أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 14 ديسمبر 2022

تلخيص الأزهية في أحكام الأدعية لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري -رحمه الله تعالى- يليه ترجمة وافية لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تلخيص الأزهية في أحكام الأدعية

لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري -رحمه الله تعالى-

يليه ترجمة وافية لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا الكتاب هو ملخص لكتاب (الأزهية في أحكام الأدعية) لبدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي الشافعي الأصولي (ت ٧٩٤ ه)- صاحب كتاب «البرهان في علوم القران» و«الإجابة لما استدركته عائشة على الصحابة» وغيرهما، ويُعرف هذا المختصر باسم (تلخيص الأزهية)، وله اسم آخر وهو (مختصر الأزهرية)، وقد لخص شيخ الإسلام زكريا الأنصاري كتاب الزركشي المشار إليه، مع بعض الإضافات الجليلة، والاختيارات المفيدة.

ويقع هذا الملخص في أحد عشر مبحثاً ذكرها الأنصاري في مقدمة كتابه، ولا شك أن الدعاء يعد من أجل العبادات، التي لا ينفك عنها مسلم في يومه ولا ليلته، لا في عاداته ولا عباداته، لا في حضره ولا في سفره، لا في صحته ولا في مرضه.

وفي هذا الملخص نبين حقيقة الدعاء، وأفضليته، وأركانه، وأسبابه، وأجنحته، وشرةطه، وآدابه، والأوقات التي يستجاب فيها، والأحوال التي يقع عندها، وعلامات أجابته، وجوامع الدعاء.

تلخيص الأزهية في أحكام الأدعية

ورتبته على أحد عشر فصلاً:

الأول: في حقيقة الدعاء.

الثاني: في مطلوبيته.

الثالث : في أفضليته.

الرابع : في أركانه وأجنحته وأسبابه.

الخامس: في شروطه.

السادس : في آدابه.

السابع: في مواقيته والأحوال التي يقع عندها.

الثامن : في علامات الإجابة.

التاسع : في بيان حكمه التكليفي .

العاشر : في جوامع الدعاء.

الحادي عشر : في بيان الاسم الأعظم (وأنه هو الله) على المعتمد.

الفصل الأول: في حقيقة الدعاء

هو لغة:

-التوحيد، كما في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ لَا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ}.

- والاستعانة، كما في قوله تعالى: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ الله}.

- والنداء، كما في قوله تعالى: {يَومَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ}. 

-والسؤال، كما في قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم}. 

وهو في الأصل مصدرٌ نُقِلَ إلى الاسم، تقول: سمعت دعاء، كما تقول : سمعت صوت الدعاء.

واصطلاحاً إظهار العبد الافتقار إلى الله تعالى والبراءة له من حوله وقوته، وأولى منه قول بعضهم: هو مناداة الله تعالى لما يريده العبد، من جلب منفعة أو دفع مَضَرَّة.

فصلٌ: في أن الدعاء أفضل أو السكوت والرضى

اختلفوا في ذلك:

فقالت طائفة: السكوت أفضل؛ رِضَى بجريان الحكم، ولخبر: (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين).

ولِما رُوِيَ: أن امرأةٌ كان بها لَمَمٌ، سألت النبي أن يدعو لها الله تعالى، فقال : (أو تصبرين ولا حساب عليك)؟

وسأله الأنصار أن يدعو لهم الله تعالى فقال: «أو تصبرون فيكون لكم طهراً؟».

وسئل الواسطي أن يدعو؛ فقال: أخشى إن دعوتُ أن يقال لي: إن سألتنا ما لك عندنا فقد اتَّهَمْتَنَا، وإن سألتنا ما ليس لك عندنا فقد أسأت إلينا، وإن رضيت أجرينا لك من الأمور ما قضينا لك به في الدهور.

وقيل: لا يدعو إلا لنيل طاعة أو خوف مَسْخَطِ، فإن دَعى بغير ذلك.

وقال القشيري: الأولى أن يقال: إذا وجد فــي قلبـه ـ أي العبد - إشارة إلى الله تعالى فالدعاء أولى له، وإذا وجد فيه إشارة إلى السكوت فالسكوت أولى له.

قال : ويصح أن يقول: ما كان للمسلمين فيه نصيب، أو الله تعالى فيه حق، فالدعاء أولى، وإن كان لنفسك فيه حظ فالسكوت أتمّ.

والصواب أن الدعاء أولى مطلقاً، وعليه الجمهور؛ فإنه عبادة كما مر، [و] ورد أن النبي ﷺ دعى الله بكشفه الشدائد.

وقوله للمرأة: «أو تصبرين؟»، وللأنصار: «أو تصبرون؟»، سؤال كشف وتعليم، فأوحى الله إليه أنه لا يكشف عنهم في ذلك الوقت، فأخر الدعاء، ويحتمل أنه رأى لهم ولَهَا جزعاً وقلة صبر، فأمرهم وأمرها به. 

واختلفوا ـ أيضاً ـ في أن الأفضل الدعاء أو الذكر؟

فقالت طائفة: الذكر أفضل؛ لقوله تعالى ـ حكاية عن يونس عليه السلام: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّلِمِينَ، فاستجبنا له}، ولخبر: «أفضل الدعاء يوم عرفة: لا إله إلا الله». ولخبر: «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيتُه أفضل ما أُعطي السائلين».

وقال طائفة: إن الدعاء أفضل؛ لما فيه من زيادة التضرع والخضوع.

قال قائل: ولا حجة فيما ذُكر؛ أما في غير الأخير فظاهر، وأما في الأخير فالمراد به المستغرق في الذكر المتلذذ به، لا الذاكر الذي جعل الذكر وسيلة لبلوغ المقاصد المنافية للذكر.

والحق: أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والداعي، ويكون الخلاف في الاستكثار إذا لم يَنْصَّ الشارع على الدعاء في محل، وإلا فالدعاء أفضل قطعاً.

وقد أطلق على الذكر والثناء [ دعـاء الـكـرب]؛ فقال: «دعـاء الكرب : لا إله إلا الله الكريم الحليم». قال محمد بن جرير: كان السلف الصالح يدعونه ويُسَمّونه دعاءَ الفرج.

واعلم أن الذكر: إما بالقلب، وهو التفكر في دلائل الذات والصفات والتكاليف، أو باللسان، وهو اللفظ الدال على التوحيد والتحميد والتمجيد والتسبيح، أو بالجوارح، وهو أن تصير الجوارح مستغرقة في الطاعات، قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}.

في أركانه وأجنحته وأسبابه

للدعاء أركان وأجنحة وأسباب، وشروط وآداب ومواقيت. فإن وافق الدعاء أركانه قوي أو أجنحته طار إلى السماء، أو مواقيته أو في أسبابه أنجح، أو شروطه وقع، أو آدابَه كَمُل. 

فأركانه: حضور القلب، والرقة والاستكانة والخشوع، وتَعَلُّق القلبِ بالله.

وأجنحته: الصدق، وتصفية القلب.

وأسبابه: الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم. 

وأما الثلاثة الباقية فتعلم من ثلاثة فصول شَرَعْتُ في بيانها بقولي:

فصلٌ: في شروطه

اثنا عشر - وإن أمكن رَدُّ بعضها إلى بعض -: 

أولها: أن لا يكون المسؤول بالدعاء ممتنعاً عقلاً ولا عادة، كإحياء الموتى، ورؤية الله في الدنيا، وإنزالِ مَلَكِ من السماء يخبر بأحوالها، وغير ذلك من الخوارق التي كانت للأنبياء معجزة، وللأولياء كرامة، إلا أن يكون السائل نبياً أو وليا وأمكن ظهور ما سأل، كأن كان به شدةُ جَزَع فسأل اللهَ كَشْفَه. 

ثانيها: أن لا يكون على السائل إثم فيما سأله، كسؤال خمر يشربها)، أو امرأة يزني بها؛ لخبر مسلم: «يستجاب لأحدكم ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم»، وجاء في الخبر: «لا تدعوا على أنفسكم ولا أولادكم ولا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعة عطاء فيُستجابَ» أي عقوبة لكم لا كرامة.

ثالثها: أن لا يكون فيما سأله غَرَضٌ فاسد كسؤال مال أو جاه أو ولد أو عافية للتفاخر والتكاثر والاستعانة على قضاء الشهوات. 

رابعها أن لا يكون السؤال على وجه الاختبار الله تعالى؛ إذ ليس له أن يختبر ربه.

خامسها: أن لا يشغله الدعاء عن فريضة يخاف فوتها. 

سادسها: أن الحاجة إذا عَظُمَتْ لا يسألها الله تعالى سؤال مستعظم لها في ذاته تعالى، بل يسأله الصغيرة والكبيرة سؤالاً واحداً؛ لخبر ابن حبان في صحيحه: «إذا دعا أحدكم فَلْيُعْظم الرغبة؛ فإنه لا يتعاظم على الله [ شيء ]».

سابعها: حسن الظن بالله عند الدعاء، وكون الإجابة أغلب على قلبه مِن الرَّد؛ إذ الباعث على الدعاء صدق الرجاء. روى الترمذي: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة».

ورواه الحاكم، وقال: إنه مستقيم الإسناد. 

وتَقَدَّمَ خبر الصحيحين: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني». 

وقال سفيان بن عيينة: لا يَمْنَعَنَّ أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه  فإن الله أجاب شرّ الخلق إبليسَ؛ إذ قال: {أنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ}، وإنما سأله ذلك طمعاً في الإجابة؛ لئلا يذوق الموت. 

ثامنها: أن لا يستعجل ولا يَضْجَرَ من تأخر الإجابة كَمَنْ له حق على غيره، إذ ليس لأحد على الله حق. وأيضاً، قد تكون المصلحة في التأخير. وأيضاً، فالدعاء عبادة واستكانة، والضجر والاستعجال ينافيهما. 

وفي الصحيحين، قال رسول الله ﷺ: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول : دعوت فلم يُسْتَجَبْ لي».

وفي رواية لمسلم: قيل: يا رسول الله، وما الاستعجال؟ قال: «يقول : قد دعوت وقد دعوت فلم يستجب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء» .

وذكر مكّي : أن المدة بين دعاء زكريا - عليه الصلاة السّلام ـ بطلب الولد والبشارة أربعون سنة.

تاسعها: أن لا يجهل معنى الدعاء؛ لأنه سؤال، وهذا غير سائل بل ناقل كلام.

نَعَمْ، إن كان دعاء حسناً أو كان صاحبه ممَّن يُتبرك بكلامه واختاره الداعي لذلك فلا بأس به.

عاشرها: أن يُصْلِحَ لسانه في الدعاء، بأن يحترز فيه عما يُعَدُّ إساءة في المخاطبات وعن اللحن فيه، فإذا أراد غشيان النساء فلا يصرح، بل [ يقول ]: «اللهم متعني بأعضائي وجوارحي»، أو طاعة امرأة فليقل «اللهم أصلح لي زوجي».

وإذا دعا فلا يَلْحَنْ في دعائه؛ وذلك لـوجـوب تعظيم الله علـى عبده في كل حال، وهو في حال السؤال أوجب، ولأنــه ســؤال يتضمن مواجهة الحقِّ بالخطاب، ولخبر: «لا يقبل الله دعاء ملحوناً»، ومحله في المستطيع لإصلاح نفسه.

حادي عَشَرَها: أن يدعو الله بأسمائه الحسنى، لا بما لا يخلص ثناء وإن كان حقا؛ قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}، ولا ينبغي أن يقال يا خالق الحيَّات والعقارب؛ لأنها جبارة مؤذية كالدعاء بقوله: يا ضارّ.

ثاني عشرها: أن يكون عالماً بأنه لا قادر على حاجته إلا الله، وأن الوسائط في قبضته.

في آداب الدُّعاء

وهي تسع وعشرون: 

أحدها: تقديم التوبة أمامه؛ لخبر مسلم: «يطيل السفر، أشعث أغبر، يمدُّ يديه إلى السماء: يا رب يا رب [و] مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِي بالحرام، فأنّى يستجاب له». وقد يؤخذ أن هذا شرط لا أدب. 

ثانيها: أن يدعو وهو متطهر؛ للاتباع، رواه الشيخان، ولأنه عبادة، فكان كقراءة القرآن والأذان. 

ويجوز رفع اليد النجسة في الدعاء.

قال الرُّؤياني: يحتمل أن يقال: يُكْرَهُ بغير حائل لمس المصحف بيده النجسة وهو متطهر، ويجوز بحائل.

ثالثها: أن يستقبل القبلة؛ للاتباع، رواه البخاري وغيره، ولأنها أشرف الجهات.

رابعها: أن يُقَدِّمَ عليه صلاة؛ للاتباع.

خامسها: أن يرفع يديه في الدعاء؛ لذلك، ولخبر الترمذي: (إن الله حَبِيٌّ كريم، يستحي إذا رفع الرجل يديه أن يردهما خائبتين).

وما ذكره السهيلي من أن ابن عمر رأى قوماً يرفعون أيديهم في الدعاء؛ فقال: أو قد رفعوها قطعها الله، والله لو كــانــوا بـأعـلـى شـاهـق ما ازدادوا بذلك قرباً، لم يصح عن ابن عمر ، بل صح عنه خلافه، وأنه رؤي رافعاً يديه إلى منكبيه يدعو.

فإن قلت: إذا كان الحق تعالى ليس في جهة، فَلِمَ رُفعت

الأيدي بالدعاء نحو السماء؟

قلنا : لأنها محل تعبد كالقبلة في التوجه إليها في الصلاة، والأرضِ في إلصاق الجبهة بها في السجود مع تنزيهه تعالى عن محل، فكانت السماء قبلة للدعاء؛ لأنها لمّا كانت مَهْبِطَ الرزق والوحي، وموضع الرحمة والبركة والملأ الأعلى، وكانت الأعمال تُرفع إليها، وفي [بعضها الأنبياء و] الجنة التي هي من غاية الأماني، انصرف الهم إليها، وتوفّرت الدواعي إليها. 

ومعنى كونها مهبط الرزق : أن المطر ينزل منها إلى الأرض فيخرج نباتها .

ثم اختلفوا في كيفية الرفع: فقيل: يرفعهما حتى يحاذي بهما المنكبين. وقيل: حتى يُرى بياض إبطيه. قلت: والأوجه الأقل، إلا في الحاجة المهمة كالاستسقاء فالثاني، وعلى ذلك تدل أفعاله.

ويُستثنى مِن سَنُ رفعهما في الدعاء: الدعاء في الخُطبة على المنبر فيكره رفعهما فيه، ذكره السهيلي، واحتج له بحديث في (صحيح مسلم) صريح في ذلك. 

سادسها: أن يجعل بطون الكفين إلى الوجه وظهورهما إلى الأرض؛ للأمر به في خبر رواه الحاكم.

واستثني من ذلك ما يشتد فيه الأمر كالاستسقاء فيعكس ذلك؛ للاتباع، (رواه مسلم).

سابعها : أن يكشفهما.

قال الخطابي : وتكره الإشارة فيه بأصبعين، وإنما يشير بسبابة يده اليمني.

قال الغزالي: ولا يرفع بصره إلى السماء. 

ثامنها: الافتتاح بالحمد لله رب العالمين ونحوه من الثناء على الله تعالى كالفاتحة وغيرها؛ لقوله تعالى ـ حكاية عن يونس: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّلِمِينَ}.

[و]لخبر: «كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم». وخبر: «إذا صلَّى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما شاء»، رواهما أبو داود وغيره. 

تاسعها: أن يصلي على النبي بعد الـدعــاء، والأكمل فيه ما علمه النبي أصحابه في خبر التشهد. وقيل: بل: اللهم صل على محمد عدد ما ذكره الذاكرون وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون.

واعلم أنه كما يحصل بالصلاة عليه المقصود من الدعاء، [فإنها] تتضمن ثواباً عظيماً؛ لخبر ابن حبان وغيره أنه قال: «أتاني آت من عزّ وجلّ؛ فقال: مَن صلَّى عليك من أمتك صلاة كتب الله عزّ وجلّ [له] بها عشراً، ومحى عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات، ورَدَّ عليه مثلها».

وتوجب الشفاعة؛ لخبر الطبراني: (من قال: اللهم صل على محمد وأنزله المقعد المقرَّبَ عندك يوم القيامة، وجبت له شفاعتي. وتوجب له الجنة؛ لخبر: «مَن صلَّى عَلَيَّ في يوم ألف مرة، لم يمت حتى يرى مقعده في الجنة».

وتكفي الهم وتغفر الذنب، لخبر ورد فيهما، رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

وتنفي الفقر وتقضي الحوائج ؛ لخبر ورد فيهما.

وكما تشرع الصلاة عليه ، تشرع على سائر الأنبياء. وقد سئل الإمام الغزالي: ما معنى صلاة الله على نبيه وعلى المصلين عليه؟

استدعائه أمته وما معنى صلاتنا وصلاة الملائكة عليه؟ وما معنى الصلاة عليه: أيرتاح لذلك أم هو منفعة على أُمَّتِه؟

فأجاب: أمَّا صلاة الله على مَن ذُكِر، فمعناه : إفاضة أنواع الكرامات ولطائف النعم.

وأما صلاتنا وصلاة الملائكة عليه ، فهما سؤال في طلب تلك الكرامات ورغبة إفاضتها عليه لا كقول القائل: غفر الله له ورحمه؛ فإن ، ذلك مختص بالرحمة وطلبه العفو بالستر.

وأما استدعاؤه الصلاة من أمته، فلأن الأدعية تؤثر في استدرار فضل الله ونعمته ورحمته، لا سيما في الجمع الكثير كالجمعة وعرفات، ولأنه يرتاح لذلك كما قال: إني أباهي بكم الأمم يوم القيامة.

ذلك شَفَقَةٌ على أمته، بتحريصهم على ما هو حسنةٌ في حقهم، وقربة لهم. 

ولأن في عاشرها: الصلاة عليه وسط الدعاء وآخره.

واعلم أن للصلاة في الدعاء أربع مراتب:

أحدها: أن يقبل عليه بعد حمد الله ، وقيل: الدعاء.

الثانية: أن يصلي عليه أول الدعاء وأوسطه وآخره.

الثالثة: أن يصلي عليه في وسطه وآخره.

الرابعة: أن يصلي عليه أوله وآخره، كما عليه عمل الناس.

حادي عشرها : أن يفتتح دعاءه باسم من أسمائه تعالى المناسبة لمطلوبه، ويختم دعاءه ،به كما كان عليه الأنبياء، قال سليمان ـ عليه الصَّلاة والسلام - في دعائه: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِى إِنَّكَ أنتَ الْوَهَّابُ}.

وقال الخليل - عليه الصَّلاة والسَّلام -: {وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}، {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

وقال أيوب: {أَنّ مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّحِمِينَ}.

وعلم النبي الله عائشة دعاء ليلة القدر: «اللهم إنك عَفُوٌّ تحب العفو فاعفُ عني».

ثاني عشرها: أن يستعمل  في كل مقام الدعاء المأثور فيه؛ فهو أفضل من غيره.

ولهذا قال أكثر أصحابنا: إن الدعاء المأثور في الطواف أفضل من الاشتغال بالقرآن فيستعمل الأدعية المأثورة عن الأنبياء إذا كان المطلوب كمطلوبهم.

قال جعفر الصادق: عجبتُ لمن بلي بالضر، كيف يذهل عنه أن يقول: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّحِمِينَ}، والله تعالى يقول: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُر}.

وعجبت لمن بلي بالغم، كيف يذهل عنه أن يقول: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، والله تعــــالـــى يقول: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَيْنَهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ تُجِي الْمُؤْمِنِينَ}.

وعجبت لمن خاف شيئاً، كيف يذهل عنه أن يقول: «حسبي الله ونعم الوكيل»، والله تعالى يقول: {فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سوء}.

وعجبت لمن أريد في أمر، كيف يذهل عنه أن يقول: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِى إلى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}، والله تعالى يقول: {فَوَقَهُ اللهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا}.

وعجبت لمن أنعم الله عليه بنعمة خاف زوالها، كيف يذهل عنه أن يقول: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّنَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}.

وأدعية الأنبياء المحكيَّةُ في القرآن المعروفة بالإجابة، كثيرة، كقوله تعالى لنبيه: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، {رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مخرج صِدْقٍ وَاجْعَل لِي مِن لَّدُنكَ سُلْطَنَا نَصِيرًا}، {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ}.

ثالث عشرها: اجتناب السجع واجتناب ازدواج الألفاظ؛ تبعاً للسلف فإنهم يكرهون ذلك.

والمعنى فيه: أن مقامَ الدعاء مقامُ تذلل وخضوع وخشوع، والسجع تكلف وتصنُّع، وذلك ينافيها. وأما ما وقع في الحديث من نحو قوله: «تائبون آیبون، لربنا حامدون»، وقوله: «اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يُسمع ، ومن نفس لا تشبع ومن علم لا ينفع أعوذ بك من هؤلاء الأربع، فلم يقع قصداً، بل اتفاقاً، فمحل كراهة ذلك إذا وقع بتكلف.

رابع عشرها: بسط الدعاء ؛ لما فيه من إظهار شدة الافتقار.

وقولُ بعضهم: إن أدعية السلف لا تزيد على سبع كلمات، فيه نظر. 

فإن قلت: ذكروا أن التعرض بالحاجة في الدعاء أولى من التصريح بها؛ فإن ذلك طريق الأنبياء عليهم الصَّلاة والسلام، كما قال تعالى: {وأيوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّحِمِينَ} فعرض ولم يصرح .

وعن موسى عليه السَّلام: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ} وعن يونس عليه السَّلام: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [و] كان نبينا يرفع بصره إلى السماء متعرّضاً للدعاء، فقيل له: {قد نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}

قلنا: ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص؛ فــرب قـوم مخلصين الله تعالى ناظرين إلى صفاته عابدين لذاته وصفاته، لا طمعاً في ثوابه ولا خوفاً من عقابه ، خَشُوا من التصريح بالمقتضي فَعَرَّضوا . خامس عشرها : أن يقتصر على جوامع الدعاء، كقوله: {رَبَّنَا ايْنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، وقوله : «اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل»؛ لأنه إذا دعا بها فقد سأل الله تعالى كل فإن عَرَضَتْه حاجةٌ معيَّنةٌ نَصَّ عليها. 

ومعنى الحسنة في الآية: ما يكون حسناً، ولم يُرِدْ حسنة واحدة. والأولى أن لا يجاوز الدعوات المأثورة؛ فإنه قد يسأل في الدعاء بغيره ما لا تقتضيه مصلحة؛ فما كلُّ أحد يحسن الدعاء.

.سادس عشرها: الجدُّ في الطلب والإلحاح فيه؛ لخبر: «إنَّ اللهَ يحبُّ المُلِحين في الدُّعاء»، ولخبر: (يأتي عليكم زمان لا ينجو منه إلَّا مَن دَعا دعاء الغريق)، رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين. 

سابع عشرها: أن يدعو ثلاثاً؛ للاتباع، رواه مسلم.

ثامن عشرها: أن يعترف بالإساءة، وأنه لا يطلب الإجابة مَحْضِ فضل الله تعالى، ويستحضر أنَّ ذنوبه مانعة له، وأنه لا يقيم لعمل من أعماله وزناً. 

وقال ابن عيينة: لا تتركوا الدعاء ولا يمنعكم منه ما تكرهون من أنفسكم، فقد استجاب الله تعالى لإبليس وهو شر الخلق، وقد مرَّ هذا. 

تاسع عشرها: المحافظة على الدعـاء [فـي الـرخـاء] كمـا فـي الشدة؛ لخبر الترمذي والحاكم ـ وقال: صحيح الإسناد: (مَن سَرَّهُ أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر من الدعاء في الرخاء).

عِشْرُونَها: العزم في السؤال؛ لأنه طلب بتذلل، والتذلل في عزم الطلب أشد منه في التعليق بالمشيئة؛ لخبر الصحيحين: «إذا دعا أحدكم فليعزم في الدعاء، فلا يقل: اللهم إن شئتَ فأعطني؛ فإن الله يفعل ما يشاء، فلا مستكره له».

وإنما كره ذلك لأنه فيه ظهور الاستغناء؛ إذ لا يُستعمل هذا اللفظ إلا فيما لا يُضطر إليه ، بخلاف ما يضطر إليه فإنه يعزم عليه ويبالغ فيه.

حادي عشريها: تفريغ القلب للدعاء؛ ففي الترمذي: «اعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه».

ثاني عشريها: خفض الصوت؛ قال تعالى: {وَاذْكُر رَّبِّكَ فِي نَفْسِك}، {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}، {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} والمعنى في ذلك: أنه أخشع.

ثالث عشريها: الدعاء للمؤمنين، لا سيما إذا كان مع جماعة؛ لخبر النبي صلى الله عليه وسلم: سمع رجلاً يقول: اللهم اغفر لي، فقال: (ويحك؛ لو عممْتَ لاستجيب لك).

ولخبر: «ما من دعاء أحب إلى الله عز وجل من قول العبد  اللهم اغفر لأمة محمد رحمةٌ عامة ». وفي السنن: «لا يَؤُمَنَّ رجلٌ قوماً فيخص نفسه بدعوة دونهم؛ فإن فعل فقد خانهم».

وهذا محله في دعاء لا يقوله المأموم مع إمامه، أما ما يقوله معه فالأولى فيه الانفراد كما في دعاء الافتتاح: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي . . . » إلخ.

رابع عشريها: أن يبدأ بنفسه في الدعاء إذا دعا لغيره)، كما قال تعالى ـ حاكياً عن الخليل عليه السلام -: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَى وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}، وعن نوح كذلك.

ولأن الدعاء تضرع ،وقربة، فتقديم الداعي نفسه أقرب، ولهذا لا يؤثر غيره على نفسه في الصف الأول ونحوه.

خامس عشريها: التأمين عقب الدعاء للداعي والمستمع وللسامع، كما في آخر الفاتحة، وللأمر به في الأخبار 

ولخبر الحاكم: «لا ملا يجتمع فيدعو بعضُهم ويؤمن بعض إلا أجابهم الله؛ ولأن التأمين في الحقيقة دعاء؛ لأن معناه: اللهم استجب لنا. 

سادس عشريها: أن يمسح وجهه بيديه بعد الدعاء. والمعنى فيه التفاؤل بأنَّ كَفَّيْهِ قد مُلئتا خيراً فيفيض منه على وجهه.

وجاء في أخبار كثيرة منها الاتباع رواه الترمذي وقال : غريب. 

وأما قول الشيخ عز الدين في فتاويه»: إنه لا يفعله إلا جاهل، [فــ] محمول على أنه لم يطلع على هذه الأخبار، وهي وإن كانت أسانيدها لينة، لكنها تَقْوَى باجتماع طرقها.

سابع عشريها: أن يحمد الله إذا عرف الإجابة ويشكره.

ثامن عشريها: أن لا يُخْلِيَ يوماً وليلة من الدعاء؛ لخبر ورد فيه، لأنه عبادة ولا يليق بحال المؤمن تركها وأقل ما في تركه يوماً وليلة أن يكون مكروهاً، لأن الزمان يوم وليلة وما سواهما تكرار لهما.

تاسع عشريها: أن يتخير للدعاء الأوقات والأحوال والمواطن المرجوّ فيها الإجابة.

في مواقيته والأحوال التي يقع عندها مما نصّ الشارع على استحباب الدعاء [فيها]

فمواقيته: مكانية وزمانية .

فالمكانية منها مكة وما حولها والدعاء فيها مستجاب في خمسة عشرَ موضعاً: 

في الطواف، وعند الْمُلْتَزَم، وتحت الميزاب، وفي البيت، وعند زمزم والصفا والمروة، وفي المسعى، وخلف المقام، وفي عرفات والمزدلفة ومنى، وعند الجمرات.

ومنها: بيت المقدس.

والزمانية: منها: يوم عرفة، ورمضان، ويوم الجمعة، وليلتها، ويوم الأربعاء، ووقت السحر، ويوم العيدين، وليلتاهما، وأول رجب، ونصف شعبان.

وفي الزمن الذي يستجاب فيه الدعاء يوم الجمعة أقوال:

أحدها: جميعه. وأصحها ما ورد في صحيح مسلم: (أنه ما بين جلوس الإمام على المنبر وفراغه من الصلاة).

والأحوال التي يقع الدعاء فيها:

منهــا: دبـــر الصـلاة، وعند إقامتها، وعند الأذان، وبينهما، وعند مجالس الذكر، وعند نزول المطر، ورؤية الكعبة، وفي سبيل الله، وعقب تلاوة القرآن؛ فقد كان النبي ﷺ يدعو عند ختم القرآن يقول: اللهم ارحمني بالقرآن، واجعله لي إماماً ونوراً وهدى ورحمة. اللهم ذكرني منه ما نسيت وعلمني منه ما جهلت، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، واجعله لي حجة يا رب العالمين.

 ومنها : عند احتضار الميت، وعند صياح الديك ومن الدعوات المستجابة: دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب، ودعــوة الـصــائــم، والإمام العادل، والمظلوم، والـوالـده، والمسافر، والرجل الصالح، والمضطر كالغريق، والولد البار لوالديه، والمريض، ومَن ذَكَر الله حتى غلب عليه النوم.

في علامات الإجابة

فمنها: تيسير الدعاء على الداعي بأن فتح عليه به . 

ومنها: القشعريرة والعطاس.

و[منها]: اجتماع شروط الدعاء؛ أخذاً من خبر: «ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها قطيعة ولا إثم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث خصال: إما أن يُعَجِّل دعوته، وإما أن يَدَّخِرَها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه مثلها».

فبان أن الدعاء عند اجتماع شروطه لا يُرَدُّ [و] أن الاستجابة ثلاث خصال، [وأنّ] الدعاء يتضمن الاستجابة، كما قال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ}، وقال: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}، قيل : هذا الوعد مقيد بالمشيئة في قوله تعالى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ}. والأحسن أن يقال: إن الاستجابة لا تُرَدُّ أصلاً كما مر، والتقييد بالمشيئة إنما هو في الاستجابة بمعنى إعطاء عين المسؤول لا في مطلقها الصادق بإحدى الخصال الثلاث، وعلى هذا يُحمل قول الرازي: إنما يستجاب من الدعاء ما وافق القضاء.

وتأخير الإجابة بالمسؤول ليس علامةَ الرَّد؛ لأن وعده لا يُخْلَف، ولكن له أسباب:

منها: عدم موافقة القضاء ، فيحصل التعويض حينئذ.

ومنها: عدم اجتماع الشروط.

ومنها: حُبُّ الله سماع صوتِ الداعي؛ لما رُوي عن يحيى بن سعيد قال: رأيت ربَّ العزة في النوم فقلت يا رب، كم أدعوك فلم تستجب لي، فقال: يا يحيى، إني أحب أن أسمع صوتك. 

ولأن الدعاء يوجب الحضور، وقضاء الحاجة يوجب الانصراف، والمُقام على الباب أتم من الانصراف.

***

في بيان حُكْم الدُّعاء التكليفي

وينقسم إلى الأحكام الخمسة:

فالواجب منه: ما تضمنته الفاتحة في الصلاة، والصلاة على النبي ﷺ في العمر مَرَّةٌ بلا خلاف، وفي التشهد الأخيـر عـنـدنـا. والدعاء للميت في الصلاة عليه.

والمندوب: سُنَّةُ القنوت، ووسمع الله لمن حمده، أي استجاب له والاستسقاء.

والمحرم قسمان: ما ينتهي إلى الكفر، وما لا ينتهي إليه: 

-فالذي ينتهي إليه: طلبُ نَفْي ما دَلَّ السمع المتواتر من كتاب الله تعالى أو سنة نبيه على ثبوته، كالدعاء للكفر بنفي تخليدهم في النار، أو طلب ثبوتِ ما دَلَّ السمعُ المتواتر على نفيه أصلاً، كطلب تخليد مؤمن ـ من عدوٍّ له ـ في النار، أو الدعاء لجميع الناس بالسلامة من إبليس وجنوده، مع قوله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوا}. أو الدعاء بأن يرى الله في اليقظة في الدنيا، أو طلب أن يفوض إليه من أمور العالم ما هو مختص بالقدرة العظيمة.

ومحل كُفْرِه بما ذُكِر إذا قَصَدَهُ وعَلِمَ مَنْعَهُ منه، أي مع اعتقاده خلاف المنع.

والذي لا ينتهي إلى الكفر: جَعَلَهُ القرافي اثْنَيْ عَشَرَ قسماً: 

أحدها: طلب ما هو مستحيل عقلاً أن يُجعل في مكانين متباعدين في زمن واحد؛ ليطلع على أحوال أهل الإقليمين، وكسؤال السلامة من الآلام والأسقام.

ثانيها: طلب ما هو مستحيل عادةً، إلا أن يكون نبياً أو ولياً؛ فإن عادة الأنبياء خرق العادات، كسؤال أن يستغني عن التنفس في الهواء لـيـأمـن الاختناق على نفسه، أي العافية من المرض أبداً.

ومنه قولهم : اللهم أعطنا خير الدنيا والآخرة، واصرف عنا شر الدنيا والآخرة، إلا أن يقصد به الخصوص.

ومنه ـ أيضاً ـ عدم ربط المسببات [بالأسباب ]، كطلب ولد من غير وطء؛ لما فيه من سوء الأدب.

ويُحكى أن إبليس ظهر لعيسى عليه السلام؛ فقال: ألست تقول: إنه ليس يصل إليك إلا ما كُتِبَ لك؟ قال: نعم، قال: فارم نفسك من ذروة هذا الجبل؛ فإنه إن يُقدَّرْ لك السلامةُ تَسْلَمْ، قال له: يا ملعون، إن الله تعالى أراد أن يختبر عباده وليس للعبيد أن يختبروه.

قلت: وفي هذا القسم والذي في عقبه نظر.

ثالثها: نَفي ما دَلَّ السمعُ على نفيه؛ لكونه تحصيل الحاصل، كقوله: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا} الآية، مع خبر: (رفع عن أُمَّتي الخطأ والنسيان)، فيكون الدعاء بذلك سوء أدب على الله؛ لما فيه من عدم الفائدة.

رابعها: طلب ما دلَّ السمع على ثبوته، لكونه تحصيل الحاصل، كقوله: اللهم أوجب عَلَيَّ الحج. قلت : وينبغي تقييده بالمستطيع.

خامسها: طلب نَفْي ما دل السمعُ الأحادي على ثبوته، كقوله: اللهم اغفر للمسلمين جميع ذنوبهم.

وقد دلت الأخبار الصحيحة على أنه لا بد من دخول طائفة من المسلمين النار وخروجهم منها بشفاعة أو غيرها، فلو غُفِرت ذنوبهم كلُّها لم يدخل أحد منهم النار.

فإن قلت: من الأدب أن تقول في قطيع من المسلمين ذلك، محمول على ما إذا بعضهم أو بعض الذنوب.

سادسها: طلب ما دل السمعُ الأحادي على نفيه، كقوله : اللهم اجعلني أول من تنشق عنه الأرضُ يوم القيامة لأستريح من غمها.

وقد صح أن هذا من الخصائص المحمدية.

سابعها: أن يعلقه بالمشيئة، كقوله: اللهم اغفر لي إن شئت؛ للنهي عنه كما مر.

ثامنها: أن يعلقه بشأن الله، كقوله: اللهم افعل بي الدنيا والآخرة ما أنت أهله في؛ لأنه تعالى كما هو أهل المغفرة الذنوب، هو أهل للمؤاخذة عليها، فالداعي بذلك طَلَبَ من الله أن يفعل به إما الخير وإما الشرّ، فَأَشْبَهَ التخيير في المسؤول.

ولأنه إنما يستقيم على قول المعتزلة بوجوب رعاية المصالح.

تاسعها: أن يعلقه برؤيته على استئناف المشيئة، كقوله: اللهم قدر لي الخير أو اقضه؛ لإيهامه حدوث القدر والقضاء، مع أن ذلك إنما يصح على مذهب الخوارج من أنهما حادثان.

وأما قوله في خبر الاستخارة: «واقدره لي حيث كان»، فالمراد منه التيسير مجاز، فإن أُريد ذلك هنا جاز.

عاشرها: أن يدعو بالألفاظ الأعجمية؛ لجواز اشتمالها على ما ينافي جلال الله.

حادي عَشَرَها: الدعاء على غير ظالم؛ لأنه سعي في إضرار الغير بغير حق، أما الدعاء على الظالم فجائز، لكن الأحسن الصبر والعفو؛ لقوله تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمور}، ولذلك شرطان :

أحدهما: أن لا يدعو عليه بملابسته معصية؛ لأن إرادة المعصية معصية، بل يدعو عليه بأنكاد الدنيا كقوله: اللهم عليك بفلان، وقوله: اللهم سلط عليه كلباً من كلابك، وقوله: اللهم خُذ حقي اللهم افعل به ما فعل.

الثاني: أن يدعو عليه بقضية مثل قضيته أو دونها؛ حتى لا يكون ظالماً بالزيادة، قال تعالى: {فَأَعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، فلو قال: اللهم ارزقه سوء [الخاتمة ]، وقَصَدَ الكفر كفَر، وإلا فلا.

ثاني عشرها: طلب وقوع المحرمات، كقوله: اللهم أمته كافراً، أو اسقه خمراً، أو أعنه على المسكر الفلاني أو وطء الأجنبية الفلانية، أو الدعاء ببقاء الفاسق.

والمكروه: [له] أسباب:-

أحدها: الأماكن، كالدعاء في الكنائس، والحمامات، ومواضع النجاسات والقاذورات واللعب والأسواق التي يغلب فيها وقوع العقود والأيمان الفاسدة.

ثانيها : الهيئات كالدعاء مع النعاس، وفَرْطِ الشَّبَع، ومدافعة الأخبثين.

ثالثها كونه سبباً لتوقع فساد القلوب بالكبرياء والخيلاء والعجب، کرفع صوته به بحضرة جمع، حيث تُوقِّعَ به ذلك. 

رابعها أن يكون متعلقاً [بـ] مكروه، كالدعاء بالإعانة على اكتساب الرزق بـالـحـجــامــة وغيرها من [الحِرف] الدَّنِيَّة مع القدرة على الاكتساب بغيرها.

خامسها: عدم تَعَيْنِهِ قُرْبَةً، بل يُطلَق على سبيل العادة والاستراحة في الكلام وتحسين اللفظ، كما يجري في المجالس من قولهم: فلان أبلاه الله بذيبة أو سبع ونحوه، ولا يريدون شيئاً من حقيقة التقرب.

وأما خبر: (تربت يمينك) فذاك لغلبة استعماله في غير الدعاء، فذاك حكم الدعاء منه.

سادسها الاعتداء في الدعاء، أي التعدي طوْرَه [كقوله]: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها.

سابعها: التحجر، ففي البخاري: أن أعرابياً قال وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فلما سلم النبي ﷺ قال للأعرابي: (لقد حجّرت واسعاً)، يريد رحمة الله تعالى. ويلتحق بذلك مخالفة الآداب.

 والجائز: ما عدا ما ذُكر، والله أعلم.

(فروع):

أحدها: يجوز الدعاء للكافر بالهداية، وقال بعض الحنفية: لا يجوز الدعاء له.

ثانيها: يجوز الدعاء على من ظلم المسلمين؛ لقوله يوم الأحزاب: (ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً ؛ شغلونا عن الصلاة الوسطى) وقوله: «اللهم اشدُدْ وطأتك على مضر».

ثالثها: قال الرُّوياني: لا يجوز أن يؤمن على دعاء الكافر؛ لأنه دعاء غير مقبول، قال تعالى: {وَمَادُعَاء الكَفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}.

وقال غيره: قد يستجاب دعاؤه كما استجيب لإبليس دعاؤه بالإنظار.

رابعها: اختلفوا في جواز سؤال العصمة:

فقيل: لا يجوز؛ لأنه يؤدي إلى تعطيل وصف محبة الله لعبده؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}، فالمحبة موقوفة على التوبة، ومع العصمة تنتفي التوبة التي هي سبب لمحبة الله لعبده، وإلى ذلك أشار خبر: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرونه فيغفر لهم).

وقيل: يجوز [و] به قال الشافعي ومالك، ويشهد له خبر النسائي: «إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي ﷺ، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، وإذا خرج فليسلم عليه وليقل : اللهم اعصمني من الشيطان» .

والحق: إن قصد بالعصمة التوقي من المعاصي والرذائل في جميع الحالات فهذا ممتنع؛ لأنه سؤال مقام النبوة، وإن قصد التحفظ من الشيطان والتحصن من أفعال الشر فلا بأس به.

خامسها: اختلفوا في أنه هل يجوز أن يقسم على الله بغيره، كحرمة بيته ونور عرشه وكتبه وملائكته؟

ومرجعه إلى ما فيه تعظيم؛ لأن القسم يستدعي تعظيم المقسم به، فما عَظَّمه الله تعالى عظمنا، وما لا فلا.

فقيل: يجوز ذلك؛ لخبر الترمذي وغيره: أن ضريراً أتى النبي ﷺ؛ فقال: ادع الله لي أن يعافيني، فقال: «إن شئت دعوتُ وإِن شئتَ صبرت وهو خير لك»، قال: فادْعُه، فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد: إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم شَفَعْهُ فِي.

ولخبر الـحـاكـم ــ وصححه: «لما اقترف آدم الخطيئة؛ قال: يا رب، أسألك بحق محمد إلا ما غفرت لي، فقال الله: يا آدم: وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تُضِف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إليّ، أما إذ سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما غفرت لك وما خلقتك».

وجعل ابن عبد السلام ذلك من خصائص النبي ﷺ؛ لأنه سيد ولد آدم. 

وقيل : لا يجوز ذلك مطلقاً؛ لأن الدعاء استغاثة، ولا يستغاث بغير الله.

والظاهر الجواز، ولا نسلم أنه لا يستغاث بغير الله، ومستنده قوله تعالى ـــ حكاية عن الإسرائيلي الذي استغاث بموسى: ﴿فَاسْتَغَتَهُ الَّذِي مِن شِيعَيْهِ، عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوّهِ﴾.

سادسها: يجوز أن يدعو الإنسانُ ويتوسل بصالح عمله إلى الله تعالى إذا وقع في شدة؛ لخبر الصحيحين في الثلاثة الذين انطبق [عليهم] الغار، فقالوا: إنه لا ينجينا إلا أن ندعو بصالح أعمالنا، فذكر كلُّ واحد منهم خصلة وقال: اللهم إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت في دعوة كل منهم في شيء منها، فانفرجت كلها عقب دعوة الثالث فخرجوا يمشون.

سابعها: يقع في دعاء بعضهم: واحفظ زللنا عن الكرام الكاتبين، وهذا من باب نَفْي ما علم وقوعه ؛ قال تعالى : ﴿يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾؛ فإن أراد قائله التوفيق للاستغفار عقب الزلة حتى لا يكتبها الملك كان جائزاً.

ومَنَعَ الإمام أحمد الدعاء بقولهم: جمعنا الله وإياك في مستقر رحمته، حكى بعضُهم كراهته، وقال : مستقر رحمته ذاته.

قال النووي وغيره: لا نعلم لذلك حجةٌ، والمراد بذلك ــ بمستقر الرحمة ــ: الجنة ، ومعناه: جمع الله بيننا في الجنة التي هي دار القرار.

ثامنها: منع بعضهم أن يقال : اللهم ارزقنا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال النووي: وهذا خطأ فاحش؛ لمخالفته الأحاديث الصحيحة الدالة على طلب ذلك، وليست الشفاعة مختصة بالمذنبين؛ إذ يُنتفع بها في دخول الجنة بغير حساب، وفي رفع الدرجات وزيادتها.

تاسعها: كره بعضهم أن يقال: اللهم أعتقني من النار.

قال: لأنه لا يَعْتِق إلا من يطلب الثواب وهو مردود بالخبر الصحيح: «من أعتق رقبةً، أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار».

***

ترجمة وافية لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري

رحمه الله تعالى

المسألة الأولى: العصر الذي عاش فيه شيخ الإسلام:

لا بد لكل دارس يريد أن يبحث في فقه إمام معين، أو يريد أن يبين منهجه، أو أثره في أي حقل من حقول العلم، لا بد له أولاً من التعرض للعصر الذي عاش فيه هذا العالم، والتعريف بالحقبة التي برز فيها، ذلك أن العالم مرآة لعصره، فمن الظلم بمكان بحث فقهه وعلمه ومنهجه وأثره دون التعرض لعصره المحيط به، فهو يتأثر ويؤثر به سلباً وإيجاباً؛ لذا فإني في هذا المطلب سأقوم بدراسة العصر الذي عاش فيه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري والتعريف به وبأهم مميزاته في شتى المجالات: السياسية والاجتماعية والعلمية بإيجاز.

أولاً: الحياة السياسية: 

عاش شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في الفترة الواقعة ما بين سنة (824- 926هـ/ 1421- 1520م)، أي في القرن التاسع الهجري وبداية القرن العاشر الهجري وهذا يعني أن شيخ الإسلام قد عاصر دولتين عظيمتين من دول الإسلام هما: 

دولة المماليك التي أدرك أواخرها، أي القسم الثاني منها المسمى بدولة المماليك الجراكسة أو البرجية، وقد عاش جل عمره في ظل هذه الدولة. 

والدولة الثانية التي أدركها في سنوات عمره الأخيرة الدولة العثمانية، فقد أدرك بدايتها حين دخل العسكر العثماني الديار المصرية، وسأوجز الكلام فيما يأتي على هاتين الدولتين بما يتناسب مع المقام، وبما يخدم هدف البحث.

أ) دولة المماليك (648-923هـ/ 1250-1517م):

يقسم الباحثون دولة المماليك إلى دولتين:

الدولة الأولى: دولة المماليك البحرية (648-784هـ/ 1250-1382م).

الدولة الثانية: دولة المماليك البرجية أو الجركسية (784-923هـ/ 1382-1517م).

دولة المماليك الثانية: فهي دولة المماليك الجراكسة (الشركسية) أو البرجية (784- 923/ 1517-1382م): 

وقد عاش شيخ الإسلام زكريا الأنصاري غالب عمره في ظل حكم الجراكسة، وعاصر من سلاطينهم عدداً كبيراً، وتعود بداية دولتهم إلى عهد السلطان المنصور قلاوون الذي أراد أن ينشأ فرقة جديدة يعتمد عليها في مواجهة منافسيه الأمراء؛ فاختار جنساً جديداً غير الأجناس التي كانت موجودة في ذلك العصر، فاختار الجراكسة.

وقد حكم الجراكسة مصر والشام مدة تزيد على إحدى وثلاثين ومائة سنة، تعاقب على الحكم في هذه الفترة عدد كبير جداً ما يقرب من سبعة وعشرين سلطاناً.

ومن هؤلاء السلاطين تسعة حكموا مائة وثلاث سنوات، في حين حكم الاثنا عشر الباقون تسع سنوات فقط؛ وهذا يعود للنزاع الدامي والمستمر بين الأمراء. 

وانتهت دولة المماليك بعد معركة الريدانية (عام 923هـ) مع العثمانيين، والتي انتهت بهزيمة المماليك، ودخول العسكر العثماني الديار المصرية.

وبعد اطلاعي على الأوضاع التي كانت تسود دولة المماليك، يمكنني إيجاز ملامح الحياة السياسية في هذا العصر في عدة نقاط، وهي كالآتي:

أولاً: وجود النزاعات والمؤامرات بين أمراء المماليك للفوز بالحكم.

ثانياً: يلاحظ على دولة المماليك الجراكسة أنهم حرصوا على إبقاء منازعاتهم في دائـرة داخلية بحتة، بمعنى أنهم لم يسمحوا لأي تدخل خارجي في شؤونهم الداخلية.

ثالثاً: ينبغي الإشارة إلى أن جميع سلاطين المماليك هم من الجراكسة (الشراكسة) باستثناء اثنين كانا من أصل يوناني هما خشقدم وتمريغا، بمعنى أن العصبية للعنصر الجركسي كانت سلاحاً فعالاً يستخدمه الأمراء في سياستهم ومعاملتهم.

رابعاً: اهتمام معظم سلاطين المماليك بمجالس العلم والعلماء، وكان للقضاة وعلماء الدين منزلة رفيعة، وانتشار المدارس والمساجد والمستشفيات والعمارات الوقفية بكثرة.

خامساً: إن المماليك وقفوا حصناً ودرعاً متيناً في وجه الغزاة، فقد دحروا المغول والصليبيين والبرتغاليين، الذي تهاوت فيه دول عظيمة في وجه هذه المخاطر خاصة في وجه الغزو المغولي الهمجي.

سادساً: حظيت مصر بالاستقرار فترات عدة في عهد ملوك عظام من المماليك حكموا بشرع الله، وسيروا الحملات لفتح البلدان، وعمروا البلاد، واهتموا بالعلم والعلماء، وأعطوا كل ذي حق حقه، فمجموع السنين التي عمتها الفوضى قليل مقارنة مع مجموع السنين التي حكم فيها ملوك عظام، ومن هؤلاء: الأمير شيخ المحمودي ، والأشرف برسباي، والأشرف ينال، والأشرف قايتباي وغيرهم.

سابعاً: يعود سقوط دولة المماليك لعدة أسباب منها: أولها التدهور الملحوظ في آخر عهد الدولة المملوكية على جميع الأصعدة، وترف السلاطين وانعزالهم عـن العامة، وأيضـاً وجـود قوة جديدة على الساحة الدولية هم العثمانيون.

ب) الدولة العثمانية في مصر: (923هـ/ 1517م):

بعد أن انتصر العثمانيون على دولة المماليك بدأ عهد جديد يسمى بمصر العثمانية، أو تاريخ مصر في العصر العثماني، ودخل العسكر العثماني مصر وعلى رأسهم السلطان سليم الأول، وهكذا استتب الحكـم للعثمانيين في مصر، وكان الحكم العثماني في فترته الأولى قوياً والأمن مستنباً.

وهكذا خضعت مصر للعثمانيين، وانتقلت السيادة مـن القاهرة إلى القسطنطينية، وعين السلطان سليم الأول خاير بك والياً على مصر، وقد كانت الدولة العثمانية منقادة للشرع، متبعة للسنة المطهرة في فتراتها الأولى، وكان العلماء يرحبون بالدولة العثمانية في فترتها الأولى؛ لأنها تعد الأصلح بين الدول الإسلامية بعد الصحابة والتابعين.

* موقف شيخ الإسلام من الوضع السياسي في عصره:

لم يكن لشيخ الإسلام في بداية حياته أي علاقة بالسلاطين في تلك الفترة من حياته؛ لأنه كان منكباً على طلب العلم وحضور الدروس وملازمة العلماء. ولكن ما لبث شيخ الإسلام أن كبر وذاع صيته، وصار من العلماء المرموقين، وأصبح ذا منزلة رفيعة ومكانة عالية لم يبلغها غيره في أواخر عصره.

وبدأ أثر شيخ الإسلام يظهر جلياً على سياسة المماليك، حين بدأ بتولي المناصب التدريسية، والإدارية في عهد الظاهر خشقدم، ثم في عهد الأشرف قايتباي. وكان لشيخ الإسلام الأثر الواضح من خلال هذه المناصب، سواء التدريسية منها، أو الإدارية: بالتعليم، وتوعية الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وزجر الأمراء عن الظلم، وعن مخالفة أوامر الشرع، وكان ينتقد الأمراء، ويعرب عن ذلك تعريضاً وتصريحاً، على الرغم من أن أوضاع الدولة الجركسية في أواخرها لم تكن مستقرة، وكانت في حالة فوضى واضطراب ومؤامرات وحروب.

وقد اشتهر شيخ الإسلام بأنه كان يصب جام غضبه على الأمراء، ولا يخشى في الله لومة لائم، ولكن مع كل هذا ظل دور شيخ الإسلام السياسي دون المستوى المطلوب، إلى أن تولى منصب قاضي القضاة في عهد الأشرف قايتباي، بعد إلحاح وإصرار منه، ومن أكابر الدولة وأمرائها، حتى أن الأشرف قايتباي قال له: إن أردت نزلت ماشياً بين يديك إلى أن أوصلك بيتك، فوافق واشترط أموراً لذلك وافق على بعضها الأشرف قايتباي. 

ففي عهده بلغ منزلة عالية فكثر توسل العامة بشيخ الإسلام زكريا إلى الأشرف، وإلى غيره من أمرائه في كثير من المآرب والحاجات. وكذلك كان مقرباً من الظاهر خشقدم، وقد حاول الظاهر خشقدم مراراً وتكراراً أن يوليه القضاء لكنه رفض ذلك قطعياً.

وكان -رحمه الله- يثقل في النصيحة ويغلظ القول على الأشرف قايتباي، هكذا كان لشيخ الإسلام الأثر البالغ في سيرة الأشرف قايتباي؛ فكان ينصحه، ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، ولا يخشى غضبه، واستمر في القضاء طوال مدة ولاية الأشرف، أي ما يزيد على مدة عشرين عاماً. 

كما كان له تأثيره أيضا على الظاهر خشقدم من قبل، وإن كان بصورة أقل من تأثيره في الأشرف قايتباي، وأيضاً كان لشيخ الإسلام أثره على الأشرف قانصوه الغوري، فكان يثقل عليه القول لظلمه، ويزجره تصريحاً وتعريضاً. حتى إنه في أحد الأيام، دخل على الغوري في حادثة تعصب فيها الغوري، فاستجاب له الغوري لما حضر عنده ، شيخ الإسلام. فعزله الغوري بعد فترة وولى غيره، ثم ما لبث أن وسط الوسائط لدى شيخ الإسلام كي يرجع للقضاء، فرجع شيخ الإسلام للقضاء ولبث فيه يسيرا، ثم عزل نفسه؛ لضعف بصره وكبر سنه؛ حتى لا يقصر في تحمل أعباء هذه المسؤولية العظيمة.

وكان شيخ الإسلام محل إجلال وتقدير من سلاطين عصره قاطبة، فيذكر ابن إياس صاحب کتاب بدائع الزهور أن شيخ الإسلام قد حضر مبايعة خمسة السلاطين، هم: الناصر محمد بن قايتباي، وخاله الظاهر قانصوه، والأشرف جان بلاط، والعادل طومان باي، والأشرف قانصوه الغوري.

وحتى في عهد العثمانيين، ظل موضع احترام وتقدير وهيبة، فعند وفاته أمر الوالي خاير بيك أن يدفن بالقرب من الإمام الشافعي رضي رضي الله عنه، وشيعه عنه، وشيعه مع الأمراء والقضاة والعلماء، وحمل جنازته بيديه. 

وقد أدرك شيخ الإسلام حكم العثمانيين في أواخر أيامه، ولهذا لم يكن له أي أثر في الحكم العثماني

ثانيا: الحياة الاجتماعية:

يمكنني القول بأن المجتمع المصري كان مجتمعاً طبقيا، فقد كان يتكون من عدة طبقات تتميز كل طبقة عن الأخرى بخصائصها وواجباتها. وتفصيل هذه الطبقات كالآتي:

الطبقة الأولى: طبقة المماليك: وهم حكام البلاد، وتميز المماليك بأنهم طبقة منعمة، وكانوا يتمتعون بالجزء الأكبر من موارد البلاد.

الطبقة الثانية: طبقة المعممين أو أهل العمامة: وتشمل هذه الطبقة أرباب الوظائف الديوانية والفقهاء والعلماء والأدباء والكتاب، وقد حظيت هذه الطبقة طوال العصر المملوكي بالاحترام والتقدير.

الطبقة الثالثة: التجار وأرباب الأموال: وقد كانوا مقربين من السلاطين، لأنهم المصدر الأساسي في تمويلهم بالمال.

الطبقة الرابعة: العوام: وتتكون هذه الطبقة من العمال والصناع والباعة والسائقين والمكارين والمعدمين وأشباه المعدمين، وقد عاشوا في ضيق مقارنة مع غيرهم.

الطبقة الخامسة: الفلاحون: وهم السواد الأعظم من السكان، وهم من يشتغلون بالزراعة ويسكنون الأرياف والقرى، وقد كانوا مهملين محتقرين من الطبقات الأخرى.

الطبقة السادسة: العربان: وقد كان يسكنون أطراف الدولة المملوكية وبخاصة مناطق بلاد الشام القريبة من مصر، وهؤلاء غالبا ما كانوا يخرجون على السلطان ويتمردون عليه.

هذا هو المجتمع المصري في عهد الدولة المملوكية فقد تميز بالطبقية الظاهرة، ورغم ذلك فقد كان المجتمع المصري في ذلك الحين دائب الحركة مليئا بالحياة، وكان ينعم في كثير من الأوقات بالاستقرار. 

وقد ظهر بشكل واضح في هذا العصر اهتمام السلاطين بتعمير البلاد وإقامة المنشآت المختلفة، فأقاموا المساجد والمستشفيات والحمامات والسبل وغيرها من المنشآت.

ثالثا: الحياة العلمية:

ازدهرت الحياة العلمية في عهد المماليك ازدهاراً ملحوظاً وتطورت تطوراً كبيراً، وقد تطورت كافة العلوم بشكل ظاهر في عصر المماليك، وغدت مصر منارة العالم الإسلامي في ذلك الوقت، ويعود ذلك لعدة عوامل وهي:

أولاً: زادت أهمية مصر في العالم الإسلامي باعتبارها قلعة الإسلام والعروبة بعد سقوط الخلافة العباسية على يد المغول، فأصبحت مصر وريثة العراق في الزعامة الدينية.

ثانياً: بعد الزحف المغولي والخراب الذي حل بالعالم الإسلامي، فرت جموع العلماء إلى مصر تحمل علمها وكتبها؛ لكي تحافظ عليها من يد المغول الغازين، وينطبق هذا الكلام على العلماء الذين فروا من الأندلس بعد الغزو الصليبي لها، وعلماء الشام الذين احتلت الجيوش الصليبية، وعلماء المغرب العربي الذيـن رحلـوا للاستقرار بمصر.

ثالثاً: تشجيع المماليك للعلم ورعايتهم العلماء، والتسابق في تشييد المدارس والمكاتب ورعايتها والإنفاق عليها.

رابعاً: ظهور الكثير من النوابغ من العلماء الذين شعروا بواجباتهم تجاه الأمة، وامتلأت الدنيا بعلمهم، ولونوا الحياة بلونهم، وأيقظوا الناس بسيرهم الحية الماثلة للعيان، وعلى رأسهم السراج البلقيني (ت 805 هـ)، والزين العراقي (ت 806 هـ)، وابن الملقن (ت 804 هـ)، والسخاوي (ت 902 هـ)، والسيوطي (ت 911 هـ).

المسألة الثانية: اسمه، ونسبه، ومولده، وأسرته:

أولاً: اسمه ونسبه:

هو الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام قاضي القضاة زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري الخزرجي أصلاً، السنيكي مولداً، القاهري إقامة، الأزهري علماً، الشافعي مذهباً.

الأنصاري الخزرجي: نسبة إلى قبيلة الخزرج من الأنصار وهم جماعة من أهل المدينة المنورة من الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-؛ وسماهم الله -تبارك وتعالى- الأنصار لنصرتهم رسول الله ﷺ، قال -تعالى-: {والذين آووا ونصروا}. وقال -تعالى-: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة}، وقال -تعالى-: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار}، وهو من ذرية خباب بن المنذر بن الجموح الخزرجي. 

أما السنيكي: نسبة إلى سنيكة بضم السين المهملة وفتح النون وإسكان الياء المثناة تحت، وهي قرية من إقليم الشرقية بمصر ، تقع بين مدينتي بلبيس والعباسة.

ثانيا: مولده:

اختلف المترجمون لشيخ الإسلام في تعيين سنة ولادة شيخ الإسلام، والراجح أنه ولد -رحمه الله- في (سنة 824هـ) وذلك لثلاثة أمور:

الأول: لأن المؤرخ ابن إياس الحنفي صاحب كتاب «بدائع الزهور» قد ذكر أن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري قد ولد سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وابن إياس معاصر لشيخ الإسلام، وكان قريباً منه في حياته وحضر وفاته، وتوفي بعده بأربع سنوات أي في (عام 930هـ)، وقد كان مختصاً بتسجيل أحداث المشاهير في ذلك العصر.

الثاني: أن ابن إياس وغيره من المؤرخين ذكروا أن شيخ الإسلام مات وله من العمر مائة سنة وسنتان، فعليه يكون مولده سنة أربع وعشرين وثمانمائة لكي يستقيم هذا الكلام لأنه توفي في (سنة 826 هـ).

الثالث: وهو الأمر الأهم أن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري توفي والده في (عام 841هـ)، وكان حينها يبلغ السابعة عشرة من عمره، فلا بد أن يكون ولد في سنة أربع وعشرين وثمانمائة للهجرة حتى يصح هذا الكلام.

ثالثاً: أسرته:

أولاً والداه:

ولد شيخ الإسلام من أبوين فقيرين، فقد كانت أسرته كادحة، وكان زكريا وحيد أبويه، وقد توفي والده وهو يبلغ السابعة عشرة من عمره وذلك في (عام 841 هـ).

ثانيا: أولاده:

رزق شيخ الإسلام ثلاثة أولاد، وهم: محيي الدين أبو السعود يحيى (ت 897هـ)، ومحب الدين أبو الفتوح محمد، وجمال الدين يوسف (ت 987 هـ). 

وقد أعقب ولده جمال ذرية كثيرة داومت على طلب العلم وكانت من أعيان عصرها.

المطلب الثاني: تعلمه وتعليمه

المسألة الأولى: نشأته وطلبه للعلم ومقروآته:

أولاً: نشأته:

يمكن تقسيم حياة شيخ الإسلام إلى أربع فترات:

الفترة الأولى: كانت في قريته سنيكة حيث نشأ شيخ الإسلام زكريا فيها في ظل أسرة فقيرة، ولكن مع ذلك جد واجتهد في طلب العلم.

الفترة الثانية: كانت في الأزهر حيث تحول شيخ الإسلام إلى القاهرة سنة (841 هـ)، فانقطع في الأزهر لطلب العلم، وقد كان فقيرا معدماً، لا يوجد من يعيله بعد وفاة والده.

الفترة الثالثة: عاد شيخ الإسلام إلى بلده سنيكة بعد أن أقام في القاهرة، واشتغل في الفلاحة هنالك قليلاً، ولكنه لم ينس طلب العلم.

الفترة الرابعة: وهي الأخيرة في حياة شيخ الإسلام حيث رجع إلى القاهرة، وانقطع لطلب العلم وتحصيل المعارف في شتى الفنون، وملازمة الشيوخ وحضور الدروس، وتصنيف الكتب والمؤلفات الكثيرة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى أن توفاه الله -عز وجل.

ثانياً: طلبه للعلم ومقروآته:

وهب شيخ الإسلام حياته للعلم، فقد قرأ في جميع الفنون الموجودة في عصره، وجد واجتهد في تحصيل المعارف المختلفة؛ حتى برع في سائر علوم الشريعة وآلاتها: تفسيراً وحديثاً وفقهاً وأصولاً ولغة ومعانياً وبياناً وبديعاً ومنطقاً وقراءات وهندسة وهيئة وحكمة وطباً وميقاتاً وفرائضاً وحساباً وجبراً ومقابلة وعروضاً وصرفاً وتصوفاً وغيرها، وأخذ عن فرسان كل علم من العلوم، حتى أذن له غير واحد من شيوخه بالإقراء والإفتاء، وقد بلغ عدد شيوخه عدداً كبيراً يزيد على مائة وخمسين شيخاً ذكرهم في ثبته، وتصدى للتدريس في حياة بعض شيوخه، وقصد بالفتاوى وزاحم كثيراً من شيوخه فيها، وقد انتفع به خلق كثيرون. 

وممن كتب له إجازة شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني، ونص كتابته: «وأذنت له أن يقرئ القرآن على الوجه الذي تلقاه، ويقرر الفقه على النمط الذي نص عليه الإمام وارتضاه، والله المسؤول أن يجعلني وإياه ممن يرجوه ويخشاه إلى أن نلقاه».

وبقي شيخ الإسلام على حاله هذه في طلب العلم والعبادة والنصح لدين الله إلى أن لقي الله -عز وجل-، وفيما يلي ذكر لبعض مقروآته والمعارف التي تلقاها في كل الفنون على مشايخه، دون ذكر أسماء شيوخه فقد أفردت لهم مبحثا مستقلا بعد هذا المبحث:

أولاً: في علوم القرآن الكريم والتفسير: بداية حفظ شيخ الإسلام القرآن الكريم، ثم قراء القراءات العشر على عدد من الشيوخ، وقرأ العديد من المصنفات في هذا العلم منها على سبيل المثال: «النشر»، و«التقريب»، و«التيسير للداني»، و«التبيان في آداب حملة القرآن».

ثانياً: في علوم الحديث: يعد شيخ الإسلام من المتبحرين في علم الحديث، بل كان يعد مرجعاً في عصره، كيف لا وقد أخذ عن جهابذة ذلك العصر كشيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني وغيره. قرأ شيخ الإسلام كتباً كثيرة جداً في الحديث على عدد كبير من الشيوخ، وكان يأخذ الكتاب الواحد عن عدد كبير من الشيوخ قراءة وسماعاً، ومنها على سبيل المثال «صحيح البخاري»، و«صحيح مسلم»، وجميع كتب السنن، و«موطأ الإمام مالك»، و«مسند الإمام الشافعي»، و«مسند الإمام أبي حنيفة»، و«مسند الإمام أحمد».

ثالثاً: في الفقه: أما في الفقه فقد غاص شيخ الإسلام في أعماق هذا الفن خاصة في الفقه الشافعي، حتى صار مرجعاً فيه، وانتهت إليه رئاسة المذهب، ومن الكتب الفقهية التي قرأها المنهاج الفرعي، و«التنبيه»، و«شرح البهجة» للعراقي ، و«مختصر الروضة»، و«مختصر القاضي أبي شجاع».

رابعاً: في علم أصول الفقه: قرأ شيخ الإسلام على جماعة كبيرة من فرسان هذا الفن، وقرأ كتباً كثيرة في أصول الفقه منها: «المنهاج الأصلي» في بداية رحلته العلمية، و«مختصر ابن الحاجب»، و«الورقات» للجويني، و«جمع الجوامع» للتاج السبكي، وقرأ «العضد» وغيرها.

خامساً: في علوم اللغة: أخذ شيخ الإسلام علوم اللغة عن عدد من الأعلام، وقرأ فيها المصنفات الكثيرة، ومنها «الألفية» في النحو، و«التسهيل» لابن مالك، وقرأ كتب ابن هشام كـ«شذور الذهب»، ومصنفات الزمخشري وقرأ «الآجرومية» وغير ذلك.

سادساً: في علم العقائد والكلام والمنطق والجدل: تبحر شيخ الإسلام في علم أصول الدين والعقائد والمنطق، وقرأ في هذا المجال مصنفات كثيرة، منها: «شرح العقائد» بكامله ما بين سماع وقراءة، وقرأ «شرح المواقف»، وقرأ «شرح الطوالع» للبيضاوي، وغير ذلك الكثير.

سابعاً: في علم التصوف: كان شيخ الإسلام يحب التصوف منذ صغره، فلازم المشايخ، وقرأ الكثير من الكتب في هذا المجال، وأخذ التصوف وعلوم الطريق عن جماعة كثيرة، وقرأ کتاب «قواعد الصوفية» كاملا وغيره من الكتب، وأخذ المشيخة عن عدد من مشايخ الطريقة الصوفية، وتلقن الذكر -أيضاً- عن عدد من المشايخ.

ثامناً: في علوم الهندسة والطب والحساب وغيرها: لم يكتف شيخ الإسلام بالعلوم الشرعية، بل شرع يستزيد من المعارف المختلفة كعلم الهيئة والهندسة والطب والميقات والحساب والجبر والمقابلة وغيرها الكثير، وقرأ التصانيف الكثيرة في هذه الفنون.

المسألة الثانية: ذكر شيوخ وتلاميذ شيخ الإسلام:

أولاً : شيوخه:

أخذ شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عن علماء كثيرين من مختلف الجهات، فقد كان غزير المعرفة، متنوع الثقافة، وهم أكثر من مائة وخمسين كما ذكر شيخ الإسلام في كتابه «ثبت زكريا الأنصاري». والإحاطة بجميع شيوخه في هذا المقام عسير جداً، ويخرج الدراسة عن هدفها وهو بيان أثره في الفقه الشافعي؛ لذا سأعرض فيما يلي لأهم الشيوخ الأجلاء الذين أخذ عنهم، مع التعريف بهم:

1- الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ): هو شيخ الإسلام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المصري الأصل. يعد حافظ عصره على الإطلاق، وكان شيخ الإسلام من تلاميذه المقربين قرأ عليه الكثير من الكتب، وأذن له بالإقراء والإفتاء في حياته. صنف المصنفات أشهرها: «لسان الميزان»، و«فتح الباري» وغيرها من التآليف العظيمة، وهي كثير تزيد على المائة.

2- العلم البلقيني (ت 848 هـ): هو صالح بن عمر الكناني العسقلاني البلقيني القاهري. كان ذكيا جداً سريع الحفظ حسن التعامل، برع في الفقه والحديث، انتفع به خلائق لا يحصون منهم شيخ الإسلام وأخذ عنه الفقه والأصول، له تصانيف كثيرة منها: «تفسير القرآن»، و«شرح للبخاري»، و«تعليق على الروضة» وغيرها.

3- الكمال ابن الهمام (ت 861هـ): هو محمد بن عبد الواحد الكمال ابن الهمام السيواسي الأصل ثم القاهري الحنفي، اشتهر بعلوم كثيرة منها الأصول والتفسير والفقه والفرائض والحساب والتصوف وعلوم اللغة كلها، أخذ عنه شيخ الإسلام الأصول والمعقولات وغيرها من العلوم، وصنف مصنفات عديدة من أهمها: «شرح الهداية»، و«التحرير».

4- جلال الدين المحلي (ت 864 هـ): هو جلال الدين محمد بن أحمد المحلي الشافعي، تفتازاني العرب. برع في الفقه وعلم الكلام والأصول، والمنطق واللغة، قرأ عليه شيخ الإسلام زكريا علوم الأصول والمعقول والفقه وغيرها، ألف كتبا عظيمة من أجلها: «شرح جمع الجوامع» في الأصول، و«شرح المنهاج» في الفقه.

5- ابن المجدي (ت 850 هـ): هو شهاب الدين أحمد بن رجب الشهير بابن المجدي الشافعي الفرضي العلامة. برع في الفقه والفرائض والحساب والعربية، وأخذ مختلف المعارف التي كانت تدرس في عصره، أخذ عنه شيخ الإسلام علم الهيئة والهندسة والميقات والفرائض  التي كانت تدرس في عسره، أخذ عنه والحساب والجبر والمقابلة وغيرها. صنف تصانيف كثيرة مشهورة منها: «شرح الجعبرية». و«المنهل العذب الزلال»، و«استخراج التواريخ»، و«الربع الميسر»، وغيرها الكثير.  

6- الزين رضوان (ت 852هـ): هو الإمام زين الدين أبو النعيم رضوان بن محمد بن يوسف بن سلامة بن البهاء بن سعيد الصغير الشافعي المستملي الحافظ المسري. محدث فقيه ونحويٌّ مقرئ، وقد صحبه شيخ الإسلام مدة طويلة. وأخذ عنه كماً هائلاً من المعارف.

7-المناوي (ت 871 هـ): هو شرف الدين يحيى بن محمد المناوي المصري الشافعي. أخذ العلم عن أعلام العصر  كالكمال بن الهمام وغيره، وبرع في الفقه خاصة واشتهر به وأفتى، ودرس وولي القضاء، واشتهر ذكره،  وكانت دروسه مشهورةً جداً، وكان شيخ الإسلام يحضره دروسه  في الفقه وغيره، له مصنفات كثيرة منها: «مختصر ما رواه الواعون في أخبار الطاعون».  

وأكتفي بهذا القدر من مشايخه، حيث اتضحت الغاية، فالإحاطة بهم صعبة في هذا المقام؛ فقد بلغوا أكثر من مائة وخمسين، منهم نحو عشرين امرأة.

ثانيا: تلاميذه.  

كان شيخ الإسلام في عصره منارة يقتدى بها، وكان نبعاً يرتوى منه، فلقد كان ذا شهرة واسعة، وبلغت شهرته جميع نواحي أمصار الإسلام، فجاءه طلبة العلم من كل حدب وصوب، يتتلمذون عليه، وينتفعون بعلومه الغزيرة المختلفة، ووصل في عصره إلى مرحلة أن انفرد بعلو الإسناد فما من أحد في ذلك الوقت إلا وأخذ عنه مشافهة أو بواسطة، وقد انتفع به خلق كثيرون سأذكر أشهرهم لعسر الإحاطة بهم في هذا المقام: 

1- الشهاب الرملي (ت 957 هـ): هو شهاب الدين أحمد الرملي المنوفي المصري الأنصاري الشافعي الإمام العلامة شيخ الإسلام. لازم شيخ الإسلام وانتفع به، وكان شيخ الإسلام يجله وأذن له بالإفتاء والتدريس، وأن يصلح في كتبه في حياته وبعد مماته ولم يأذن لأحد سواه في ذلك، ومن مصنفاته العظيمة: «شرح الزبد»، و«فتاويه»، وانتهت إليه الرياسة في العلوم الشرعية بمصر حتى صارت علماء الشافعية كلهم تلامذته.

 2- ابن حجر (ت 974 هـ): هو الإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، برع في علوم الشرع وآلاته، وقرأ الكثير من الكتب وحفظها، ومن ذلك منهاج النووي، وكرس عمره للتدريس والتصنيف والإفتاء، وبلغت مصنفاته عددا كبيراً جداً، من أهمها: «تحفة المحتاج». أخذ عن شيخ الإسلام وكان كلما يلتقي به يدعو له أن يفقهه الله في الدين، اشتهر وذاع صيته حتى أصبح إمام الحرمين، ومفتي الحجاز.

3- الخطيب الشربيني (ت 977 هـ): هو شمس الدين محمد الشربيني القاهري الشافعي الخطيب الإمام العلامة. أخذ عن شيخ الإسلام زكريا، والشهاب الرملي وغيرهما، وأجازوه بالإفتاء والتدريس فدرس وأفتى في حياة شيوخه، وانتفع به خلائق لا يحصون، ويعد من أئمة الشافعية المتأخرين الذين يعول عليهم في تحقيق المذهب وتحرير مسائله، وصنف المصنفات التي انتفع بها الطلبة إلى يومنا هذا، ومن أهمها: «شرح كتاب المنهاج» و«التنبيه». 

4- الشمس الرملي (ت 1004 هـ): هو شمس الدين محمد الرملي بن شيخ الإسلام شهاب الدين الرملي الشافعي، الملقب بالشافعي الصغير. أخذ عن شيخ الإسلام، علا شأنه حتى غدا رافع لواء المذهب الشافعي في مصر، وأصبح من أئمة الشافعية، له مصنفات جليلة، منها: «شرح المنهاج»، و«شرح الزبد»، و«حاشية على التحرير» لشيخ الإسلام.

5- الطبلاوي (ت 966 هـ): هو ناصر الدين محمد بن سالم الطبلاوي الشافعي الإمام العلامة المتبحر. أخذ عن شيخ الإسلام، انتهت إليه الرياسة في سائر العلوم بعد موت أقرانه، وكان يلقي الدروس حفظاً، من مصنفاته: شرحان على «البهجة».

6- الشماع (ت 936 هــ): هو زين الدين أبي حفص عمر بن أحمد الشماع الحلبي الشافعي الإمام العلامة المسند المحدث. أخذ عن شيخ الإسلام زكريا، له مؤلفات كثيرة منها: «موارد الظمآن في شعب الإيمان»، و«مغني الراغب في روض الطالب».

 7- البرلسي (ت 957 هـ): هو شهاب الدين أحمد الملقب عميرة الإمام العلامة المحقق المصري الشافعي، انتهت إليه الرياسة في تحقيق المذهب، وأخذ العلم عن أعلام عصره، وعلى رأسهم شيخ الإسلام، من أهم مصنفاته «حاشيته على شرح المنهاج للمحلي» المعروفة، و«حاشية عميرة»، و«حاشيته على جمع الجوامع» وغيرها، وفي هذا القدر كفاية فقد بلغ عدد تلاميذه الذين أخذوا عددا كبيرا حيث أنه وصل مرحلة تفرد فيها بعلو الإسناد كما بينته.

شخصية شيخ الإسلام  

المسألة الأولى: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه والمناصب التي تولاها  

أولا: مكانته العلمية:  

يعد شيخ الإسلام زكريا الأنصاري من المجددين على رأس القرن التاسع؛ وذلك أن من رحمة الله تبارك وتعالى -على أمته أن يبعث لها علماء صالحين، يأخذون بأيدي الأمة، ويعيدون لها العز والتمكين بهذا الدين، وهذا مصداق لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. حيث قال: (إن الله يبعث لهذه الأمة على كل رأس سنة من يجدد لها دينها).

. وقد اختلف العلماء في المجدد على رأس المائة التاسعة الهجرية؛ فبعضهم قال: هو السيوطي، لكثرة مؤلفاته، وقال بعضهم إنه أحمد بن محمد  المعروف بابن برهان، وغيرهم.  والراجح عندي أن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري يعد المجدد  للفقه الشافعي هذا لهذا القرن على القول القائل بتعدد المجددين في القرن الواحد، وقد ذكر ذلك غير واحد من علماء الأمة، وممن صرح مفتي الحجاز خاتمة المحققين ابن حجر الهيثمي، في «شرح المشكاة»، حيث عدَّه من المجددين على رأس القرن التاسع، وكذا العلامة بامخرمة. وصاحب «النور السافر»، والصعيدي في كتابه« المجددون في الإسلام» على أنه من المجددين على رأس القرن التاسع  

وما يزيد الأمر وضوحاً وتأكيداً على أنه من المجددين على رأس القرن التاسع الهجري أثر شيخ الإسلام في عسره والثروة العلمية الضخمة التي تركها على جميع الأصعدة والمستويات، وهذا الكلام هو ما سيكون مدار بحثي في الفصلين القادمين وسأبرهن عليه بالتفصيل.  

ثانيا: ثناء العلماء عليه:  

كان شيخ الإسلام ذا مكانة رفيعة، ومنزلة عالية بين علماء عصره، فقد مدحه وأثنى  عليه كل من عرفه، ومن هؤلاء:  

1- قال معاصره السخاوي فيه: "لم ينفك عن الاشتغال على طريقة جميلة من التواضع، وشرف النفس، ومزيد  وحسن العشرة، والأدب والعفة، والانجماع عن بني الدنيا، مع التقلل وشرف النفس، ومزيد العقل، وسعة الباطن، والاحتمال والمداراة إلى أن أذن له غير واحدٍ من شيوخه في الإفتاء والإقراء".

2- وقال فيه تلميذه مفتي الحجاز الإمام ابن حجر الهيتمي : «وقدمت شيخنا زكريا؛ لأنه أجل من وقع عليه بصري من العلماء العاملين والأئمة الوارثين، وأعلى من عنه رويت ودريت من الفقهاء الحكماء المهندسين، فهو عمدة العلماء الأعلام وحجة الله على الأنام، حامل لواء المذهب الشافعي على كاهله، ومحرر مشكلاته، وكاشف عويصاته، في بكره وأصائله، ملحق الأحفاد بالأجداد، المتفرد بعلو الإسناد، كيف ولم يوجد في عصره إلا من أخذ بل وقع لبعضهم أنه أخذ عنه مشافهة تارة، أو بواسطة أو وسائط متعددة، وعن غيره ممن بينه وبينه نحو سبع وسائط تارة أخرى، وهذا لا نظير له في أحد من أهل عصره، فنعم هذا التمييز الذي هو عند الأئمة أولى به وأحرى؛ لأنه حاز به سعة التلامذة والأتباع، وكثرة الآخذين عنه، ودوام الانتفاع به»

3- وقال عنه الجلال السيوطي: "زكريا شيخ الإسلام، برع وتفنن، وسلك طريق التصوف، ولزم الجد والاجتهاد مع القلم والعلم والعمل، وأقبل على نفع الناس إقراء، وإفتاء، وتصنيفا مع الدين المتين، وترك ما لا يعنيه، وشدة تواضع، ولين جانب، وضبط اللسان والسكوت".  

4- وقال عنه تلميذه الشماع: "هذا الشيخ الإمام هو من مشايخي الأعلام، بل هو علم الأعلام، وشيخ مشايخ الإسلام، وهو ممن أروي عنهم بغير واسطة، أعاد الله علي من بركته،  وجمعني به في الدار الآخرة،  وقد أثنى عليه غير واحد من الأعيان، منهم: شيخي الحافظ عز الدين، ومحدث البلد الأمين عبد العزيز بن فهد، عين المحدثين بمكة المشرفة بل طرازهم المعلم، وذكره في معجمه وأثنى عليه، والحافظ العلامة جلال الدين السيوطي صاحب التصانيف التي سارت بها الركبان"  

5- قال الغزي فيه: "كان مهما كان عليه من الاجتهاد في العلم اشتغالاً، وإفتاء، وتصنيفا، ومهما كان عليه من مباشرة القضاء، ومهمات الأمور، وكثرة إقبال الدنيا لا يكاد يفتر عن الطاعة  ليلاً ونهارا، ولا يشتغل بما لا يعنيه، وقوراً  ، مؤانسا، ملاطفاً".

6- وقال العيدروس عنه: "لم يزل رحمه الله- ملازم التدريس والإفتاء والتصنيف، وانتفع به خلائق، ودرس تلامذته في حياته، وأفتوا وتولوا المناصب الرفيعة ببركته، وبركة الانتساب إليه، ولم يزل كذلك في نشر العلم، وكثرة الخير والبر والإحسان إلى أن توفي رحمه الله تعالى.

7- وقال عنه مراد بن يوسف الحنفي الأزهري: الشيخ الإمام، المفيد المطلق، العالم العلامة، القدوة الفهامة، المحقق المدقق، الكنز المفيد المطلق، الورع الزاهد العابد، الذي صرف سائر عمره في اشتغال العلم والعمل، الفقيه الحافظ المحدث المفسر، الولي الصالح الصوفي، الحبر التحرير البحر الراسخ، العارف بالله تعالى- الكبير، قاضي القضاة أبو يحيى، الشيخ زكريا الشافعى الأنصاري، طيب الله مضجعه، وفي أعلى الغرف أنزله.

ثالثا: المناصب التى تولاها: 

تولى شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عددا من المناصب التدريسية، وقد درس في القاهرة مدة ثمانين سنة، تنقل فيها بين المدارس المختلفة خلال مشواره الطويل في حقل العلم والتعلم، وأيضاً تولى شيخ الإسلام عددا من المناصب الإدارية في الدولة المملوكية، وتوج جهد شيخ الإسلام أخيرا بمنصب قاضي القضاة، مع أنه لم يطلبه ولكن الله اختاره هذه المسؤولية، وما هذا إلا نتيجة لعمله المتواصل، ومكانته المرموقة، وعلامة واضحة على إخلاصه لله -تعالى.  

أولا: المناصب التدريسية:  

1 تولى مشيخة جامع الظاهر"  

2- تولى مشيخة التصوف بجامع العلم بن الجيعان. 

3- تولى مشيخة التصوف بمسجد الطواشي علم دارها  

4-تولى التدريس في التربة التي أنشأها الظاهر خشقدم بالصحراء أول ما فتحت.

5- تولى تدريس الفقه بالمدرسة السابقية بعد موت ابن الملقن وقدمه الظاهر خشقدم على غيره.

6-تولى مشيخة الدرس بالمدرسة الصلاحية المجاورة للمسجد الشافعي (مقام الإمام الشافعي)، عقب موت التقي الحصني (سنة 881 هـ)، وقد قرره الأشرف قايتباي في هذا المنصب دون أن يطلب هذا المنصب الرفيع، وكان جل العلماء في ذلك العصر قد سعى للحصول على هذا المنصب، ولكن دون فائدة، وقد كان أروع منصب في مصر في ذلك العصر.  

فباشر التدريس بجد واجتهد في عمارة الأوقاف  

7- تولى مشيخة مدرسة الجمالية .  

ثانيا: المناصب الإدارية:  

8- تولى نظر القرافة وأوقافها بكاملها، بالإضافة لمشيخة التدريس  

9- تولى نظر أوقاف المدرسة الصلاحية بجوار المقام الشافعي، واجتهد في عمارة الأوقاف، ودفع المال إلى المستحقين.

ثالثاً: منصب القضاء:   

10- تولى منصب قاضى القضاة الشافعي في عهد الأشرف - في (سنة 886 هـ)، بعد أن أصر عليه في طلب ذلك وجاءه أكابر الدولة يرومون موافقته، وكان قد رفض هذا المنصب  ذلك المنصب قطعياً في زمن الظاهر خشقدم، فلم يجد بدا من الموافقة على هذا بعد كل هذا الإصرار والإلحاح، حتى أن الأشرف قايتباي، قال له: إن أردت أن أوصلك بيتك، فوافق واشترط أمورا لذلك وافق على بعضها الأشرف قايتباي.

 وكان يوجد في مصر حينها أربعة قضاة على المذاهب الأربعة المعروفة، والرئاسة للشافعية، فتولى شيخ الإسلام كقاضي القضاة الشافعي، وباشر عمله بنزاهة تامة، وعفة ظاهرة، وكان لا يخشى في الله خشية لائم، وكثيراً ما كان يثقل النصيحة للأشرف قايتباي، واستمر شيخ الإسلام في هذا المنصب مدة عشرين عاما طوال فترة حكم الأشرف قايتباي، وهي ظاهرة جديرة بالملاحظة في عصره، حيث تعد مدة طويلة جدا بالنسبة لغيره من القضاة، فلم يستمر غيره من القضاء هذه المدة بحسب اطلاعي.

وفي عام (906 هـ) عزل شيخ الإسلام عن القضاء، وكان هذا في زمن السلطان قانصوه الغوري؛ لأن شيخ الإسلام كان يزجر الغوري عن الظلم كثيرا، ويثقل القول عليه، ولكن  لم تمض مدة طويلة حتى عاد شيخ الإسلام للقضاء بعد إلحاح شديد من الأمراء، واستمر فيه مدة خمسة أشهر، ثم عزل نفسه لما أحس أنه غير قادر على القيام بأعباء القضاء، لكبر سنه، وضعف بصره، وضمور جسده، وكان هذا في نفس العام المذكور (906 هـ).

 وقد نظم محمد بن دانيال الموصلي أرجوزة فيمن ولي قضاء مصر، فكان مما قال:

ثم ولي السيوطي ولي الدين ثم .. للشيخ أعني زكريا الحكم عم.

المسألة الثانية: مظاهر من شخصيته:   

كان شيخ الإسلام- رحمه الله- نموذجاً صادقا للعالم العامل، فقد كان مدرسة يصعب   الإحاطة بجوانبها، وكانت شخصيته متميزة جدا؛ً مما جعله أشهر من في عصره من العلماء الأعلام ومن خلال ما قرأته من كتب التراجم أستطيع أن أبين بعض جوانب شخصيته الفذة، فأقول من أهم ما تميز به شيخ الإسلام ما يلي:

1- أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر: إن من الصفات التي لازمت شخص شيخ الإسلام عبر مسيرته الطويلة، أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وكان لا يخشى في الله لومة لائم، حتى السلاطين لم يسلموا منه، فقد كان يثقل القول عليهم، ويصب جام غضبه عليهم لظلمهم، وقصته مع الأشرف قايتباي معروفة، وقد ذكرتها عند حديثي عن المناصب الى تولاها، وملخصها أنه كان يحط على السلطان الأشرف قايتباي في الخطبة كثيراً. وحكي أن أحد القضاة وكان يسمى صالحا، وكانت احكامه غير مرضية، وكان شيخ الإسلام يكره أفعاله القبيحة، ويتاذى منه جدا، فكان يزجره كثيراً حتى هجاه في ببيتين من الشعر قائلاً:

الاسم غير المسمى ** والحق أبلج واضح   

إن كنت تنكر هذا **  فانظر لسيرة صالح    

وظل شيخ الإسلام على حاله هذه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى في أواخر عمره  حين ضعف بصره، وطعن في السن، بل إن السبب في عزله عن القضاء في المرة الأولى هو زجره  للسلطان قانصوه الغوري، وإثقاله عليه بالقول والنصيحة لظلمه حتى عزله، فهذا هو شيخ الإسلام نموذج للعالم الرباني العامل، الناصح لدين الله، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر،وهذا من علامات الإخلاص لله تعالى.

2- توقير العلم والعلماء، واحترام الأقران وتقديمهم: كان شيخ الإسلام -رحمه الله يحترم العلم وأهله، ويوقر العلماء وينزلهم منزلتهم، وكان يحب مجالسة العلماء ويفضلها على مجالسة الملوك، وكان شديد الغضب ممن يقع في العلماء ويشتمهم، وقد قال في ذلك: «إياكم والطعن في أشياخ زمانكم، ولوذوا بهم في الدنيا، ليأخذوا بيدكم في الآخرة، ومن أشقى الناس من يقع في أعراض العلماء، والصالحين، وقال: «إياكم ومخالطة غير صالح يقع في أعراض الصالحين»  

وكان رحمه الله- يحترم أقرانه من العلماء ويحبهم، ويقدمهم على نفسه، ويترك المنافسة معهم على الدنيا، ومثاله ما حصل عندما تنازل عن إمامة المدرسة الزينية لصاحبه الشهاب الزواوي، فيذكر السخاوي أنه عرض على شيخ الإسلام إمامة المدرسة المذكورة فاستشار شيخه القاياتي في ذلك، بعد ذلك جاءه صاحبه الشهاب الزواوي وطلب منه أن يتوسط له لدى القاياتي، كي يعينه في إمامة المدرسة المذكورة، فبادر شيخ الإسلام بالطلب من شيخه القاياتي ذلك، دون أن يعلم صاحبه أنه عرض عليه هذا المنصب، وفعلا تولى الزواري إمامة المدرسة المذكورة. 

ومثل هذه الحادثة حصلت أيضا معه عندما عرض عليه خزن كتب المدرسة المحمودية فأخذها غيره، فتركه شيخ الإسلام ولم يجاريه في المنافسة على الدنيا. وغير هذه الحوادث الكثير مما يدلنا على عظم شخصه رمه الله، وفي هذا يقول معاصره الحافظ السخاوي عنه: "وكانت بيننا أنسة زائدة، ومحبة من الجانبين تامة، ولازالت المسرات واصلة إلي من قبله بالدعاء والثناء، وإن كان دأبه مع عموم الناس فحظي منه أوفر ولفظي فيه أغزر".  

3- صبره على الأذى وتحمله الشدائد: إن معادن الرجال تظهر عند الشدائد والأحزان، وقد رسم شيخ الإسلام صورة رائعة، وضرب لنا مثلاً واضحا في كيفية الصبر على الأذى، والاحتساب عند المصائب والشدائد، وتحمل الحاسدين، وملاقاة الشر بالخير، ومقابلة السيئة   بالحسنة، فقد كان رحمه الله صبوراً على حساده، وكان يقول: "ينبغي على المريد أن لا  يجيب عن نفسه إذا رمي بشيء إلا إذا كان فيه ما يوجب حداً أو تعزيراً"، ويروي أنه لما انتهى من شرح البهجة»، حسده الأقران، فكانوا يكتبون على نسخته زعما منهم وحسداً أن شيخ الإسلام قد استعان بأعمى لإتمام شرحه، فأعرض عنهم، وترفع عما يقولون وتذكر كتب التراجم والتاريخ أن شيخ الإسلام فقد ولده وهو في ريعان شبابه فحزن  عليه ولكنه صبر واحتسب، ثم فقد بصره في العقدين الأخيرين من عمره، فصبر على ذلك واحتسب الأجر عند الله. 

وأيضاً ما لقيه في ريعان شبابه حين كان يطلب العلم في الأزهر فكان يجوع، حتى أنه كان يأكل قشر البطيخ، وغير هذه الحوادث الكثير، كل هذا يدلنا على مقدار صبر هذا الإمام الجليل ومواقفه في تحمل الشدائد . وفي هذا يقول السخاوي لما ولي قاضي القضاة، وعلت منزلته عند السلطان: «مع كثرة حاسديه والمتعرضين لجانبه وواديه، وهو لا يلقاهم إلا بالبشر والطي والنشر».

4- مواظبته على طلب العلم، وملازمة العلماء: ظل شيخ الإسلام يجد ويجتهد في طلب العلم وملازمة العلماء، وكان يحرص على كل دقيقة، وكان إذا أطال عليه أحد في الكلام يقول له: "عجّل قد ضيعت علينا زماننا". وقال عنه العلائي: يحرر من غير ضجر، وكان يقرأ عليه الدروس ومروياته في الحديث، ويراجع مصنفاته فيصلحها، ويحررها المرة بعد المرة إلى آخر وقت". وفي هذا يقول تلميذه الشعراني: "قد خدمته عشرين سنة فما رأيته قط في غفلة، ولا اشتغال بما لا يعني لا ليلا، ولا نهاراً". ويذكر أنه قرا عليه شرحه على البهجة سبعا وخمسين مرة، حتى حرره أتم تحرير، ولم ينقل ذلك عن غيره من المؤلفين. 

5- تواضعه ولين جانبه: فقد كان -رحمه الله- متواضعا لين الجانب، وكان يفضل الفقراء على الملوك، وكان يفرح إن نسب إلى الجهل، ويقول: «علامة الإخلاص في العلماء، أن ينتفض ظاهر أحدهم إذا وصف بالصلاح، وينشرح إذا وصف بالجهل أو النقص، لأن المخلص  يعامل الله لا العباد».  وكان يقبل النصيحة من البعيد ولو لم يكن من أهل العلم، وكان رجاعاً للحق، فكان إذا أصلح القارئ بين يديه كلمة في الكتاب الذي يقرؤه ونحوه يشتغل بالذكر بصوت خفي قائلاً: الله الله لا يفتر عن ذلك حتى يفرغ، ونقل الغزي عن العلائي أنه قال في شيخ الإسلام زكريا: "وكان رجاعا إلى الخير، منقاداً للمعروف، ولو من الأداني، منصفا لمن أوله ولو صغيرا غير متكثر بالعلوم والمشيخة".

6- عبادته وطاعته وورعه، وبعده عن الدنيا والشهوات: كان شيخ الإسلام كثير العبادة، يصوم النهار ويقوم الليل، وكان يصلي النوافل وهو قائم مع كبر سنه ومرضه، وهو يميل يميناً وشمالًا لا يتمالك أن يقف بغير ميل للكبر والمرض، فقيل له في ذلك، فقال: أيا ولدي النفس من شأنها الكسل، وأخاف أن تغلبني، وأختم عمري بذلك، وكان يقول: لا أعود نفسي الكسل. 

وكان يبتعد عن الدنيا وشهواتها، حتى أنه كان قليل الأكل لا يزيد على ثلث رغيف. وقد اجتمع فيه ثلاث خصال: أحدها: أنه على السنة المطهرة في سائر أحواله، وثانيها: أنه كان لا يحرص على الدنيا، فكان لا يبيت عنده درهم، وثالثها: أنه كان سليم  إلا لقضاء دين أو لنية أداء حج ومثله الصدر فلم يكن لديه حقد وغل على أحد من أهل الإسلام.

7- كثرة صدقته وبره بطلبة العلم والفقراء: فقد كان كثير الصدقة مع إخفائها، وكان له جماعة يرتب هم من صدقته ما يكفيهم غالب يوم وجمعة وإلى شهر، وكان يبالغ في إخفاء ذلك حتى كان غالب الناس يعتقدون في الشيخ الشح من قلة صدقته، وكان إذا جاءه السائل بعد كفّ بصره يقول لمن عنده من جماعته: هل هنا أحد؟ فإن قال له لا، أعطاه، وإن قال له نعم.قال له: يأتينا في غير هذا الوقت.

 ويقول عنه مراد الأزهري -صاحب كتاب فتح الباري فيما اختص الله الشيخ زكريا الأنصاري الصدقة، ما أظن كان أحداً في مصر أكثر منه صدقةً كما عهدته، ولكن كان يستتر بها بحيث لا يعلم أحد من الجالسين".  

8- كان مستجاب الدعاء، مخلصاً ربانياً، من أولياء الله الصالحين، وقد شهد له كل من عرفه بالصلاح والتقوى، وكانت دعوته مستجابة واشتهر بذلك، وحدثنا شيخ الإسلام عن ذلك فيقول: وكان وقتي رائقاً، وظاهري محفوظاً، وكنت مجاب الدعوة. لا أدعو على أحد إلا ويستجاب فيه الدعاء، فأشار عليَّ بعض الأولياء بالتستر بالفقه".

ويذكر الشعراني أن تاجراً من بلاد الشام قدم إلى مصر وكان كفيفاً، فطلب من الشيخ أن يدعو له أن يرد الله عليه بصره، فدعا الله أن يرد عليه بصره، فرد الله عليه بصره ، ومن دعائه قوله"  

(إلهي ذنوبي قد تعاظم خطرها ** وليس على غير المسامح متكل".

إلهي أنا العبد المسيء وليس لي **  سواك ولا علم لدي ولا عمل  

 إلهي أقلني عثرتي وخطيئتي ** لأني يا مولاي في غاية الخجل) 

وفي هذا يقول مراد الأزهري: العلم أن الشيخ رحمه الله- لما عمل بالعلم خاصة، وأخلص فيه إخلاصاً تاماً، علمه الله وأفاض عليه بالعلم اللدني، الذي لا نهاية له، فلذا فتح الله عليه فتحا كبيرا لم يفتح به على أحد سواه، فلذا الف كتباً كثيرة جليلة، ونشر الله له تلك  الكتب من بعده، فتقرأ على رؤوس الخاص والعام، فلا يطوى ذكرها حقيقة إلا إن كان يوم القيامة، وأكب الناس على قراءته من بعده، وانتفع به سائر الطلبة، وشاع ذكرها في سائر الأقطار».

9- تمهله في الفتوى والتصنيف: وهذا الأمر لابد أن يكون في العالم خلقا لا ينفك عنه، حتى يصيب الحق ويجتنب الزلل، ومن أهم ما تميز به شيخ الإسلام على الإطلاق وعرف به بين علماء عصره تمهله بالفتوى والتأليف، كما قال عنه السخاوي: "ورويته أحسن من بديهته، وكتابته أمتن من عبارته، وعدم مسارعته إلى الفتاوى قيل مما يعد في حسناته"، ويقول الغزي: ويحرر من غير ضجر، وكان يقرأ عليه الدورس ومروياته في الحديث، ويراجع مصنفاته فيصلحها، ويحررها مرة بعد أخرى".  

10— تصوفه: كان شيخ الإسلام صوفيا، موغلاً في الصوفية الحقة، وكان منذ صغره يحب مجالس الذكر، وكان يلازمهم، ويقرأ كتبهم، وقد وصفه غير واحد ممن ترجم لشيخ الإسلام بأنه كان متصوفاً، ومنهم: معاصره الحافظ السخاوي، وتلميذه الغزي، والمناوي في طبقاته، وغيرهم الكثير.  وظل شيخ الإسلام متبعا لطريق الصوفية حتى أشار عليه بعض العلماء بستر ذلك بالفقه ففعل؛ فلم يكد يتظاهر بشيء من أحوال القوم". 

وتولى شيخ الإسلام عددا من مشيخات الصوفية، فتولى مشيخة التصوف بجامع العلم بن الجيعان "، ومشيخة التصوف بمسجد الطواشي علم دار" ، ومن خلال ما قرأته في ترجمته، يتضح أن شيخ الإسلام كان في شبابه ملازماً للطريق، يحضر مجالس الذكر، ويقرأ كتبهم ورسائلهم، ولكن لما كبر أخفى تصوفه ولم يمارس مظاهر الطريق، واشتغل بالفقه وغيره من علوم الشرع، كما صرح بذلك شيخ الإسلام. وقد صنف عدداً من المصنفات في التصوف، سأذكرها عند عرض مصنفاته. 

وينبغي أن نعلم أن الصوفية فرق ومذاهب شتى، فينبغي أن لانطلق الأحكام، وكما قال شيخ الإسلام في انتقاد بعض المتصوفين كابن عربي وابن الفارض: لا يخلو علماء الأمة من ثلاثة أحوال، لأنه إما أن يوافق الكتاب السنة، وإما أن يخالف الكتاب والسنة، فإن وافق يجب اعتقاده جزماً،  وإن خالف فيحرم اعتقاده جزماً، وإما ألا يظهر لنا موافقته ولا مخالفته، فأحسن أحواله التوقف فيه. وما أعدل هذا الموقف المنصف.

المسألة الثالثة: وفاته: 

عُمّر شيخ الإسلام حتى جاوز المائة سنة، قضاها كلها في العلم والتعلم، ولم تلهه الدنيا، حتى وافته المنية عن عمر يناهز المائة وسنتين، وقد اختلف المترجمون لشيخ الإسلام في تعيين تاريخ وفاة شيخ الإسلام زكريا الأنصاري على ثمانية أقوال، والراجح أن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري قد توفي في سنة ست وعشرين وتسعمائة، لأمرين:  

الأول: أن غالبية المترجمين المعتبرين المحققين كابن إياس والشعراني والشوكاني وابن العماد وغيرهم، قالوا إنه توفي سنة ست وعشرين.

الثاني: لأن ابن إياس الذي حضر جنازته، وغيره من معاصريه قالوا ذلك.  

أما عن الشهر واليوم الذي توفي فيه، فالأقرب أنه توفي يوم الأربعاء ثالث ذي الحجة، وذلك لأمرين: 

الأول: ترجيحنا لرواية ابن إياس الذي عاصره، وكان قريبا منه وحضر جنازته.  

الثاني: لأنه غُسل صبيحة يوم الخميس، أي أنه مات يوم الأربعاء.  

وهكذا رحل العالم العامل، وغسل صبيحة يوم الخميس، وكفن وحمل ضحوة النهار، وصلي عليه بجامع الأزهر بحضور جمع كبير لا يحصى عددهم من القضاة، والعلماء، والصالحين،  وصلى عليه ملك الأمراء خاير بيك، ثم حمل نعشه ملك الأمراء ومن معه والأولياء، والعامة.  

ومشى أمامه الأمراء، والقضاة، والعلماء، والخواص، والعوام ". وكانت جنازته مشهورة وشهدها خلق كثير لا يحصون. ودفن بالقرافة الصغرى بقرب قبر الإمام الشافعي، الذي انتسب لمذهبه، وكان أئمته أعلامه.

وصلى عليه -رحمه الله - صلاة الغائب عقب صلاة الجمعة بالمسجد الحرام، ونُعي في الحرم  وذكرت مآثره ومحاسنه التي لا تعد، وصفاته الشهيرة. كما قد صلي عليه صلاة الغائب بالجامع الأموي المكي، تأسف الناس على فقده كثيرٌ من العلماء والناس، لما اشتمل عليه من المحاسن الكثيرة، والأوصاف الحميدة.

آثار الأنصاري  

للشيخ زكريا الأنصاري كتب ورسائل كثيرة لم ينقص أحدٌ ممن ترجموا له أسماءها ولم يحص عدها، وانت واجد عند كل منهم كتاباً أو اكثر مما انفرد بذكره. ولست واجداً عند أحد منهم ثبتاً مستوعباً لها، ومن العسير الآن أن نجزم بعدد كتبه وأسمائها لأن كثيرين من المؤلفين والمترجمين كانوا يشيرون إلى بعض كتبه دون ذكر أسمائها التي وضعها لها مما جعل للكتاب الواحد اسمين أو أكثر، أضف إلى ذلك أن الأنصاري نفسه كان يضع على الكتاب الواحد شرحين أو شرحاً وحاشية - كما سنرى عند عرضنا لآثاره- فالتبست الإشارات إلى تلك الكتب واختلطت على أقـلام المترجمين ونورد فيما يلي قائمة بأسماء آثاره التي عرفناها مشيرين إلى أننا في شك من أن بعضها مكرر، ولعل مما يساعد على الترجيح أن الرجل كان يضع لكتبه عنوانات: 

١ ـ إحكام الدلالة على تحرير شرح الرسالة  

وهر شرح على الرسالة القشيرية، ذكر الشعراني أنه قرأها على المؤلف، وقال الحنفي: إن الأنصاري شرح رسالة الإمام عبد الكريم بن هوازن القشيري في جزأين، وقال محقق فتح الرحمن «شرح الرسالة القشيرية في أربعة أجزاء كبار طبعت حديثاً». وأما اسم الكتاب إحكام الدلالة. . . فلم يذكره سوى البغدادي في هدية العارفين وقـال إنه مطبـوع.  

٢ - الآداب.  

نسب صاحب كشف الظنون كتابا باسم (الآداب) إلى الشيخ زكريا الأنصاري، فقال تحت عنوان «علـم آداب البحث»: آداب القاضي زكريا. كما نسب إلي شرحه «فتح الوهاب». وكذلك فعل البغدادي حين عدد اثار الأنصاري في هدية العارفين فذكر كتاب (الآداب) على رأسها، ثم أكد ذلك حين ذكر شرحه «فتح الوهاب» فقال: «فتح الوهاب بشرح  الآداب له».

 والأداب غير كتاب «آداب القاضي»، الذي ذكره أيضا كل من صاحبي الكشف والهدية . واكتفت طائفة من العلماء بنسبة الشرح إلى الأنصاري؛ فقال السخاوي: «فتح الوهاب شرح فيه آداب البحث»، وقال الشعراني: وله شرح آداب البحث». وقال الغزي: له شرح آداب البحث في الجدل، وقال العيدروسي: إنه شرح آداب البحث وسماه فتح الوهاب بشرح الآداب، وكان الأنصاري نفسه قد أشار إلى الشرح حين قال في «الحدود الأنيقة» وهو يتحدث عن العقل: «كما بينته في شرح آداب البحث»، على أن القطع بأن للأنصاري كتابا  باسم الآداب أو آداب البحث على نحو ما ذكر في كشف الظنون وهدية العارفين ليس ممكنا لأن فهرس مخطوطات دار الكتب الوطنية بالقاهرة نص على أن فتح الوهاب للأنصاري هو شرح لرسالة آداب البحث للسمرقندي ومن الجدير بالذكر أن صاحب كشف الظنون حين تحدث عن كتاب آداب البحث للسمرقندي أورد أسماء طائفة كبيرة من العلماء الذين وضعوا عليه الحواشي والشروح ولم يرد بينهم ذكر للشيخ الأنصاري . ولم أستطع الحصول على صورة من نسخة الكتاب الذي أشار إليه فهرس المخطوطات مما حال بيني وبين القطع بصحة نسبة كتاب الآداب إلى الأنصاري وهي التي ذكرها صاحبا كشف الظنون وهدية العارفين.

٣ - الأدب في تعريف الأرب. ذكره بروكلمان  

٤ - أدب القاضي (على مذهب الشافعي).  

ورد ذكره في كشف الظنون، وهدية العارفين. ولعله هو كتاب (عماد الرضا ببيان أدب القضا) الآتي ذكره.  

٥ - أسنى المطالب في شرح روض الطالب.  

قال الأنصاري في مقدمة كتابه أسنى المطالب: «هذا ما دعت إليه حاجة المتفهمين للروض في الفقه تأليف الإمام العلامة شرف الدين إسماعيل بن المقرىء اليمني من شرح يحل ألفاظه ويبين مراده ويذلل صعابه ويكشف لطلابه نقابه، مع فوائد لا بد منها، ودقائق لا يستغني الفقيه عنها، على وجه لطيف، ومنهج خال من الحشو والتطويل، حاو على الدليل والتعليل، وسميته: أسنى المطالب في شرح روض الطالب»: وهو كتاب شرح الأنصاري فيه كما قال كتاب (الروض) لإسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله المقرىء اليماني الشافعي المشهور بابن المقري (- ٨٣٧ هـ) صاحب كتاب الشرف الوافي في الفقه والنحو والتاريخ والعروض والقوافي.  

وقد اختصر ابن المقري في كتابه (الروض) كتاب (روضة الطالبين وعمدة المفتين) للإمام النووي، محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف المتوفى سنة ٦٧٦ ه مختصراً بـ (الروض) اسم (الروضة) أيضاً ومجرداً نصه من الخلاف.  

وكان الإمام النووي قد اختصر في (روضة الطالبين) كتاب (فتح العزيز في شرح الوجيز) لعبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة ٦٢٣ هـ، وكتاب الرافعي هذا شرح لكتاب (الوجيز) في فروع الشافعية للإمام الغزالي أبي حامد محمد بن محمد المتوفى سنة ٥٠٥ هـ.  

وقد طبع كتاب الشيخ زكريا الأنصاري (أسنى المطالب) في مصر سنة ١٣١٣ هـ، كما طبع بعد ذلك في المكتبة الإسلامية.  

وأثنى السخاوي على كتابه (أسنى المطالب)؛ فقال: «وشرح الروض شرحا بـليغاً قاضي الشافعية في وقتنا ومحقق الوقت الشيخ زكريا الأنصاري، وقد ختم بين يديه في أوائل سنة ٩٢٢ هـ».

٦ ـ أسئلة حول آيات من القرآن.  

ذكر محقق «فتح الرحمن» أنها رسالة في ١٢ صفحة منها نسخة في المكتبة وجاء في تاريخ الأدب العربي لبروكلمان «ذكر آيات القرآن المتشابهات التيمورية».  

٧ - الأضواء البهجة في إبراز دقائق المنفرجة:  

والمنفرجة قصيدة مشهورة مطلعها:  

(قد آذن ليلك بالفرج** اشتدي أزمة تنفرجي) وفي نسبتها خلاف والأرجح أنها لأبي الفضل يوسف بن محـمد بن يوسف التوزري التلمساني المعروف بابن النحوي (ت ٥١٣ ه). قال صاحب كشف الظنون: «المنفرجة لأبي الفضل يوسف بن محمد. . وقيل لأبي الحسن يحيى بن  العطار، والأول أرجح. شرحها الشيخ زكريا الأنصاري وفرغ من شرحها في ١١ ذي الحجة سنة ٨٨١ هـ، وقال: «هي قصيدة الإمام التوزري على ما قاله أبو العباس أحمد بن أبي زيد البجائي شارحها، أو أبي عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الأندلسي القرشي على ما قاله العلامة تاج الدين السبكي».

وللأنصاري على المنفرجة شرحان، الأضواء البهجة أكبرهما. قال السخاوي «وشرح المنفرجة في مطول ومختصر» وقال الغزي: «له شرحان على المنفرجة، كبير وصغير وسماه بالخلاصة»، وقد طبع كتاب «الأضواء البهجة» في مصر عام ١٣٢٣ هـ كما طبع مع المنفرجة عام ١٣٢٣ هـ ١٩١٤م.

٨ - إعراب القرآن.  

ذكره محقق فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن ودل على نسخة خطية.

 ٩ - الإعلام بأحاديث الأحكام  

وقال البغدادي إنه تأليف القاضي أبي يحيى زكريا الأنصاري، ذكره الغزي،  وأنه شرحه فيما بعد وسمى شرحه «فتح العلام بأحاديث الأحكام ». وسيأتي ذكر الشرح في موضعه من آثار الأنصاري برقم ٥٢.  

١٠- الإعلام والاهتمام لجمع فتاوى شيخ الإسلام. ذكره بروكلمان.  

١١ - أقصى الأماني في علم البيان والبديع والمعاني.  

ذكره محقق فتح الرحـمن دون إشارة إلى المصدر الذي اعتمد عليه، وفي كشف الظنون أنه مختصر لتلخيص المفتاح للقزويني جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الشافعي المشهور بخطيب دمشق توفي سنة ٧٣٩ هـ ولم يسم مؤلفه، وفيه أيضا: «وللتلخيص مختصرات منها... تلخيص التلخيص المسمى بأقصى الأماني في علم البيان والبديع والمعاني لبعض شراح المطول» أوله: الحمد لله الذي نور بصائر من اصطفاه...، رتبه على مقدمة وثلاثة فنون، ثم شرحه وسماه «فتح منزل المثاني» أوله: الحمد لله الـذي شرح صدورنا، سلك فيه مسلك الإيجاز». وقد طبع هذا الشرح باسم «فتوح منزل المباني شرح أقصى الأماني» وسنذكره في موضعه باسم فتح منزل المثاني ـ انظر رقم ٤ ٥ - وطبع ملخص تلخيص المفتاح في بولاق عام ١٣٠٥ وفي مصر ١٣٢٣ هـ. 

١٢ - بلوغ الأرب بشرح شذور الذهب:

ذكره صاحب كشف الظنون، وهدية العارفين، وأشار محقق فتح الرحمن إلى نسخة منه في مكتبة الأزهر، ويقوم الأستاذ محمد وجيه التكريتي من اللاذقية بتحقيقه لنيل درجة الدكتوراه من قسم اللغة العربية بجامعة دمشق مستعيناً  بنسخة أخرى منه في المكتبة الظاهرية بدمشق.  

١٣ - بهجة الحاوي:  

جاء في كشف الظنون أن الحاوي الصغير في الفروع للقزويني - وهو نجم الدين عبد الغفار بن عبد الكريم الشافعي المتوفى سنة ٦٦٥ هـ: من كتب الشافعية شرحه القاضي زين الدين زكريا بن محمد الأنصاري وسماه «بهجة الحاوي»" وللأنصاري كتابان آخران يتصلان بالحاوي أحدهما خلاصة الفوائد المحمدية والآخر الغرر البهية، وسنذكر كلا منهما في موضعه.  

١٤ - تحرير تنقيح اللباب.  

«لباب الفقه» كتاب لأبي الحسن أحمد بن محمد المحاملي الشافعي المتوفى سنة ٤١٥ هـ اختصره الإمام ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي المتوفى سنة ٨٢٦ هـ وسماه: «تنقيح اللباب» واختصر الشيخ زكريا هذا التنقيح وسماه «تحرير تنقيح اللباب» ثم شرحه وسماه تحفة الطلاب، وللكتاب طبعتان:  إحداهما في بولاق عام ١٢٩٢ هـ والثانية في الميمنية عام ١٣٣١ هـ. 

١٥ - تحفة الباري بشرح صحيح البخاري.  

ذكر هـذا الكتاب أكثر الذين تحدثوا عن الأنصاري وآثاره، وقـال الغزي: إن الشيخ زكريا جمع فيه ملخص عشرة شروح. وقـال الحنفي إنه من أجل مؤلفاته، وهو شرح نفيس كثير الفوائد جدا، عمدة للطالب، وفي طبقات الشعراني أنه «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» وأنه طالعه على الأنصاري. وقد طبع هذا الكتاب مع إرشاد الساري في مصر سنة ١٣٢٦ ه. 

١٦ - تحفة الراغبين في بيان أمر الطواعين.  

جاء اسم هذا الكتاب منسوبا إلى الشيخ زكريا الأنصاري في فهرس مخطوطات دار الكتب الذي وضعه فؤاد السيد، وأورده بروكلمان في جملة آثـار الأنصاري. ولكن البغدادي قال إن تحفة الراغبين في بيان أمر الطواعين لشيخ الإسلام أحـمد رشيد بن محمد صدقي الرومي الحنفي المتوفى سنة ١٢٥٠ هـ. 

ومن الجدير بالذكر أن الغري نسب إلى الأنصاري كتاباً آخر يتصل بالطاعون وهو «مختصر بذل الماعون»، و«بذل الماعون في فضل الطاعون» كتاب لابن حجر العسقلاني .

١٧ - تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب: 

وهو شرح وضعه الأنصاري على كتابه «تحرير تنقيح اللباب» الذي سبق ذكره برقم ١٤. ذكر ذلك صاحب كشف الظنون عند حديثه عن تحرير تنقيح اللباب فقال: ثم شرحه وسماه تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب، وأشار إليه الحنفي، والبغدادي. وفى معجم المطبوعات" أنه طبع في بولاق ١٢٩٢ هـ، وفي الميمنية ١٣٣١ هـ.  

ويقول محقق فتح الرحمن: لعله هو المراد بفتح الوهاب بشرح تنقيح اللباب، ولم أجد أحداً نسب إلى الأنصاري كتاباً بهذا الإسم. 

 ١٨ - التحفة العلية في الخطب المنبرية .  

ذكره البغدادي في هدية العارفين، واما الغزي فقد عد في جملة آثـار الأنصـاري «ديوان خطب» ولعله يقصد التحفة العلية نفسها.

 ١٩ -  تحفة نجباء العصر في أحكام النون الساكنة والتنوين والمد والقصر: 

عد الغزي من بين أثار الأنصاري «مقدمة فى أحكام النون الساكنة والتنوين، وذكر البغدادي اسم الرسالة كاملاً، وأشار محقق فتح الرحمن إلى نسخها الخطية، وقد قام بتحقيقها السيد محمد وجيه التكريتى.

٢٠- تعريفات القاضي زكريا.  

أو «تعريف الألفاظ الاصطلاحية» أو «مدلولات الألفاظ الفقهية» أو «مقدمة في الألفاظ المتداولة في أصول الفقه والدين» وهي كلها أسماء أطلقت على هذه الرسالة التي حققناها بعنوان «الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة» وانظر الحديث المفصل عنها فيما سيأتي.  

  ٢١ - تلخيص الأزهية في أحكام الأدعية. 

ذكره البغدادي، والأزهية في أحكام الأدعية لبدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي الشافعي الأصولي المتوفى سنة ٧٩٤ ه- صاحب كتاب «البرهان في علوم القران» «و «الإجابة لما استدركته عائشة على الصحابة» وغيرهما. وقد شرح الأنصاري كتابا آخر له هو: لقطة «العجلان» كما سيأتي.  

٢٢ - تلخيص تقريب النشر: 

لخص فيه الأنصاري كتاب «التقريب» لشمس الدين محمد بن محمد الجزري المتوفى سنة ٨٣٣ ه. وكان ابن الجزري فد وضع كتاب «النشر في القراءات العشر» ثم اختصره وسماه «التقريب» وهو الذي لخصه الأنصاري. وأشار محقق (فتح الرحمن) إلى نسخة خطية منه. كما شرح الأنصاري كتابا آخر لابن الجزري هو مقدمته في التجويد.  

 ٢٣ـ ثبت شيوخ الأنصاري:

ذكر فيه أسماء شيوخه ومجيزيه، قال الغزي: «وأجازه خلائق يزيدون على مثة وخمسين نفسا ذكرهم في ثبته». وذكره بين آثاره فقال «الثبت الذي أثبت فيه مروياته ومجيزيه».  

٢٤ - حاشية على التلويح للسعد التفتازاني  

التلويح في كشف حقائق التنقيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (ت ٧٩٣ ه) من أعظم شروح التوضيح لصدر الشريعة عبيد الله بن مسعود المحبوبي البخاري الحنفي (- ٧٤٧ هـ) وكان صدر الشريعة عند وضع تنقيح الأصول ثم شرحه بكتاب (التوضيح في حل غوامض التنقيح). وفي معجم المطبوعات أن للأنصاري حاشية على التلويح مطبوعة في الهند عام ١٢٩٢ هـ. وفي فتح الرحمن ذكر لنسخ خطية منها في مكتبة الأزهر.  

٢٥- حاشية على شرح جمع الجوامع في أصول الفقه.  

جمع الجوامع في أصول الفقه لتاج الدين السبكي (- ٧٧١ هـ) صاحب طبقات الشافعية كتاب كانت للشيخ الأنصاري عناية به، فقد اختصره في (لب الأصول).  

ثم شرح المختصر في (غاية الوصول)، ووضع الجلال المحلي شرحاً على جمع الجوامع سماه (البدر الطالع في حل جمع الجوامع) قال عنه صاحب كشف الظنون إنه أحسن شروح جمع الجوامع. وللشيخ زكريا حاشية على هذا الشرح وصفها صاحب الكشف أيضا بأنها من الحواشي المفيدة على شرح المحلي. وذكر هذه الحاشية في آثار الأنصاري كل من الشعراني والغزي والبغدادي. وأشار محقق فتح الرحمن إلى نسخها الخطية.  

٢٦- الحواشي المفهمة في شرح المقدمة:

وهي حواشي وضعها الأنصاري على مقدمة ابن الجزري التي ونضع عليها ايضاً شرحا هو الدقائق المحكمة الآتي ذكره.  

ذكر البغدادي هذه الحواشي وقال عند ذكره للدقائق المحكمة إشعارا أنها غيرها: والدقائق المحكمة في شرح المقدمة أيضاً للجزري.    

٢٨ - خلاصة الفوائد المحمدية في شرح البهجة الوردية:  

وضع الشيخ زكريا الأنصاري كتابين حول البهجة الوردية، أحدهما خلاصة الفوائد المحمدية والثاني الغرر البهية - وسيأتي ذكره في موضعه برقم ٤٤ . والبهجة الوردية منظومة وضعها زين الدين عمر بن مظفر الوردي الشافعي المتوفى سنة ٧٤٩ هـ، نظم بها كتاب الحاوي الصغير في فروع الشافعية ومطلعها: (قال الفقير عمر بن الوردي ** الحمد لله أتم الحمد)  

وشرحا الأنصاري كبير ـ هو الغرر البهية ـ وصغير وهو الخلاصة. وقال الحنفي  في حديثه عن الأنصاري: وشرح البهجة الكبير والصغير، وكذلك قال الغزي بوضعه لشرحين كبير وصغير) وذكر البغدادي الشرحين في هدية العارفين.  

 ٢٩ - الدرر السنية في شرح الألفية:

ذكر، البغدادي في هدية العارفين، وأشار محقق فتح الرحمن إلى نسخة مخطوطة منه بمكتبة الأزهر. ومن الجدير بالذكر أن الغزي قال في حديثه عن آثار الأنصاري «وما يتعلق النحو والتصريف حاشية على ابن المصنف، وشرح الشافية لابن الحاجب، وشرح شذور الذهب لابن هشام.  

٣٠- الدقائق المحكمة في شرح المقدمة:

والمقدمة رسالة في التجويد لشمس الدين بن محمد الجزري المتوفى سنة ٨٣٣ هـ مشهورة باسم المقدمة الجزربة، وكان الأنصاري قد وضع عليها أيضاً الحواشي المفهمة. وللرسالة طبعتان قديمة بالميمنية عام ١٣٠٨ وحديثة بتحقيق د. نسيب النشاري عام ١٩٨٠ م.

٣١ - ديوان شعره:  

ذكر البغدادي في جملة آثار الأنصاري ديوان شعره. وفي الكواكب السائرة: وإن شعر الشيخ رضي الله تعالى عنه كان متوسطا.. ومنه قوله:

(إلهي ذنوبي قد تعاظم جرمها ** وليس على غير المسامح متكل 

إلهي أنا العبد المسيء وليس لي ** سواك، ولا علم لدي ولا عمل  

إلهي أقلني عثرتي وخطيئتي **  لأني يا مولاي في غاية الخجـل

إلهي ذنوب يمثل سبعة أبحر  ** ولكنها في جنب عفوك كالبلل

ولولا رجائي أن عفوك واسع ** وأنت كريم ما صبرت على زلل)

٣٢ - رسالة في اصطلاحات الصوفية: ذكرها بروكلمان.  

٣٣ - الزبدة الرائقة في شرح البردة الفائقة:  

وهو شرح لقصيدة «الكواكب الدرية في مدح خير البرية» المشهورة بالبردة لشرف الدين محمد بن سعيد ابن حماد أبـي عبد الله البوصيري الصنهاجي المتوفى سنة ٦٩٦ هـ. قال حاجي خليفة إن القاضي زكريا بن محمد الأنصاري شرحها شرحاً ممزوجاً مختصراً سماه (الزبدة الرائقة في شرح البردة الفائقة) وفرغ منه في صفر ٩٢٣ هـ، وقد ورد ذكر هذا الشرح للأنصاري في كتاب فتح الباري للحنفي، وهدية العارفين، وأشار محقق فتح الرحمن إلى نسخة خطية منه في المكتبة الظاهرية.

٣٤ - شرح الأربعين النووية:

ذكره محقق فتح الرحمن، وأشار إلى نسخه الخطية.

٣٥ - شرح إيساغوجي  

اشتهر هذا الشرح باسم «المطلع» وذكره الغزي، والبغدادي. وفي معجم المطبوعات العربية أن المطلع شرح للأنصاري على مختصر أثير الدين الأبهري ووضعت عليه حواش. المسمى إيساغوجي. طبع في بولاق عام ١٢٨٢ ه. وشروح أشار إليها محقق فتح الرحمن.  

 ٣٦ - شرح الشمسية: 

ذكره البغدادي، والشمسية  مختصر في المنطق ألفه نجم الدين علي بن عمر بن علي القزويني المعروف بالكاتبي تلميذ نصير الدين الطوسي لشمس الدين محمد ونسبه إليه، وقد وضعت عليه  شروح وحواش كثيرة.  

٣٧ - شرح صحيح مسلم  

ذكر البغدادي في جملة مؤلفات الشيخ زكريا الأنصاري «شرح صحيح مسلم بن الحجاج». وقال محقق (فتح الرحمن): إن الشعراني ذكره في الطبقات، وقال: غالب مسودته بخطى.

٣٨ - شرح ضابطة الأشكال الأربعة:

طبع في الهند عام ١٣٩٢ هـ. وأشار محقق فتح الرحمن إلى نسخة خطية منه في دار الكتب المصرية.

٣٩ - شرح مختصر قرة العين في الفتح والإمالة بين اللفظين:  

وقرة العين رسالة في التجويد لأبي البقاء علي بن عثمان بن محمد المعروف بابن القاصح وهو عالم بغدادي مهر في القراءات، وألف فيها وتوفي سنة ٨٠١ هـ. ذكر هذا الشرح كل من السخاوى، والغزي.  

٤٠ - شرح مختصر المزني  

المختصر في الفروع لأبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني (ت ٢٦٤ هـ) الفقيه الورع الزاهد صاحب الإمام الشافعي، وتصانيفه مقدمة عند الشافعية طبع مختصره على هامش رسالة الأم للشافعي. ووضع الشيخ زكريا الأنصاري شرحاً على مختصر المزني ذكره حاجي خليفة، والبغدادى.  

٤١ - شرح المنهاج للبيضاوي:  

(منهاج الوصول إلى علم الأصول) كتاب للقاضي المفسر ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي (- ٦٨٥ هـ) صاحب كتابي (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) المعروف بتفسير البيضاوي، و (طوالع الأنوار) الذي شرحه الشيخ زكريا الأنصاري وسمى شرحه (لوامع الأنوار) وسيأتي ذكره.  

وضع الأنصاري شرحا على منهاج الوصول، للبيضاوي ذكره صاحب كشف الظنون، والبغدادى، والجدير بالذكر أن منهاج البيضاوي أخذ من كتاب (الحاصل) لتاج الدين محمد بن حسين الأرموي (.-٦٥٦ هـ). و(الحاصل) اختصار كما قال صاحبه لكتاب (المحصول) للفخر الرازى (- ٦٠٦ هـ). و(المحصول) كما في كشف الظنون مستمد من كتابين لا يخرج عنهما غالباً وهما (المستصفى) لأبي حامد الغزالي ( ٥٠٥ هـ) و (المعتمد) لأبي الحسين محمد بن علي البصري الشافعي (- ٤٦٣ هـ) وهو كتاب كبير في أصول الفقه.  

٤٢ - عماد الرضا ببيان أدب القضاء:  

وهو الكتاب الذي حققه وعلق عليه الأستاذ اسماعيل محمد أبو شريعة وطبع في القاهرة عام ١٩٨٧ م.

٤٣ - غاية الوصول إلى لب الأصول  

(لب الأصول) كتاب وضعه الأنصاري مختصرا فيه كتاب (جمع الجوامع) في أصول الفقه لتاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي صاحب طبقات الشافعية المتوفى سنة ٧٧١ هـ. وعاد الأنصاري كعادته فشرح مختصره وسمى الشرح (غاية الوصول إلى لب الأصول).  

وفي معجم المطبوعات، أن كتاب الأنصاري (غاية الوصول إلى شرح لب الأصول) طبع بمطبعة الحلبي بمصر سنة ١٣١٠ وبهامشه متن (اللب). وفي (الكتب العربية) أنه طبع بالميمنية عام ١٣٣٠. وقد أشار محقق فتح الرحمن إلى نسخ خطية من غاية الوصول وذكر أرقامها.

٤٤ - الغرر البهية في شرح البهجة الوردية  

وهو الشرح الكبير الذي وضعه الشيخ الأنصاري على منظومة الحاوي المسماة بالبهجة الوردية، وأشار إليه في كتابه (أسنى المطالب)، وذكره السخاوي، والعيدروسي، والحنفي، وحاجي خليفة، والبغدادى، قال صاحب المطبوعات العربية: «والغرر البهية هو الشرح الكبير فرع منه سنة ٨٦٧ هـ وطبع في الميمنية عام ١٣١٥ هـ. وأما الشرح الآخر وهو الصغير فهو الذي سبق الحديث عنه في رقم ٢٨ باسم «خلاصة الفوائد المحمدية في شرح البهجة الوردية».

 ٤٥ - فتح الإله لماجد بإيضاح شرح العقائد:

(العقائد) كتاب لنجم الدين عمر بن محمد السفي (- ٥٣٧ هـ) أحد علماء الحنفية الأعلام في الفقه والتفسير والتاريخ، وهو غير النسفي المفسر، وكتابه مشهور بالعقائد النسفية. وعليه شروح كثيرة من أشهرها شرح سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (- ٧٩١ هـ). وهو الشرح الذي وضع الشيخ زكريا الأنصاري (فتح الإله الماجد) بإيضاحه. وقد ذكر (فتح الإله الماجد) كل من حاجي خليفة، والبغدادي، وأشار محقق فتح الرحمن إلى نسخة خطية منه في المكتبة التيمورية بمصر.

٤٦-فتح الباقي بشرح ألفية العراقي:  

العراقي هو زين الدين عبد الرحيم بن الحسين أبو الفضل العراقي المتوفى ٨٠٦ هـ المشهور بالحافظ العراقي. وأما ألفيته المعروفة بألفية الحديث فقد نظمها ملخصاً فيها كتاب علوم الحديث لابن الصلاح وأولها: 

(يقول راجي ربه المقتدرِ ** عبد الرحيم بن الحسين الأثري  

من بعد حمد الله ذي الآلاء ** على امتنان جل عن إعطاء  

صلاة وسلام دائم ** على  نبي الخير ذي المراحم  

فهذه المقاصد المهمة ** توضح من علم الحديث رسمه  

نظمتها تبصرة للمبتدي ** تذكرة للمنتهي والمسند  

وزدتها علما تراه موضعه ** لخصت فيها ابن الصلاح أجمعه)

وعلى هذه الألفية شروح كثيرة منها شرح ناظمها، وشرح السخاوي، ومن شروحها المشهورة شرح القاضي العلامة زكريا بن محمد الأنصاري، وهو شرح مختصر ممزوج سماه (فتح الباقي بشرح ألفية العراقي) فرغ منه في رجب سنة ٨٩٦ هـ، وقال السخاوي إنه استمده من شرحه. ذكره الحنفي، وأشار محقق فتح الرحمن إلى نسخ خطية منه، واحدة منها بخط المؤلف.  

٤٧- فتح الجليل ببيان خفي أنوار التنزيل:

(أنوار التنزيل وأسرار التأويل) المعروف بتفسير البيضاوي ناصر الدين عبد الله بن عمر المتوفى سنة ٦٨٥ ي ـ وضعت عليه حواش كثيرة منها حاشية القاضي زكريا الأنصاري، وهي كما وصفها صاحب (كشف الظنون) في مجلد وسماه (فتح الجليل ببيان خفي أنوار التنزيل). ذكرها الحنفي، والشعراني، والغزي. وقد وصف محقق فتح الرحمن هذه الحاشية وتحدث عن موضعها وأشار إلى نسخها المخطوطة..  

 ٤٨ - فتح رب البرية بشرح القصيدة الخزرجية:

(الخزرجية) قصيدة في العروض والقافية نظمها ضياء الدين عبد الله بن محمد الخزرجي - العروضي الأندلسي الذي نزل الإسكندرية وتوفي فيها قتلاً سنة ٦٢٦ هـ - وسماها (الرامزة في علمي العروض والقافية)، ولكنها عرفت بالخزرجية نسبة إلى ناظمها. شرحها الشيخ زكريا الأنصاري وسمى شرحه (فتح رب البرية)، وقد عد البغدادي هذا الشرح في جملة آثار الأنصاري . وقال سركيس إنه طبع في مصر عام ١٣٠٣ فـ على هامش كتاب العيون الفاخرة الغامزة على خبايا الرامزة للدماميني. 

٤٩ - فتح الرحمن بشرح لقطة العجلان:  

قال صاحب كشف الظنون «لقطة العجلان وبلة الظمآن، مقدمة مشتملة على مسائل مهمة وقواعد جامعة للشيخ بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي المتوفى ٧٩٤ هـ، شرحها الشيخ زكريا بن محمد الأنصاري شرحا ممزوجا سماه (فتح الرحمن)، وفي (فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن) ذكر للنسخ الخطية من هذا الشرح، على أنه طبع في مطبعة النيل بمصر عام ١٣٢٨ ه، ١٩٢٩ م.

٥٠ - فتح الرحمن بشرح رسالة المولى أرسلان: 

أو (فتح الرحمن بشرح رسالة الولي رسلان). ورسالة رسلان بن يعقوب بن عبد الله الدمشقي في التوحيد شرحها الشيخ زكريا الأنصاري وسمى شرحه (فتح الرحمن بشرح رسالة الولي رسلان) كما جاء في كشف الظنون.  

وقد جاء ذكر هذا الشرح في فتح الباري، والكواكب السائرة. بين آثار الشيخ الأنصاري في التصوف. وذكره البغدادي. وقال سركيس إنه طبع في مصر عام ١٣١٧ هـ مع كتاب (حل الرموز ومفاتيح الكنوز) للعزبن عبد السلام. وفي فتح الرحمن ذكر نسخ خطية منه.

٥١ - فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن: 

وهو الكتاب الذي طبع أولا في بولاق على هامش السراج المنير عام ١٢٩٩، ثم طيع في الرياض عام ١٤٠٤ هـ / ١٩٨٤ م طبعة محققة مع مقدمة عن الأنصاري وآثاره بتحقيق الدكتور عبد السميع محمد أحمد حسنين، وصدرت له طبعة بعد ذلك بعام بتحقيق الأستاذ محمد علي الصابوني، وهي طبعة خالية من مقدمة التحقيق.  

٥٢ - فتح العلام بشرح أحاديث الأحكام:

كان الشيخ الأنصاري كما رأينا، قد ألف كتاب (الإعلام بأحاديث الأحكام) ثم  شرحه وسمى شرحه (فتح العلام بشرح أحاديث الأحكام) كما جاء في (إيضاح  المكنون)، وفي فتح الرحمن ذكر نسخة خطية منه بدار الكتب المصرية.  

٥٣ - فتح البدع في شرح المقنع. ذكره بروكلمان.

٥٤- فتح منزل المثاني بشرح أقصى الأماني في البيان والبديع والمعاني: 

رأينا أن أقصى الأماني هو مختصر تلخيص المفتاح كما جاء في كشف الظنون. وقد عرف حاجي خليفة كتاب فتح منزل المثاني في خلال حديثه عن تلخيص المفتاح فقال «وللتلخيص مختصرات منها تلخيص التلخيص المسمى بأقصى الأماني في علم البيان والبديع والمعاني لبعض شراح المطول: أوله الحمد لله الذي على مقدمة وثلاثة فنون، ثم شرحه وسماه فتح منزل المثاني، أوله: الحمد لله الذي شرح صدورنا. .  نور بصائر من اصطفاه.. ، رتبه، وسلك فيه مسلك الإيجاز» .  

وعد معجم المطبوعات كتاب فتح منزل المثاني في جملة آثار الأنصاري المطبوعة باسم (فتوح منول المباني بشرح أقصى الأماني في البيان والبديع والمعاني) الذي طبع بتصحيح الشيخ علي المدني والشيخ سالم رضوان العيوني وكان طبعه في المطبعة الجمالية بمصر سنة ١٣٣٢ هـ /١٩١٤ م، وأشار محقق فتح الرحمن إلى نسخة خطية منه فى مكتبة الأزهر. 

٥٥- فتح الوهاب بشرح الآداب:  

شرح الأنصاري كتاب الآداب أو آداب البحث وأشار إليه في كتبه. وذكر البغدادى الآداب وشرحه في جملة آثار الانصاري. وسمى الأنصاري شرحه (فتح الوهاب بشرح الآداب) ففي كشف الظنون أن (فتح الوهاب بشرح الآداب) للقاضي زين الدين زكريا بن محمد الأنصاري، وقال البغدادي وهو يعدد آثار الأنصاري: فتح الآداب له، وذكر السخاوي فتح الوهاب وقال : إن الأنصاري شرح فيه كتاب آداب البحث، وكذلك قال صاحب النور السافر: وإن الأنصاري شرح البحث وسماه (فتح الوهاب بشرح الآداب)، وأشار إليه أخرون دون أن يسموه كما فعل الغزي الذي ذكر بين آثار الأنصاري في الجدل (شرح آداب البحث).    

وقد عد محقق فتح الرحمن هذا الكتاب في آثار الأنصاري مرتين، وأشار في إحداهما إلى نسخة خطية منه بدار الكتب المصرية:  

٥٦ - فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب:

اختصر الأنصاري كتاب (منهاج الطالبين) للنووي وسمى مختصره (منهج  الطلاب) وسيأتي ذكره في موضعها). ثم عاد وشرح (منهج الطلاب) وسمى شرحه (فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب). وهو كتاب في الفقه ذكره الغزي حين ذكر آثار الأنصاري وقال: «منها المنهج وشرحه»، وذكره الحنفي؛ فقال «شرحه لمنهج الطلاب»، وذكره البغدادي، وقال سركيس إن الكتابين طبعا معاً في الميمنية سنة ١٣٣٢ هـ. وأعيدت طباعته حديثا ـ بلا تاريخ ـ في دار المعرفة بيروت. وجاء فى مقدمته على لسان مؤلفه الأنصاري قوله «وبعد فقد كنت اختصرت منهاج الطالبين في الفقه تأليف الإمام حجة الإسلام أبي زكريا يحيى محي الدين النووي رحمه الله في كتاب سميته (منهج الطلاب) وقد سألني بعض الأعزة علي من الفضلاء المترددين إليَّ أن أشرحه شرحاً يحل ألفاظه ويجلي حفاظه ويبين مراده ويتمم مفاده فأجبته إلى ذلك بعون القادر المالك، وسميته «فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب».

 ٥٧ - فتح الوهاب بما يجب تعلمه على ذوي الألباب: 

لم أجد أحداً اشار إلى هذا الكتاب أو ذكره ولكن محقق كتاب (فتح الرحمن بما يلتبس في القرآن) ذكره وقال إن منه نسخة مخطوطة بالمكتبة التيمورية بمصر برقم ٤٤٣.

٥٨ - الفتحة الإنسية لغلق التحفة القدسية:

وهو شرح وضعه الشيخ الأنصاري على (التحفة القدسية في اختصار الرحبية) والتحفة منظومة في علم الفرائض نظمها الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن الهائم المتوفى سنة ٨١٥ ه)، وأما الرحبية فأرجوزة في الفرائض اسمها (بغية الباحث) ولكنها اشتهرت بالرحبية نسبة إلى ناظمها محمد بن علي بن محمد الرحبي (- ٥٧٧ هـ) .  

جاء اسم الكتاب في الضوء اللامع (التحفة الأنسية)، وكذلك ذكره محقق (فتح الرحمن) والأرجح ما ذكره حاجي خليفة وهو أن ابن الهائم اختصر في (التحفة القدسية) الرحبية وزاد عليها، وأن القاضي الشيخ زكريا الأنصاري شرح التحفة وسماها (الفتحة الأنسية لغلق التحفة القدسية)، وكذلك سماها البغدادي في هدية لعارفين)، وهو المناسب لـ (غلق التحفة). ومن الكتاب نسخة خطية  في المكتبة الظاهرية بدمشق.

٥٨- الفتوحات الالهية في نفح أرواح الذوات الإنسانية:

ذكر هذا الكتاب الشيخ مراد بن يوسف الحنفي في كتابه الذي وضعه عن الشيخ  زكريا الأنصاري، وأشار إليه البغدادى بقوله (الفتوحات الإلهية)، ومنه نسخة خطية في مجمع اللغة العربية بدمشق ضمن مجموع رقمه ٣٠٢. وذكر محقق فتح الرحمن انه طبع حديثاً.

٥٩ - لب الأصول:

كتاب وضعه الشيخ زكريا اختصارا لكتاب (جمع الجوامع) في أصول الفقه لتاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي (- ٥٧٧ هـ) صاحب (طبقات الشافعية) وعاد فوضع شرحاً عليه سماه (غاية الوصول إلى لب الأصول). وقد طبع المتن والشرح  معا بمصر كما جاء في معجم المطبوعات العربية، وفي الكتب العربية التي نشرت في مصر بين عامي ١٩٠٠- ١٩٢٥م.  

٦٠- لوامع الأفكار في شرح طوالع الأنوار:

طوالع الأنوار كتاب مختصر في التوحيد للقاضي عبد الله بن عمر البيضاوي شرحه الشيخ زكريا الأنصاري، وأشار إلى شرحه هذا الغزي، وحاجي خليفة المتوفى سنة ٦٨٩هـ. 

وجدير بالذكر أن الأنصاري كانت له عناية بكتب أخرى للبيضاوي منها تفسيره المسمى (أنوار التنزيل وأسرار التأويل)، ومنها (منهاج الوصول إلى علم الأصول).  

٦١ - اللؤلؤ النظيم في روم التعلم والتعليم  

طبع في مطبعة الموسوعات بمصر عام ١٣١٩ هـ وبهامشه كتاب (تعريف العلوم الاصطلاحية) في تحديد مدلولات الألفاظ الفقهية وهو للشيخ زكريا الأنصاري أيضاً.  

٦٢ - مختصر الآداب للبيهقي:  

والآداب كتاب فى الحديث لأحمد بن الحسين البيهقي (- ٤٥٨ هـ) من أئمة الشافعية، وقد جاء ذكر هذا المختصر في جملة أثار الشيخ زكريا الأنصاري على لسان الغزي في الكواكب السائرة.  

٦٣- مختصر أدب القضاء للغزي:

ذكر صاحب الكواكب السائرة كتاب (مختصر أدب القضاء للغزي) في جملة مؤلفات الأنصاري. و (أدب القضاء) هو الاسم الذي اشتهر به كتاب (أدب الحكام في سلوك طرق الأحكام» لشرف الدين عيسى بن عثمان الغزي الفقيه الشافعي المتوفى سنه ٧٩٩ هـ.  

٦٤-- مختصر بذل الماعون:

ذكر الغزي أن من مؤلفات الشيخ زكريا الأنصاري كتاب (مختصر بذل الماعون)،) و(بذل الماعون في فضل الطاعون) كتاب لابن حجر العسقلاني. وجدير بالذكر أن بروكلمان عد في جملة أثار الأنصاري كتاب «تحفة الراغبين في بيان أمر الطواعين» وأشار فؤاد السيد إلى نسخة خطية منه في فهرس مخطوطات دار الكتب ولكن البغدادي نسب هذا الكتاب إلى شيخ الإسلام أحمد رشيد بن محمد صدفي الحنفي الرومي كما ذكرنا سابقآ.  

٦٥ - مقدمة في الكلام على البسملة والحمدلة  

ذكرها الغزي في الكواكب السائرة، وأشار محقق فتح الرحمن إلى نسخها الخطية. حققها الأستاذ صالح مهدي العزاوي ونشرها في مجلة المورد العراقية، يقول الأنصاري في أولها: «وبعد فهذه مقدمة على سبيل الاختصار في الكلام على البسملة والحمدلة، وعلى الحمد والشكر لغة وعرفاً مع بيان النسبة بينها، ومع ذكر فوائد مهمة».  

٦٦ - المقصد لتلخيص ما في المرشد  

كتاب لخص فيه الشيخ زكريا الأنصاري كتاب (المرشد في الوقف والابتداء) للحافظ العماني المتوفى في حدود ٤٠٠ هـ كما جاء، كشف الظنون. طع سنة ١٢٨٠ و١٢٨١ و١٣١٩ هـ كما طبع سنة ١٢٩٠ هـ بالمطبعة العامرة بمصر على هامش كتاب (تنوير المقياس في تفسير ابن عباس) لأبي طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي.  

٦٧ - المناهج الكافية في شرح الشافية  

ذكر الغزي بين آثار الأنصاري (شرح الشافية لابن الحاجب)، كما ذكره البغدادي باسمه في هدية العارفين. والشافية في علم الصرف لعثمان بن عمر النحوي المشهور بابن الحاجب (- ٦٤٦ ه) شرحها الشيخ الأنصاري وسمى شرحه (المناهج الكافية في شرح الشافية) وهو شرح مزج فيه المتن بالشرح، وأشار محقق الفتح إلى نسخ خطية من هذا الشرح. وقال صاحب معجم المطبوعات: إنه طبع في الآستانة عام ١٣١٠ م.

٦٨- منهج الطلاب:  

وهو كتاب اختصر فيه الشيخ زكريا كتاب (منهاج الطالبين) للإمام النووي، وقد طبع في بولاق سنة ١٢٨٥ و١٢٨٧ كما طبع على هامش منهاج الطالبين عام ١٣٠٥ و١٣٢٩ه.ـ وانظر الحديث عنه فيما سلف من الحديث عن شرحه (فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب) الـذي مر برقم ٥٦.  

٦٩ - منهج الوصول إلى تخريج الفصول.

٧٠ - منهاج الوصول إلى علم الفصول:

شرحان ورفعهما الشيخ الأنصاري على كتاب (الفصول المهمة في علم ميراث الأمة) المشهور بالفصول في الفرائض لابن الهائم أحمد بن محمد المتوفى سنة ٨١٥ ه، وهو صاحب (التحفة القدسية) التي شرحها الأنصاري وسمى شرحها(الفتحة الأنسية - كما مر سابقا برقم ٥٨ - وصاحب (الكفاية) التي شرحها الأنصاري أيضا كما سيأتي باسم (نهاية الهداية).  

قال السخاوي إن الشيخ زكريا «شرح فصول ابن الهائم وسماه (منهج الوصول إلى علم الفصول) مزج المتن فيه، وشرحه شرحا آخر سماء (منهاج الوصول إلى تخريج الفصول) وهو أبسطهما». وكذلك قال العيدروسي. وأشار الغزي إلى هذين الشرحين ولم يسمهما فقال في جملة آثار الأنصاري «وشرحان على الفصول».

واختلفت التسمية عند البغدادي فكان احدهما «منهـج الوصول إلى تحريج الفصول» وكان الثاني «غاية الوصول إلى شرح الفصول». وذكر بروكلمان الأول منهما باسم ومنهج الوصول إلى تحرير الفصول».

 ٧١ - نهاية الهداية في شرح الكفاية:

لابن الهائم أرجوزة كبرى في الفرائض اسمها (الكفاية) وصغرى هي التحفة القدسية في اختصار الرحيبة - قد مر ذكرها برقم ٥٨.

قال السخاوي إن الشيخ زكريا الأنصاري شرح ألفية ابن الهائم المسماة (بالكفاية) وسمى شرحه (نهاية الهداية في تحرير الكفاية) وذكر الغزي هذا الشرح ولم يسمه، وقال البغدادي هو (نهاية الهداية في شرح الكفاية),

٧٢ - نهج الطالب لأشرف المطالب: ذكره بروكلمان.  

٧٣ - هداية المتنسك وكفاية المتمسك  

ورد ذكر هذا الكتاب في إيضاح المكنون دون نسبة إلى مؤلفه، وذكره بروكلمان في جملة آثار الشيخ زكريا الأنصاري.











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق