تذكرة المؤتسي فيمن حدَّث ونسي
تأليف جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت 911 هـ)
تحقيق وتعليق: صبحي البدري السامرائي
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة
تمهيد/ قد روى أكابر المحدثين أحاديثاً ثم نسوها، فإذا أُخبروا بها حصل منهم النفي أو الإنكار للتحديث بها، ولا غرابة في هذا النسيان، فإنَّه جِبلَّةٌ في الإنسان، وليس أحدٌ من الناس إلا وتخفى عليه بعض الأمور أو يذهل عنها لكثرة المشاغل والأعباء أو طول المُدَّة، وقد جمع بعض الحفاظ أجزاءً مُفردةً فيمن حدَّث ونسي، أقدمها كتاب الإمام أبي الحسن الدراقطني، ويليه الحافظ الخطيب البغدادي.
ومن ثمَّ ألَّف السيوطي هذا الكتاب "تذكرة المؤتسي فيمن حدَّث ونسي" وهو تلخيصٌ لكتاب الخطيب البغدادي، فذكر فيه أن الراوي الثقة قد يروي حديثاً عن شيخة في وقتٍ ما، ثم يذهل الشيخ عن هذ الحديث وينساه؛ فإذا عُرض على الشيخ نسى أنه حدَّث به، أو ينفي علمه به.
وقد يُعبر الشيخ عن ذلك بقوله: لا أذكره، أو لا أعرفه، أو يُسأل فيُقال له: ألم تُحدث بكذا؟ فقال: لم أفعل. أو يُقال له: حدثتنا بكذا، فيقول: لم أُحدثكه، ويُعرف نسيان الشيخ لهذا الحديث بقرائن الأحوال، والرواة عنه، كأن يُحدث به عنه أكثر من راوٍ، أو من عُرف بملازمته وكثرة الرواية عنه، فعند ذلك يُتيقن أن الشيخ قد نسي.
أما حكم رواية الحديث الذي يجحده الشيخ؛ فهو ما قاله الحافظ ابن حجر في "النزهة": وإن روى عن شيخ حديثاً؛ فجحد الشيخ مرويه:
أ- فإن كان جزماً: كأن يقول: كذبٌ عليَّ، أو: ما رويت هذا، أو نحو ذلك، فإن وقع منه ذلك رُدَّ ذلك الخبر لكذب واحدٍ منهما، لا بعينه، ولا يكون ذلك قادحاً في واحد منهما؛ للتعارض.
ب- أو كان جحده احتمالاً، كأن يقول: ما أذكر هذا، أو لا أعرفه قُبِلَ ذلك الحديث في الأصح؛ لأن ذلك يحمل على نسيان الشيخ. وذلك أن عدالة الفرع تقتضي صدقه، وعدم علم الأصل لا ينافيه، فالمثبت مقدم على النافي.
وفيه، أي: في هذا النوع، صنف الدارقطني كتاب: "من حدث ونسي"، وفيه ما يدل على تقوية المذهب الصحيح؛ لكون كثير منهم حدثوا بأحاديث فلما عرضت عليهم لم يتذكروها، لكنهم؛ لاعتمادهم على الرواة عنهم، صاروا يروونها عن الذين رووها عنهم، عن أنفسهم.
ومثاله: حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً في قصة الشاهد واليمين، قال عبد العزيز بن محمد الدراوردي: حدثني به ربيعة بن أبي عبد -الرحمن عن سهيل، فلقيت سهيلاً فسألته عنه فلم يعرفه، فقلت: إن ربيعة حدثني عنك بكذا، فكان سهيل بعد ذلك يقول: حدثني ربيعة عني أني حدثته عن أبي به. ونظائره كثيرة. انتهى كلام الحافظ.
ذكر نسيان الرواة:
وذكر لذلك أمثلةً كثيرة، منها نسيان أبي هريرة كما في رواية أبي سلمة عنه/ ونسيان أيوب عن صخر بن قُدامة/ وقتادة عن كثير مولى ابن سمرة/ وعمرو بن دينار عن أبي معبد/ ومسعر عن عمرو بن دينار/ وعثمان بن الحكم الجذامي عن يحيى بن سعيد/ والحكم عن حمّاد/ وابن جريج عن الزُّهري/ ووكيع عن ابن جريج/ والأعمش عن حُصين/ وابن جريج عن عطاء/ ويحيى بن صُبيح عن عمرو بن دينار/ ومحمد بن جعفر عن شعبة/ ومحمد بن المنذر عن ابن عُيينة/ ومحمد بن خلاّد عن ابن عُيينة/ وعبد الوهاب الفراء عن ابن عُيينة/ رجاء الحافظ عن علي بن المديني/
ذكر من نسي حديثاً حُفظ عنه فرواه هو عمّن سمعه منه:
أنس بن مالك الصحابي عن أبنائه/ سهيل بن أبي صالح عن ربيعة/ منصور بن المعتمر عن حُصين/ سعيد بن أبي عروبة عن بعض أصحابه/ مالك بن مغول عن رجلٍ عنه/ طلحة عن روحٍ أن طلحة حدَّثه/ عبد الله بن داود الخريبي عن الحسن بن صالح عنه/ عبد الله بن داود الخريبي عن الأعمش عنه/ جرير عن علي بن مجاهد عنه/ عمرو بن عثمان عن ابن عُيينة عن نفسه/ معتمر بن سليمان عن منقذ عنه/ سفيان عن وكيع عن نفسه/ ابن عُيينة عن ابن المبارك عنه/ ابن عُيينة عن أبي معاوية الضرير عنه/ عُبيد الله القواريري عن علي بن المديني عنه/ أبو حاتم الرازي عن أبي زرعة عنه/ إبراهيم السراح عن أخيه محمد عنه/ الضحاك عن مخلد عن يحيى عن الضحاك/ الواقدي عن المأمون عنه/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق