أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 29 مارس 2021

صفة بيع المرابحة المعمول بها في بعض البنوك الإسلامية -للشيخ د. عبد الرحمن عبد الخالق اليوسف

صفة بيع المرابحة المعمول بها في بعض البنوك الإسلامية

من كتاب (شرعيَّة المعاملات التي تقوم بها البنوك الإسلامية المعاصرة)

للشيخ د. عبد الرحمن عبد الخالق اليوسف

مجلة الجامعة الإسلامية -المدينة المنورة.


بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ كلما تأخَّر الزمان، ابتعد الناس عن هدي النبوَّة، وضعف الورع، وقلَّت التقوى، وتلمَّس الناس الحيل، التي ظاهرها الإباحة، ومقصودها الوصول إلى المُحرَّم، ومن الحيل المعاصرة البيع الذي تُسميه بعض البنوك الإسلامية  بـ"بيع المرابحة" وليس هو من بيع المرابحة في شيء، وإنما هو التحايل على الربا.

  واعتماد بعض المتأخرين في صورة هذا البيع على قول للشافعي رحمه الله في هذه المسألة: لا يحل لهم؛ لأمرين:

(الأول): أن الشافعي يفترض في هذا حسن النية وعدم التحايل على الربا قطعاً. 

(والثاني): أن الشافعي -رحمه الله -يرى جواز ما يماثل هذه الحيلة وهو بيع العينة كما قال: "وان اشترى رجل طعاماً إلى أجل فقبضه فلا بأس أن يبيعه ممن اشتراه منه دون غيره بنقد والى أجل" .

 وهؤلاء لا يقولون بجواز مثل هذا البيع لأنه تحايل فكذا يجب أن يقولوا ذلك في مثيله.

وأما المعاملة التي يسمونها في البنوك الإسلامية بيع مرابحة فهي تختلف عما قدمنا شكلاً وموضوعاً ونية وقصداً، من أوجه:

الأول: البنك لا يملك السلعة.

الثاني: أن المشتري الذي يلجأ إلى البنك لا يقصد خدمة البنك في أن يشتري له، وإنما يلجأ إلى البنك من أجل المال؛ لأنه ليس لديه مالٌ حاضر وهو يريد شراء سلعة ما (أرض أو سيارة)، فيأتي إلى صاحب الأرض (البائع الحقيقي) ويتفق معه على السعر ثم يذهب إلى البنك الإسلامي ويقول له: اشتروا لي الأرض الفلانية أو السيارة الفلانية، ويوقع معهم عقداً يسمونه (وعد بالشراء). 

ثم يذهب موظفوا البنك ويحضرون البائع ويتفقون معه على أن يبيعوا له بثمن أكثر "نسيئة" إلى أجل، ويسمون هذه (الدورة الطويلة) بيع مرابحة.

  • أوجه تحريم هذه المُعاملة:

(أ) قصد الربا: لأن المشتري الحقيقي ما لجأ إلى البنك إلا من أجل المال، والبنك أيضاً لم يشتر هذه السلعة بقصد أن يبيعها بأجل إلى المشترى وهذه المقاصد لا يستطيع أحد أن يكابر فيها.

(ب) بيع ما لا يملك: ولاشك أن البنك الإسلامي، إذا جاء المشتري، وقال له: اشتر لي السلعة الفلانية؛ فإن البنك يساوم المشتري على البيع، ويشترط عليه إذا اشتراها له أن يشتريها بربح كذا وكذا، وهنا يكون البنك قد باع ما ليس عنده (لأنه اشترط ربحاً معلوماً في سلعةٍ غير موجودة حالاً -أي لا يملكها). وقد جاءت النصوص بتحريم ذلك.

قال ابن قدامة في (المغنى): "ولا يجوز أن يبيع عيناًَ لا يملكها ليمضي -لعقد -ويشتريها ويسلمها رواية واحدة، وهو قول أحمد بن حنبل والشافعي، ولا نعلم فيه مخالفاً". 

وفي حديث حكيم بن حزام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الرجل يأتيني فيلتمس من البيع ما ليس عندي فأمضي إلى السوق فأشتريه ثم أبيعه منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تبع ما ليس عندك).

ومعلوم يقيناًَ أن البنك يبيع ما ليس عنده باتفاقه مع المشتري الذي يسمونه (وعد شراء)، والحال أنه تعهد مكتوب موقع عليه يلتزم به المسلم على الأقل أخلاقياًَ وأدبياًَ، ولا يجوز للمسلم أن يخلف وعده.

وهذا الوعد يجعل المشتري مكبَّلاً أمام القضاء والقانون والمحاكم، بل وأصبحت العقود الجديدة تنصُّ على التقاضي أمام المحاكم إذا أخلَّ أيُّ طرفٍ بهذا الوعد.

(جـ) بيعتين في بيعة: وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (نهى عن بيعتين في بيعة). ولاشك أن الشراء الأول للبنك ثم البيع ما هما إلا عمليتان اثنتان في صفقة واحدة قصد بها التحايل على الربا.

(د) القضية كلها تحايل لأخذ الربا: وهذه المسألة برمتها ما هي إلا دورة طويلة، القصد منها التوصل إلى الربا بغطاء شرعي. 

ولهذا قال ابن قدامة بعد أن ساق بعض المعاملات التي ظاهرها الشرع وباطنها التوصل إلى محرم، قال: "والحيل كلها محرمة غير جائزة في شيء من الدين وهو أن يظهر عقداً مباحاًَ يريد به محرماً مخادعة، وتوسلاً إلى فعل ما حرم الله، واستباحة محظوراته…" 

إلى أن قال: "وهكذا لو أقرضه شيئاً وباعه سلعة بأكثر من قيمتها توسلاً إلى أخذ عوض عن القرض؛ فكلُّ ما كان من هذا على وجه الحيلة فهو خبيث محرم" واستطرد ابن قدامة بقوله: "ولنا أن الله تعالى عذب أمة بحيلة احتالوها فمسخهم قردة وخنازير وسماهم معتدين وجعل ذلك نكالاً وموعظة للمتقين ليتعظوا بها ويمتنعوا عن مثل أفعالهم وقال بعض المفسرين في قوله تعالى {وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} أي لأمة محمد صلى الله عليه وسلم".

وقال ابن عباس أيضاً فيمن يشتري بنقد (حاضر =حالاً) ومقصوده البيع نسيئة (أي إلى أجل): "إذا استقمت بنقدٍ، ثم بعت بنقد فلا بأس، وإذا استقمت بنقدٍ، ثم بعت بنسيئة فتلك دراهم بدراهم" يعني ربا.

وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" تعقيباً على كلام ابن عباس هذا: "ومعنى كلامه إذا استقمت، إذا قومت يعني إذا قومت السلعة بنقد وابتعتها إلى أجل فإنما مقصودك دراهم بدراهم ".

ثم قال الإمام ابن تيمية مُحذراً وناصحاً من يتبع بعض الأقوال الضعيفة لأهل العلم، ويستحل مثل هذه الحيل قال: "عليهم إذا سمعوا العلم أن يقولوا عن هذه المعاملات الربوية، ولا يصلح أن يقلد فيها أحداً فمن يفتي بالجواز تقليداً لبعض العلماء فإن تحريم هذه المعاملات ثابت بالنصوص والآثار ولم تختلف الصحابة في تحريمها وأصول الشريعة شاهدت بتحريمها، والمفاسد التي لأجلها حرم الله الربا موجودة في هذه المعاملات مع زيادة مكر وخداع".

قال: "وهذا البيع ليس مقصوداً لهم وإنما المقصود أخذ دراهم بدراهم ... فهم من أحل الربا المعذبين في الدنيا قبل الآخرة وقلوبهم تشهد بأن هذا الذي يفعلونه مكر وخداع وتلبيس".

قال: "ولهذا قال أيوب السختيانى: "يخادعون الله كما يخادعون الصبيان فلو أتوا بالأمر على وجهه لكان أهون عليَّ" انتهى.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق