كيف تشرح حديثاً
الشيخ محمد بن عبدالله الخضير
محاضرة علمية في جامع الأميرة الجوهرة بحي التعاون
في مدينة الرياض عام 1421ه
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ إن علم الحديث علمٌ جليل، رفيع القدر، عظيم الفخر، شريف الذكر، لا يعتني به إلا كل حبر، ولا يُحرَمه إلا كلُّ غَمر، لا تفنى محاسنه على مرِّ الدهر، فالاشتغال بالحديث وعلومه، وتحصيله، والتصنيف فيه، خير ما يشغل المرء به وقته، وأفضل ما يسعى إليه في العمر؛ إذ هو إرث الأنبياء، ومطلب العلماء الأتقياء.
وقد توجهت جهود علماء الأمة إلى خدمة السنة، خدمةً لا مثيل لها في عهد البشرية جمعاء، تحقيقاً وتنقيحاً، وشرحاً وتوضيحاً، ونقداً لرجالها ومتونها، وجمعاً بين مشكلها، وإعمالاً لقواعد الفهم فيها، وقد تتابعت جهود العلماء في هذا العلم الشريف (علوم الحديث) تأليفاً وتصنيفاً، فألفوا في شتى جزئياته، فضلا عن كلياته؛ وتنوعت تلك التصانيف بين مختصر، ومطول، وشارح، وناظم، وما إلى ذلك ؛ فجزاهم الله خير الجزاء.
ومن هذه الجهود التي أفاد منها العلماء والطلاب هي خدمة الكتب الحديثية بالشرح والتفسير، ولا شكَّ أن شرح الأحاديث وتفسيرها، وتتبع الروايات في الأبواب المؤتلفة أمرٌ يحتاج إلى دُربة واتقان، ولا بُد أن يضاف إلى ذلك ملكة الموازنة والربط، والأهم من ذلك كله تجرُّد الطالب في البحث الحديثي للوصول إلى الحق، ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ليُبرئ ذمته أمام الله تعالى، فلا يتعصَّب لشخص أو مذهب أو طريقة أو طائفة، بل يكون همُّه الوصول إلى الحق، ومعرفة مراد الله تعالى من هذا الأمر أو النهي أو الخبر،
وقبل ذلك لا بُدَّ من التأكُّد من ثبوت الخبر، ومعرفة دلالته، وسبب وروده، وحل وجه التعارض بينه وبين غيره إن وجد، ومعرفة كونه ناسخاً أو منسوخاً، وكونه راجحاً أو مرجوحاً.
ويمكن شرح الحديث بعد أن نقسّمه إلى ثلاثة أقسام رئيسية ( إجمالاً).
1/ الراوي الأعلى لهذا الحديث من الصحابي أو من دونه.
2/ لفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم (متن الحديث ).
3/ تخريج الحديث والحكم عليه.
أولاً: الراوي الأعلى:
ويُمكن أن يكون صحابياً أو غير صحابي، كالتابعي ومن بعده، وإذا أردت التعريف بالصحابي تعريفاً تاماً، فعليك أن تستعرض خمس نقاط:
1/ اسمه ونسبه بما يُميزه عن غيره .
2/ كُنيته.
3/ بعض فضائله ومناقبه: ويُقتصر في ذلك على فضيلتين أو ثلاث.
4/ عدد أحاديثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم؛ فمن الصحابة من هو مكثرٌ في الرواية، ومنهم من هو متوسط أو مُقل.
5/ وفاته زماناً ومكاناً، وإذا لم تجد ذلك تذكر أنك لم تجده.
كيف أصل إلى معلومات بالصحابي؟
أولاً: عدد رواياته: أما الكتب التي أُلفت في عدد أحاديث كل صحابي فأصلها وأهمها كتاب للإمام ابن حزم، أسماه (أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد). والعدد الذي يُطرح أمام كل صحابي ليس كل ما رَوى، بل هو عدد نسبي لما رواه في مسند بقي بن مخلد الأندلسي، كما نص عليه السخاوي في "فتح المغيث".
وخُصَّ مسند بقي بن مخلد لسببين:
1. أن ابن حزم تكفّل بعد مرويات الصحابة في هذا المسند.
2. أن هذا المسند يُعتبر أعظم موسوعة في الإسلام.
ومسند بقي بن مخلد مفقود. وقد نقل المباركفوري في تحفة الأحوذي أنه موجود في مكتبة برلين بألمانيا.
ثانياً: بقية المعلومات عن الصحابي؛ فثمَّة ثلاث طرق تؤدي إليها:
الطريقة الأولى: هي معرفة الكتب المؤلفة في الصحابة خاصة.
مثل كتاب الاستيعاب لابن عبد البر
وكتاب أسد الغابة لابن الأثير
وكتاب تجريد الصحابة للذهبي
وكتاب الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر.
الطريقة الثانية: وهي معرفة الكتب المؤلفة في رجال الكتب الستة:
مثل: الكمال في أسماء الرجال لعبد الغني بن عبد الواحد الجمّاعيلي المقدسي، وهذا الكتاب له ميزتان:
الأولى: أنه أول من كتب في رجال الكتب الستة.
الثانية: أنه حنبلي المذهب.
كذلك: تهذيب الكمال للمزي.
وتذهيب تهذيب الكمال للذهبي.
والكاشف للذهبي.
وتهذيب التهذيب لابن حجر.
وتقريب التهذيب لابن حجر.
والخلاصة للخزرجي.
الطريقة الثالثة: معرفة الكتب المؤلفة في رجال السير عموماً.
منها: سير أعلام النبلاء للذهبي، ومختصراته وتهذيباته.
كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان.
وكتاب الوافي بالوفيات للصفدي.
وكتاب البداية والنهاية لابن كثير.
إذا كان الراوي الأعلى غير صحابي، كيف أُعرِّف به؟
1/ اسمه ونسبه بما يُميزه.
2/ كُنيته.
3/ ذكر شيخين من شيوخه أحدهما مذكور في الإسناد؛ حتى يُستدل به على اتصال الحديث أو عدم اتصال السند.
4/ ذكر تلميذين من تلاميذه: أحدهما في الإسناد، وذلك لمعرفة الاتصال في السند، ولارتفاع جهالة العين عن الراوي.
5/ معرفة منزلته من حيث القبول وعدمه (هل هو ثقة أو غير ثقة).
6/ وفاته زماناً ومكاناً.
كيف أصل إلى المعلومات عن الراوي إذا لم يكن صحابياً؟
يمكن الوصول إلى المعلومات عن الراوي غير الصحابي بطريقتين:
الأولى: عن طريق الكتب العامة في التراجم.
الثانية: عن طريق الكتب الخاصة.
ومثال الكتب العامة: مثل سير أعلام النبلاء، وتاريخ الإسلام، والتاريخ الكبير للبخاري، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وغيرها.
وأما الكتب الخاصة، فمنها:
الكتب المؤلفة في تراجم رجال كتب مُعينة
-الكتب المؤلفة في الثقات:
مثل ثقات ابن حبان.
وثقات ابن شاهين.
وثقات العجلي.
-والكتب المؤلفة في الضعاف خاصة، مثل:
الضعفاء والمتروكين للنسائي، وكذا للدارقطني.
والضعفاء للبخاري.
والضعفاء للعُقيلي.
ومن أهمها الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي.
وأيضاً ميزان الاعتدال للذهبي.
ولسان الميزان لابن حجر.
-أو كتب ال الكنى خاصة، مثل:
كنى الدولابي.
وكُنى البخاري.
وكُنى مسلم.
والاستغناء في معرفة حملة العلم بالكنى لابن عبد البر.
- الكتب المؤلفة في البلدان مثل:
تاريخ بغداد.
وتاريخ دمشق.
وتاريخ حلب.
وتاريخ جُرجان.
وتاريخ داريا.
أو الكتب المؤلفة في الأنساب، مثل:
الأنساب للسمعاني.
والُلباب للسيوطي، ولُب اللباب.
***
ثانياً ما يتعلق بلفظ الحديث (متنه):
وهو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو إما كلام مُفصَّل ومُبيَّن بحيث لا يحتاج إلى مزيد إيضاح وشرح، أو كلامٌ مُجمل يحتاج إلى تبيين وتفصيل بالنظر إلى الروايات الأخرى من الشواهد والمتابعات.
كيف أصل إلى معاني الحروف ؟
يُمكن الوصول إلى معاني الحروف وأصول الكلمات بالرجوع إلى الكتب المؤلفة في كتب الحروف والمعاني، وهذه الكتب كثيرة منها:
الجنى الداني للمُرادي، ورصف المباني في شرح حروف المعاني للمالقي، ومعاني الحروف للرماني، ومغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام، واللامات للزجاجي، واللامات لابن كيسان، والنحاس أيضاً، وابن فارس، وأبو الحسن الهروي. وغيرهم.
كيف يمكن الوصول إلى معاني الألفاظ؟
والجواب أن ذلك يتمُّ بطريقتين:
الطريقة الأولى: عن طريق الكتب المؤلفة في غريب حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم، ومنها:
غريب الحديث للهروي، وغريب الحديث لابن قُتيبة، وغريب الحديث لابن الجوزي، وغريب الحديث لإبراهيم بن إسحاق، وغريب الحديث لابن قدامة، الفائق في غريب الحديث للزمخشري، وأعظم هذه الكتب وأهمها وأولها وأساسها وأجمعها النهاية في غريب الحديث لابن الأثير.
الطريقة الثانية: عن طريق الكتب المؤلفة في معرفة معاني ألفاظ لغة العرب، والكتب المؤلفة في بيان ألفاظ اللغة العربية كثيرة منها:
الصحاح للجوهري وشروحه، مختار الصحاح وتاج العروس للزبيدي، القاموس المحيط للفيروزأبادي، لسان العرب لابن منظور، وتهذيب اللغة لابن فارس، ومنها أيضاً المُحكم والمخصص لابن سِيدَه، وغيرها.
أنواع الأحكام المستمدة من لفظ الحديث ؟
وهي نوعان:
1/ إما حُكم مُجمعٌ عليه، ويُنمكن الوصول إليه بطريقتين:
(الأولى): وهي الكتب المؤلفة في الإجماع خاصّة. مثالها: كتاب الإجماع والأشراط والأوسط لابن المنذر، وكتاب مراتب الإجماع لابن حزم مالم ينتقده شيخ الإسلام ابن تيمية في نقده لمراتب الإجماع، وكتاب الإفصاح لابن هُبيرة، وكتاب موسوعة الإجماع للسعدي أبي حبيب.
(الثانية): التنصيص عليه من إمام . والتنصيص عليه من إمام سواءً نص عليه إمام في كتب شروح الفقه أو في كتب شروح الحديث وغيرها.
2/ حكم مختلف فيه، ويُمكن الوصول إليه بطريقتين أيضاً:
(الأولى): الكتب المؤلفة في المذاهب المتبوعة.
أ. المذهب الحنفي:
الهداية للمرغيناني وهو من الكتب المعتمدة في المذهب الحنفي.
وشرحه فتح القدير لابن الهُمام.
ب. المذهب المالكي:
المدونة للإمام مالك.
والتمهيد والاستذكار والكافي في مذهب أهل المدينة لابن عبد البر.
ج. المذهب الشافعي:
الأم للإمام الشافعي.
مختصر المُزني وشرحه المسمى بـالحاوي الكبير للماوردي.
والمهذّب لأبي إسحاق الشيرازي وشرحه المسمى بالمجموع، وقد تناوله بالشرح ثلاثة: أولهم الإمام النووي، ثم السبكي، وأكمله المُطيعي.
قال العلامة الكبير الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: من وقف في مسائل الخلاف على المجموع وعلى المغني فقد استوفى المسألة .
د. المذهب الحنبلي:
العمدة والكافي والمقنع والمغني كلها لابن قدامة المقدسي.
ولا بُدَّ من التنبُّه هنا: إلى ضرورة معرفة الاصطلاحات الخاصة في كل مذهب، ومعرفة الراجح والمرجوح؛ فمثلاً: لا بُدَّ من معرفة:
-أيُّ الرواة أقوى عند الاختلاف على الإمام مالك.
-متى يُعمل بالقديم والجديد من قولي الإمام الشافعي.
-وأيُّ الرواة المعتمدة في مذهب أحمد.
-وأيُّ الرواة المعتمدة في مذهب أبي حنيفة.
* * * * *
ثالثاً: كتب شروح الحديث:
فننظر أولاً إلى من أخرج هذا الحديث ثم نرجع إلى شرحه.
* فإن كان الحديث في البخاري:
فنرجع إلى شروح البخاري الكثيرة ومنها:
أعلام الحديث للخطابي.
فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب الحنبلي.
فتح الباري لابن حجر العسقلاني.
إرشاد الساري للقسطلاني.
عمدة القاري للعيني.
شرح الكِرماني .وغيرها..
* وإن كان الحديث في مسلم:
فنرجع إلى شروح مسلم الكثيرة ومنها:
المُعلم بفوائد صحيح مسلم للمازري.
إكمال المُعلم بفوائد صحيح مسلم للقاضي عياض.
المُفهم شرح صحيح مسلم للقرطبي.
شرح النووي على مسلم .
شرح الأُبي على مسلم.
فتح المُلهم بشرح صحيح مسلم للشبّير بن أحمد العثماني .وغيرها.
* وإن كان في سنن أبي داود:
معالم السنن للخطابي.
شرح بدر الدين العيني.
عون المعبود وغاية المقصود للعظيم أبادي.
بذل المجهود في حل سنن أبي داود للسهارنفوري.
المنهل العذب المورود لمحمود محمد خطاب.
وتكملته المسمى فتح الملك المعبود لابنه أمين محمود خطاب.
* وإن كان في سنن الترمذي:
عارضة الأحوذي لابن العربي.
النفح الشذي لابن سيد الناس، وتكملته للعراقي.
قوت المغتذي للسيوطي.
تحفة الأحوذي للمباركفوري.
* وإن كان في سنن النَسائي:
حاشية السيوطي على سنن النسائي ، حاشية السندي ، شرح للشنقيطي ، شرح لمحمد الأثيوبي المولوي.
* وإن كان في سنن ابن ماجه:
حاشية للسيوطي.
حاشية السندي.
شرح ابن قُليج الحنفي وهو أعظم شروحه، وقد حقق أجزاء منه الشيخ عبدالعزيز الماجد رحمه الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق