شيخ الإسلام زكريا الأنصاري وأثره في الفقه الشافعي
إعداد الباحث طارق يوسف حسن جابر
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ تتناول هذه الدراسة حياة شيخ الإسلام زكريا الأنصاري منذ ولادته مروراً بنشأته وحتى وفاته، وتذكر لنا مكانته والمناصب التي تولاها في عصره، وأهم مشايخه وتلاميذه، وتبرز جهوده في خدمة الفقه الشافعي، مع التمثيل لذلك بنماذج فقهية كثيرة من كتبه ومصنفاته، مع عرض مفصّل لهذه المؤلفات والتعريف بها، والتعريف بأهم مصنفاته الفقهية المعول عليها في المذهب الشافعي.
ويعد علم الفقه هو الجانب الأبرز في مسيرة شيخ الإسلام العلمية حيث كان الفقه ميدانه الذي برع فيه، واعتلى قمته في مصر، وكان هو المقدم في مذهب الشافعية؛ بحكم معرفته واطلاعه الواسع على كتب المذهب كما بيَّن الباحث عند حديثه عن مقروآته ومسموعاته، وكذلك بحكم توليه القضاء مدةً طويلة، والتي أتاحت له فرصة النظر في النوازل والمسائل وإصدار الفتاوى بشأنها، بل كان شيخ الإسلام يشكل مرجعاً فقهياً يسأل فيها عن إشكالات المذاهب، التي كان مُلماً بفروعها وتفاصيلها غالباً، ومن هنا تزداد أهمية دراسة مصنفات شيخ الإسلام الفقهية وإبراز هذا الجانب من شخصيته.
كما تطرق الباحث إلى أكثر من مائة من المسائل الفقهية المهمة التي تناولها شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في كتبه المعتمدة، والتي تبين مدى عناية شيخ الإسلام واهتمامه بالجمع بين المتعارضات من نصوص المذهب، واعتنائه بتقييد مطلقات نصوص المذهب، وعنايته بالتنبيه على الفروق الفقهية، وعنايته بالمناقشة وتعقب مذاهب العلماء الأخرى، وموقفه من بعض المسائل المختلف عليها داخل المذهب، سأذكرها سرداً في نهاية المقال. وبين منهجه من خلال ما يلي:
أولاً: بيان المسألة وصورتها من كتب المذهب وكلام شيخ الإسلام غالباً، ثم أعرض للخلاف الحاصل فيها وكيف فصله شيخ الإسلام.
ثانياً: اذكر رأي شيخ الإسلام في المسألة والمكان الذي تعرض لها فيه، مع بيان مدركه في الترجيح، فإن لم يصرح به أستعين بأقوال علماء المذهب.
ثالثاً: سأقوم ببيان مدى موافقة اختيار وترجيح شيخ الإسلام لمعتمد مذهب الشافعية، وسأعتمد في ذلك على أقوال أئمة الشافعية الأربعة المتأخرين: الشهاب والشمس الرمليان وابن حجر والخطيب.
وفي هذا المقال نقتطع جزءاً من الدراسة التي قام بها الباحث، فنعرض أهم مصنفات شيخ الإسلام الأنصاري الفقهية، ومن ثم التعريف بأربع منها، وهي المعول عليها في مذهب الشافعية، وهي:
أولاً: «الغرر البهية في شرح منظومة البهجة الوردية».
ثانياً: «أسنى المطالب شرح روض الطالب».
ثالثاً: فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب».
رابعاً: «تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب».
ومن ثمَّ نقوم بالتعريف بهذه الكتب، وأصولها، وأهميتها، وبيان سبب تأليفها.
ثم بيان مميزات مصنفات شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، ومصادره في التصنيف والتأليف، يلي ذلك: ترتيب كتب شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في المذهب، واهتمام العلماء بها.
ثم المسائل الفقهية الموجودة في هذا البحث، فالخاتمة.
فهرست هذه المقال:
أولاً: عرض مصنفات شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الفقهية.
ثانياً: أهم مصنفات شيخ الإسلام التي يعوّل عليها في الفقه الشافعي.
ثالثاً: التعريف بهذه الكتب وأصولها وأهميتها وبيان سبب تأليفها.
رابعاً: مميزات مصنفات شيخ الإسلام الفقهية.
خامساً: مصادر شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في التصنيف.
سادساً: ترتيب كتب شيخ الإسلام في المذهب واهتمام العلماء بها.
سابعاً: أهم المسائل الفقهية التي تناولها شيخ الإسلام زكريا.
ثامناً: الخاتمة.
أولاً: عرض لمصنفات شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الفقهية
1) «منهج الطلاب» (مطبوع):
وهو مختصر «منهاج الطالبين للنووي طبع في بولاق في عام 1285هـ)، و(عام 1287هـ)، و(عام 1294 هـ)، وفي مصر عام 1278 هـ)، وفي مطبعة الجمالية (1329 هـ)، كما طبع في المطبعة الميمنية بمصر مع شرحه فتح الوهاب وكذلك طبعة دار الفكر - بيروت، حيث طبع -أيضاً- بهامش «فتح الوهاب» مع «الرسائل الذهبية في المسائل الدقيقة (1332) المنهجية».
وطبع بهامش منهاج النووي بمصر عام 1305هـ)، و( عام 1329هـ). وكذلك طبعة دار الفكر - بيروت حيث طبع - أيضا - بهامش المنهاج» (عام 1412هـ/ 1992م).
2) «فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب» (مطبوع) : بية
وهو شرح لكتاب «منهج الطلاب الذي اختصر فيه منهاج الطالبين» للنووي، وقد طبع في المطبعة الميمنية (عام 1332هـ) . وأعيدت طباعتها بلا تاريخ في دار المعرفة ببيروت.
3) «شرح فرائض المنهاج»:
ذكره خليفة كشف الظنون (2/ 1873-1875).
4) «تحرير تنقيح اللباب» (مطبوع):
وهو مختصر لكتاب تنقيح اللباب لولي الدين ابن العراقي (ت826هـ)، الذي بدوره هو اختصار لـ «لباب «الفقه لأبي الحسن أحمد بن محمد المحاملي الشافعي (ت 415هـ)( )، وطبع في المطبعة البولاقية (عام 1292هـ)، وفي الميمنية (عام 1331هـ) . وطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر (عام 1941م بهامش حاشية الشرقاوي مع تحفة «الطلاب لشيخ الإسلام زكريا. وطبعة دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى (عام 1418هـ/ 1997م).
5) «تحفة الطلاب لشرح تحرير تنقيح اللباب» (مطبوع):
وهو شرح لـ تنقيح اللباب المتقدم لشيخ الإسلام زكريا، طبع البولاقية (عام 1292هـ)، وفي الميمنية (عام 1331هـ). وطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر ( عام 1941م) بهامش «حاشية الشرقاوي». وطبعة دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى (عام 1418هـ/ 1997م».
6) «شرح الأصل»:
وهو شرح إما لـ«متن «التنقيح المتقدم لولي الدين ابن العراقي (ت826هـ)، أو أنه شرح لـ«لباب الفقه» نفسه، وهو شرح كبير كما يبدو من كلام شيخ الإسلام من خلال كثرة إحالته عليه في «شرح التحرير»، وقد ذكر شيخ الإسلام اسم مصنفه هذا في كتابه «تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب» مرات كثيرة.
وذكره كل من ابن الحمصي: حوادث الزمان (313) وكحالة: «المستدرك على معجم المؤلفين»، (ص 259).
7) «أسنى المطالب شرح روض الطالب» (مطبوع):
وهو شرح «مختصر الروضة» المسمى: روض الطالب لابن المقري (ت 837). طبع في (سنة 1313هـ) وبهامشه حاشية الشيخ الشهاب الرملي الكبير». وطبع في المكتبة الإسلامية بعد ذلك. وطبعة دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، (عام 1422هـ / 2001م)، قام بضبط النص وتخريج الأحاديث وعلق عليه الدكتور محمد محمد تامر.
8) «الغرر البهية في شرح البهجة الوردية» (مطبوع):
وهو شرح كبير على «منظومة ابن الوردي (ت 749 هـ)، ونظم بها كتاب «الحاوي الصغير في فروع الشافعية». فرغ من تأليفه شيخ الإسلام زكريا عام 867 هـ). وقرأ عليه سبعاً وخمسين مرة حتى حرره أتم تحرير، وربما المراد به «شرح البهجة الصغير» الذي سيأتي بعده والله أعلم؛ لأنه المقدم بين كتبه كلها طبع في الميمنية (عام 867 هـ). ومعه «حاشية الشيخ عبدالرحمن الشربيني» وبالهامش «حاشية ابن قاسم العبادي» على الشرح المذكور مع تقرير الشيخ الشربيني عليها. وطبع طبعة حديثة بدار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (عام 1418هـ/ 1997م). قام بضبط النص وتخريج الأحاديث وفصل المنظومة الشعرية محمد عبدالقادر عطا.
9) «خلاصة الفوائد المحمدية في شرح البهجة الوردية»:
وهو شرح صغير على «منظومة البهجة الوردية».
ذكره كل من: مراد الأزهري: «فتح الباري، (ورقة (3) ؛ والغزي: «الكواكب السائرة»، (2011) وغيرهما.
10) «بهجة الحاوي شرح الحاوي الصغير»:
وهو شرح لكتاب «الحاوي الصغير في الفروع» للقزويني الشافعي (ت 655هـ)( 1). ذكره كل من: البغدادي: «هدية العارفين (274/5) وخليفة: «كشف الظنون» (626/1)
11) «حاشية على شرح أبي زرعة لمنظومة البهجة الوردية لابن الوردي» .
وهو «حاشية» على شرح الحافظ ابن العراقي ولي الدين أحمد بن عبد الرحيم- أبو زرعة العراقي (ت 826 هـ).
ذكره: خليفة: كشف الظنون (1/(627) وابن الحمصي: «حوادث الزمان ووفيات الشيوخ والأقران»، (31/3).
12) «شرح مختصر المزني في الفروع»:
وهو شرح لكتاب المختصر في الفروع» للمزني (ت264هـ). ذكره كل من: خليفة كشف الظنون (1636/2)؛ والبغدادي: «هدية العارفين»، (5/ 274)، وغيرهما.
13) «الإعلام والإهتمام الجمع فتاوى شيخ الإسلام» (مطبوع):
طبع في دمشق في المكتبة العربية لصاحبها أحمد عبيد، تقديم أحمد عبيد، (2000)، وهو من جمع ونسخ خليل بن عمر، وقد انتهى من جمعه (سنة 986 هـ).
14) «شرح زيد الشيخ رسلان»:
ذكره كل من: الغزي: الكواكب السائرة، (2031)؛ وحسن: «أسماء كتب الأعلام»، (2/ 366) وغيرهما.
15) «غاية الوصول إلى علم الفصول» (مطبوع):
وهو «شرح الفصول المهمة في علم ميراث الأمة المشهور بـ «الفصول في الفرائض» للشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن الهائم (ت815هـ)، ويسمى -أيضاً -: «منهج الوصول إلى علم الفصول.
ذكره كل من: السخاوي: «الضوء اللامع، (236/3)؛ والغزي: «الكواكب السائرة»، (1/ 203) وغيرهما.
16) «منهج الوصول إلى تخريج الفصول»:
وهو شرح آخر على فصول ابن الهائم في الفرائض، وقيل اسمه: «منهج الوصول إلى تحرير الفصول». وهو أبسط من الأول.
ذكره كل من: السخاوي: «الضوء اللامع (2363) والعيدروس: «النور السافر»، (ص 175) وغيرهما.
17) «الفتحة الأنسية لغلق التحفة القدسية»:
وهو شرح على «التحفة القدسية في اختصار الرحبية لابن الهائم في علم الفرائض ذكره كل من: السخاوي: «الضوء اللامع (2363)؛ والغزي: «الكواكب السائرة»،(1/ 203) وغيرهما.
18) «نهاية الهداية في تحرير متن الكفاية» (مطبوع):
وهو شرح على ألفية ابن الهائم في الفرائض المسماة بـ«الكفاية». طبع في السعودية بدار ابن خزيمة، بتحقيق الدكتور عبدالرزاق أحمد حسن عبدالرزاق في جزئين، الطبعة الأولى، (1420هـ / 1999م). وهو بالأصل رسالة جامعية قدمت لنيل درجة الدكتوراة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
19) «تلخيص الأزهية في أحكام الأدعية»:
وهو مختصر لكتاب أحكام الأدعية للزركشي (ت794هـ)، وله اسم آخر وهو مختصر الأزهرية.
ذكره كل من: البغدادي: «هدية العارفين (274/5) ؛ وبروكلمان: «الملحق»، (2/ 118).
20) «هداية المتنسك وكفاية المتمسك»:
ذكره كل من: البغدادي: إيضاح المكنون (7222 وبروكلمان: «تاريخ الأدب العربي»، (123/2).
21) «عماد الرضا في أدب القضاء» (مطبوع):
وهو مختصر لكتاب «أدب الحكام في سلوك طرق الأحكام للغزي (ت 799هـ). طبع في القاهرة عام (1978م)، بتحقيق وتعليق إسماعيل محمد أبو شريعة.
ذكره كل من: الغزي: الكواكب السائرة (2031) وخليفة كشف الظنون»، (1/ 47) وغيرهما.
ثانياً: أهم مصنفات شيخ الإسلام زكريا الأنصاري التي يعوّل عليها
وسأعرض في هذا المبحث أهم مصنفاته الفقهية المعول عليها بين علماء الشافعية في تحرير المذهب، وهي:
أولاً: «الغرر البهية في شرح منظومة البهجة الوردية».
ثانياً: «أسنى المطالب شرح روض الطالب».
ثالثاً: فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب».
رابعاً: «تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب».
ثالثاً: التعريف بالكتب وبأصولها وبيان أهميتها وسبب التأليف
سأقوم في هذا المطلب بالتعريف بكتب شيخ الإسلام الأربعة: «شرح الروض»، و«شرح البهجة»، و«شرح المنهج»، و«شرح التحرير»، وسأقوم أيضاً - ببيان أصل الكتاب وأهميته، وسأذكر سبب تأليف شيخ الإسلام للكتاب، وأبدأ أولاً بـ«شرح البهجة»:
أولاً: «الغرر البهية شرح البهجة الوردية»:
«الغرر البهية» هو شرح لـ «بهجة الحاوي لابن الوردي الشهيرة بـ«البهجة الوردية» في أحد عشر مجلداً، وهذه البهجة» هي نظم لـ«الحاوي الصغير في فقه الشافعية» للقزويني (ت 665 هـ)، و«الحاوي الصغير هو مختصر لكتاب العزيز شرح الوجيز» أو كما يسمى: «الشرح الكبير» للرافعي، ويتميز «الحاوي الصغير» بكونه وجيز اللفظ بسيط المعاني حسن الترتيب جيد التفصيل والتبويب؛ لذلك عكف كبار أئمة المذهب عليه بالشرح والنظم، وقد وقفت على أكثر من أربعين شرحا وحاشية على الحاوي منها شرح ابن الملقن» (ت 804هـ) ابداع الساتا الجامع المسمى: «خلاصة الفتاوي في تسهيل أسرار الحاوي»، و«شرح السبكي» (ت 773هـ)، و«شرح البارزي» (ت 738 هـ) وغير ذلك الكثير مما لا يحتمل المقام ذكره هنا.
وقد كان لشيخ الإسلام اهتمام خاص بـ «الحاوي» للقزويني؛ فصنف عليه أكثر من مصنف، منها: شرح شيخ الإسلام المسمّى: «الغرر البهية» الذي نتكلم عنه في هذا المقام، وهو أحد شرحي شيخ الإسلام على «متن البهجة الوردية»، وهو شرح كبير بل هو من أكبر مصنفات شيخ الإسلام على الإطلاق، وله شرح آخر صغير يسمى: «خلاصة الفوائد المحمدية في شرح البهجة الوردية».
وتذكر كتب التراجم أن شيخ الإسلام قد فرغ من تصنيف «شرح البهجة» (عام 867هـ)، وأنه قُرئ عليه سبعاً وخمسين مرة حتى حرره أتم تحرير، ولم تعين هل هو «الشرح الكبير للبهجة أم الشرح الصغير»، ولعلَّ الذي فرغ من تأليفه وحرره أتم تحرير، هو: «الشرح الصغيرر» المسمى: «خلاصة الفوائد المحمدية»؛ بناءاً على أنّ شرح «البهجة الصغير» هو المقدم بين مصنفات شيخ الإسلام كلها ربما لهذا التحرير الذي بلغ سبعاً وخمسين مرة، وعلى كلٍ فإن الأمر يحتمل كلا الشرحين ولم أجد في ذلك تصريحاً، والله تعالى أعلم.
وأيضاً يوجد لشيخ الإسلام «حاشية» على شرح الحافظ العراقي على متن «البهجة الوردية». وله أيضاً - شرح لـ «الحاوي الصغير للقزويني الذي هو أصل نظم ابن الوردي، سماه: بهجة الحاوي شرح الحاوي الصغير».
أما سبب تأليف الكتاب فيحدثنا شيخ الإسلام عن ذلك قائلاً: «فإن «البهجة الوردية» في الفقه للإمام المحقق والحبر المدقق، أبي حفص زين الدين عمر بن محمد بن أبي الفوارس الوردي طيب الله ثراه وجعل الجنة مأواه لما كانت من أبدع كتب الفقه صنف، وأجمع موضوع فيه على مقدار حجمه ألف، طلب مني بعض الأعزة علي من الفضلاء المترددين إلي أن أضع عليها شرحاً يحل ألفاظها، ويبرز دقائقها، ويحقق مسائلها، ويحرر دلائلها، فأجبته إلى ذلك بعون القادر المالك، ضاماً إليه من الفوائد المستجدات، والقواعد المحررات».
ثانياً: «أسنى المطالب شرح روض الطالب»:
فالكتاب يظهر فيه تنوع المعارف التي تلقاها شيخ الإسلام في كل علوم الشرع مما أضفى عليه أهمية كبرى، وتجلى فيه الاستدلال النقلي المعتمد على نصوص المذهب بشكل واضح.
«أسنى المطالب شرح روض الطالب» أو كما اشتهر اسمه بين علماء الشافعية بـ: «شرح الروض» لشيخ الإسلام هو شرح هام لكتاب الروض» لابن المقري في تسع مجلدات، والروض هو مختصر «روضة الطالبين للنووي الذي حذف منه ابن المقري الخلافات وقام ببيان القول الراجح في المسائل التي وقع فيها خلاف على أقوال، أو وجوه، أو طرق؛ ومن هنا اكتسب الروض أهميته في تحرير المذهب وغدا من الكتب المعوّل عليها في بيان مذهب الشافعية، وأقبل عليه علماء المذهب تدريساً وتصنيفاً.
وجاء شيخ الإسلام وشرح «الروض» شرحاً رائعاً أسماه: «أسنى المطالب»، وقد اكتسب «شرح الروض أهميته من أهمية الكتاب ومما زاد من أهمية الكتاب ما أودعه شيخ الإسلام فيه من فوائد ونفائس زادته أهمية إلى أهميته.
يعود أصل كتاب شرح الروض وأصله روضة الطالبين إلى أن كتب الشافعية تدور حول كتاب «مختصر المزني»، وجاء بعده إمام الحرمين الجويني، وصنف: «نهاية المطلب في دراية المذهب» شارحاً فيه «مختصر المزني»، ضاماً إليه مسائل من «المسند»، و«الإملاء»، و«الأم» للإمام الشافعي، واشتغل العلماء بعد ذلك بهذا الكتاب وانكبوا عليه شرحاً واختصاراً وتحشية، حتى جاء حجة الإسلام الغزالي فاختصر «نهاية المطلب» لإمام الحرمين في كتاب «البسيط»، ثم اختصر «البسيط» في «الوسيط»، واختصر الوسيط» في «الوجيز»، وبعده جاء الرافعي فشرح «الوجيز» في شرحين، أحدهما كبير ويسمى بـ«فتح العزيز في شرح الوجيز» أو «الشرح الكبير»، والثاني صغير ويسمى بـ«الشرح الصغير»، فجاء بعده الإمام النووي واختصر «فتح العزيز» في «روضة الطالبين»، ثم جاء الإمام ابن المقري فاختصر «روضة الطالبين في روض الطالب»، فجاء شيخ الإسلام وشرح «روض الطالب في كتاب سماه «أسنى المطالب شرح روض الطالب» أو كما هو مشهور بين علماء الشافعية بـ«شرح الروض»، ثم جاء المتأخرون من علماء الشافعية وصنفوا مصنفات على «شرح الروض». وسوف أفرد لها مطلباً خاصاً عند الحديث عن اهتمام العلماء جميع بكتب شيخ الإسلام.
فـ «أسنى المطالب شرح روض الطالب» أو كما اشتهر اسمه بين علماء الشافعية بـ«شرح الروض هو من الكتب المهمة في فقه الشافعية التي يعول عليها في الفتوى والعمل وتحرير المذهب، فهو من أهم الكتب التي اعتمد عليها المتأخرون، وستتضح أهمية الكتاب بشكل جلي عند الحديث عن مميزاته فيما يأتي من كلام.
وأما سبب تأليف الكتاب فيعود إلى كون «الروض» لابن المقري كان من الكتب المهمة في عصر شيخ الإسلام في المذهب، وما جعله يأخذ هذه الأهمية إضافة لأهمية أصل الكتاب ما صنعه ابن المقري فيه من حذف الخلاف من «الروضة» والاقتصار على القول الراجح وحذف الأوجه والأقوال والوجوه التي كانت «الروضة» تعج بها، مما جعلها عصية على طلاب العلم من المبتدئين.
وكان لا بد من شرح ألفاظ هذا المختصر الغزيرة بالمعاني، فاقتنص شيخ الإسلام هذه الفرصة الذهبية وشرحه وبين ألفاظه وبين مراد الإمام حيث استعصى فهم ما أراد، وقام بإضافة فوائد ونقول لا يستغني عنها طالب العلم في فهم المسائل في المذهب، ولم يسهب فيه شيخ الإسلام؛ فقد غلب عليه التحرير والتقرير للمذهب مما رفعه لهذه المنزلة، وجعله من الكتب المعول عليها عند المتأخرين في تحرير المذهب وتقرير مسائله، وقد دلل لأحكام المذهب من الكتاب والسنة ونصوص علماء المذهب، وعلل أحكامه.
وقد بين شيخ الإسلام هذا الكلام في مقدمة مؤلفه حيث قال: «فهذا ما دعت إليه حاجة المتفهمين لـ«الروض في الفقه»، تأليف الإمام العلامة شرف الدين إسماعيل بن المقري اليمني من شرح يحل ألفاظه، ويبين مراده ويذلل صعابه، ويكشف لطلابه نقابه، فوائد لا بد منها، ودقائق لا يستغني الفقه عنها على وجه لطيف، ومنهج حنيف خال عن الحشو والتطويل، حاو للتدليل والتعليل، والله أسأل أن ينفع به، وهو حسبي ونعم الوكيل وسميته: «أسنى المطالب في شرح روض الطالب».
ثالثاً: «فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب»:
شرح المنهج المسمّى بـ«فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب» هو شرح لكتاب «منهج الطلاب لشيخ الإسلام الذي اختصر فيه منهاج الطالبين للنووي في جزأين، و«منهاج الطالبين» في فقه الشافعي هو مختصر «المحرر في فروع الشافعية» للرافعي.
و«المحرر» للرافعي من الكتب المعول عليها في المذهب في تحرير معتمده وتقرير مسائله، وهو متن كثير الفوائد وحجمه كبير؛ لأن الرافعي قد التزم فيه أن ينص على ما صححه معظم الأصحاب. فجاء النووي واختصره في منهاج الطالبين في نحو نصف حجمه وضم إليه فوائد نفيسة.
و«متن المنهاج» هو من أهم كتب الشافعية التي انكبوا عليها حفظاً وتدريساً واقراء وتصنيفاً، بل أستطيع أن أقول إنّ معظم محققي المذهب وأعلامه المتأخرين كانت لهم كتابات سات على متن «المنهاج».
وقد وقفت على أكثر من خمسين شرحاً وحاشية واختصاراً على المنهاج، منها: «شرح المحلي (ت 864 هـ) المسمى: «كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين»، و«شرح تقي الدين (ت 756 هـ) وبهاء الدين (ت 773 هـ) السبكيين المسمى: «الابتهاج»، و«شرح الإسنوي» (ت 772 هـ) المسمّى: «الفروق»، و«شرح الأذرعي» (ت 783 هـ) المسمى: «قوت المحتاج».
وهكذا نرى أن معظم علماء الشافعية المعتبرين كانت لهم كتابات على «المنهاج»، ولا يسعني في هذا المقام ذكرها كلها إذ المقصود بيان أهميته وقد حصلت. وينبغي الإشارة إلى أن «المنهج» و«شرحه» لشيخ الإسلام هو من أجل كتبه، وهو المقدم بينها في اعتماد رأي شيخ الإسلام بعد شرح البهجة الصغير كما سأبينه لاحقاً.
وتعود أهمية «منهج الطلاب» لأهمية أصله وهو «منهاج الطالبين» للإمام النووي، فإن «منهاج الطالبين» هو من أهم كتب الشافعية على الإطلاق وقد اعتنى به علماء المذهب إقراءً وتدريساً وحفظاً وتصنيفاً؛ حتى غدا شعاراً للمذهب الشافعي عند المتأخرين هو وشروحه المهمة، خاصة شروح أئمة المذهب المتأخرين كشرحي إمامي الفتيا في المذهب الشافعي الإمام ابن حجر الهيتمي والإمام الشمس الرملي، وقد زادت أهميته بما صنعه شيخ الإسلام فيه.
ومن مظاهر أهمية المنهج وشرحه إقبال الطلبة عليه حفظاً وقراءة، واعتناء الشيوخ به تدريساً وتصنيفاً، وهذا ليس مجرد كلام نظري فلو فتحت كتب تراجم المتأخرين لوجدت مظاهر هذا الاهتمام جلية، وقد قمت باستقراء كتب تراجم المتأخرين كـ حلية البشر» لابن البيطار، و«خلاصة الأثر» للمحبّي، وسلك الدرر للمرادي وغيرها من كتب تراجم المتأخرين كما سأبينه في مطلب مستقل في نهاية عرضي هذا لأهم مصنفات شيخ الإسلام الفقهية- لوجدت أن فلاناً قرأ شرح «المنهج خمسين مرة وآخر حفظه، وآخر قرأه على عشرة شيوخ، وهذا أمر واقع، وهو بالتأكيد بدل القارئ على أهمية «المنهج» و«شرحه» بين كتب الشافعية في «تحرير المذهب».
ولو فتحت أي كتاب من كتب الشافعية المتأخرة لوجدت المنهج» و«شرحه» مع شروح الجامع أئمة الشافعية المتأخرين لمنهاج النووي: كـ «التحفة» لابن حجر الهيتمي، و«النهاية» للشمس الرملي، و«المغني» للخطيب، هي أهم الكتب التي اعتمد عليها المصنف.
كذلك كانت كتابات المتأخرين على شرح المنهج ذات مكانة عالية في المذهب كـ«حاشية الزيادي وابن قاسم والجمل والبجيرمي وغيرهم ممن سأذكرهم في المطلب الرابع عند الحديث على اهتمام العلماء بكتب شيخ الإسلام، فكل هذا يدلل بشكل قاطع على أهمية «المنهج» و«شرحه» في المذهب الشافعي.
ويعود سبب اختصار شيخ الإسلام لـ «المنهاج هو التسهيل على طلبة العلم الذين يعتنون بحفظ المنهاج ودراسته، ولكن غزارته واحتوائه على الخلافيات جعله صعباً على الطلبة المبتدئين، فقرر شيخ الإسلام أن يختصره في متن صغير موجز العبارة غزير المعاني، حذف فيه الخلاف، وقرر فيه معتمد المذهب، وحرر مسائله بدقة، بحيث يستطيع طلبة العلم حفظه وفهمه بسهولة، فجاء «المنهج كما أراد شيخ الإسلام، وذاع في الآفاق، وغدا من أهم الكتب التي انكب عليها المتأخرون، ثم رأى شيخ الإسلام أن يصنع له شرحاً لطيف يبين معانيه الغامضة، ويضم إليها تحريرات وفوائد نفيسة مما ساهم في وصول «المنهج» و«شرحه لهذه المرتبة العلمية العالية في المذهب، وقد نضجت معرفة شيخ الإسلام الفقهية بشكل واضح، ويبدو أن المنهج وشرحه هو من آخر مصنفات شيخ الإسلام الفقهية بعد «شرح التحرير»؛ لذا جاءت خلاصة معرفة شيخ الإسلام الفقهية وخبرته متمثلة فيه.
رابعاً: «تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب»:
«تحفة الطلاب» أو كما هو معروف بين علماء الشافعية بـ شرح التحرير» هو شرح ممزوج على متن «تحرير تنقيح اللباب» في جزأين، و«تحرير تنقيح اللباب» هو أيضاً- لشيخ الإسلام وهو مختصر لـ«تنقيح اللباب لولي الدين أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي (ت 826 هـ)، و«تنقيح اللباب هو اختصار لكتاب لباب الفقه لأبي الحسن أحمد بن محمد المحاملي الشافعي (ت 415 هـ).
و«متن اللباب» هو من المتون الفقهية المختصرة الغزيرة المعاني المعتبرة بين كتب الشافعية لذا كان له نصيبه من اهتمام علماء المذهب تدريساً وحفظاً وتصنيفاً، وقد وقفت على عدد من كتابات العلماء على «اللباب» و«التنقيح»، فمنها «شرح الكركي»، و«شرح البكري».
ويبدو أن لشيخ الإسلام شرحا آخر موسعا غير «تحفة الطلاب» و«تحرير تنقيح اللباب»، على «التنقيح» و«اللباب، وهذا الشرح الموسع يحتمل كونه على متن «التنقيح» أو على متن «اللباب» نفسه، وقد أكثر شيخ الإسلام في ثنايا كتابه «تحفة الطلاب من الإحالة عليه وسماه بـ«شرح الأصل هذا كما سأبينه فيما يأتي، ولم أظفر بتصريح واحد من المترجمين لشيخ الإسلام بشأنه يزيد على نسبة كتاب اسمه: شرح الأصل لشيخ الإسلام كما بينته سابقاً عند عرض مصنفاته الفقهية.
وتنبع أهمية شرح التحرير» لشيخ الإسلام من اختصاره ودقة عبارته وتحريره لمعتمد المذهب في كثير من عويص مسائله؛ وأيضاً لأهمية أصله وهو «التنقيح» للولي العراقي وأصله «اللباب في الفقه» للمحاملي؛ وأيضاً لكتابات العلماء المتأخرين عليه خاصةً على شرح شيخ الإسلام الذي زادته رونقاً إلى رونقه، وحررت مسائله.
ويبدو أن سبب تأليف شيخ الإسلام لهذا المصنف كما استنتجت ذلك من خلال مسيرة شيخ الإسلام العلمية وإن لم يصرح بذلك بأن شيخ الإسلام قد نحا في نهاية عمره إلى تحرير المذهب وتنقيحه من مسائل الخلاف والاقتصار على الراجح مع ذكر ما لا بد منه من الأقوال والنصوص اللازمة لفهم المسائل وتقريرها، وشرح التحرير» هو آخر مصنفات شيخ الإسلام على الإطلاق ويبدو لي أنه اختار تصنيف هذا المختصر في فقه الشافعية للتركيز على حل مسائل المذهب وتحقيق مسائله وبيان المعتمد منها تماماً كما فعل في «المنهج» و«شرحه»، وإن كان هنالك خصوصية لـ«شرح المنهج من حيث مكانة أصل الكتاب وهو منهاج النووي» في المذهب.
رابعاً: مميزات مصنفات شيخ الإسلام الفقهية
سأتحدث في هذا المطلب عن المميزات العامة لمصنفات شيخ الإسلام الفقهية الأربعة، وقد قدمت الميزات المشتركة بين مصنفاته الأربعة جميعاً أولاً، ثم بينت الميزات التي انفرد بها بعض مصنفاته، سواء انفرد بها مصنف واحد دون الباقي أو اشترك فيها اثنان أو أكثر دون البعض، مع الإشارة لذلك في حينه، وقد كنت في بداية دراستي عرضت لميزات كل مصنف على حده في مطلب مستقل، ولكني وجدت أن كثيراً من القضايا تتكرر بشكل واضح كثير؛ فعزمت على جمعها في مطلب واحد أذكر فيه هذه المميزات المشتركة مع بيان ما انفرد به كل مصنف في إطار القضية المطروحة، التمثيل من كل مصنف من مصنفات شيخ الإسلام الأربعة. فأقول إن من أهم ميزات مصنفات شيخ الإسلام الفقهية الأربعة ما يلي:
أولاً: الاستدلال للمتن وتدعيم أحكام المذهب بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والاعتماد على الاستدلال النقلي المعتمد على نصوص المذهب بشكل واضح، مع الحرص على تخريج الأحاديث وبيان مصادرها الحديثية الأصلية، وذكر أقوال العلماء فيها تصحيحاً وتضعيفاً دون إسهاب بشكل واضح متكرر.
إن الناظر لكتب شيخ الإسلام الفقهية يعلم أن هذه الميزة مطردة في كل كتب شيخ الإسلام، ولا شك أن خلفيته الحديثية والفقهية قد أسعفته في ذلك، وساهمت إلى حدٍ كبير في اطراد هذه الميزة في كل مصنفاته الفقهية، وإن تفاوت حجمها من كتاب لآخر من حيث الإيجاز والإسهاب في ذلك، فـ«شرح البهجة» يأتي في المرتبة الأولى بين مصنفاته من حيث التوسع في الاستدلال وتدعيم أحكام المذهب بالنصوص، ويأتي في المرتبة الثانية «شرح الروض» مع تغليب جانب التحقيق على شرح البهجة»، ثم بعد ذلك يأتي شرحي «المنهج» و«التحرير» فهما مختصران، ولكن ذلك ظهرت هذه الميزة فيهما ولكن بشكل أقل من الشكل الذي ظهرت به هذه الميزة في شرحي البهجة» و«الروض»، وبيان انطباق هذه الميزة على مصنفاته مع الفقهية الأربعة كالآتي:
إن من أهم ما قام به شيخ الإسلام في مصنفاته الفقهية تدعيم أحكام المذهب والاستدلال؛ مما أضفى فائدة عظيمة على الكتاب لا تخفى على أحد. والمتأمل في هذا المصنفات يلاحظ بشكل واضح في هذا السياق عدة أمور، منها:
الأمر الأول: عدم إسهاب شيخ الإسلام وإفراطه في ذلك كما يفعل بعض العلماء، بل تجده يعطي الخلاصة دون اختصار محل ولا إسهاب ممل، وسيتضح هذا الأمر بجلاء عند عرضي بعد قليل لأمثلة تبرهن على صحة كلامي.
الأمر الثاني: أن شيخ الإسلام قام بتخريج الأحاديث وذكر مصادرها الحديثية، مع ذكر أقوال العلماء فيها تصحيحاً وتضعيفاً كلما اقتضت الحاجة لذلك، مع ذكر الروايات المختلفة للحديث إذا ترتب عليها فائدة فقهية، وبيان معنى الحديث وشرح الألفاظ الغريبة، وقد كان لمعرفة شيخ الإسلام الحديثية والقرآنية دورها مؤثراً باعتباره مفسراً وحافظاً محدثاً؛ مما أغنى شروحه ومصنفاته وأضفى عليه فوائد لا تحصى.
الأمر الثالث: أن شيخ الإسلام اعتمد في تدعيمه لأحكام المذهب والاستدلال لها بعد ذكر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على نصوص المذهب والاعتماد على أقوال العلماء المحققين في ذلك، وتعليل أحكام المذهب، وسيتضح هذا الأمر بجلاء فيما يأتي من كلام في الميزات القادمة فأترك الكلام لحينها، ولا يعني عدم اكتفاء شيخ الإسلام بالنصوص القرآنية والحديثية عدم كفايتها، لا فليس هذا المقصود على الإطلاق بل قد يقع خلاف في فهم آية أو حديث أو لا يثبت عند بعضهم إلى غير ذلك لا مجال لذكرها هنا من أسباب اختلاف الفقهاء؛ كما أنا نتحدث في هذا المقام عن كتاب فقه مذهبي، وكما هو معلوم فإن المتمذهب يتعامل مع نصوص المذهب كما يتعامل المجتهد المستقل مع نصوص الشرع.
الأمر الرابع: هو استدلال شيخ الإسلام بالقواعد الفقهية والأصولية، وقد كان يستدل بذلك كلما اقتضت الحاجة لذلك.
وحتى لا يكون الكلام نظرياً بحتاً لا بد من التمثيل والتدليل لكل ما قلته من مصنفاته الفقهية، وأبدأ بـ شرح البهجة ثم شرح الروض ثم شرح المنهج ثم «شرح التحرير»، وهو الترتيب الزمني لكتب شيخ الإسلام الفقهية :
أ- مثال ذلك في «شرح البهجة ما كان من شيخ الإسلام في الاستدلال على سنية السواك، حيث قال: (وسن للوضوء أي السواك لخبر: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء أي أمر إيجاب، وفي رواية: لفرضت عليهم رواه ابن خزيمة والحاكم مسنداً وصححاه، والبخاري تعليقاً بصيغة الجزم).
وقد فضلت ذكر هذا المثال على إيجازه على الرغم من وجود أمثلة كثيرة جداً أطول منه لكونه يبين بشكل واضح طريقة شيخ الإسلام في الاستدلال من حيث بيان الروايات وتخريج الحديث ونسبته لمصادره الأصلية وبيان قول المحدثين فيه مع التعامل بطريقة أصولية فذة في الاستدلال فلا شك أن معرفة شيخ الإسلام الأصولية والحديثية والقرآنية كان لها أثراً واضحاً في هذا الشرح.
ومثال الاستدلال بالقواعد الأصولية والفقهية حين فرق بين الوضوء وحد السرقة في وجوب غسل اليد الزائدة والأصلية في الوضوء، بخلاف حد السرقة فتقطع إحداهما؛ لأن الوضوء عبادة، والعبادات مبناها على الاحتياط، بخلاف حد السرقة؛ إذ الحدود تدراً بالشبهات.
مثال ذلك في شرح الروض على الاستدلال بالأحاديث وتخريجها ما قاله شيخ الإسلام في مسألة طهارة الجلد إذا دبغ، فبعد أن شرح كلام المصنف قال: «الخبر مسلم: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر»، وخبر أبي داود بإسناد حسن أنه قال في شاة ميتة: «لو أخذتم إهابها قالوا: أنها ميتة فقال: يطهرها الماء والقرظ».
ب-ومثال ذكر الروايات حين استدل شيخ الإسلام على سنيّة المبالغة في المضمضة والاستنشاق للمفطر دون الصائم حيث قال: «لقوله ﷺ أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً رواه الترمذي وصححه، وفي رواية للدولابي في جمعه لحديث سفيان الثوري صحح ابن القطان إسنادها: «إذا توضأت فأبلغ في المضمضة والاستنشاق ما لم تكن صائماً».
ومثال الاستدلال بالقواعد الفقهية استدلاله بقاعدة الضرورة تقدر بقدرها على أنه يجب التيمم لكل فرض، حيث قال: ... ولأنه طهارة ضرورة فتقدر بقدرها».
ومثال استدلاله بالقواعد الأصولية قاعدة الخارج على قاعدة القياس هل يجوز أن يقاس عليه غيره أم لا؟ والخلاف فيها طويل وشهير ولا مجال لذكره هنا، حيث قال: «... ، حيث قال: «... ولخروج الاستنجاء بالحجر عن القياس فلا يتعدى الأصلي».
وأيضاً قاعدة حمل المطلق على المقيد(4)، وغيرها كثير مما يصعب حصره في هذا المقام.
ج- مثال ذلك في شرح المنهج قوله في سنيّة التثليث حيث قال: «وسن تثليث لغسل ومسح وتخليل وذلك وذكر كتسمية وتشهد للاتباع في الجميع أخذاً من إطلاق خبر مسلم أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ورواه أيضاً - في الأول مسلم، وفي الثاني في مسح الرأس أبو داود، وفي الثالث البيهقي، وفي الخامس في التشهد أحمد وابن ماجه.
د -مثال ذلك في «شرح التحرير» ما قاله في الدعاء بعد الوضوء: «وأن يقول آخره أي أشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك» لخبر مسلم: «من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله إلى قوله: ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء وزاد الترمذي عليه ما بعده إلى المتطهرين وروى الحاكم الباقي وصححه، وهو من زيادتي».
وأخيراً أقول إن الأمر سيتضح بشكل أكثر جلاء عند الحديث على جهود شيخ الإسلام في المذهب الشافعي في مطلب عناية شيخ الإسلام بالاستدلال لأحكام المذهب؛ فأحيل القارئ لذلك المطلب حتى يستزيد معرفة عن جهود شيخ الإسلام في هذا الإطار.
ثانياً: الإحالة على مصنفاته الأخرى:
كثيراً ما كان شيخ الإسلام يحيل على مصنفاته الأخرى الفقهية وغير الفقهية، ويعود سبب إحالته القارئ لمصنفاته الأخرى لأمرين هما:
أولاً: أن تكون المسألة المبحوثة بحاجة لمزيد من إسهاب؛ فيحيل على مصنف فصل الكلام فيه على هذه المسألة؛ وبهذه الطريقة يتلافي التكرار حيث كان الإيجاز مطلوباً، فلا يشغل نفسه بالإطناب والإسهاب بل يشرع في مقصوده فوراً.
ثانياً: عندما يكون للمسألة تعلق بعلوم أخرى غير الفقه؛ فيحيل القارئ إلى مصنف من واللغة. مصنفاته اعتنى بموضوع المسألة المبحوثة، كأصول الفقه واللغة والحديث وغيرها. وأمثلة ذلك في مصنفاته الأربعة كالآتي:
أ- كان شيخ الإسلام من عادته أن يحيل القارئ على مصنفاته الأخرى في شرحه لـ «البهجة»؛ تلافياً للتكرار ، ولتعلق المسألة بجوانب غير الفقه، ومن ذلك قوله في نواقض الوضوء عند قول ابن الوردي: أن يزول العقل حيث قال شيخ الإسلام بجنون أو إغماء أو سكر أو نوم أو غيرها، لخبر أبي داود وابن السكن في صحاحه: «العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ»، ثم قال: «والعينان كناية عن اليقظة ولا يضر في النقض بزوال العقل الذي هو مظنة لخروج الخارج كون الأصل عدم خروج شيء، لأنه لما جعل مظنة لخروجه من غير شعور به أقيم مقام اليقين، كما أقيمت الشهادة المفيدة للظن مقام اليقين في شغلة الذمة والعقل غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات، وقد بسطت الكلام عليه في شرح آداب البحث.
ب- إنّ الناظر في «شرح الروض» يجد شيخ الإسلام كثيراً ما كان يحيل القارئ على كتابه الآخر «شرح البهجة»، خاصةً حينما يتعلق الأمر بإيراد الاعتراضات والمناقشات وردودها، وذلك محاولة منه في الإيجاز قدر الإمكان والتقليل من النقول والمناقشات فيه بخلاف «شرح البهجة».
ومثال ذلك: في تعريفه للطهارة شرعاً قال: وشرعاً رفع حدث أو إزالة نجس أو ما في معناهما وعلى صورتهما؛ كالتيمم، والأغسال المسنونة، وتجديد الوضوء، والغسلة الثانية، والثالثة، وما اعترض به على ذلك ذكرته مع جوابه، وفوائد أخر في شرح البهجة».
ج- كثيراً ما كان يقوم شيخ الإسلام في «شرح المنهج» بالإحالة على مصنفيه: «شرح الروض» و«شرح البهجة في المواضع التي تحتاج إسهاب وإطالة وقد تكرر هذا بشكل كبير. ذلك قوله في باب سجود السهو في مسألة من نسي التشهد الأوسط: «... وإن لم يتلبس به أي بفرض عاد مطلقا وسجد للسهو إن قارب القيام في مسألة التشهد أو بلغ حد الراكع في مسألة القنوت لتغيير ذلك نظم الصلاة بخلاف ما إذا لم يصل إلى ذلك لقلة ما فعله، وفي السجود المذكور اضطراب ذكرته في «شرح الروض» وغيره.
ومثال الإحالة على «شرح البهجة» قوله في باب صلاة المسافر: «وفرق بين لمسافر: «وفرق بين جمع التقديم والتأخير وقد بينته في «شرح البهجة» وغيره».
د- كان شيخ الإسلام يحيل في بعض المسائل التي تحتاج إلى تقص وزيادة في الشرح على مصنفه الآخر «شرح الأصل وهو شرح آخر إما على متن «التنقيح» أو على متن «اللباب»، ويبدو أنه شرح كبير كما يبدو من كلام شيخ الإسلام، وقد بينت ذلك عند عرضي لمصنفاته الفقهية سابقاً، وأيضاً كان شيخ الإسلام يحيل على شرح المنهج»، وذلك كما قدمت سابقاً لكون شرح «التحرير» شرحاً مختصراً، ومن ذلك قوله في نجاسة الخمر وتحولها لخل: «فإن صحب تخللها عين وإن لم تؤثر فيه أو وقع فيها عين نجسة وإن نزعت قبل التخلل لم يكن مطهراً ومثال إحالته على شرح الأصل قوله في أول باب مواقيت الصلاة: «الأصل فيها الأخبار الصحيحة وقد ذكرت بعضها في «شرح الأصل»، وأيضاً قوله في مسألة إن وجد مريد الطهارة ثلجاً وبرداً هل يجب عليه التوضوء به أو يكفيه التيمم: «فما يصلح للمسح فقط لا يقدر على إذابته لا يجب استعماله في الرأس على المذهب كما أوضحته في «شرح الأصل».
ثالثاً: الاعتراض على المصنف وبيان ما زاده وخالف فيه الأصل، مع بيان مصادر زياداته ومخالفاته للأصل ومناقشة ذلك، ورد هذه المخالفة والزيادة أو إقرارها بحسب الدليل.
من أهم ما قام به شيخ الإسلام في مصنفاته الفقهية الأربعة هو مقارنته بين كلام المصنف وبين كلام أصل الكتاب، ولا شك أن هذا الأمر صعب جداً لكونه يحتاج إلى سعة اطلاع ودقةٍ متناهية، ولكنه في نفس الوقت ذو فائدة عظيمة، ففي شرح البهجة» يقارن بين متن «البهجة الوردية» لابن الوردي وبين قول الأصل وهو «الحاوي الصغير» للقزويني، وكان شيخ الإسلام يناقش ابن الوردي في زياداته فتارة يقرها وتارة يردها وكان يبين مصادر ابن الوردي في زيادته ومخالفاته لأصل الكتاب للقزويني، وقد ساعد شيخ الإسلام في ذلك اطلاعه على «الحاوي الصغير وتعمقه في فهمه؛ فقد صنف عليه عدة مصنفات، منها «بهجة الحاوي» وهو شرح لشيخ الإسلام على «متن الحاوي» شرحاً آخر صغيراً على متن البهجة الوردية»، وأيضاً له حاشية على شرح أبي زرعة العراقي على متن «البهجة الوردية»؛ مما زود شيخ الإسلام بالمعرفة والاطلاع اللازمين لفعل ذلك بسهولة واقتدار.
وأما في «شرح الروض» فكان شيخ الإسلام يقارن بين كلام ابن المقري وبين كلام الأصل وهو كلام الروضة) للنووي وأصلها وهو «الشرح الكبير للرافعي، وكان يناقش شيخ الإسلام ابن المقري في مخالفاته، فتارة يقر ابن المقري في مخالفاته ويتابعه عليها بل يستدل لها، وتارة أخرى يضعف ما ذهب إليه ابن المقري ويرجح تعبير الأصل ويبين وجه ذلك. ومن الواضح أن شيخ الإسلام كان على اطلاع على شروح أخرى للأصل، وكان يقارنها بما فعله ابن المقري في اختصاره لـ«الروضة هنا، وكان يثبت الفروق بينها ويرجح بينها، ومن هذه المصنفات التي كان يعتني شيخ الإسلام بالنظر فيها ومقارنتها مع الروض لابن المقري: مختصر الروضة» للحجازي (ت 792هـ)، وخادم الزركشي»، و«مهمات الإسنوي»، و«الأنوار» للحلبي وغيرها.
وكذلك كان الحال في شرح المنهج فأحياناً كان شيخ الإسلام يعترض على النووي ويناقشه ويرد ترجيحاته رغم منزلة النووي لديه فهذا مما لا شك فيه دليل على إخلاص هذا العالم العامل. والدليل الأوضح على إخلاصه هو أنه كان يعترض على تعبيره هو في التحرير ويرده في بعض الأحيان، وكذلك كان يعترض على تعبير العراقي في «التنقيح» وأحياناً أخر على المحاملي صاحب الأصل وهو «اللباب، حيث قام شيخ الإسلام بالمقارنة بين كلامه في «التحرير» و«شرحه» وبين متن «التنقيح للولي العراقي ومتن «اللباب» للمحاملي.
وقد تميزت مناقشة شيخ الإسلام لزيادات المصنف ومخالفاته للأصل بعدة أمور: ثانياً: الأمر الثاني الذي تميز به في خلال مناقشاته لكلام المصنف -والذي يحسب له- هو عدم مسارعته لتخطئته والحمل عليه عند مخالفته للأصل، بل كان يتروى محاولاً حمل كلامه على مَحْمَل يوافق الأصل أو على محمل يصح معه الكلام، وإن كان لا بد من تخطئته فبلطف ولباقة تحسب له كما سينجلي ذلك في الأمثلة القادمة. سائل الجامعية مستقل فيما يأتي لأهميتها.
أولاً: أن شيخ الإسلام كان يبين مصادر المصنف في زياداته ومخالفاته للأصل، وقد تكرر هذا بشكل كبير - جداً، وسيتضح هذا بجلاء فيما يأتي من أمثلة بعد قليل.
ثالثاً. من خلال مناقشات شيخ الإسلام يتبين للقارئ بوضوح سعة اطلاعه على نصوص المذهب لا سيما كتب الشيخين النووي والرافعي جمعيها؛ لذا سأفرد هذه النقطة بالذات ببيان
ولا بد لي في هذا المقام من ذكر أمثلة توضيحية توضح كلامي السابق؛ لذا سأعرض فيما يلي أمثلة منتقاة من كتبه الفقهية الأربعة، فأقول:
1- مثال ذلك من شرح البهجة ما قاله شيخ الإسلام في فصل آداب قاضي الحاجة عند حديث المصنف عن اجتناب الريح والجحر ومكان المُسْتَحَم والمكان الصلب والوقوف لمن يريد التبول، قال شيخ الإسلام مُعلِقاً على قول ابن الوردي في أن هذه الأمور هي من قبيل الأدب: والتصريح بقوله: أدباً من زيادته، وذكره هنا يوهم أنّ الاستبراء وترك الاستنجاء بالماء في مجلسه الآتيين ليسا أدبين وليس كذلك، فلو أخره عن الجميع، أو قدمه عليه، أو تركه كأصله كان أولى، وتخصيصه كغيره اجتناب الجخر بالبول قد يقتضي مخالفة الغائط له، والمتجه أنه مثله في غير مهب الريح والمكان الصلب أما فيهما فيحتمل ؛ للتفصيل بين المائع وغيره.
ب- مثال ذلك من شرح الروض قول شيخ الإسلام وشمل كلامه الخارج من الدبر، وغيره بخلاف قول الأصل: أو ثقبة في الصلب أو الخصية على المذهب، وما صححه الأصل من أنه لا فرق بين خروجه من المعتاد وغيره جزم به في «المنهاج» كأصله، وصححه في «الشرح الصغير»، لكن جزم في التحقيق بما ضعفه الأصل من أنّ للخارج من غير هذا المعتاد حكم المنفتح في باب الحدث، وصوبه في المجموع، والصلب هنا على هذا كالمعدة هناك كما جزم به الأصل، فعدول المصنف عن عبارة الأصل إلى قوله أو تحت الصلب لعله لاختياره ما في «التحقيق» و«المجموع»، لكن ينبغي له أن يقول: مع انسداد الأصلي كما تقرر».
ومثال الرجوع لأصل «الروضة» قوله: «فلو أحس بنزول المني فأمسك ذكره فلم يخرج منه شيء فلا غسل عندنا، ذكره في «الروضة» وحذفه المصنف للعلم به مما مر ».
أما مثال بيان مصادر الشارح في زيادته المثال السابق، وهذا المثال: «وقيدُ (بالبصير) من زيادته كـ«الحاوي» وغيره أخذاً من كلام الشافعي ليخرج الأعمى النقصه عن البصير، ولهذا اختلف في جواز اجتهاده».
كز ايداع الرسائل الجامعية وأكتفي بعرض هذا القدر من الأمثلة فلو أردت عرض ما وقفت عليه من أمثلة في هذا المقام لأطلت كثيراً.
ومثال اطلاعه على شروح الأصل الأخرى قول شيخ الإسلام في كيفية وضع اليدين في الصلاة: «ثم حذف التخيير شيخنا الشمس الحجازي في «مختصر الروضة»».
ج- مثال ذلك من «شرح المنهج» قوله في نية الغسل: وتعبيري بأداء أو فرض الغسل أولى من تعبيره بأداء فرض الغسل، وظاهر أن نية من به سلس مني كنية من به سلس بول وقد مر بيانها».
د -مثال ذلك في شرح التحرير قوله وتعبيري بالاندباغ أولى من تعبيره بالدبغ إذ لا يشترط الفعل». وكذا قوله: «وتعبيري هنا وفيما يأتي بالمؤنة أعم من تعبيره بالنفقة وظاهر أن احتياجه لبيعه لدينه كاحتياجه لبيعه للمؤنة».
ومن ذلك أيضاً- ما قاله في السواك في مسألة الاستياك بالأصبع: «لا أصبعه أي المتصلة بها؛ لأنها لا تسمى سواكاً واختار في المجموع تبعاً للروياني وغيره أنها تكفي إذا كانت خشنة وهو ظاهر كلام الأصل». ويعني بالأصل هنا كلام «التنقيح» وقد تكرر هذا الأمر مراراً وتكرارا في شرحه لـ«التحرير».
رابعاً: الرجوع إلى قول الشيخين النووي والرافعي في مصنفاتهما، والترجيح بين أقوالهما.
مصنفات الشيخين النووي والرافعي مثلت العمود الفقري لترجيحات شيخ الإسلام ومناقشاته واختياراته في تحرير معتمد المذهب، فنادراً ما كانت مسألة يوجد فيها خلاف داخل المذهب لا تجد فيها نقلاً عن الشيخين وخاصة النووي، فكان يرجع لقولهما ويحرر رأيهما ويرجح بين أقوالهما في مصنفاتهما المختلفة أو في المصنف الواحد، وقد ساعده في ذلك سعة اطلاعه وإلمامه بأقوال الشيخين وتحريراتهما في كل كتبهما، فأصبح من المعتاد جداً أن تجد في كل صفحة نقلاً عن «المجموع»، أو «التحقيق»، أو «الروضة»، أو «المنهاج»، أو «شرح مسلم ومختصره»، أو «نكت التنبيه»، أو «تصحيح التنبيه»، أو «الشرح الكبير»، أو «الشرح الصغير»، أو «المحرر» وغيرها من كتب الشيخين مما سأبينه في مصادر شيخ الإسلام الفقهية في التصنيف.
والأمثلة على ما قدمت كثيرة جداً، مما جعلني أفكر بإضافة مطلب خاص أتحدث فيه عن موقف شيخ الإسلام من قول الشيخين ومخالفيهما إن بقي متسع من جهد ووقت وسعة في الرسالة والله المستعان، ومن هذه الأمثلة:
أ- قول شيخ الإسلام في شرح البهجة في باب التيمم في حد القرب، حيث قال: وعلم من كلام الناظم أنه لا يلزمه طلبه فيما زاد على ذلك، وإن تيقن وصوله إليه في الوقت لبعده، وأنه لو تيقن عدمه لا يلزمه طلبه لأنه عبث وأنه لو انتهى إلى المنزل في آخر الوقت والماء في حد القرب.
ولو قصده خرج الوقت وجب قصده كما لو كان الماء في رحله، وبه قال الرافعي، وقال النووي: لا يجب، وكلّ منهما نقل ما قاله عن ظاهر كلام الأصحاب بحسب ما فهمه، وزاد النووي نقله عن ظاهر نص الأم وغيره إلى آخر المسألة فإن كتب الشيخين كانت دائماً المصدر الرئيسي الذي اعتمد عليها شيخ الإسلام في تحرير مسائل المذهب.
المصنف ب وقوله في «شرح الروض» في مسألة غسل الذمية والمجنونة والمكرهة حتى تحل لزوجها: «ويشترط أن تنوي الذمية، ومن يغسل المجنونة والممتنعة استباحة التمتع كما صححه النووي في تحقيقه في الأوليين، واقتضاه كلامه فيه مع مجموعه في الثالثة، وما في تحقيقه في الذمية محله في المطاوعة فلا ينافي ما في «الروضة» كأصلها من عدم اشتراط نيتها؛ لأنه في الممتنعة المغتسلة، وظاهر أن اغتسال المجنونة والمسلمة المكرهة لا يشترط فيه نية للضرورة كما اقتضاه - کلام في موانع النكاح فيهما، وكلام أصله ثم في الأولى محفوظة.
ومثال إلمامه بقول الشيخين في كل كتبهما قوله في باب الخلع في الصيغة لو قال خالعتك أو فاديتك أو افتديتك فقبل وإن لم يذكر المال لأن قبولها يشعر بذلك، فقال شيخ الإسلام: «وهذا مقتضى كلام «المنهاج» والنسائي وصاحب «الأنوار» والإسنوي والبلقيني. قال البلقيني: وهي طريقة الأكثرين، خلافاً لما وقع في «الروضة» من تصحيح أنه كتابة» إلى آخر الكلام فقد رجّح شيخ الإسلام كلام النووي والرافعي في «المنهاج» وأصله في كأصله هذه المسألة.
ج- وقوله في شرح المنهج في المتيمم إن وجد ماءً وهو في الصلاة وقد ضاق الوقت: وحرم قطعها في فرض إن ضاق وقته عنه لئلا يخرجه عن وقته مع قدرته على أدائه فيه، وهذا من زيادتي وبه جزم في التحقيق وإن ضعفه في الروضة كأصلها.
د- مثال ذلك في شرح التحرير» في مسألة المسامحة في التقدير بالقلتين، فقال شيخ الإسلام: «فيغتفر في الخمسمائة نقص رطلين على الأشهر في الروضة وقيل نقص ثلاثة وقيل نقص قدر لا يظهر بنقصه تفاوت في التغير بقدر معين من الأشياء المغيرة وبه جزم الرافعي وصححه النووي في «تحقيقه».
يصرح هذا القضية بالذات حري بنا التوقف عندها بتمعن فمن أهم ما تميز به شيخ الإسلام في مصنفاته الفقهية أنه لم يكن حاطب ليل بل كان محرراً ومقرراً للمذهب، وكان بآرائه واختياراته إن اقتضى الأمر تدخله، ولم يكن ترجيحه بين الأقوال منبعه من الهوى، بل كان يستند إلى الدليل: من قرآن وسنة وإجماع ونصوص المذهب، وإن لم يكن لديه دليل لا يرجح بل يكتفي بعرض الأقوال فقط، وقد يرجع في كتبه الأخرى عن اختيار ظهر له خطؤه، وهو من أجل ما تميز به شيخ الإسلام في هذا السياق.
خامساً: التصريح بآرائه واختياراته:
والأمثلة على ذلك كثيرة جداً وقد أفردت مبحثاً خاصاً لاختيارات شيخ الإسلام عند الحديث على جهوده في المذهب فأحيل القارئ إلى ذلك المطلب، وأذكر في هذا المقام بعض الحقوق محفوظة
الأمثلة التوضيحية فقط:
1- مثال ذلك في شرح البهجة» قول شيخ الإسلام في مسألة المميز الجنب هل يمنع من المصحف أو لا؟ قال شيخ الإسلام مرجحاً لجانب المنع وصرح النووي في «فتاويه» بأنه لا فرق في عدم منع المميز بين المحدث والجنب، ولم يطلع صاحب المهمات فقال: ولم أجد تصريحا في تمكينه من ذلك حال جنابته، والقياس المنع لأنها نادرة وحكمها أغلظ، وما قاله إلى آخر المسألة بيع العين.
ومثال رجوع شيخ الإسلام عن رأيه واختياره في شرح البهجة» قوله في مسألة . المستأجرة من المستأجر أنه يصح، وإن انفسخ أحد العقدين بقي الآخر، فلو أجره العين فله أن يستأجرها منه كما يجوز أن العين ممن اشتراها منه ولو قبل التسليم فإنه يصح إجارتها، هذا ما قرره شيخ الإسلام ثم قال: «هذا ما صححه النووي والذي اقتضاه كلام الرافعي عدم صحتها كنظيره في البيع ووافقه عليه النووي، نبه عليه الإسنوي وهو كما قال لكنه تسمح في نسبة التصريح إليهما، وإن كنت تبعته في شرح البهجة» فإنهما لم يصرحا بذلك وإنما اقتضاه كلامهما، وهذا المقتضى هو المذهب المشهور كما قاله القاضي أبو الطيب وغيره».
ب- مثال ذلك في شرح الروض قول شيخ الإسلام في مسألة غسل الكافرة لحليلها هل يعتبر مستعملا ؟ حيث قال شيخ الإسلام ولو عبر كـ الروضة» بالكتابية كان أولى لما سيأتي أن ما سواها من الكافرات حرام، وكالمسلم الكافر فيما يظهر بناءً على أنه مكلف بالفروع، وهي مكلفة بالغسل له كالمسلمة ثم ترجح عندي خلاف ذلك عملا بتقييدهم الحكم بالمسلم، لأن الاكتفاء بهذه النية إنما هو للتخفيف عليه، والكافر لا يستحقه لقدرته على الاكتفاء بها بأن يسلم».
وهذا مثال واضح على تراجع شيخ الإسلام عن اختياره إن تبين خطؤه ولا عجب في ذلك فإن الحق هو ما يبتغيه شيخ الإسلام.
ج- مثال ذلك في شرح المنهج قول شيخ الإسلام في مسألة طهارة لبن الآدمي، حيث رجح طهارته مطلقاً، وتفصيله كالآتي، فقد ذكر النووي من أنواع النجاسة لبن ما لا يؤكل غير الآدمي، فعلق شيخ الإسلام على ذلك وقرر أن لبن ما لا يؤكل لحمه غير الآدمي نجس، لأنه يستحيل في الباطن كالدم. وقرر أن لبن ما يؤكل لحمه طاهر لقوله تعالى: {لَّبَنا خَالِصاً سَائِغاً للشاربين}، وقرر أن لبن الأدمي طاهر - أيضا - لأن القول بنجاسته لا يليق بتكريم بني آدم، ثم صرح بأنه لا فرق في ذلك بين الأنثى الكبيرة الحية وغيرها من صغيرة وذكر وميتة، واعتمد على كلام الصيمري في ذلك، خلافاً لعف سانة الجامعية . في ذلك خلافا لبعض علماء المذهب حيث قالوا بنجاسة لبن الذكر والصغيرة والميتة، فقال شيخ الإسلام الأوجه الأول أي القول بطهارته؛ لأن الكرامة الثابتة للبشر الأصل شمولها للكل جامعة.
د- مثال ذلك في شرح التحرير» قوله في الأغسال المسنونة عند طواف الركن: «لا غسل طواف ركن أو وداع وإن جزم الأصل بسنيّته في الأول والنووي في «منسكه الكبير» بسنيته فيهما».
سادساً: تضعيف المتن وبيان المعتمد في المذهب:
حرص شيخ الإسلام في مصنفاته الأربعة كل الحرص على تحرير معتمد مذهب الشافعية، لذا بتضعيف قول (ابن الوردي) وقول (أصله للقزويني) حين يكون كلامه ضعيفاً بالنسبة لمعتمد المذهب في شرح البهجة»، وكذلك في شرح الروض حيث كان يدقق فيما قاله ابن المقري في «الروض وفي كلام الأصل أي كلام النووي والرافعي، وكان شيخ الإسلام لا يتوانى في النص على الضعيف في المتن والتنبيه عليه وبيان المعتمد في ذلك، وينطبق هذا الأمر على «شرح المنهج حيث صرح شيخ الإسلام في مقدمة كتابه «المنهج» و «شرحه» أنه سيقوم بإبدال غير المعتمد بالمعتمد، وينطبق هذا الكلام على «شرح التحرير» -أيضاً-.
ولا شك أن هذا من أوجب ما يجب فعله على الفقيه؛ من أجل تحرير مذهبه، وتخليصه من الأقوال الضعيفة ونصرته، فهو من أهم ما يجب على العلماء المتمذهبين بيانه لاسيما في إطار تحرير المذهب ونصرته، وهو بلا شك عمل يخدم المذهب ويثري الكتاب ويزيده تنقيحاً وتحريراً مما يجعله أكثر أهمية وقبولاً عند أهل العلم، والله تعالى أعلم، ومثال ذلك في مصنفاته الأربعة ما يلي:
أ- ومثال ذلك في شرح البهجة قوله عند قول ابن الوردي: «وسُن ضربتان» أي للتيمم. قال شيخ الإسلام بعد بعد أن استدل له: «وهذا ما صححه الرافعي وبين أن المعتمد في المذهب كما رجحه النووي وجوب سربة بخرقة ونحوها، واستدل لذلك من السنة المطهرة ونصوص المذهب.
ب- مثال ذلك في شرح الروض قوله في كتاب «الكتابة في الفرق الثالث بين الكتابة الصحيحة والفاسدة»، وهو سقوط النفقة عن السيد إن استقل العبد بالكسب ولا يعامل سيده: «هذا ما نقله عن تهذيب البغوي، ثم قال: ولعله أقوى ونقل قبله عن الإمام والغزالي أن له أن يعامله كالمكاتب كتابة صحيحة، وقد راجعت كلام البغوي فرأيته إنما ذكر ذلك تفريعاً على ضعيف وهو أنه لو أعطى من سهم المكاتبين ولم يعلم بفساد كتابته ودفعه إلى سيده، ثم علم به لم يسترد منه فالأقوى قول الإمام والغزالي».
ج- مثال ذلك في شرح المنهج قول شيخ الإسلام في مسألة التغوط في الطريق، حيث قرر النووي في متن «المنهاج كراهته، فضعف شيخ الإسلام المتن القاضي بكراهته، وقال بوجوب حرمة التغوط في الطريق لا كراهته لإيذاء المسلمين وللآثار الواردة في النهي عن ذلك، وقد أقر بذلك ما ذهب إليه الرافعي في روضته»، خلافاً لما ذهب إليه النووي من كراهته.
د-مثال ذلك في شرح التحرير قول شيخ الإسلام في مسألة نقل التراب في التيمم: وعبرت بالنقل لا بالقصد وإن عبر به الأصل لقول «المحور» و«المنهاج» إن النقل ركن والقصد شرط كما قال الرافعي داخل في النقل الواجب قرن النية به.
سابعاً: ذكر فوائد وتفريعات ومسائل نفيسة في ثنايا الشرح وعند ختمه للفصول والأبواب بشكل دائم بما يتناسب مع المقام.
مما امتاز به شيخ الإسلام في مصنفاته الأربعة ذكره فوائد وتفريعات ومسائل نفيسة زائدة في ثنايا الشرح وعند ختم الأبواب والفصول بما يتناسب مع المسائل المبحوثة، مما لا غنى لطالب الفقه عنها، ولم يكتف شيخ الإسلام بإضافة هذه الفوائد بل كان ينبه على ذلك بأن هذه الفروع والفوائد والزيادات منه وهذا لا شك أنه ذو نفع عظيم؛ فيسهل على طالب العلم الفصل بين كلام الأصل وكلام شيخ الإسلام؛ فلا يقعون في لبس في فهم المسائل ونسبة الأقوال، وقد تكرر هذا بشكل واضح في ثنايا مصنفاته الفقهية الأربعة، وكذلك كان شيخ الإسلام يبين مصدره في استقاء هذه الفروع والفوائد والأمثلة على ذلك كثيرة جداً في مصنفاته الفقهية، ومن ذلك:
أ- مثال ذلك في شرح البهجة قول شيخ الإسلام عند ختم باب الوضوء حيث جاء يسمى يسمى بأربعة فروع استقاها من مجموع النووي، فقال: «فروع من المجموع:
أحدها: يشترط في غسل الأعضاء جريان الماء عليها، فلا يكفي أن يمسها الماء بلا ،جريان كما اتفق عليه الشافعي والأصحاب، لأنه لا غسلاً، ولو غمس عضوه فيه كفاه، لأنه غسلاً.
ثانيها: أجمعوا على أن الجنابة تحل جميع البدن، وأما الأصغر ففيه وجهان ... .
ومثاله -أيضاً- في ختام فصل كيفية الصلاة ذكر السكتات في الصلاة وهي أربع: عقب تكبيرة الإحرام، وبين الضالين وآمين، وبعد آمين وبعد فراغه من السورة القصيرة، وقد فصل شيخ الإسلام الكلام عليها في صفحة كاملة تقريباً.
ب- مثال ذلك في شرح الروض ما قاله شيخ الإسلام في كتاب صلاة المسافر حيث جمع ما يختص به السفر الطويل وما لا يختص فقال: «فرع: قد جمع في أصل «الروضة» ما يختص بالسفر الطويل وما لا يختص فقال: الرخص المتعلقة بالسفر الطويل أربع: القصر، والفطر، والمسح على الخف ثلاثة أيام، والجمع على الأظهر. والذي يجوز في القصير أربع: ترك الجمعة، وأكل الميتة وليس مختصاً بالسفر، والتنفل على الراحلة على المشهور، والتيمم، وإسقاط الفرض به على الصحيح فيهما، ولا يختص هذا بالسفر -أيضاً- كما مر في باب التيمم، نبه عليه الرافعي، وزيد على ذلك صور، منها ما لو سافر المودع ولم يجد المالك ولا وكيله ولا الحاكم ولا الأمين فله أخذها معه على الصحيح، ومنها ما لو استصحب معه ضرة زوجته بقرعة فلا قضاء عليه ولا يختص بالطويل على الصحيح، ووقع في المهمات تصحيح عكسه، وهو سهو نبه عليه.
ومثاله أيضاً- في صلاة الجمعة حيث ذكر تقسيم حال المكلفين إلى ستة أقسام، وغير ذلك كثير مما يصعب الإحاطة به في هذا المقام فأكتفي بالمثال المذكور. الزركشي»
ج- مثال ذلك في شرح المنهج قول شيخ الإسلام في كتاب الجنائز، بعد أن شرح كيفية التغسيل ومن يقوم بها إلى آخر الكلام، قال: «فرع: الصغير الذي لم يبلغ حد الشهوة يغسله الرجال والنساء، ومثله الخنثى الكبير عند فقد المحرم كما صححه في «المجموع»، ونقله عن اتفاق الحرم كما صحح الأصحاب، قال: ويغسل فوق الثياب، ويحتاط الغاسل في غض البصر والمس». زاندا الرسائل وكما ترى فإن شيخ الإسلام كان لا يغفل ذكر فروع نفيسة، تكون كالهدية لطلاب العلم في ثنايا الشرح.
د- مثال ذلك في شرح التحرير قول شيخ الإسلام في مسألة غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء: «وغسل الكفين وهو أوضح من قوله اليدين وذلك للاتباع رواه الشيخان سواء تيقن طهرهما أم لا. فإن شك في طهرهما كره غمسهما في ماء قليل قبل تثليث لغسلهما وهذا من زيادتي وذلك لخبر مسلم: إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده» أشار بما علل إلى احتمال نجاسة اليد في النوم كأن تقع على محل الاستنجاء بالحجر لأنهم كانوا يستنجون به فيحصل لهم التردد والتردد الحق بغيره، ولا تزول الكراهة إلا بغسلهما ثلاثاً للخبر السابق
ثامناً: التعرض لخلاف المذاهب الأخرى، ومراعاة خلافهم. كان شيخ الإسلام يتعرض في مسائل قليلة لآراء الأئمة الثلاثة الآخرين: أبي حنيفة النعمان ومالك وأحمد بشكل موجز، والسبب في تقليله من ذكر المذاهب الأخرى واضح جلي فنحن نتحدث عن كتاب فقه مذهبي محض.
وكان يعد خلاف المذاهب الأخرى وخاصة خلاف أبي حنيفة النعمان مرجحاً في بعض مسائل المذهب المختلف فيها وهو ما يعرف عند العلماء بمراعاة الخلاف. فمن الطبيعي أن يقع خلاف بين العلماء في بعض المسائل حتى في داخل المذهب الواحد، ولا بد لأئمته من الترجيح بين هذه الآراء وتحرير معتمد المذهب في هذه المسائل، وهذا الأمر يشكل جانباً مهماً من جوانب جهود شيخ الإسلام في إطار خدمته لمذهب الشافعية، والترجيح بين النصوص له ضوابط وقواعد في كل مذهب ولن أتحدث عن هذا الأمر في هذا المقام فالحديث عنه يطول وهذا ليس بمكانه، وما يعنيني هنا أن شيخ الإسلام قد عد خلاف المذاهب الثلاثة الأخرى وخاصة خلاف أبي حنيفة النعمان مرجحاً في المسائل المختلف فيها عند عدم وجود مرجحات أخرى، فيقدم القول الموافق لمذهب أبي حنيفة على غيره، وقد ذلك شيخ الإسلام أكثر من مرة حيث عد خلاف أبي حنيفة النعمان مرجحاً، وقد صرح شيخ الإسلام بذلك في شرحه لـ«الروض».
السبب في تخصيص مذهب أبي حنيفة أكثر من غيره من المذاهب الأخرى بهذا الأمر إلى ثلاثة أمور: ويرجع
1- مرتبة المذهب الحنفي في مصر، فإنه يأتي في المرتبة الثانية بعد المذهب الشافعي من حيث الانتشار.
2-اطلاع شیخ الإسلام بشكل كبير على كتب الحنفية بشكل خاص وقد لاحظنا ذلك جيداً من خلال عرض مقروآته.
3- أن شيخ السلام قد تتلمذ على عددٍ من شيوخ الحنفية في الأصول والعقيدة فكان لا بد لهم من التعرض لمذهبهم ومن أشهرهم شيخه الكمال ابن الهمام الحنفي المذهب. وإليك بعض الأمثلة من كتبه الفقهية على هذا الكلام، فبالمثال يتضح المقال:
أ- مثال ذلك في شرح البهجة عندما تعرض لمذهب الحنفية في وجوب الوتر وهو قول أبي حنيفة.
ب- ومثال التعرض لخلاف المذاهب الأخرى في شرح الروض» عندما تعرض لمذهب الحنفية في وجوب القصر في السفر.
ومثال التعرض لمذهب مالك في حد الزنا بأنّ الحد يُدْرَءُ بالشبهة ومنها الشبهة في الطريق وهي إباحة بعض العلماء الوطء بجهة كمذهب مالك في النكاح بلا شهود .
ومثال التعرض لمذهب أحمد في قول لأحمد في مسألة التعزية وابتداء مدتها، فقال شيخ الإسلام بعد أن بين معتمد المذهب في استحبابها قبل الدفن وبعده ثلاثة أيام قال: «وبه قال أحمد كما اقتضاه كلام المستوعب وغيره للحنابلة».
ومثال مراعاة الخلاف ما كان من شيخ الإسلام في كتاب الإقرار قال: وجميعها إقرار عند أبي حنيفة، ثم قال وأما أصحابنا فمختلفون فيها، والميل إلى موافقته في أكثرها.
ج- ومثاله في شرح المنهج قول شيخ الإسلام في قصر الصلاة بالسفر: «والأفضل له قصر أي هو أفضل من الإتمام إن بلغ سفره ثلاث مراحل ولم يختلف في جواز قصره فإن يبلغها فالإتمام أفضل خروجاً من خلاف أبي حنيفة فإنه يوجب القصر إن بلغها والإتمام إن لم يبلغها، وقدمت في باب مسح الخف أن من ترك رخصة رغبة عن سنة أو شكا في جوازها كره له تركها».
وقال في نفس الموضع: (ومن يديم السفر مطلقاً فالإتمام أفضل له لأنه في وطنه وللخروج من خلاف من أوجبه عليه كالإمام أحمد فإنّه لا يجوز له القصر».
تاسعاً: الإحالة على أبواب قادمة أو على أبواب سابقة؛ تلافياً للتكرار.
وهذا الأسلوب شائع معتاد بين الفقهاء لئلا يقعوا في التكرار المخل، فمن عادة الفقهاء أن لا يبحثوا كل جوانب المسائل المطروحة في كل مرة تتكرر فيها، بل يحيلوا على أبواب سابقة أو يرجئوها لأبواب لاحقة، وهو ما التزم به شيخ الإسلام في مصنفاته الأربعة، وهذا الأمر واضح بجلاء في مصنفاته الأربعة ولا حاجة للتمثيل عليه هنا لوضوحه بجلاء.
عاشراً: ضبط النص وشكله وبيان معاني الألفاظ الغامضة والتصريح بمراد المصنف حين يُشكل الكلام مع الاعتماد في ذلك على حافظته القوية.
إن الناظر في مصنفات شيخ الإسلام الفقهية ليجزم بمعرفة شيخ الإسلام اللغوية، وتتجلى هذه المعرفة بضبط النصوص والألفاظ وبيان معانيها والنقول عن اللغويين، والاعتماد في ذلك على حفظه، ومثال هذا كثير جداً في مصنفاته الفقهية، ولا شك أن من الطبيعي أن يعتني الشراح بضبط النص وبيان معاني الكلمات الغامضة والتنبيه على مراد الماتن عند الالتباس، ولكن ما لا يفعله كثير من الشراح أن يعتمدوا في ذلك على حفظهم ومقروآتهم، ولا شك أن للحفظ دوراً مهماً في تقرير العلم وفهمه وهو ما فعله شيخ الإسلام حيث اعتمد على حافظته القوية مع المراجعة والمذاكرة الدائمة للعلم، وأكتفي بذكر مثال واحد من «شرح الروض» لوضوح الأمر:
مثاله في «شرح الروض قول شيخ الإسلام عند قول ابن المقري في باب الإجارة: «وله الفسخ إن تعينت بعشوان، ، قال شيخ الإسلام معقباً على قوله بعشوان: «أي بعدم إبصارها بالليل، ولفظ عشوان لا أحفظه، والذي في الصحاح العشا مصدر الأعشى، وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار».
حادي عشر: ذكر نقول وأقوال علماء المذهب وتحريرها والتعقب والمناقشة لعلماء المذهب بشكل واضح في شرحي البهجة» و«الروض»، و حذف الخلاف والإيجاز في عرض المسائل وبيانها في شرحي «المنهج» و«التحرير».
هذه الميزة قد انفرد بها شرحا «البهجة» و«الروض» دون شرحي «المنهج» و«التحرير»، فقد أكثر شيخ الإسلام من النقول عن علماء المذهب المعتبرين المتأخرين والمتقدمين منهم على حد سواء، وحرر الخلاف الحاصل في المسائل ورجح بينها، وتعقب أقوال العلماء في ذلك، وتشمل هذه النقول الاعتراضات الواردة على المتن مع مناقشتها والرد عليها أو تقديمها في بعض الأحيان على متن «الروض»، وقد أسعف شيخ الإسلام في ذلك سعة إطلاعه وحفظه لعلوم الأقدمين، مما أضفى نوعاً من الدقة والموضوعية في عرض هذه الأقوال ومناقشتها. ولا شك بأن هذه الفوائد النفيسة لا غنى لطالب العلم عنها.
وقد توسع بشكل واضح في بسط الخلاف والإكثار من النقول والتعقب والمناقشة لعلماء المذهب والتبحر في عرض المسائل في شرح البهجة أكثر من شرح الروض»، حيث غلب على شرح الروض» مقارنة مع شرح البهجة جانب التحرير والتقرير لمسائل المذهب مع إيراد النقول والنصوص، بخلاف شرح البهجة» ففي بعض المواضع كان يكتفي بعرض الخلاف الحاصل في المسألة، ويأتي بالنقول والنصوص دون تدخل منه في ترجيح أحدها أو توجيهها.
«المنهج هذا فيما يتعلق بتوسع شيخ الإسلام في بسط الخلاف في المسائل والإكثار من إيراد النصوص والنقول عن علماء المذهب في شرحي «البهجة» و«الروض»، أما في شرحي و«التحرير» فإن أسلوب شيخ الإسلام يختلف كلياً، حيث كان شيخ الإسلام يحذف الخلاف في المسائل ويقتصر على الراجح، وإن ذكر نقلاً عن أحد العلماء فبإيجار بالغ، والسبب وراء ذلك رغبة شيخ الإسلام في التيسير على طلبة العلم ليتمكنوا من فهم المسائل في البداية، بل إن سبب تأليف المنهج هو اختصار المسائل الخلافية وعدم ذكر الأقوال والأوجه والاقتصار على المعتمد، ومن هنا جاءت شهرة وأهمية المنهج وشرحه لشيخ الإسلام، ثم شرحه في شرح بسيط يبين مبهمات المختصر، وكذلك الحال بالنسبة لـ«شرح التحرير» تماماً. والأمثلة على هذا الذي ذكرته كثيرة جداً، منها ما يلي:
أ- مثال التوسع في بسط الخلاف وإيراد النقول والنصوص في «شرح البهجة» قول شيخ الإسلام في مسألة التيمم للصلاة التابعة حين مثل ابن الوردي لها بالفائتة بعد أن استدل لها وشرحها، قال: «الخبر الصحيحين»: «من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها، فلو شك أو ظن أن عليه فائتة فتيمم لها ثم بان أنها عليه . بان أنها عليه لم يصح؛ لأن وقت الفائتة بالتذكر، كما قاله البغوي والمتولي والروياني، وأنكره عليهم الشاشي بأنه أمر بالتيمم لها
لتوهم بقاؤها عليه، فإذا تحقق بقائها كان أولى بالإجزاء، ذكر ذلك في «المجموع» ثم قال بعد أوراق: وقد تقدم أن المشهور عدم الإجزاء. ولم يلتفت إلى إنكار الشاشي، لأن ما احتج به يرد بأن الأمر بالتيمم للفائتة لتوهم بقائها عليه لا يستلزم صحة التيمم مطلقاً، إذ شرطها دخول وقت الفائتة وهو بالتذكر، وهو منتف هنا».
ب- مثال ذلك في شرح الروض قول شيخ الإسلام في مسألة جواز الاستنجاء بالجلد المذكى أو غيره المدبوغ، قال: «أي بجلد مذكى أو غيره دبغ، لأن الدباغ يزيل ما فيه من الدسومة، ويقلبه عن طبع اللحوم إلى طبع الثياب، بخلاف ما لم يدبغ للدسومة المانعة من التنشيف، ولنجاسته إن لم يكن مأكولاً، ولاحترامه إن كان مأكولاً، لأنه يعد حينئذ من المطعومات بدليل أنه يؤكل على الرؤوس وغيرها. ومحل المنع إذا استنجى به من الجانب الذي لا شعر عليه، وإلا جاز إذ لا دسومة فيه وليس بطعام، قاله ابن القطان والبغوي والمتولي، ونبه عليه الزركشي، وقال كالأذرعي: الظاهر الجواز بجلد الحوت الكبير الجاف، وإن كان أصله مأكولاً لأنه صار كالمدبوغ. وما قالاه بعيد».
ج- مثال الإيجاز وحذف الخلاف في «شرح المنهج» في كتاب «الهبة»: ففي متن «المنهاج» ترى أن النووي قد أورد ما يقارب من سبع مسائل فيها أقوال سبع مسائل فيها أقوال مع الترجيح، وحين تنظر لـ«المنهج» و «شرحه لتنظر ما فعل شيخ الإسلام ترى أنه قد حذف كل هذه الأقوال واقتصر على الراجح والمعتمد منها، وكذا في كتاب الجنائز، وهذا على سبيل التمثيل، ولم أرد أن أوردها هنا خشية الإطالة فإنها تحتاج ربما لثلاث صفحات على الأقل.
د- مثال ذلك في شرح التحرير» في مسألة الكافر أنه لا يمنع من دخول المسجد بشروط، حيث عرض للمسألة بإيجاز وذكر أنه قد توسع فيها في مصنفه الآخر في شرحه لـ «الأصل»: «فلا يمنع من ذلك لعدم اعتقاده . اعتقاده حرمته وذكرت في شرح الأصل فوائد».
وكثيراً ما كان يفعل ذلك شيخ الإسلام في المسائل التي تحتاج إلى تفصيل فلا يوردها هنا، بل يعرض لها بإيجاز ويحيل القارئ لمصنفاته الأخرى كـ«شرح الأصل كما قدمت الكلام سابقاً على هذه القضية في الميزة الثانية من مميزات مصنفات شيخ الإسلام الفقهية.
الخلاف الفقهي غالباً ما ينبني عليه آثار عملية ومن هذا المنطلق حرص شيخ الإسلام على التنبيه على آثار الخلاف إن وجدت حتى يكون الخلاف له فائدة وإلا كان ضرباً من العبث المحض. ومثال هذا الكلام من شرحي البهجة» و«الروض» ما يلي:
ثاني عشر: التنبيه على ما ينبني على الخلاف من مسائل.
أ- مثال ذلك في شرح البهجة قول شيخ الإسلام في أول باب التيمم عند قول ابن الوردي: «أركان هذا نقله أو من أذن له تراباً»، قال شيخ الإسلام معقباً: «وينبني على كون النقل ركناً أن لو كان بعضوه تراب فردده عليه لم يكف كما سيأتي، وأنه لو أحدث بين نقله والمسح بطل وعليه النقل ثانياً بخلاف نظيره في الوضوء». بخلاف نظيره في الوضوء. فها هو شيخ الإسلام ذكر أثرين عمليين مترتبين على القول بأن النقل ركن من أركان التيمم .
ب- مثال ذلك في «شرح الروض» قول شيخ الإسلام في الاجتهاد بين إناءين أيهما الطهور، عند قول ابن المقري: «ولو تلف أحدهما لم يجتهد ويتيمم ولا إعادة وإن بقي الآخر»، قال شيخ الإسلام: ممنوع من استعماله غير قادر على الاجتهاد أي لأنه يكون في متعدد باق، وقال الرافعي: يجتهد فقد تظهر أمارة النجاسة في التالف فيأخذ الباقي» هذا الخلاف الحاصل، وبعد أن عرض شيخ الإسلام لهذا الخلاف نبه على الآثار المبنية عليه، حيث قرر ذلك بقوله: وعلى الأول يخالف جواز إلحاق القائف بعد موت أحد المتداعيين، وتخيير من أسلم على أكثر من أربع بعد موت بعضهن لأن حكم النسب والنكاح وغيره باق في الموتى، والماء بعد تلفه لا حكم فيه، ونبه عليه المتولي. هذه المسائل الثلاث التي ذكرها شيخ الإسلام على الرأي الأول القاضي بعدم جواز الاجتهاد لا تصح بخلاف الثاني.
الثاني: ما يؤكل رطباً ويابساً، وهو أقسام:
1- مأكول الظاهر والباطن كالتين ،والتفاح فلا يجوز برطبه ولا يابسه.
2- ما يؤكل ظاهره دون باطنه كالخوخ والمشمش، وكل ذي نوى فلا يجوز بظاهره، ويجوز بنواه المنفصل.
3- ما له قشر ومأكوله في جوفه فلا يجوز بلبه، وأما قشره فإن كان لا يؤكل رطباً ولا يابساً كالرمان جاز الاستنجاء به سواء كان فيه حب أم لا، وإن أكل رطباً ويابساً كالبطيخ لم يجز
في الحالين، وإن أكل رطباً فقط كاللوز والباقلا جاز يابساً لا رطباً. ثم ذكر شيخ الإسلام أن مطعوم البهائم يجوز الاستنجاء به، والمطعوم المشترك بين الآدمي والبهائم يعتبر فيه الأغلب، فإن استويا ففيه وجهان إلى آخر المسألة.
فهذا مثال رائع بين طريقة شرح شيخ الإسلام للمسائل التي وقع فيها لبس، فقد أحاط بجميع أطراف المسألة وحررها وبين أماكن الاتفاق وأماكن الاختلاف بشكل رائع.
الرابع عشر: المقارنة بين نسخ الأصل وإثبات ما بينها من اختلافات.
وهذه الميزة مختصة بشرحي البهجة» للاعي على مصنفات شيخ الإسلام حيث قام شيخ الإسلام في شرح البهجة بالمقارنة بين نسخ «البهجة» وكذا بين نسخ الأصل أعني «الحاوي»، فمن الواضح أنه كان مطلعاً على أكثر من نسخة لـ«البهجة» ولـ«الحاوي الصغير»، وقام بإثبات ما بينها من اختلافات، ووضح ما ينبني على هذه الاختلافات من أحكام ورجح بينها. وأما في شرح الروض فمن الواضح أن شيخ الإسلام كان مطلعاً على أكثر من نسخة لـ «الروض»، فقد كان يثبت ما بينها من اختلافات ويرجح بينها. ومثال ذلك في شرحي البهجة» و«الروض ما يلي: أن شرح المسألة: «وفي ا- مثال مقارنته بين نسخ البهجة» في مسألة غسل المكرهة على الجماع حيث قال ابن الوردي: «ماء تعيد حيث شهوة قضت». فقال شيخ الإسلام معقباً بعد أ نسخة: فلا تعيد طفلة وراقدة أو أكرهت ومن شفاء فاقدة قال وهو تصريح بالمفهوم مع زيادة مسألة فاقدة الشفاء من المني بأن يكون بها سلسه، فلا يلزمها إعادة الغسل كالرجل الذي به ذلك، ولا ينافي ذلك وجوب الغسل عليهما لكل صلاة»
ومثال المقارنة بين نسخ «الحاوي الصغير في باب الحيض في مدة الحيض عند قول ابن الوردي:
وغالب النفـــــــاس أربعونـــــــــا يومـــــا ** كمــــا أكـثـــــره ســـــــتونا
قال شيخ الإسلام ولا نفاس لها في صورة الجاف، وهذا علم من أول الباب ولهذا تركه الحاوي في أكثر النسخ».
ب- مثال ذلك في «شرح الروض» قول شيخ الإسلام في كتاب الغصب عند قول المصنف: فلو خرجت البهيمة ليلاً فأتلفت زرعاً لم يضمنه، قال شيخ الإسلام معقباً بأن هذا هو المعتمد المنقول عن العراقيين وبه أفتى أئمة المذهب وهو أقرب لنصوص الشافعي بخلاف قول القفال فإنه قال إن كان نهاراً لم يضمن، إلى آخر الكلام في المسألة، وموطن الشاهد أنّ شيخ الإسلام قال بعد ذلك كله: «وفي نسخة من نسخ «الروض بدل لم يَضْمَنْه ضَمِنَه»، ولا شك أن هذا الاختلاف بين النسخ مؤثر جداً فقوله لم يضمن مرجحاً لما ذهب إليه العراقيين والبغوي والسبكي والشيخين والأذرعي، وقوله ضمنه موافق للقفال ومن تابعه كالبلقيني وغيره.
وقد رجح شيخ الإسلام في هذه المسألة عدم الضمان لما تقدم الجامعية خامس عشر : الاعتماد على الكتب المصنف المتن. وهذه الميزة خاصة بشرحي الروض» و«المنهج فقط، حيث قام شيخ الإسلام في شرح «الروض» بالرجوع لمصنفات ابن المقري الأخرى كـ «الإرشاد وشرحيه» وغيره، وقام بالمقارنة بين أقواله فيها. وفي شرح المنهج قدَّم شيخ الإسلام جهداً عظيماً حيث قام بالمقارنة بين أقوال النووي في مصنفاته المختلفة ما ذهب إليه في المنهاج وبيان الاختلافات والترجيح بينها، ولا شك أن هذا الأمر يحتاج إلى أمرين يجب توفرهما في شيخ الإسلام للقيام بهذه المقارنة والترجيح مع بين أقواله:
أولاً: اطلاعه على كتب النووي والإحاطة بآرائه في كل مصنفاته في المسألة المبحوثة. ثانياً: الاطلاع على كلام المتأخرين من المحققين لمعرفة مراد كلام النووي إن أشكل ومدى قوته وضعفه، بالإضافة للاطلاع على كلام المتقدمين في المسألة، وهذا ما اجتمع لشيخ الإسلام، فكانت مقارنته وترجيحاته تحتوي على قدر كبير من الدقة والموضوعية والأمثلة على ذلك في شرحي «الروض» و«المنهج» كثيرة، منها:
ا-مثال ذلك في «شرح الروض» ما قاله شيخ الإسلام في كتاب الإجارة في مسألة إبدال المؤجر إن كان ثوباً معيناً في الخياطة أو صبياً معيناً في الرضاع، وقد رجح ابن المقري في «الروض» و«الإرشاد» و«شرحيه» عدم جواز الإبدال فيها متابعاً الرافعي والنووي في «المنهاج» و«أصله» و«الشرح الصغير»، خلافاً للنووي في «الروضة».
ب- مثال ذلك في شرح المنهج قول شيخ الإسلام في باب صفة الصلاة عند الكلام على النية: «ومع نية الفرضية أي في الفرض ولو كفاية أو نذر ليتميز عن النفل ولبيان حقيقته في الأصل وشمل ذلك المعادة نظراً لأصلها وسيأتي بيانها في باب صلاة الجماعة وصلاة الصبي وهو ما صححه فيها في «الروضة» كأصلها لكنه ضعفه في «المجموع» وغيره وصحح خلافه بل صوبه قال إذ كيف ينوي الفرضية وصلاته لا تقع فرضاً. ويؤخذ جوابه من تعليلنا الثاني».
سادس عشر : التدقيق في العبارة.
اشتهر مصنفا شيخ الإسلام شرح المنهج وشرح التحرير بين علماء الشافعية وطلبة الفقه الشافعي بدقة العبارة وتحرير المسائل، وقد قدمت في ذلك كلام عند حديثي في بداية هذه الدراسة عن بعض مظاهر شخصية شيخ الإسلام. وشرح المنهج» و«التحرير» يعتبران من أكثر مصنفات شيخ الإسلام دقة في العبارة وتحريراً للمسائل على الإطلاق، والأمثلة على ذلك كثيرة في ثنايا شرحي «المنهج» و«التحرير».
سابع عشر: ذكر سبب الخلاف:
كان شيخ الإسلام يذكر سبب الخلاف في المسائل المبحوثة، ولم يكن هذا الأمر مطرداً، فتارةً يذكر سبب الخلاف وتارة أخرى لا يأتي على ذكره، ومن أمثله بيانه لسبب اختلاف العلماء في المسائل المبحوثة قوله في شرح الروض في مسألة تولي قاض بعد قاض هل هي عزل للأول منهما أم لا ؟ قال شيخ الإسلام مجيباً عن حكم المسألة: «وجهان، وليكونا مبنيين على أنه هل يجوز في بلد قاضيان ...» فقد بين شيخ الإسلام أن الخلاف في كون تولي القاضي الثاني هل يعتبر عزلا للأول أم لا؟ على الخلاف في جواز وجود قاضيين في بلد واحد فمن قال بجواز وجود قاضيين؛ قال بعدم عزل الأول، ومن قال بعدم جواز وجود قاضيين؛ قال بعزل الثاني للأول.
خامساً: مصادر شيخ الإسلام في التصنيف
مصنفات شيخ الإسلام الأربعة غنية بالنقول عن علماء المذهب فقد أحصيت ما يزيد على ثمانين علماً من أعلام المذهب الشافعي نقل عنهم شيخ الإسلام في مصنفاته، ولا شك أن كثرة المصادر تغني الشرح، وتجعله ذا فائدة عظيمة، خاصة إذا لازمه تحرير وتدقيق بين هذه النقول والنصوص، لا سيما إذا كان المصنف ضليعاً بعلوم الشرع وآلاتها قاطبة، فتجد سعة اطلاعه تتجلى في مصنفاته، وهذا مما قد تميز به شيخ الإسلام كما قدمت سابقاً، وأقول إن مصادر شيخ الإسلام كانت متنوعة وكثيرة.
وبما أننا نتكلم عن أهم شروح على مصنفات الآخرين فمن الطبيعي جداً أن تكون أصول مصنفات شيخ الإسلام هي مصادر شيخ الإسلام في التصنيف، وكذا مصنفات مصنفي الأصول والكتابات عليها، وتفصيله كالآتي:
ففي «شرح البهجة» كان من أهم مصادر شيخ الإسلام فيه أصله وهو «البهجة الوردية» وأصلها «الحاوي الصغير. وكتابات العلماء البهجة» و«الحاوي الصغير»، ثم كتب الشيخين.
وفي «شرح الروض» كان «الروض» لابن المقري وأصله «الروضة» و«الشرح الكبير» للنووي والرافعي من أهم مصادر شيخ الإسلام في شرحه لـ «الروض» على الإطلاق، وكذا كتب ابن المقري الأخرى، وكتب الشيخين الأخرى. وفي «شرح المنهج فإن أصل المنهج» وهو «المنهاج وأصله «المحرر» للنووي والرافعي وشروحهما كانت من أهم مصادر شيخ الإسلام في التصنيف على الإطلاق. وفي شرح التحرير» كان أصل «التحرير» للعراقي والمحاملي في المرتبة الأولى في قائمة المصادر التي اعتمد عليها في شرحه لـ«التحرير».
ولكن ينبغي ملاحظة الفروق بين مصنفات شيخ الإسلام الأربعة فكتابا «شرح البهجة» وشرح الروض» يعدان من الكتب المتوسعة في المذهب بخلاف شرح المنهج» و«شرح التحرير» فهما من المختصرات، لذا فإن الفرق واضح، فالمسألة التي يعرض لها شيخ الإسلام في «شرح البهجة» أو في «شرح الروض بصفحات تجده يختصرها في شرحي «المنهج» و«التحرير» في سطور معدودة، فشرحا المنهج» و «التحرير» غلب عليها الإيجاز والتدقيق في المسائل الترجيح.
ولكن لا يخلوان من ذكر نقول وفوائد لا غنى لطالب العلم عنها مما يُحتاج إليه في تقرير وتحرير المسائل. كما يلاحظ أن شرح البهجة غلب عليه بسط الخلاف والتوسع فيه وفي ذكر نصوص المذهب والنقول عن أعلام المذهب، بخلاف شرح الروض حيث تميز بالتوسط في ذلك مع تغليب جانب تحرير المسائل والتدقيق فيها على جانب التوسع في بسط الخلاف المذهبي.
وفيما يلي سأعرض لأهم المصادر التي اعتمد عليها في شروحه بإيجاز:
أولاً: المصادر الفقهية:
بما أننا نتكلم على كتاب فقهي فمن المنطقي أن تكون مصادر شيخ الإسلام جلها من كتب الفقه، وهذا طبيعي، وقد هممت في بداية الأمر باستقراء المصادر التي اعتمد عليها شيخ الإسلام في مصنفاته الفقهية وبدأت بـ شرح الروض»، واستقراء عدد المرات التي اعتمد فيها على كل مصدر على حده، فتحصل لدي أكثر من ثمانين علماً كانت مصنفاتهم تمثل مصادر شيخ الإسلام في هذا الشرح، ولم أكمل استقرائي في ذلك لصعوبة الأمر، ولطول مصنفاته وكثرة نقوله وتحريراته، فحال هذا الأمر دون إتمامي لذلك فتوقفت، وفيما يلي عرض لأهم أعلام المذهب الذين شكلت مصنفاتهم مصادر شيخ الإسلام الفقهية التي اعتمد عليها في مصنفاته الأربعة شرح البهجة وشرح المنهج»، و«شرح التحرير»، فمن أهم ما اعتمد عليه شيخ الإسلام من مصنفات أعلام المذهب ما يأتي:
1- النووي: تأتي مصنفات الإمام النووي في المرتبة الأولى على الإطلاق في سياق ترتيب المصادر التي اعتمد عليها شيخ الإسلام في مصنفاته، ولا يعود السبب في ذلك كون «الروضة» أصل لـ«الروض لابن المقري أو أن «المنهاج هو أصل لـ «المنهج» بل إن مصنفات النووي خاصة تأتي في المرتبة الأولى عند شيخ الإسلام في كل مصنفاته الفقهية، والنووي مقدم عند شيخ الإسلام على غيره على الإطلاق، ولقد هممت في بداية الأمر أن استقرئ المواضع التي نقل فيها شيخ الإسلام عن الإمام النووي ولكن ذلك عسر علي لكثرتها فتوقفت عن ذلك، والسبب في تقديم شيخ الإسلام النووي واضح حيث أن النووي والرافعي يعدان شيخا المذهب، فمن الطبيعي أن يسارع علماء المذهب إلى كتبهما في حل مشكلات المذهب:
ومن أهم مصنفات النووي التي اعتمد عليه شيخ الإسلام: «الروضة»، و«المنهاج»، و«المجموع»، و«التحقيق»، و«شرح التنبيه»، و«الإيضاح في المناسك»، و«التصحيح»، و«نكت التنبيه»، و «شرح الوسيط».
2- الرافعي: لا شك في أن كتب الشيخين النووي والرافعي كانت المصدر الرئيسي لشيخ الإسلام في مصنفاته الفقهية، وقد قدمت الكلام على النووي وبعده يأتي الرافعي، ومن أهم كتب الرافعي التي اعتمد عليها شيخ الإسلام: «الشرح الكبير»، و«الشرح الصغير»، و«المحرر»، و«التهذيب».
3- إمام الحرمين الجويني من أهم كتبه التي يتكرر ذكرها في مصنفاته الفقهية الأربعة كتابه المشهور: «نهاية المطلب في دراية المذهب».
4- الإسنوي: من أهم كتب الإسنوي التي اعتمد عليها شيخ الإسلام مهمات «الروضة»، وكتاب «مطالع الدقائق»، وكان الإسنوي في مهماته كثير الاعتراض على الشيخين وخاصة على الإمام النووي فتعقب شيخ الإسلام كلام الإسنوي في كثير من المواضع ورد عليه كما سيتضح ذلك في المسائل الفقهية والمبحوثة، وأستطيع أن أقول أن أكثر كتاب اعتمد عليه شيخ الإسلام في شرحه لـ«الروض» بعد كتب الشيخين هو كتاب «المهمات» للإسنوي,
5- الزركشي: كان شيخ الإسلام يكثر من الاعتماد على مصنفات الزركشي في مصنفاته، وكان يكثر من إيراد بحوثه واختياراته فمرة كان يردها ويخطئها ويبين مجانبتها للصواب ومرة كان يقرها ويستدل لها، بل ويفرع عليها المسائل، وكذا كان يعتمد عليه في النقول عن علماء المذهب، وربما يعود ذلك لكثرة النقول والأبحاث التي يوردها الزركشي في كتبه، فكان لزاماً على شيخ الإسلام تحريرها وبيان الموافق منها للمذهب دون المخالف، ولأن الزركشي كانت له كتابات على كتب الشيخين كما أنه تلميذ للإسنوي والأذرعي والسراج البلقيني وغيرهم ممن لهم تحريرات ومراجعات لكتب الشيخين.
ومن أهم الكتب التي اعتمد عليها شيخ الإسلام وصرح به مصنفاته الفقهية في نقله عن الزركشي: كتاب الزركشي خادم الشرح والروضة».
5- الأذرعي من المصادر المهمة التي شكلت العمود الفقري لـ«الشرح الروض» مصنفات شهاب الدين الأذرعي، ومن أهمها: «التوسط»، و«الفتح بين الروضة والشرح»، و«القوت على المنهاج» وغير ذلك.
6- البغوي: وكان ينقل عنه شيخ الإسلام من فتاويه»، ومن «الإرشاد»، ومن «التهذيب في الفروع».
7- الماوردي: من تصانيفه التي كان لا غنى لشيخ الإسلام عنها في شرحه لـ«الروض»: «الحاوي الكبير، وكتاب الأحكام السلطانية»، و«الإقناع».
8- الروياني: كتاب البحر في الفروع كان من مصادر شيخ الإسلام المهمة في مصنفاته الفقهية، وكذا كتابا «الكافي»، و«الحلية».
9- البلقيني: «آراء السراج» البلقيني واختياراته وترجيحاته وبحوثه كانت تشكل مصدراً رئيسياً في مصنفات شيخ الإسلام، ولكن لم أظفر باسم المصنف الذي اعتمد عليه شيخ الإسلام بعة مدنية في نقله لآراء البلقيني، وقد يكون قد نقل عنه بالواسطة عن ابن حجر العسقلاني إذ السراج شيخه والفتح مليء بالنقول عن السراج.
10- الغزالي: من تصانيف الإمام الغزالي المهمة التي كانت تشكل مصدراً مهماً لمصنفات شيخ الإسلام الفقهية : البسيط» و «الوسيط» و «الوجيز» و«الخلاصة» و«الفتاوى» و«الإحياء».
11- السبكي: تقي الدين السبكي كان من أهم مصادر شيخ الإسلام الفقهية في مصنفاته، ومن الكتب المهمة لتاج الدين السبكي التي اعتمد عليها شيخ الإسلام في شرحه لـ«الروض»: «شرح المنهاج» و«الفتاوى».
12- المتولي: كتاب «التتمة) من الكتب التي تكرر ذكرها في مصنفات شيخ الإسلام الفقهية بشكل كبير.
13- القاضي حسين من الكتب المهمة التي كان يلتجئ إليها شيخ الإسلام في تحرير المسائل کتاب «العدة»، و«التلخيص»، و«التعليقة في الفقه»، و«الفتاوى» للقاضي حسين.
14- القفال: كان ينقل عنه من فتاويه»، وعن «شرح الفروع».
ثانياً: المصادر الحديثية.
كما قدمت سابقاً فإن شيخ الإسلام كان يخرج الأحاديث ويبين حكم المحدثين عليها، وكان يعتمد على المصادر الأصلية في ذلك، وقد أسعفه في ذلك ضلوعه في علم الحديث كيف لا وهو يعد من الحفاظ المحدثين وقد أخذ هذا العلم عن جهابذته كابن حجر العسقلاني وغيره، وقد قرأ الكثير في علم الحديث مما قد بينته في مقروآته سابقاً في الفصل الأول، ويكفيه أنه قام بشرح «البخاري» و«مسلم».
ومن أهم الأعلام الذين اعتمد شيخ الإسلام على مصنفاته في مصنفاته الفقهية: البخاري ومسلم وقد كان «صحيحيهما» من أهم المصادر الحديثية الأصلية، وكذلك اعتمد شيخ الإسلام على أصحاب السنن النسائي والترمذي وأبي داود وابن ماجه والبيهقي والدارقطني وغيرهم، والإمام أحمد في مسنده، والإمام مالك في موطأه»، والحاكم في مستدرك الحاكم»، وابن حبان وابن خزيمة في صحيحهما»، والخطابي في «معالم السنن للخطابي».
وأما ما يتعلق بعلم مصطلح الحديث والحكم عليه فقد اعتمد على ابن الصلاح، والولي العراقي، والحافظ الشمس القاياتي، وشيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني، والبيهقي، والحاكم، وابن عبد البر وغيرهم في ذلك.
ثالثاً: المصادر اللغوية.
ذكرت أن شيخ الإسلام في مصنفاته الشرح قد تجلت معرفته اللغوية بشكل واضح، وكان للغة حظها الوافر، وتتركز في الاعتماد على المعاجم في ضبط الألفاظ وبيان معانيها، وكذا علما النحو والصرف، وكان يورد نقولاً عن اللغويين إذا اقتضت الحاجة ذلك بما يتناسب مع المقام، وممن كان ينقل عنهم الزجاجي، والجوهري، والأزهري، وغيرهم.
ترتيب كتب شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في المذهب واهتمام العلماء بها
أولاً: ترتيب كتب شيخ الإسلام:
كتب شيخ الإسلام الفقهية كانت محل اهتمام وعناية من علماء الشافعية، وكانت ولا تزال من الكتب المعتبرة في الفقه الشافعي، ومن الكتب التي يعول عليها الشافعية في تحرير المذهب، وسأتحدث في هذا المقام عن ترتيب كتب شيخ الإسلام الفقهية خاصة، وقد بحثت جاهداً لأجد نصاً صريحاً في ذلك؛ أستعين به في بيان ترتيب كتب شيخ الإسلام، فوجدت بعض النصوص التي تفيدني في ذلك.
وسأعتمد في ترتيبي لكتب شيخ الإسلام زكريا في المذهب على أمرين أساسين هما:
أولاً: بيان نصوص المتأخرين المصرحة بترتيبها، والنصوص التي وجدتها من المتأخرين تذكر كتابين لشيخ الإسلام فقط هما شرح البهجة الصغير، وشرح المنهج، فقد صرح غير واحد من المتأخرين بأنّ المقدم من كتب شيخ الإسلام هو شرح البهجة الصغير، ثم شرح المنهج باستثناء بعض المسائل الضعيفة فيه التي أراد بها شيخ الإسلام الكمال بمعنى أنه لم يرد بها معتمد المذهب بل كمال السنة، وقد نص الرملي وابن حجر الهيتمي على ضعفها.
ثانياً: ترتيب كتب شيخ الإسلام الزمني، ومعلوم أن آخر كتبه هو المقدم بينها في أخذ رأيه، إلا إن كان الكتاب المتقدم زمانياً أكثر تحريراً، أو نص أهل العلم على خلاف ذلك.
وترتيب كتب شيخ الإسلام الزمني كالآتي: يأتي في المقام الأول «شرح البهجة الكبير»، ثم بعد ذلك «شرح الروض»، وبعده «شرح المنهج»، وأخيراً «شرح التحرير»، وأما «شرح البهجة الصغير» فلا أعلم ترتيبه الزمني، ولكن الظاهر أنه آخر كتب شيخ الإسلام تصنيفاً، وذلك لكونه المقدم بين كتبه كلها على الإطلاق.
لذلك تجد شيخ الإسلام يحيل في شرح الروض على شرح البهجة الكبير» لأنه متأخر عنه، ويحيل في «شرح المنهج على شرحي البهجة الكبير» و«الروض»؛ لأنه متأخر عنهما، ويحيل في «شرح التحرير على شرح البهجة الكبير» و«الروض» و«المنهج»؛ لأنه متأخر عنها جميعاً، أما «شرح البهجة الصغير» فلم أطلع عليه. وقد ذكر شيخ الإسلام أنه فرغ من تأليف «شرح البهجة الكبير في عام 867 هـ)، وقد تكلمت على ذلك عند عرض كتبه الفقهية - سابقا-.
والحاصل أن ترتيب كتب شيخ الإسلام في المذهب كالآتي:
أولاً: «شرح البهجة الصغير».
ثانياً: «شرح المنهج» .
ثالثاً: «شرح التحرير».
رابعاً: «شرح الروض».
خامساً: «شرح البهجة الكبير. الحقوق محفوظة
هذا ما انتهى إليه علمي القاصر، والله تعالى أعلم ورد العلم إليه أسلم.
ثانياً: اهتمام العلماء بمصنفات شيخ الإسلام الفقهية:
إن كتب شيخ الإسلام كانت مدار اهتمام في المذهب الشافعي، وكانت تشكل في فترة من فترات القرن العاشر والحادي عشر والثاني عشر العمود الفقري في تحرير مسائل المذهب، وقد اهتم العلماء بها تصنيفا وتدريسا، وقد تبين لي ذلك بشكل واضح وجلي من خلال استقرائي لعدد من كتب تراجم المتأخرين ولا شك أنّ في عرضي لبعض كتابات العلماء عليها بيان لمظهر من مظاهر اهتمام العلماء بكتب شيخ الإسلام.
الأمر الثاني الذي أريد الحديث عنه في هذا المقام هو أن مظاهر اعتناء العلماء بكتب شيخ الإسلام قد صبت في ثلاث اتجاهات:
الأول: الاعتماد عليها في التعليم والإفتاء، فلو تصفحت كتب تراجم المتأخرين عن القرن التاسع لوجدت أنها كانت تأخذ نصيباً كبيراً من اهتمام طلبة العلم، ولا تستغرب أن بعض التلاميذ قد قرأ «شرح المنهج مثلاً خمسين مرة، أو أن أحدهم قرأ «التحرير» سبع مرات.
الثاني: اعتماد آرائه واختياراته وترجيحاته ومناقشتها إلى ما هنالك من جهوده التي وضعها في خدمة المذهب، ولن أتكلم عن هذه النقطة في هذا المقام لكوني سأبحثها في الفصل التالي.
الثالث: الكتابات على مصنفات شيخ الإسلام، فقد تنوعت كتابات العلماء على مصنفات شيخ الإسلام ما بين اختصار ونظم وشرح وتحشية وتعليق، وينبغي أن أنبه على أن «المنهج» قد كان له النصيب الأعظم من كتابات العلماء عليه ثم يليه شرح التحرير» فـ«شرح الروض»، وأخيراً «شرح البهجة». ويعود السبب في كون المنهج قد كان له النصيب الأعظم لعدة أسباب:
أولها : أهمية أصله وهو منهاج النووي» بين كتب الشافعية.
ثانيها: كونه متناً مختصراً جامعاً مانعاً.
ثالثاً: دقة عبارة شيخ الإسلام فيه ودقته في تحرير المسائل.
رابعها: كونه من آخر مصنفات شيخ الإسلام.
خامسها كونه المقدم بين مصنفات شيخ الإسلام الفقهية بعد شرح البهجة الصغير.
وسأذكر فيما يلي ما وقفت عليه من كتابات العلماء على مصنفات شيخ الإسلام حتى ينتفع بها القارئ الكريم - إن شاء الله تعالى، وسأذكرها تبعاً للأصل الذي كتبت عليه، وسأرتبها على حسب سنة وفاة مؤلفيها، فأقول:
أولاً: «شرح البهجة»:
1- «حاشية ابن قاسم «العبادي (ت 922هـ) على شرح البهجة».
2- حاشية عبد الرحمن الشربيني (ت 1326هـ) على شرح البهجة».
3- تقريرات عبد الرحمن الشربيني ( ت 1326هـ) على «حاشية ابن قاسم العبادي» على «شرح البهجة» لشيخ الإسلام.
ثانياً: «شرح الروض»:
1- «مغني الراغب في روض الطالب للشماع (ت 936 هـ).
2- «حاشية الشهاب الرملي (ت 957هـ) على «شرح الروض»
3- «شرح مختصر الروض» لابن حجر (ت 974هـ) المسمى «التنعيم»، فقد اختصر ابن حجر «الروض» في مختصر سماه «التنعيم»، ثم شرحه شرحاً مستوعباً فيه «شرح الروض» لشيخ الإسلام وسماه «بشرى الكريم».
4- «حاشية عبد الله بامخرمة على شرح الروض.
5- حاشية الشوبري (ت 1069هـ) على أسنى المطالب.
6- «مختصر أسنى المطالب الحفيد ابن حجر الهيتمي (ت 1041 هـ).
7- «هوامش الشيخ حمدان» على «شرح الروض».
ثالثاً: «شرح المنهج»:
1- «حواشي ابن قاسم العبادي على شرح المنهج (ت 922 هـ).
2- شرح الخطيب الشربيني (ت 977 هـ) على (المنهج).
3- شرح المنهج للفاكهي (ت 989 هـ).
4- «شرح على المنهج لابن البكري (ت 993 هـ) لكنه لم يتمه.
5- «حاشية الفيومي» (ت 1022 هـ) على «شرح المنهج».
6- «حاشية الزيادي (ت 1024هـ) على شرح المنهج.
7- شرح المنهج للمناوي ( ت 1031 هـ) المتقدم ذكره
8- شرح على المنهج» للطبري (ت 1033 هـ).
9- «حواشي الحلبي» (ت 1044 هـ) على شرح «المنهج».
10- «حواشي الطائفي» (ت 1052 هـ) على «شرح المنهج».
11- «حاشية المزاحي» (ت 1057هـ) على «شرح المنهج».
12- «حواشي الشوبري» (ت 1069هـ) على «شرح المنهج».
13- «حاشية الأجهوري» (ت 1070هـ) على «المنهج».
14- «نظم المنهج» لقاضي القنفذة (ت 1089 هـ).
15- «فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب» وهي «حاشية الجمل» على «شرح المنهج للجمل» (ت 1104 هـ)
16- «فتح الملك الباري بالكلام على آخر شرح المنهج للشيخ زكريا الأنصاري» للديربي (ت 1151 هـ).
17- «حاشية على المنهج» للشيخ محمد بن عيسى الدمياطي الشافعي (ت 1178هـ).
18- «حاشية على شرح المنهج» لعبد العال الخليلي (ت 1182 هـ).
19- النهج مختصر «المنهج» لابن الجوهري (ت 1215هـ).
20- شرح مختصر «المنهج» المتقدم للمؤلف نفسه ابن الجوهري (ت 1215هـ).
21- «حاشية البجيرمي (ت 1221 هـ) على شرح المنهج.
22- الرسائل الذهبية في المسائل الدقيقة المنهجية للسيد مصطفى الذهبي الشافعي.
رابعاً: «شرح التحرير»:
23- «شرح فرائض المنهج» لمحمد بن آدم.
1- «حاشية على شرح التحرير» الحنبلي الحلي (ت 971 هـ).
2- «حاشية الشمس الرملي (ت 1004هـ) على «التحرير»
3- حاشية ابن شرف المصري (ت 1007هـ) على شرح التحرير.
4- «إحسان التقرير بشرح التحرير» للمناوي (ت 1031هـ).
5- «شرح نظم العمريطي للتحرير للمناوي - أيضاً - سماه «كتاب التيسير بشرح كتاب التحرير» وصل فيه المناوي إلى كتاب الفرائض وأكمله ابنه تاج الدين محمد.
6- «حاشية الميداني» (ت 1033هـ) على «التحرير».
7- «قطعة على نظم الشيخ يحيى العمريطي للتحرير» لحجازي الواعظ (ت 1035هـ).
8- «حاشية القليوبي» (1069هـ) على «التحرير».
9- «حاشية المدابغي» (ت 1070هـ) على شرح التحرير» لشيخ الإسلام.
10- «حاشية العزيزي (ت 1070هـ) على «التحرير».
11- «حاشية الأجهوري (ت 1070هـ) على «شرح التحرير».
12- «حاشية الرحماني» (ت 1078 هـ) على «شرح التحرير».
13- «الختم الكبير على شرح التحرير» المسمى «فتح الملك الكريم الوهاب بختم شرح تحرير تنقيح اللباب» لأبي العباس أحمد بن عمر الديري الشافعي الأزهري (ت 1151 هـ)
14- «مختصر المنهج» لزين العابدين جمل الليل (ت 1211هـ).
15- «شرح مختصر المنهج» المتقدم ذكره لنفس المؤلف زين العابدين جمل الليل (ت 1211هـ).
16- «شرح نظم العمريطي» للتحرير للشرقاوي (ت 1226هـ).
17- «حاشية الشرقاوي» (ت 1236هـ) على «تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب» لشيخ الإسلام.
18- «حاشية العناني على التحرير».
19-«نظم العمريطي لشرح التحرير المسمى بـ «التيسير».
سابعاً: أهم المسائل الفقهية التي تناولها شيخ الإسلام زكريا الأنصاري:
-الماء المستعمل في فرض الطهارة.
-استعمال ماء البحر في الطهارة.
-ما يبيحة التيمم.
-مفارقة الإمام بغير عذر.
-التسمية على الذبيحة.
-الإجارة للقراءة للميت.
-عدم نوم قلب النبيّ صلى الله عليه وسلم.
-النظر قبل الخطبة.
-إجابة دعوة الوليمة.
-اكتحال المرأة في فترة الحداد.
-مس المصحف للمميز.
-قضاء الصوم للحائض.
-الحج وأجرة التحفيز.
-قبض الدار وأمتعتها في صفقة واحدة.
-التبرعات المنجزة في الحبس.
-موجب الكفارة في الظهار.
-تعاقد الإمام مع دليلٍ مسلم ليدل على قلعة الكفار.
-اشتراط هيئة معينة لأخذ الجزية من الذمي.
-الحلف بأفضل الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم.
-إثبات النسب بالسماع.
-نية الاغتراف.
-وقوع الميتة التي لا نفس لها سائلة في محالّ متعددة.
-بقاء حبات العنب وعناقيده في الخمر بعد تخلله.
-كيفية مسح الأذنين.
-وقت الترخص والجمع للمسافر.
-تقديم الأقرب في تغسيل الميت.
-مسألة في حج الآفاقي.
-الوديعة فيما فيه اختصاص.
-اختلاف الزوجين في السابق من انقضاء العدة أو الرجعة.
-تداخل العدتين.
-دخول الكافر إلى المسجد، ومكثه فيه، وقراءته القرآن.
-اشتراط البعد حتى يصح الجمع بالمطر.
-توهم البرء من الجبيرة أو الجراحة في التيمم.
-انتظار المأموم الإمام.
-أفضل ما يقرأ من القرآن بعد الفاتحة.
-دفع المارّ بين يدي المصلي.
-العضو المنفصل عن البدن.
-دخول الحجارة مع الأرض في عقد البيع.
-السلم في المكيل بالوزن وعكسه.
-سقوط حد الزنا الثابت بالبينة بالرجوع.
-ولوغ الكلب في إناء ماء قليل فكوثر الماء حتى صار كثيراً.
-الفرق بين مسألة تقليد الأعمى غيره في القبلة وبين من صلى بالتيمم فوجد الماء.
-بيع الدار المبنية بالآجر -المعجون بالزبل.
-تلف رأس المالي في شركة القراض.
-الرق مانع من الإرث.
-انعقاد الزواج بالكتابة.
-ادعاء الزوج الصبا أو النوم عند تطليق زوجته.
-قول المرأة لزوجها: طلقني ثلاثاً، أو طلقني وطلقني وطلقني.
-توكيل الحالف على أن لا يعقد غيره بالعقد.
-الفرق بين العتق بالسراية والعتق بالقرابة.
-استخدام الماء المشمس في الطهارة.
-ماء الجنب المتردد من عضوٍ إلى آخر.
-النجاسة التي يحملها الذباب إلى االماء.
-طهارة شعر الميتة بدباغ الجلد.
-زكاة الفطر عن الغير.
-فسخ عقد الإجارة بخشونة مشي الدابة.
-تعريف الغصب.
-مسألة الوكالة في الخلع.
-اختلاع المحجور عليها بسفه.
-شهادة من لا تقبل شهادتهم في القصاص.
-مسألة النجاسة الكلبية.
-لبن الآدمي.
-قضاء الحاجة في الطريق.
-مسألة في الأذان.
-إيقاظ النائم للصلاة.
-خلط القراءات.
-بيع موقوفات المسجد.
-مسألة في الخلع.
-الإشراك في الطلاق.
-من سبَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم تاب.
ثامناً: الخاتمة:
بعد أن انتهيت من عرض مادة البحث في الفصول الثلاثة السابقة، فإنني أضع في هذه الخاتمة أهم النتائج والتوصيات، وأقول إني قد تحصل لدي الكثير من النتائج التي استخلصتها ووقفت عليها من خلال بحثي هذا، وإليك بعضها:
أولاً: يعد شيخ الإسلام من العلماء المتبحرين في فقه الشافعية وغيره، فسعة اطلاعه على النقول كانت السمة الأبرز، ورافق سعة اطلاعه حسن فهم ودقة نظر؛ مما أكسب آراءه موضوعية ودقة متناهية.
ثانياً: يعد شيخ الإسلام من المجددين على رأس القرن التاسع؛ وذلك لما وصل إليه من مكانة عالية مرموقة بين علماء عصره قاطبة بحيث أنه انفرد بعلو الإسناد، فوصل إلى مرحلة أن كان كل علماء مصر يروون عنه إما مباشرة أو بواسطة أو بوسائط، وقد . صرح بذلك غير واحد من علماء الأمة تعريضاً وتصريحاً، وممن صرح بأنه من المجددين تلميذه مفتي مكة والحجاز إمام الفتيا في المذهب الشافعي الشهاب ابن حجر الهيتمي.
ثالثاً: أثرى شيخ الإسلام المكـتبة عامة بمصنفاته النافعة، حيث إنه قد صنف مصنفات عديدة في كل علوم الشرع وآلاتها وما يتعلق بها، وقد بلغت عدد مصنفاته سبعة وثمانين مصنفاً، نحا شيخ الإسلام فيها منحى علماء العصر في التأليف، من حيث اختصار المطولات، وشرح المتون، وتصنيف الحواشي والتعليقات وكتب الفتوى.
رابعاً: يعد «شرح البهجة الصغير» و«شرح المنهج من أكثر كتب شيخ الإسلام اعتماداً في المذهب، ويأتي بعدهما «شرح التحرير»، ثم «شرح الروض» فـ«شرح البهجة»، وقد اهتم العلماء بكتب شيخ الإسلام إقراءً وحفظاً وشرحاً ونظماً واختصاراً وتحشية، وشكلت العمود الفقري لكتب المتأخرين في تحرير وتقرير مسائل المذهب.
خامساً: تميز شيخ الإسلام بخط واحد في مصنفات الفقهية الأربعة «شرح البهجة» و«شرح الروض» و«شرح المنهج وشرح التحرير»، من حيث الاستدلال لأحكام المذهب، والاعتماد على كتب الشيخين، وذكر فوائد وتفريعات وغير ذلك مما بينته في عرضي لمصنفاته الفقهية، غير الفرق الرئيسي بينها يمكن في كون شرحي المنهج» و«التحرير» مختصرين بخلاف شرحي «البهجة» و«الروض» الذين يعدين من الكتب المتوسعة في الفقه الشافعي.
سادساً: بلغ شيخ الإسلام مرتبة مجتهد الفتوى والترجيح في المذهب، وقد استخلصت ذلك من خلال توافر شروط مجتهد الفتوى والترجيح في شخص شيخ الإسلام، ومن خلال بيان أن عمله في المذهب هو عمل مجتهد الفتوى والترجيح كما فصلت الحديث عليه سابقاً-. سابعاً: خدم شيخ الإسلام المذهب الشافعي خدمة كبيرة، وحرر مسائله وحل عويصاته، وكان مرجعاً لحل إشكالاته، فقد شكلت جهوده من ترجيحات واختيارات واستدلالات وتعقبات وتفريعات وتقييدات وفروق وجمع بين المتعارضات المبثوثة في مصنفاته الفقهية، ملجئاً للمتأخرين في فهم المذهب وتحريره.
ثامناً: شيخ الإسلام يقدم الشيخين وخاصة النووي، فقد كان يتابعهما دائماً، ما لم يخالفا قواعد وأصول المذهب، وقد شكلت كتبهما الملاذ الأول لشيخ الإسلام، وقد برز بوضوح سعة اطلاع شيخ الإسلام على كتب الشيخين وإلمامه بأقوالهما وتحريراتهما.
تاسعاً: تتلمذ شيخ الإسلام على يد جهابذة العصر كالحافظ ابن حجر العسقلاني والكمال ابن الهمام والجلال المحلي وغيرهم، وخرج تلاميذ ملئوا الدنيا بعلمهم وشهرتهم، وعلى رأسهم أئمة الشافعية الأربعة المتأخرين: الرمليان، وابن حجر الهيتمي، والخطيب الشربيني.
وأخيراً: فإنني أدعو إلى المزيد من البحث والدراسة لجهود شيخ الإسلام، من خلال إفراد اختياراته بدراسة مستقلة، وكذا ادعوا إلى إفراد موقفه من الشيخين بدراسة مستقلة فإنه موضوع جدير بالبحث والدراسة.
كما أوصي بإفراد هذا العالم الجليل بدراسة متخصصة في الجانب الأصولي والحديثي، وأوصي بضرورة تحقيق وطبع مصنفاته النافعة؛ لتخرج إلى حيز الوجود؛ حتى ينتفع بها وبما تحويه من علم غزير .
كما أوصي بإفراد دراسة متخصصة تتحدث عن موقف علماء الإسلام من الحالة السياسية المضطربة في عصر المماليك والعثمانيين؛ فإنه موضوع جدير بالملاحظة لأنّ علماء الإسلام كانت لهم مواقفهم الشهيرة على مر العصور، ومن هؤلاء شيخ الإسلام ومواقفه التي بينتها في هذه الدراسة.
هذا ما يتعلق بالتوصيات الخاصة بموضوع الرسالة، أما فيما يتعلق بالتوصيات العامة في كيفية بحث منهج أو أثر أي عالم فإني أوصي بأن تكون هذه الدراسات محصورة بكتاب واحد من كتب العالم المراد بيان منهجه وأثره، وأن تأخذ الدراسة بعد التعمق، وإن قلت المساحة
التي تغطيها الدراسة من جهد العالم المراد دراسة أثره، فلا شك أن لهذه النوعية من الدراسات وأعني بها حياة العلماء وأثرهم ومناهجهم لها فائدة علمية عظيمة للباحث والقارئ، ولكن بشرط أن تكون مبنية على أساس سليم، وما أقوله هنا مستخلص من تجربتي العملية في هذه الدراسة.
وفي الختام أحمد الله -عز وجل- أن كتب لي التوفيق في هذا العمل، حتى انتهيت إلى الغاية، وأستغفره وأتوب إليه من كل خطأ وزلل، وصلى الله على سيد الأوليين والآخرين، قائد الغر المحجلين رسول رب العالمين محمد ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق