أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 12 مارس 2021

الإبداع في بيان كمال الشرع وخطر الابتداع -محمد بن الصالح العثيمين

الإبداع في بيان كمال الشرع وخطر الابتداع

محمد بن الصالح العثيمين


بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة


تمهيد/ إن الحقيقة التي ينبغي لكل مسلمٍ أن ينصح نفسه بها، هي استبانة صدقه في الانتماء لهذا الدين، بالامتثال للأمر واجتناب النهي، والشعور العميق بضرورة متابعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتتميم ذلك باعتقاد أن هذا الدين كاملٌ بتكميل الله عز وجل له، {اليوم أكملتُ لكم دينكم}، فلا يتقدم بين يدي الله ورسوله بقولٍ ولا عمل ولا نية، ممتثلاً قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله}.

وحريٌّ بكل من يدَّعي اتباع النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يتمثل ذلك عملياً؛ فيكون سلوكه مطابقاً لدعواه، وحاله تبعاً لمقاله، حتى تكون عزيمته في الاتباع صادقة، قال الله تعالى: {فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم} (محمد 21). 

ويتجلى هذا الصدق في أمرين لا ثالث لهما:

الأول: إخلاص العبودية لله تعالى وترك الشرك كله صغيره وكبيره، ظاهره وباطنه، دقيقه وجليّه.

والثاني: اتباع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أقواله وأعماله وأحواله، وعدم الخروج عن هديه في الطاعة والعبادة والذكر قيد أنملة، لا زيادةً ولا نقصاً.

ومن يرى أحوال المسلمين في هذا الزمان المتأخر، وما تتعرض له السُّنة المحمدية من محاولات الإقضاء والتهميش والتشويه يُدرك أن حرباً هوجاء، يقودها خفافيش الشيطان على أتباع السُّنة ودعاة التوحيد، حيث كثرة أهل الأهواء والبدع، الذين يتكلمون على منابر السوء بفاسد الاعتقاد، ويوهموا الجُهّال بصدق حميّتهم للدين والدفاع عن الأمة، ولا يدري الجُهّال أن هؤلاء الطغام عادوا أتباع الأنبياء، وشوهوا صورتهم في كل محفلٍ وناد، وجعلوا أنفسهم عملاء أوفياء لأعداء الدين، يوفرون طاقته في التصدي لدعاة التوحيد والسُّنة، فبئسما اشتروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون، ومهما تكلموا من قومٍ رعاع، ومهما صدوا الناس فإن ميراثهم الوحيد من ذلك الحرمان وسوء العاقبة: {ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون}، نسأل الله العافية.

وللأسف فإن من يقرأ تاريخ أمتنا يستيقن أنها لم تُؤتَ إلا من عند أنفسها قبل كل شيء، حين تمسَّك بعض أبناء جلدتنا بسنن الفرس والعجم، تقليداً لأرباب الانحراف، الذين جاءوا بهرطقات وبدع ورقص وأذكار مطلسمة وتركوا جوهر الدين ولُبِّه، فنسوا حظهم مما جاء به النبيُّ الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، وسلكوا طريقاً غير طريقه، وهدياً غير هديه، فعارضوه، وافتاتوا على شريعته.

  • وما ادعاه بعض العلماء من أن هناك "بدعة حسنة". فلا تخلوا من حالين:

1 ـ أن لا تكون بدعة في حقيقتها، لكن يظنها بدعة.

2 ـ أن تكون بدعة في حقيقتها؛ فهي سيئة لكن لا يعلم عن سوئها.

  • وليعلم أيها الأخوة أن المتابعة لا تتحقق إلا إذا كان العمل موافقاً للشريعة في أمور ستة:

* الأول: السبب؛ فإذا تعبد الإنسان لله عبادة مقرونة بسبب ليس شرعيّاً فهي بدعة مردودة على صاحبها، مثال ذلك أن بعض الناس يحيي ليلة السابع والعشرين من رجب بحجة أنها الليلة التي عرج فيها برسول الله صلى الله عليه وسلّم؛ فالتهجد عبادة ولكن لما قرن بهذا السبب كان بدعة؛ لأنه بنى هذه العبادة على سبب لم يثبت شرعاً. 

* الثاني: الجنس؛ فلابد أن تكون العبادة موافقة للشرع في جنسها فلو تعبد إنسان لله بعبادة لم يشرع جنسها فهي غير مقبولة، مثال ذلك أن يضحي رجل بفرس، فلا يصح أضحية؛ لأنه خالف الشريعة في الجنس، فالأضاحي لا تكون إلا من بهيمة الأنعام، الإبل، البقر، الغنم.

* الثالث: القدر فلو أراد إنسان أن يزيد صلاة على أنها فريضة فنقول: هذه بدعة غير مقبولة لأنها مخالفة للشرع في القدر، ومن باب أولى لو أن الإنسان صلى الظهر مثلاً خمساً فإن صلاته لا تصح بالاتفاق.

* الرابع: الكيفية فلو أن رجلاً توضأ فبدأ بغسل رجليه، ثم مسح رأسه، ثم غسل يديه، ثم وجهه فنقول: وضوءه باطل؛ لأنه مخالف للشرع في الكيفية.

* الخامس: الزمان فلو أن رجلاً ضحى في أول أيام ذي الحجة فلا تقبل الأضحية لمخالفة الشرع في الزمان. وسمعت أن بعض الناس في شهر رمضان يذبحون الغنم تقرباً لله تعالى بالذبح وهذا العمل بدعة على هذا الوجه لأنه ليس هناك شيء يتقرب به إلى الله بالذبح إلا الأضحية والهدي والعقيقة، أما الذبح في رمضان مع اعتقاد الأجر على الذبح كالذبح في عيد الأضحى فبدعة. وأما الذبح لأجل اللحم فهذا جائز.

* السادس: المكان فلو أن رجلاً اعتكف في غير مسجد فإن اعتكافه لا يصح؛ وذلك لأن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد ولو قالت امرأة أريد أن أعتكف في مصلى البيت. فلا يصح اعتكافها لمخالفة الشرع في المكان. ومن الأمثلة لو أن رجلاً أراد أن يطوف فوجد المطاف قد ضاق ووجد ما حوله قد ضاق فصار يطوف من وراء المسجد فلا يصح طوافه لأن مكان الطواف البيت قال الله تعالى لإبراهيم الخليل: {وَطَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّآئِفِينَ} (الحج 26) .






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق