قواعد القواعد
صالح بن عبد العزيز آل شيخ
إعداد: سالم بن محمد الجزائري
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ لكل علم قواعده وأصوله التي ينبني عليها، ويرتكز إليها، لذا كان من المناسب لكل طالب علم أن يتعرف على أصول العلم الذي يهتمُّ بتعلمه، ويرنو إلى أن يتضلع به.
وهذا كتابٌ عظيم نفعه، كبيرٌ قدره، وإن لم يكن -في نظري -وافياً بموضوعه، أو شاملاً لعناصره وأهدافه؛ إذ هو نبذةٌ يسيرة وبذرة صغيرة صالحة -بإذن الله -إذا نبتت في عقل الطالب وقلبه وسُقيت بماء الصدق والاجتهاد؛ فإنه ستنبت علوماً نافعة بإذن الله تعالى.
تعريف القواعد:
أ. في اللغة: جمع قاعدة، والقاعدة هي كل ما ينبني عليها غيرها.
ب. في الاصطلاح: هي أمرٌ كلي، ترجع إليه فروعٌ كثيرة.
إذن (القاعدة عبارة تتكون من ألفاظ قليلة، ويدخل تحتها صورٌ كثيرة)
أقسام القواعد باعتبار المعرفة بها:
أ. قواعد عامة: يشترك في معرفتها جميع أهل العلم.
ب. قواعد خاصة: يشترك في معرفتها أصحاب علم خاص، مثل القواعد الفقهية، تختلف في كل مذهب عن الآخر.
أقسام القواعد باعتبار نوع العلم:
أ. قواعد في أصول العقيدة.
ب. قواعد في أصول الفقه.
ج. قواعد في أصول السلوك والأخلاق.
قال ابن قيم الجوزية:
والعلم أقسامٌ ثلاثٌ ما لها … من رابع والحق ذو تبيان
علمٌ بأوصاف الإله ونعمه … وكذلك الأسماء للديّان
والأمر والنهي الذي هو دينه … وجزاؤه يوم المعاد الثانِ
أهمية علم القواعد:
أ. ضبط أصول العلم والفهم وأفراده.
ب. منع الشذوذ بالآراء المختلفة لا سيما في النوازل والمستجدات.
ج. حماية طالب العلم من الالتباس والتأثر بالمتشابهات.
د. تيسير الاجتهاد في مسائل النوازل.
ه. صيانة عقلية المسلم أمام هذا التغيُّر الهائل في القيم والأخلاق، وكما أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (لا يأتيكم زمانٌ إلا والذي بعده شرٌّ منه، حتى تلقوا ربكم)، وقال عمر بن عبد العزيز: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور -أي بسبب بُعد الناس عن الدين.
و-بيان أن هذه الشريعة صالحةٌ لكل زمان ومكان؛ لأن أحكامها ثابتةٌ لا تتغير، فحكمها في أول الزمان هو حكمها في آخر الزمان.
من الذي يضع القواعد:
أ. لا بُد لمن يضع القواعد أن يكون عالماً راسخاً في علمه، فيعلم دقائق دقائق العلم وتفاصيله، وعالماً كتاب الله تعالى، عالماً بحديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم، عالماً بأقوال السلف، وبأقوال أهل الفن، وما عليه الجمهور والآراء الشاذة.
ب. أن تكون هذه القواعد غير منخرمة؛ فلا يُخالفها هو في بعض مسائله وفتاواه، ولا يأتي من غيره ما يخرمها.
ج. ولا بُد أن تكون القاعدة أغلبية، فلا تصلح القاعدة التي جاء ما يُخالفها أكثر مما يُوافقها.
د.مراعاة الاختلاف والتنوع في الفروع تبعاً لاختلاف الآراء لا سيما في الفقه، وبناءً عليه تختلف القواعد من باب إلى باب.
ه. أن قواعد أصول الدين (العقيدة) ثابتة لا تتغير، وهي واضحة لا تتبدل.
متى يجوز نسبة القاعدة للسلف:
لا يجوز إثبات قاعدة إلى السلف رحمهم الله تعالى -إلا بطريقتين:
الأولى: أن يجد نصاً يدلُّ على أنها قاعدة، مثل: (والقاعدة كذا، والأصل كذا) بنقل إمامٍ مُعتمدٍ ثقة.
الثاني: أن يستقرئ عالمٌ راسخٌ في العلم متأنٍّ كلام السلف في المسألة، ثُم يُقعّد لها.
المحكم والمتشابه:
وهذا المبحث هو أحد المباحث المهمة في علم العقائد والفقه والتفسير والحديث. والمحكم: هو البيّن المعنى، الواضح الذي يُفهم من غير إشكال. والمتشابه: هو الذي يشتبه ولا يُدرى ما وجهه حتى يُردَّ إلى المُحكم.
ومن القواعد في هذا الباب:
أ. ليس كل من استدل بالقرآن والسنة يكون مُصيباً وناجياً، بل لا بُد من العودة إلى فهم أهل العلم وكلام السلف.
ب. من أراد التقعيد (وضع القواعد) لا بُد له من ضبط المحكم وفهم المتشابه.
ج.الأصل في الاستدلال أن يكون بالمحكم لا بالمتشابه.
د. ضرورة إنصاف العالم المخطئ في اجتهاده، وجلَّ من لا يُخطئ، يقول الإمام الذهبيُّ رحمه الله: (ما من إمامٍ كاملٍ في الخير إلَّا وثمَّ أناسٌ من جهلةِ المسلمين ومبتدعيهم يذمُّونه، وما مِن رأسٍ في التجهُّم والرَّفضِ إلا وله أناسٌ ينتصرون له ويذبُّون عنه، ويدينون بقوله بهوىً وجهل، وإنما العبرة بقول الجمهور، الخالين من الهوى والجهل، المتصفين بالورع والعلم).
ه. لا بُد لكل قاعدة من دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع، ومثال ذلك قاعدة (الأمور بمقاصدها) دليلها: حديث "إنما الأعمال بالنيات"، وقاعدة (لا محرم مع الضرورة) دليلها: قوله تعالى: {إلا ما اضطررتم إليه}.
و. يستدلُّ للقاعدة باستقراء إمام مأمون ثقة من الأئمة في مسألة مُعينة أو باب مُعين، فيخرج قاعدة باستقرائه.
ز. يُمكن الاستدلال للقاعدة بقاعدة كلية، وتكون بمعنى الأصل.
من القواعد في باب العقائد:
أ. النص محكم والعقل معطل إلا في أجزاء بسيطة.
ب. الأسباب مرتبطة بمسبباتها.
ج.إلغاء الأسباب لا يجوز وهو معارضة للشرع وقدحٌ في العقل.
من القواعد في باب الفقه:
أ. الأمور بمقاصدها.
ب. التابع تابع.
ج. المشقة تجلب التيسير.
د. الضرورات تُبيح المحظورات.
من القواعد في باب السلوك:
أ. العبادات مبناها التوقيف.
ب.كل عبادة لم يفعلها أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فلا نتعبد بها.
ج. والمعاملات مبناها مصالح الناس ما لم يرد نصٌّ بتحريمها.
د. ليس كل مدحٍ أو قدحٍ يكون حقاً؛ لأنه قد يُمدح بهواه من يوافقه ويعجبه، ويقدح فيمن ليس على طريقته.
ه. أسباب القدح: الحسد، والتعصب، والتحزب، وطلب الرياسة والسلطة، وإسقاط فلان في أعين الناس، وأسباب المدح كثيرة وقد يكون بحق أو بغير حق.
و.ما وافق الشرع فهو محمودٌ عقلاً وشرعاً، وما خالف الشرع مذمومٌ عقلاً وشرعاً.
ز. والمؤمن يجتمع فيه موجبان: المحبة والبغض بحسب نصيبه من الطاعة والمعصية؛ فنحبه بقدر الطاعة التي فيه، ونبغضه بقدر المعصية التي هو عليها.
ح. الجماعة هل ما وافق الحق، ولو كنت وحدك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق