، ومنهج التلقي.
الفصل الثاني: تحصيل العلم بالقراءة بشتى أنواعها، والكلام على فقهها، والحفا على العلم بالضبط والحفظ، وما يتعلق بذلك من فقه وطرائق وخطوات ونماذج.
الفصل الثالث: فقه الإنتاج العلمي تدريساً وتأليفاً، وعن كيفية صناعة المعرفة واختراعها، وما تتطلبه من تحصيل الملكة العلمية، وكذلك فقه حضور الطالب إلى مجلس العلم، وآفات التدريس العلمي وعلاجها، ودور المعلم في البناء والتحصيل.
الفصل الرابع: مراقي تزكية النفس ومقومات النبوغ، وابرز الآفات التي تعترض طريق الطالب.
الفصل الخامس: المعارج العلمية مفصّلة، وقد صدرها بخطة تمهيدية تصلح للعامي والمثقف، فيما لو أراد الاقتصار على ذلك، ليكون بمثابة المدخل التمهيدي لطالب العلم.
تنقسم العلوم إلى قسمين: علوم دينية، وعلوم دنيوية يحتاجها المتفقه.
أما العلوم الدنيوية التي يحتاجها المتفقه في الدين، فهي العلوم الإنسانية، وهي العلوم التي تتناول المجتمع البشري بما يتضمنه من مظاهر، ومن أهمها (9) تسعة علوم، وهي:
علم الإدارة –علم النفس –علم الاجتماع –علم الاقتصاد -والسياسة –والإعلام –والتاريخ –والجغرافية الطبيعية –والجغرافية السياسية.
أما العلوم الدينية (فهي سبعة أقسام)، تتضمن (58) ثمانية وخمسين علماً.
نضعها هنا للفائدة، وهي كما يلي:
أولاً: علوم العربية (وينتظم فيها اثني عشر علماً):
النحو –الصرف –البلاغة –فقه اللغة (ويضم تاريخ وخصائص اللغة) –المعاجم (وتسمى متن اللغة)، الاشتقاق –الدلالة اللغوية –الأدب (ويضم أشعار العرب وأيامهم وأساليب النقد الأدبي) –العروض والقافية –الخط والإملاء- الأصوات (وتضم مخارج الحروف وصفاتها وتفاعلها مع بعضها) –تاريخ النحو والمدخل لدراسته.
ثانياً: التفسير وعلوم القرآن، وفيه (تسعة عشر علماً):
-فضائل القرآن –غريب القرآن –معاني القرآن –مشكل القرآن–أصول التفسير وقواعده –أسباب النزول –مقاصد السور –علم المناسبات –فقه التدبر –طبقات المفسرين –مناهج المفسرين –أحكام التلاوة والتجويد –القراءات –الرسم والضبط –إعراب القرآن –تاريخ التفسير والمفسرون –تفسير القرآن بأنواعه الثلاثة (إجمالي، تحليلي، موضوعي).
ثالثاً: الحديث وعلومه، وفيه (أربعة عشر علماً):
-شروح الكتب الستة –غريب الحديث –مختلف الحديث وإشكاله –أسباب الورود والإيراد –دراسة الأسانيد –الجرح والتعديل –العلل –الطبقات والرجال –التخريج –مصطلح الحديث –مناهج المحدثين –السيرة النبوية –الشمائل المحمدية –مدخل إلى علم السنة والتدوين ودفع الشبهات.
رابعاً: العقيدة (وتتضمن تسع علوم):
-أركان الإيمان وما يتعلق بها –ملحقات الاعتقاد كالكلام في الصحابة والكرامات والأخلاق –علم الفرق وهو العلم الذي يدرس مقالات الإسلاميين في العقائد –علم الأديان ويدرس مقالات غير الإسلاميين في العقائد –المذاهب الفكرية المعاصرة ويدرس أهم المذاب العقدية سواء داخل الدائرة الإسلامية أم لا –مناهج الاستدلال وتقرير المسائل –قواعد المناظرة وأصول التعامل مع المخالف –الفلسفة وهذا العلم والذي قبله علوم خادمة لعلوم الشريعة عامة وعلم العقيدة خاصة وليست من صلب مسائله –مدخل إلى دراسة علم العقيدة.
خامساً: الفقه (ويتضمن أربعة عشر علماً):
الفقه المذهبي سواء كتب المذاهب الأربعة المتبوعة أو المذاهب الشخصية للأئمة –آيات الأحكام –أحاديث الأحكام –القواعد الفقهية –الفروق الفقهية –الفقه المقارن –الفتاوى وطرق الفتوى –السياسة الشرعية –الاقتصاد الإسلامي –القضاء –الفقه المعاصر ويتضمن النوازل المستجدة وفقه الجماعة المسلمة والوصف الاجتماعي والتعليمي كالفقه الطبي –طبقات الفقهاء –تاريخ الفقه (المدخل إلى دراسته)
سادساً: أصول الفقه، (ويتضمن ست علوم):
مسائله، والقواعد الأصولية –مقاصد الشريعة الإسلامية –علم الجدل، والتخريج الأصولي، ومنه: تخريج الفروع على الأصول ومنه تخريج الفروع على الفروع –وتخريج الأصول على الأصول.
سابعاً: التزكية والسلوك:
وفي الختام أدرج بعض المتون العلمية التي ينبغي على طالب العلم حفظها وضبطها (مع مراعاة المذهب الفقهي في السلم التعليمي)، ويمكن أن يستعملها في طلبه للعلم ويحصل له بها انتفاع كبير.
ونردف أيضاً: جدولاً علمياً لحفظ المتون ودراستها في ست مستويات، وهي كما يلي:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق