العقيدة في فكر جماعة الإخوان المسلمين دراسة تحليلية
إبراهيم جبرين عطا الله جويلس
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: هذه دراسة علمية تبحث في قضايا العقيدة في فكر جماعة الإخوان المسلمين، من حيث موافقتها أو مخالفتها لاعتقاد أهل السُّنة، وتتطرق إلى تساؤلات مهمة، وقضايا مُلحة تتعلق بفكر الجماعة ومنهجها التربوي والدعوي، ومنها: هل يهتم الإخوان بقضايا العقيدة؟ وما رأي الجماعة في آيات الصفات؟ وما موقفها من الحكام والمشاركة السياسية؟ وكيف تنظر إلى القبورية والتصوف والبدع؟ وكيف تفسر مفهوم الولاء والبراء؟
تُعد جماعة الإخوان المسلمين هيئة إسلامية دعوية جامعة، تؤمن بمبادئ الإسلام وشموليته لجميع جوانب الحياة، ولها منهاج تربوي وديني معروف، كما أن لها عناية كبيرة بمجال الخدمات الإنسانية والنشاط السياسي، ولها امتداد قطري، وتحالفات إقليمية ومحلية وتعتز بروابطها الدولية، وهي حركة شعبوية مرنة ومتحورة، تتكيف بحسب البيئات والأعراف والمذاهب وأنظمة البلدان، ويتبعها مئات الآلاف حول العالم، وتركز على فئة المتعلمين وأصحاب الطاقات والخبرات في المجتمع كأعضاء فاعلين في الجماعة، يعملون لخدمتها وتحقيق مصالحها.
ومن أهداف الجماعة المُعلنة إقامة الخلافة الإسلامية في مختلف أقطار العالم الإسلامي، وذلك عن طريق الوصول إلى سُدة الحكم، سواء بالانتخابات أو بالثورات والانقلابات، كما تتبنى خيار الثورة والقوة ضد الأنظمة كوسيلة للتغيير، وهي تعمل حالياً في أكثر من سبعين قطر إسلامي.
وللجماعة لائحة عامة مكونة من أربعة وخمسين مادةً، تنتظم في ستة أبواب، وهي مُلزمة للجماعة في جميع الأقطار ولجميع الأفراد، وتعمل في الإطار الرسمي من خلال المؤسسات والجمعيات المتاحة، وفي الإطار غير الرسمي من خلال الاجتماعات والندوات الدورية.
وقد كان للجماعة دور بارز في التصدي للفكر العلماني والشيوعي والإلحاد وغيرها من الأفكار المنحرفة وهذا يأتي في الإطار العام للدفاع عن الإسلام. لكن الجماعة أيضاً كانت تتأثر تأثراً بالغاً بطبيعة البيئات التي تتواجد فيها، كذلك تأثرت بالقناعات الدينية والطائفية المنتشرة في مختلف المناطق حول العالم، والتي تركت أثراً بالغاً في التكيف العقدي والمذهبي للجماعة، والتي فرضها عليها اتباعها.
ولعل الباحث استطاع تصوير بعض مطالب بحثه بما يتفق مع أهداف الدراسة، ولكنه كان عاجزاً عن تناول تلك المطالب بموضوعية تامة؛ لأننا نرى انتقائية عجيبة في اختيار المادة والكتب التي سيستقي منها النتيجة والخلاصة، نرى مثلاً كتباً لبعض أعلام الجماعة، مثل: (كتاب العقائد الإسلامية لسيد سابق)، و(كتاب الإيمان لمحمد نعيم ياسين)، و(كتاب تبسيط العقائد للشيخ حسن أيوب)، و(تعريف عام بدين الإسلام لعلي طنطاوي)، و(الإيمان أولاً) لمجدي الهلالي)، الأمر الذي لا يتفق مع محددات الدراسة والتي ترتأي بالأساس لدراسة العقائد التي وضعها المؤسس البنا.
مع ضرورة التنويه إلى أن مؤسس الجماعة لم يُردها جماعة عقدية، كما أنه ليس من أهل التخصص في علم العقيدة وأصول الدين؛ فلم يترك رسالة متخصصة شاملة، وإنما هي ثقافات ومعارف أشبها ما تكون بالمبادئ اكتسبها من خلال مقروءاته ومسموعاته ولقاءاته التي كان يحضرها، ولذا كان كثيراً ما يُحيل في رسائله وكتبه إلى أصحاب الاختصاص وأمهات الكتب، الأمر الذي أقرَّ به الباحث في دراسته.
ولذلك لا أرى هذه الدراسة مع فائدتها في التأريخ للجماعة ومؤسسيها ذات موضوعية، وهي بحاجة إلى إعادة نظر؛ لأن كثيراً من المنتسبين للجماعة لهم قناعتهم العقيدة المخالفة لنتائج الدراسة، وليس من شروط الجماعة التزام مذهب عقدي مُعيّن، وحتى لو وجدنا ذلك الشرط بتأويل سائغ، سنجد في الواقع أن الأمر مختلف تماماً.
ولعل الأفضل تناول المذهب العقدي للجماعة من منطلق المبادئ العامة للإسلام أو التوجيهات الكلية للقرآن والسُّنة، وهذا ينقلني إلى الباعث الرئيس أو الأساس من وضع مثل هذه الدراسة، والتي تمثل تصنيفاً لها بين الفرق والجماعات المعاصرة على أنها جماعة سُنيّة تتبع أهل السُّنة والجماعة.
وبالجملة فإن الجماعة بمختلف مكوناتها، يمكنها أن ترتكز على عقائد أهل السُّنة في مختلف القضايا المطروحة حالياً، بل وتقررها في منهاجها الحديث، وقد بين الباحث التقويم العقدي وحركة التصحيح للمفاهيم داخل الجماعة، وهذا جيد. ولكن تبقى بعض الإشكاليات في التطبيق، والنظر الدقيق لبعض المسائل، ولكن النظر العام للجماعة ينبغي أن يكون للغاية التي تسعى إليها ومدى توافق ذلك مع معتقد أهل السنة أو لا.
لقد تلقى مؤسس الجماعة حسن عبد الرحمن البنا، تعليمه الابتدائي في مؤسسة دينية تُعرف "بمؤسسة الرشاد الدينية"، ثم اجتمع بأتباع الطريقة الحصافية، ثم تردد على مكتبة والده العالم عبد الرحمن البنا، و"المكتبة السلفية"، وبعد ذلك انتقاله إلى "دار العلوم" لإكمال دراسته الجامعية، ثم انتمائه إلى الجمعيات الدينية، مثل: "جمعية المكارم الإسلامية"، و"الجمعية الحصافية الخيرية"، وأخيراً قام بتأسيس "جمعية الإخوان المسلمين"، وظل على رأسها وفي مقدمة المنظرين لها؛ حتى اغتيل في العام 1949 م.
كما تأثر البنا بعدد من الشخصيات المعروفة في ذلك الوقت منها: الشيخ محمد زهران، والأستاذ عبد العزيز عطية، والأستاذ رشيد رضا، والأستاذ محب الدين الخطيب، والشيخ محمد الخضر حسين، والسيد عبد الوهاب الحصافي شيخ الحصافية، والشيخ عبد الله الصولي الذي تروج البنا كريمته لطيفة الصولي، وأنجب منها ابنه سيف الإسلام أحمد.
ووضع البنا منهج الجماعة مع ستة من أتباعه تحت عنوان "مدرسة التهذيب"، ثم قام بعد ذلك بتأسيس "مدرسة حراء الإسلامية" للبنين، ثم "مدرسة أمهات المؤمنين" والتي كانت تدرس المنهاج وفق رؤية الإخوان المسلمين، ثم نشر "جريدة الإخوان المسلمين"، والتي كانت في بادياتها تدعوا إلى إصلاح النفوس وتهذيب الأرواح، واستمرت في ذلك أربع سنوات، أتبعها بمجلة "النذير" والتي استمرت سنتان، ثم صدرت المجلة الخاصة بالجماعة تحت اسم "الإخوان المسلمون".
وقد ترك المؤسس عدداً من المؤلفات والرسائل التي يمكن الاعتماد عليها في تقرير عقيدة الإخوان، ونظرتهم إلى مختلف القضايا المعاصرة، كان أهمها رسائله التي كانت تصدر بشكل دوري ابتداءً من (1931 وحتى 1947م) وبلغ عددها اثني عشر رسالة، كانت تُعد ميثاق الجماعة والدستور الذي يجمع شتاتها، وقد جُمعت في كتاب تحت عنوان (مجموعة رسائل البنا) وقد تطرق الباحث إليها بالتفصيل (ص: 33 -35).
وأخيراً مذكراته (المعروفة بمذكرات الدعوة والداعية) التي تناول فيها محطات من حياته الشخصية والدعوية، منذ طفولته في العام 1915 وحتى 1940 وقد أشبعها بمواقفه تجاه قضايا العالم العربي والإسلامي، ونظريته في التغيير المستقبلي.
بل قد شارك البنا في الحياة السياسية من خلال ترشحه لعضوية مجلس النواب في العام 1942، قبل أن يعدل عنها مقابل رفع الحكومة قبضتها عن الجماعة، والسماح لها بممارسة أنشطتها التي كانت مُنعت منها في العام 1941م.
وقد حاول البعض مقارنته بعدد من المُصلحين قبله؛ فبعضهم يقرنه بشيخ الإسلام ابن تيمية، وآخرون يرون أنه ينتظم في سياق المصلحين الدينيين مثل: جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده، وآخرون يرون تأثره الكبير بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى.
ويذكر الباحث ضمن مقدماته في المبحث الثاني من الفصل الأول: تاريخ تأسيس الجماعة، ونواتها الأولى، وشعارها المرسوم، وشعارها المنطوق، والتكوين العلمي للأعضاء، والدرجات التي يترقى فيها، والبيعة التي يعاهد فيها على ثمانية وثلاثين بنداً، ونصُّ البيعة المعهود في الجماعة، والهيكل الإداري للجماعة بحسب نظر حسن البنا، ومرشدو الإخوان بعد حسن البنا، وذكر منهم: حسن الهُضيبي (1951 -1973)، وعمر التلمساني (1973 -1986)، ومحمد حامد أبو النصر (1986 -1996)، ومصطفى مشهور (1996 -2002)، ومحمد المأمون ابن حسن الهُضيبي (2002 -2004)، ومحمد مهدي عاكف (2004 -2010)، ومحمد بديع (2010 –وحتى الوقت الحالي).
وهذه الدراسة الطيبة قدمها الباحث إبراهيم جويلس كمتطلب لاستكمال درجة الماجستير في العقيدة بقسم أصول الدين في كلية الدراسات العليا والبحث العلمي في جامعة الخليل، وتتضمن هذه الدراسة مقدمة، وثلاثة فصول، وخاتمة.
أما الفصل الأول: فخصصه للحديث عن الجماعة من حيث النشأة والتأسيس، ومن حيث الأهداف، والوسائل، والأساليب، والأنشطة التي تمارسها، بالإضافة إلى الانتشار، وتحدث أيضاً عن مؤسسها البنا من حيث نشأته وحياته العلمية والعملية.
وفي الفصل الثاني: تناول الباحث العقيدة في فكر الجماعة من خلال مصادرها المعتمدة، باستعراض آراء حسن البنا، مع الأخذ بعين الاعتبار الموطن الذي احتضن هذه الجماعة إبان تأسيسها، ومصادر البنا العلمية.
أما الفصل الثالث: فقد خصصه في بيان الشُّبه المثارة حول بعض قضايا العقيدة في فكر الجماعة، ومناقشتها في ضوء عقيدة السلف الصالح، وتم تناول هذه الشُّبه في أربع مباحث، لكل شُبهةٍ مبحث، مع بيان موقف الجماعة منها، مع عزو الكلام إلى مصادره.
وقد استفاد الباحث من مؤلفات الجماعة في تقرير عقائدها، والتي من أهمها:
1-رسالة العقائد؛ لمؤسس الجماعة حسن البنا، وهي منشورة ضمن كتاب (مجموع الرسائل، في الصفحات: 377 -418)، وذكر فيها أهداف الجماعة وغايتها، ووسائلها لتحقيقها، بالإضافة إلى جملة من المسائل الاعتقادية المتعلقة بأقسام التوحيد الثلاث: الإلهيات، والنبوات، والسمعيات.
2-رسال التعاليم؛ لمؤلفها حسن البنا، وهي منشورة ضمن الرسائل أيضاً (في الصفحات: 353 -371)، وهي ذات أهمية باعتبار أنها مخصصة لمن تأهل للبيعة من أفراد الجماعة، ثم تضمنها أركان البيعة العشرة للجماعة، وأصول الفهم العشرين الذي يُعد الركن الأهم والأساس عند الجماعة.
بالإضافة إلى الكتب التي توافق أو تخالف الجماعة من مؤلفي أهل السُّنة، ومنها:
1-الجماعات الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة؛ للشيخ سلين عيد الهلالي (الصفحات: 195- 367).
2-الإخوان المسلمين 70 عاماً من الدعوة؛ للدكتور يوسف القرضاوي (الصفحات: 314 -351).
وقد أشبع الباحث بعض هذه المباحث بالدراسة والتعليق، سيما ما يتعلق بالتصوف، والتوسل، والتبرك بالصالحين، والصلاة إلى القبور، وطبيعة الصراع مع اليهود، وموقفها من الوطنية والقومية، وموقع الولاء والبراء من فكر الجماعة، وموقفهم من الصراع الدائر بين اليهود والعرب في فلسطين، على أنه تم توظيف بعض هذه المفاهيم لخدمة الإخوان كجماعة وحزب له أتباعه وفكره الحاصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق