أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 31 مارس 2021

أخبار الشيوخ وأخلاقهم لأبي بكر أحمد بن محمد بن الحجّاج المرُّوذيّ -بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة

أخبار الشيوخ وأخلاقهم

لأبي بكر أحمد بن محمد بن الحجّاج المرُّوذيّ (ت 275 هـ)

تحقيق: د. عامر حسن صبري

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة


تمهيد/ إن حسن الخلق هو سبب سعادة الإنسان في الدُّنيا والآخرة، ووسيلةٌ يبلغ بها المرء رضوان الله عز وجل، كما أنَّه وسيلة لإنشاء جيل صالح، يقوى على تحمُّل الصِّعاب، ويُسهم في سعادة المجتمع ورُقيِّه، وقد جمع الإمام أبو بكر المرُّوذِي -وهو أحد تلامذة الإمام أحمد -في هذا الكتاب نماذج كثيرة لأئمة السَّلف، التي تدلُّ على اعتزازهم بدينهم، وثباتهم على مواقفهم، وأنفتهم أمام جيش الشهوات والمغريات، ووقوفهم بحزم أمام جموح النفس، وفتنة الدنيا، وهبة السُّلطان.

فكانت كلماته باقة عطرة من الأخلاق الرفيعة والآداب العالية التي كان يتحلى بها سلفنا الصالح، وقد ذكر المروذيُّ فيه أخبار الزهد، والبِر، والتقوى، والصدق، والإخلاص، واليقين، وعزة النفس، بالإضافة إلى مناقب أعيان السلف، كالثوري، وطاوس، وأيوب، ابن المبارك.

وقد ذكر في كتابه هذا ما يقرب على (379) أثراً، عن (83) شيخاً، موزعة بين الجزأين الأول (185) أثر، والثالث (194) أثر، وأكثرهم معروفٌ، وبعضهم مُبهم، وبعضهم لا يُعرف.

ووضع المحقق في أول الكتاب بعض النصوص المنقولة عن هذا الكتاب في الكتب الأخرى، ولا توجد في المخطوط الأصل، وذلك نظراً لضياع الجزء الثاني من الكتاب، فذكر ما يقرب من (10) مسائل عن الإمام أحمد معزوَّةً إليه، ومصدرها كما ورد: "طبقات الحنابلة" لابن أبي يعلى، و "مناقب الكرخي" لابن الجوزي، و "مناقب أحمد" لابن الجوزي أيضا، وجميعها مرويَّةٌ من طريق ابن بطة، عن أبي بكر الآجري: محمد بن الحسين، عن محمد بن كردي القلاس، عن أبي بكر المروذي.

وكما أسلفنا فإن هذا الكتاب إنما هو تحقيقٌ للجزء الأول والثالث من الكتاب، وأما الجزء الثاني فهو مفقود. 

ومن الملفت للنظر تركيز المؤلف "المروذي" على قضية منابذة الحكام والجفاء الشديد لهم، لما كان يراه علماء السلف من ظلم الحكام وجورهم، ومحاربتهم للسُّنة، وقد صرَّح بعض السَّلف بكراهة الدُّعاء للحكام الظلمة، وعدم التسليم عليهم، وكان السلف يفتخرون بذلك، وقد بلغ من تشدُّد بعضهم أن قال قائلهم: إن دعاك الوالي أن تقرأ عليه سورة من القرآن؛ فلا تأته، وقال آخر: لا  تعرف الأمير، ولا تعرف من يعرفه.

وكأن المروذي تبعاً للإمام أحمد يرى أن السلامة تكمن في البعد عن الأمراء والحُكام ورجال الدولة، مع وجوب إخلاص النصيحة لهم، وقول الحقِّ أمامهم، ووجوب أمر الإمام ونهيه كلما رآه، وعدم الدخول معهم في شؤون الحكم أو تقلُّد المناصب، لأن ذلك مشاركة لهم ومعاونة لهم على الظلم.

وكان الإمام أحمد شديد الإنكار على من يدخل على السلاطين، ويجلس إلى موائدهم، ومن قبله الإمام سفيان الثوري الذي كان شديداً في هذا الأمر، وصار قدوةً لمن بعده، ومن قبله الإمام عبد الله بن المبارك الذي أوصى للثوري، وقال له: لا تقربهم! يعني السلاطين. ومثله الإمام محمد بن واسع الذي كان يُردد: إن الدُّنو منهم هو الذبح.

وبلغ من تشدُّد بعضهم أنهم كانوا يذكرون ذلك في تراجمهم، ومثاله (ص 48) سئل أيوب عن الزُّهريِّ؟ فقال: هو عالمٌ، من رجلٍ كان يصحب السلطان، فكأنه أنكر عليه ذلك.

ومع بُعد علماء السلف عن الحُّكام، إلا أنَّهم كانوا يُناصحونهم بالتي هي أحسن، فكان سلفنا الصالح أهل مروءةٍ وأدب، وكان مذهبهم حسناً في الدين، مع إخلاصهم العبادة لله، وسمعهم وطاعتهم للأمير، ونصيحتهم التامة للمسلمين.

وقد كان عمر بن عبد العزيز، يقول: يغشاني علماء المدينة، ويبلغني علم سعيد بن المُسيّب. يعني أنه لا يحضر مجلس الإمارة. وسعيد بن المسيب هو الذي امتنع من مقابلة عبد الملك بن مروان لما بعث إليه في الحج أن يحضر؛ فأبى وقال كلمته الشهيرة: ما لي إليه من حاجة، ولا قوله عندي بمُتَّبع!. 

ويرى السَّلف أن الوقوف على أبواب الأمراء من الفتن، ونقصان الدين، وذلك من وجهين:

(الأول): أن المجالسة تتضمن الكفَّ عن الحقِّ، أو السكوت عليه.

(الثاني): أن المخالطة تتضمن الإعانة على الجور.

وقد أنكر الإمام أحمد على إسحاق بن راهويه دخوله على عبد الله بن طاهر (ت 230 هـ) حاكم خراسان.

وأبو بكر المروروذي (200 -275 هـ) من كبار أصحاب الإمام أحمد (ت 241 هـ)، وأجلِّهم، وهو الذي تولَّى إغماضه وتغسيله لما مات، وروى عنه مسسائل كثيرة، وكان أحد أصحابه المُقدَّمين =ونسبته إلى مَرو الروذ، والمرة: الحجارة البيضاء، التي تُقدح بها النار، والروذ: هو النهر العظيم. وللمروذي مؤلفات منها: سؤالات الإمام أحمد في العلل والرجال والورع، ومسائل للإمام أحمد في الفقه والأدب والسنن والقصص والمقام المحمود.

  • فوائد//

29/ في المكاتبات: إلى أبي فلان.. أصوب من: لأبي فلان.

32/ قصَّة جميلة جداً: كان سفيان يُحدِّث أصحابه بقصة، فيقول: كَانَ مَلِكٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ فِيهِمْ عَابِدٌ، وَكَانَ يَخْدُمُ بِبَابِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، وأجلسه في قصره ثلاث ليالٍ في كل ذلك يبعث إليه بمائدةٍ عليها ما لذَّ وطاب، وهو يأبى أن يأكل منها، فلما كانت الليلة الثالثة، قال المالك: اذْهَبُوا بِهَا إِلَيْهِ، فَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَكَلَ مِنْهَا حَتَّى شَبِعَ، قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ جَارِيَةً مِنْ أَحْسَنِ جَوَارِيهِ تَخْدُمُهُ، فَهَوَى بِهَا فَوَطِئَهَا؛ فبلغ الملك فعل هذا العابد؛ فَدَعَاهُ وقَالَ: إِنَّكَ كُنْتَ تُحَرِّمُ عَلَيَّ مَالِي، وَتَزْعُمُ أَنَّ مَا فِي يَدِي سُحْتٌ، فَأُرِيدُ أَنْ تَقُومَ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ فَتَعْذِرُنِي عِنْدَهُمْ، فَقَامَ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ فَعَذَرَهُ...فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَنَا مَلِكٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَحْكُمُ فِي شُعُورِهِمْ وَفُرُوجِهِمْ، فَأَنَا فِيمَا مَلَكْتُ أَعْدَلَ مِنْكَ، بَعَثْتُ إِلَيْكَ بِفَضْلِ مَائِدَتِي فَأَكَلْتَ مِنْهَا، وَبَعَثْتُ إِلَيْكَ بِأَحْسَنِ جَوَارِيَّ فَلَمْ تَعِفَّ أَنْ وَطِئْتَهَا، فَأَنَا فِيمَا مَلَكْتُ كُنْتُ أَعْدَلَ مِنْكَ، قَالَ: فَضَرَبَ عُنُقَهُ.

93/ قَالَ الْفُضَيْلُ: مَنْ أَعَزَّ أَمْرَ اللَّهِ أَعَزَّهُ اللَّهُ بِلا عَشِيرَةٍ.

108/ وكان ابْنُ عُمَرَ، يقول: إِذَا طَابَتِ الْمَكْسَبَةُ، زَكَتِ النَّفَقَةُ.

192/ وكان الْفُضَيْلَ يَقُولُ: الْمُؤْمِنُ قَلِيلُ الْكَلامِ، كَثِيرُ الْعَمَلِ، وَالْمُنَافِقُ كَثِيرُ الْكَلامِ، قَلِيلُ الْعَمَلِ.

193/ وعن ابن وهب، قال: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: يَنْبَغِي لِلْوَصْفِ الْقَلِيلِ الْعَمَلُ الْكَبِيرُ، حَتَّى مَتَى تَصِفُ الطَّرِيقَ لِلدَّالِجِينَ، وَأَنْتَ مُقِيمٌ فِي مَحِلَّةِ الْمُتَحَيِّرِينَ.

204/ القُهرمان: بضم القاف هو أمين الملك، ووكيله الخاص.

206/ ذكر عمر رضي الله عنه في بعض الآثار بلفظ عليه السلام، هنا، وكرر ذلك أيضاً في (248، 337).

294/ {وأشهدوا ذوي عدل} ذوي عقل.

295/ عَنِ الشَّعْبِيِّ، فَقَالَ: إِنَّمَا يَطْلُبُ هَذَا الْعِلْمَ مَنْ كَانَ فِيهِ خَلَّتَانِ: الْعَقْلُ وَالنُّسْكُ.

296/ {مباركاً أينما كنتُ}، قال: مُعلماً للخير.

299/ {يعلم السّر} ما أسررته في نفسك، {وأخفى} ما لم تعلمه أنت.

302/ لا يدعو الرجل على زوجته، ولا يقُل: اللهُمَّ أرحني منها؛ لأنَّه الله قلَّده أمرها؛ فإن شاء طلَّق، وإن شاء أمسك.

311/ كان السلف يتذاكرون الجنة، فإذا طلع النهار، قالوا: هَكَذَا نَهَارُ الْجَنَّةِ.

326/ تقول العرب: مَنْ رَدَّ النَّصِيحَةَ رَأَى الْفَضِيحَةَ.

325/ ثُمَّ يَظَلُّ يَتَجَشَّأُ مِنَ الْبَشَمِ =البشم: التُّخمة. (يَا جَارِيَةُ، وَيْحُكَ ابْغِينِي حَاطُومًا) =الحاطوم: هو الهاضوم، وهو كل دواء يهضم الطعام.

342/ قال عبد الرحمن بن مهدي:  لا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَكَلَّفَ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِنَّ الْعَالِمَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْبَصَرِ… يُبْصِرُ مَدَّ بَصَرِهِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْظُرَ مَا لَمْ يَظْهَرْ.

348/ وقال مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ صَفَا عَمَلُهُ صَفَا لَهُ اللِّسَانُ الصَّالِحُ، وَمَنْ خَالَطَ خُلِطَ لَهُ.

358/ وروى سُفيان: كَفَى شَرُّهَا أَنْ لا تَشْتَهِيَ شَيْئًا إِلا اشْتَرَيْتَهُ =وإنما هي "شَرَهاً =بثلاث فتحات.

360/ قَالَ سُفْيَانُ: وَقَالَ عُمَرُ: وَجَدْنَا خَيْرَ عَيْشِنَا فِي الصَّبْرِ.

379/ وما أحسن ما ختم به االمرّوُّذي كتابه، حينما أورد حديث عبد الله بنعمرو بن العاص مرفوعاً: (إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا)، وأساس الأخلاق العدل والإنصاف.

277/ 278/ 279/ كل ما ورد عن أبي حنيفة وكلام السَّلف فيه؛ فلأنه كان دخل في بعض الكلام، وقد تاب عنه، ولعلَّهم نقموا عليه رأيه في الحيل.

  • وقد جاء في هذا الكتاب سبعةً عشر حديثاً مرفوعاً، وهي: 

123/ 124/ 125/ 129/ 134/ 135/ 136/ 137/ 138/ 139/ 205/ 213/ 214/

227/ 229/ 337/ 379. ونذكر أطرافها فيما يلي:

(مَنْ وَلِيَ لِلْمُسْلِمِينَ سُلْطَانًا أُوقِفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ).

(مَا مِنْ وَالٍ وَلِيَ لِلْمُسْلِمِينَ سُلْطَانًا إِلا أُوقِفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ).

(مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ النَّاسِ أُقِيمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى جِسْرٍ فِي النَّارِ).

(مَا مِنْ وَالٍ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، فَلَمْ يُحِطْ...).

(لا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ مَخَافَةُ النَّاسِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْحَقِّ إِذَا رَآهُ).

(مَا مِنْ حَاكِمٍ حَكَمَ إِلا جِيءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَلَكٌ آخِذٌ بِقَفَاهُ…).

(لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا يَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ…).

(لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِهِمْ يَوْمَ يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا وَدَّ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالنَّجْمِ…).

(لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ ذَوَائِبَهُمْ كَانَتْ مُعَلَّقَةً بِالثُّرَيَّا…).

(إِنَّ الْقَاضِي لَيَزِلُّ فِي مَزْلَقَةٍ أَبْعَدَ مِنْ عَدَنٍ أَبْيَنَ فِي جَهَنَّمَ..).

(مَنْ كَانَ قَاضِيًا فَقَضَى بِجَوْرٍ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ…).

(مَنْ لَمْ يُبَالِ مِنْ أَيْنَ جَمَعَ الْمَالَ، لَمْ يُبَالِ اللَّهُ مِنْ أَيْنَ أَدْخَلَهُ النَّارَ).

(سَيَكُونُ قَوْمٌ يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ، وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، يَأْتِيهِمُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ: لَوْ أَتَيْتُمُ السُّلْطَانَ…).

(إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، وَسَتَصِيرُ نَدَامَةً وَحَسْرَةً..).

(لا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ).

(إِنَّ السُّلْطَانَ عَلَى بَابِ عَنَتٍ، إِلا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ).

(كَانَتْ أَنْبِيَاءُ، وَسَيَكُونُ بَعْدَهُمْ أُمَرَاءُ، يَتْرُكُونَ بَعْضَ مَا يُؤْمَرُونَ بِهِ…).

(لا تَزَالُ يَدُ اللَّهِ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ وَفِي كَنَفِهِ …).

(إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ…).










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق