أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 3 ديسمبر 2020

البُشرى معانيها -أنواعها -أعلامها

البُشرى

معانيها -أنواعها -أعلامها

أحمد خليل جمعة- محمود خليل محفوض

اليمامة، دمشق، ط 1، 1998م


تمهيد/ من المعاني الرائقة التي أخذت مساحةً ميمونةً في القرآن الكريم "البُشرى"، واشتقاقاتها، والتي اشتملت على كثيرٍ من المعاني والدلالات التي يغلب عليها معاني السُّرور والفرح والخير، والانبساط، وارتياح القلب، وحصول السعادة، ووجود ما يرغبُ فيه، ولا شكَّ أن هذه البشارات الطيِّبة مشروطةٌ بالإيمان والعمل الصالح عموماً؛ كما قال الله عز وجل: { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (يونس: 2)، وقال جلَّ في علاه: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 25).

وقد جاءت البُشرى للمُسلمين الذين حفظوا أوامر الله واجتنبوا نواهيه، وجُعلت بشارتهم في كتاب الله؛ كما في قوله سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل: 89)، وقال جل وعلا: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل: 102).

كما أن أهل الإيمان لهم بشارةٌ خاصَّة عند الله عزَّ وجل، قال الله عز وجل:{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (البقرة: 223/ التوبة: 122/ يونس: 87/ الصف: 13)، وجاء بشارتهم بالفضل الكبير، والفوز العظيم، والفتح القريب، والنصر المُبين، فخصَّ الله سبحانه المؤمنين بحلاوة البُشرى وجمالها، هؤلاء المؤمنون الذين عزفوا عن متابعة الهوى، وآثروا الآخرة على الدنيا، فأكثروا من الطاعات، وعادوا بالإنابة إلى الله عز وجل. 

وقد تكون البشارة مقرونة بعمل مُعيَّنٍ لبيان عظيم منزلة العامل به عند الله سبحانه، كالصبر مثلاً؛ كما في قوله سبحانه: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (البقرة: 155)، والإخبات لله سبحانه كقوله: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} (الحج: 34)، والإحسان كذلك في قوله: {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} (الحج: 37).

وفي المقابل نجد أن البشارة قد تجيء بالشرِّ إذا كانت مُقيدةً بالعذاب أو الوعيد الشديد، كما جاء في بشارة الكافرين على سبيل التهكم والتقريع؛ في قوله سبحانه {وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (التوبة: 3).

وهذا كتابٌ نفيس جمع من معاني البشارات الطيبة والمباركة الواردة في القرآن الكريم والتي يرغب كل مؤمنٍ تقي أن يكون من أهلها، وذكرت -في المقابل -أنواع البشارات الأخرى التي وقعت للكافرين بالوعيد والعذاب والتي ينفر منها كل عاقلٍ ذكي، ويقع الكتاب في ثمانية أبواب، نذكرها كما يلي:

الباب الأول: من أضواء البشرى

الفصل الأول: معاني البشري ومدولالتها في القرآن واللغة.

الفصل الثاني: البشرى والاستبشار في ميزان الأخلاق

الباب الثاني: الأمر بالبشري ونوعها:

الفصل الأول: أقسام البشرى.

الفصل الثاني: البشرى بالشر ومفهوما.

الباب الثالث: البشري في ميزان الإيمان والعبادة:

الفصل الأول: البشر والإيمان.

الفصل الثاني: البشرى وأداء العبادات.

الفصل الثالث: البشري وذكر الله عز وجل.

الباب الرابع: البشرى بين مكارم الأخلاق:

الفصل الأول:البشرى حلية للمؤمنين.

الفصل الثاني: البشرى تصاحب المتصدقين

الفصل الثالث: البشرى تصاحب المتصدقين.

الفصل الرابع: البشرى والصبر. 

الباب الخامس: البشري في حياة الأنبياء والرسل:

الفصل الأول: الأنبياء مبشرون أمر الله.

الفصل الثاني: بشارات تخصُّ الأنبياء.

الفصل الثالث: البشارات بالنبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم.

الباب السادس: البشرى والنساء:

الفصل الأول: سارة والبشرى بإسحاق النبيِّ عليه السلام.

الفصل الثاني: مريم ابنة عمران، والبشرى بعيسى النبيّ عليه السلام.

الفصل الثالث: عائشة ابنة الصديق والبشرى بالبراءة والطهر.

الباب السابع: بشرى وبشارات:

الفصل الأول: وقفة في واحة الأدب مع الصحابة.

الفصل الثاني: من روائع البشارات بالجنات.

الباب الثامن: البشرى بالنار:

الفصل الأول: المبشرون بالنار.

الفصل الثاني: أقوام مبشرون بالنار.

الفصل الثالث: من المبشرين بالنار في عصر النبوة.





الثلاثاء، 1 ديسمبر 2020

المشروع الاستعماري تحالفات وأهداف -بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


المشروع الاستعماري تحالفات وأهداف

أنور عبد ربه

القدس- الطبعة الأولى -1993 م

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ استطاع الأوروبيون أن يُطوقوا العالم الإسلامي بعدة أنواع من الأطواق، لا سيما بعد انهيار "الدولة العثمانية"، التي تُمثل الناظم السياسي للأمة الإسلامية في ذلك الوقت، والذي كان النتيجة الحتمية للصراعات الكبيرة بين أمراء العثمانيين بالإضافة إلى أنها خسرت قواها في معارك ضارية بين ملل الكفر لا علاقة لها بها، وتعاون بعض العثمانيين مع الصليبيين واليهود حتى طردوا عبد الحميد الثاني إلى مدينة "سالونيك" اليونانية، وتنازل الأخير عن أمواله المودعة في البنوك الألمانية، تحت ضغط الاتحاديين، وبالنتيجة سقطت هذه الدولة المُعمِّرة، والتي وُصفت في نهاياتها بـ"الدولة المريضة".

وتفرَّق المسلمون إلى شيعٍ وأحزاب، وبرزت كيانات إقليمية هزيلة في مجملها، تتبنى أطروحات قومية أو اشتراكية نكدة، ومرتبطة ارتباطاً بشعاً بتحالفات آثمة ومجرمة، وقامت في مقابلها أحزابٌ أخرى إسلامية كرَّست جهودها في إعادة الحكم العثماني للعالمي الإسلامي، ولكنها جهود مبعثرة وضعيفة، بل غير مُحكمة على أساس متين، وقد استيقظ العالم على الوعد المشؤوم في ثلاثينيات القرن المنصرم، والذي أعطى اليهود الحق في فلسطين، باعتبارها وطن قومي لهم والمُسمَّى بوعد "بلفور"، وكانت هذه آخر صيحات هذه الأمة.

ومن بين تلك الأطواق التي فرضها المستعمر على هذه الأمة: الطوق السياسي والعسكري، فقد أحكموا أمر الأمة بحيث جعلوها عالةً عليهم، ومنعوا عنها كل وسيلةٍ يمكنهم بها أن يُطوروا أسلحتهم وعدتهم، فالسلاح نستورده من الأعداء، ولك أن تتخيل كم هذا السلاح متهالك ومتآكل، وقد خسر العرب العديد من المعارك بفضل هذه الأسلحة المعطلة، والتي دفع المسلمون في مقابلها ثروات طائلة، كذلك فكل أدوات القوة نستوردها من ذلك الكافر، وحتى أبسط الأدوات فإننا نستوردها من مصانعهم ومعاملهم.

 ومن المضحك المبكي أننا إذا أردنا أن نُقاتل أعداءنا فإنه يجب أن يوافقوا أولاً، وإذا أرادوا سلاماً فرضوه علينا قسراً، وإذا أرادوا أن يجعلوا قطراً ضعيفاً فعلوا ذلك بمساعدة قطرٍ عربيٍّ آخر، وإذا أرادوا أن يُسلطوا عليه جيرانه كان لهم ذلك بسهولةٍ ويُسر، وهذا كله يجعلهم في وضع المتحكم في أدق الأمور وأكبرها؛ حتى إن أكثر الأقطار الإسلامية تظاهراً باستعصائها على الضغط الخارجي أكثرها تنازلاتٍ خفيَّة، والله المستعان على هذا الزمان.

وفي العالم الإسلامي مناطق وأقطار تحتلها دول كبرى عالمية، وأنظمة تسندها قوى عالمية، ومناطق ضُمت إلى أقطار على رأسها الفجرة الظلمة، كما أن في العالم العربي أنظمة تجسس ساعدت الدول الكبرى في التمكين لها في هذا الشرق المظلوم، كما أن هناك أحزاباً وطوائف ارتدت على أعقابها للحفاظ على مصالحها الزائلة مع هذه القوى المزعومة.

وهذا الكتاب فيه فصلان:

الفصل الأول: بيان أن ملة الأعداء من اليهود والنصارى واحدة، وأن اليهود مُفسدون في الأرض، واعتقاداتهم أفسد العقائد، وذكر أمثلة ذلك في إباحتهم الكذب والخداع، والزنا، والقتل، والشرك بالله، والربا، وغيرها من الموبقات والأمور العظيمة، والإفتراء على رب العزة جل جلاله من كتبهم المعتمدة.


والفصل الثاني: تحدث فيه عن الولاء لليهود والنصارى الذي تتبناه بعض الأنظمة العربية القائمة، وبيان أنواع هذا الولاء، وكذلك العداء التاريخي لليهود لهذه الأمة، وأخيراً النفس المتحمس لإيران الشيعية، وكان هذا في بدايات قيام الثورة المشؤومة للخميني، مما لا نوافق المؤلف عليه، وقد دافع المؤلف عن النظام الإيراني في انضمامه إلى التحالفات العالمية في الوقت الذي يُذبح المسلمين في شتى بقاع الأرض بدعوى التكتيكات الفاشلة في حقيقتها، وقد برز في الحقبة الأخيرة وجه "إيران" الصفوية المُعادية للعرب والمسلمين.

وخلاصة القول في هذا لكتاب: أن الهجوم الغربي المضاد على "دار الإسلام" منذ مطلع القرن التاسع عشر؛ وحتى نشوب الحرب العالمية الأولى، أدى إلى انحسار "الدولة العثمانية" بعد انهيارها قبل ذلك داخلياً بكثرة الصراعات بين أمراء العثمانيين، ومشاركتهم في حربٍ لا مصلحة لهم فيها بين ملل الكفر، وتكدُّس الديون بالربا؛ وفشو ظلم الأتراك للناس، حتى طرد عبد الحميد الثاني في نهاية الأمر إلى اليونان.

ومرت الأمة بحقبةٍ استعماريِّةٍ جديدة، سقطت خلالها العديد من الأقطار تحت رزح الاحتلال الأجنبي ورحمته، وتعرض المسلمون قرابة قرنٍ من الزمان إلى محاولات الإبادة، وتغيير الهوية، والفتن الكثيرة في العقيدة والعبادة.

وما ننتظره الآن هو خلافة راشدة على منهاج النبوَّة لا خلافة تركية، ولا دولة مدنية، ولا حكم علماني، وولا غير ذلك من المناهج الهدامة، والأفكار المنحرفة.





الأحد، 29 نوفمبر 2020

النية والإخلاص لابن أبي الدُّنيا -بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

النية والإخلاص لابن أبي الدُّنيا

تحقيق: إياد خالد الطباع

دار البشائر، الطبعة الأولى

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تمهيد/ هذا الكتاب تم العثور عليه ضمن كتاب "الكواكب الدراري في ترتيب مُسند الإمام أحمد على أبواب البخاري"، لعلي بن الحسين بن عروة الحنبلي الدمشقي (المتوفى سنة 837 هـ) وكانت ولادته في حدود (760 هـ).

 وهذا الكتاب كما هو ظاهرٌ من عنوانه، يشتمل على الأحاديث الواردة في "مسند الإمام أحمد" مرتبةً على طريقة البخاري في تقسيمه للكتب والأبواب في "جامعه الصحيح"، ولكن مصنفه قصد منه الاستطراد بذكر شروح الحديث والتعريف برجاله، ونقل ذلك حرفياً من مصنفات حُفاظ الحديث وأئمة الحنابلة.

ففي هذا الكتاب تجد قطعةً كبيرةً من كتاب "الزهد" لابن المبارك، و"آداب حملة القرآن" للآجري، وكذلك تجد فيه ذكراً كاملاً لأبواب من "تهذيب الكمال" للمزي، وإذا جاء حديث "الإفك" مثلاً فإنه يأخذ نسخة من شرح القاضي عياض فيضعها بتمامها، وإذا مرَّت مسألةٌ فقهية استوفى ذلك الباب من "المُغني" لابن قدامة، وهكذا في كل مسألة وحديث وترجمة.

وتجد فيه -أيضاً -من مصنفات الحنابلة "كابن تيمية"، و"ابن القيم"، و"ابن رجب"، و"الموفق" ما تقرُّ به العيون، وتُلبي نهم الطلاب، ولذلك تجد فيه النسخة الكاملة الوحيدة للكتاب الفذ "توضيح المشتبه" لابن ناصر الدين الدمشقي، ولذلك فقد تجاوزت أجزاء الكتاب المئة وثلاثين جززءاً، وبقي منها الآن أربعين جزءاً في "الظاهرية"، والأجزاء الأخرى مُقرقةً قي "دار الكتب المصرية"، و"المكتبة السليمانية" بتركيا.

وجملة ما في هذا الكتاب من الأحاديث والآثار التي تتحدث عن إخلاص النيَّة لله عز وجل ثمانين أثراً، وقد ساق ابن عروة الحنبلي هذه الرسالة لابن أبي الدُّنيا كاملةً فيه، وقد تضمنت نسخته ستةً وخمسين أثراً ذكرها بأسانيد ابن أبي الدُّنيا كاملةً موفورة. 

وقد رأى المُحقق أن يُلحق بهذا الكتاب مُستدركين من كتابين عظيمين: 

الأول: من "جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبلي، وجملة ما نقله عن ابن أبي الدُّنيا سبعة عشر أثراً.

والثاني: من "اتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين" لمحمد مرتضى الزبيدي، وجملة ما نقله عن ابن أبي الدُّنيا سبعة آثار.

وقد ألحقها بهذه النُّسخة؛ لأنه عثر في ثنايا هذين الكتابين على نصوص مروية عن كتاب "الإخلاص"، ولم ترد في الأصل المخطوط" قال: "ولعلها زيادة في روايتهما للكتاب".

  • سند ابن عروة إلى كتاب الإخلاص:

 وذكر ابن عروة رحمه الله في أول هذه النُّسخة سنده؛ فقال: أخبرنا بجميع كتاب الإخلاص لابن أبي الدُّنيا الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد القادر الحنفي النحوي (ت 749 هـ) قراءةً عليه، ونحن نسمع، قال: أنبأتنا الشيخة الصالحة أم عبد الله زينب بنت أبي العباس أحمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد بن أحمد المقادسية (ت 740 هـ)، قالت: أنبأتنا عجيبة بنت أبي بكر بن أبي غالب (ت 647 هـ)، قالت: أنبأنا الشيخ أبو الخير محمد بن أحمد بن محمد بن عمر الباغبان المُقَدِّر (يعني من اشتهر بعلم الفرائض) (ت 559 هـ)، وأبو الفرج مسعود بن الحسن بن القاسم بن الفضل الثَّقفي (ت 560 هـ)، قالا: أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن منده الملقب بـ"أبي الأرامل" (ت 475 هـ)، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يوسف يَوَه المديني "وهو راوي كتب ابن أبي الدُّنيا"، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمرو بن أبان العبدي اللُّنباني (ت 332 هـ)، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا: عبد الله بن محمد بن عُبيد بن سفيان القرشي.

  • الإخلاص والنيَّة:

إن االله سبحانه وتعالى طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، و العمل لا يكون طيباً إلا إذا كان خالصا لوجه الله سبحانه؛ حيث إن الإخلاص روح العبادة وأساس قبول الأعمال أو ردها، وهو النجاة من كل فتنة مُدلهمة، وكل خطبٍ جلل؛ وقد قال الربيع بن أنس: "علامة الدين الإخلاص لله، وعلامة العلم خشية الله".

وتمثل المسلم بالإخلاص يؤدي به إلى الجنة؛ لأن الله عز وجل يقول: {إنما يتقبل الله من المُتقين} (المائدة: 27)، وأعظم التقوى إخلاص العمل لله سبحانه، ويكون ذلك بتنفيذ أمر الله واجتناب نواهيه لينال مرضاة الله.

والإخلاص أفضل الأعمال بعد التوحيد وقد قال جلَّ شأنه: {ليبلوكم أيُّكم أحسن عملاً} (الملك: 2) أي أخلصه وأصوبه، وهو سببٌ في زيادة الثواب، وإجابة الدُّعاء؛ لأن الإجابة مقرونةٌ بالإخلاص، ولذلك قالوا: الأعمال صور قائمة روحها الإخلاص!.

وقد سئل بعضهم: ما الإخلاص لله؟ قال: الذي يعمل العمل لا يُحبُّ أن يحمده عليه أحدٌ من الناس. وإذا أقبل العبد إلى الله عز وجل أقبل بقلوب عباده إليه.

كذلك فإن مفهوم الإخلاص في الإسلام يرتبط ارتباطا وثيقاً بالعقيدة والعبادة؛ ويدلُّ لذلك قول الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة: 5).

ويمكن تعريف الإخلاص لغة بأنه "من الخلوص، أي التصفية وإزالة الشوائب، وخلص الشيء: صار خالصاً، وخلصت إلى الشيء وصلت إليه ".

ويقصد بالإخلاص في الشريعة الإسلامية بأنه "إفراد االله تعالى بالقصد في العبادة، وتنقية الأقوال والأعمال عن الأغراض والمصالح المؤقتة، والتوجه بها جميعا إلى الله عز وجل مع الصدق في النية".

ويعرف أيضاً -بأنه" صفاء النية ونقاء السريرة من الشرك والرياء. وإرادة وجه الله تبارك وتعالى وحيازة رضاه تعالى في كل اعتقاد أو قول أو عمل".

  • أهمية الإخلاص:

يعد الإخلاص فضيلة من الفضائل الحسنة، إذ يكبح جماح النفس البشرية، وينهاها عن غيِّها، ويبين للمسلم أن له حقوقاً وعليه واجبات، فلا يعتدي على حقوق الآخرين، فتصبح حياة الشعوب آمنة، يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله: والإخلاص سبب من أسباب النجاة والفوز في الدنيا والآخرة".

وبالإخلاص يتم تفريج الكروب. وقصة الثلاثة الذين حبستهم صخرة خير دليل على ذلك: فمنهم من أخلص في خدمة والديه ليلاً و نهاراً، وابتغى وجه االله. والثاني امتنع عن فعل الفاحشة بعد أن تهيأت له أسبابها، والثالث الذي وفى العامل أجره ونماه وصبر على ذلك، وكل واحد منهم كان يبتغي وجه الله، ففرج الله كربتهم ونجوا بالإخلاص.

ويعمل الإخلاص على تنقية القلب من الحسد والحقد ويحمي النفس من غوائل الشيطان، حيث أخذ إبليس عهد على غواية العباد فقال: {إلا عبادك منهم المخلصين}، والإخلاص مصدر للرزق وفتح أبواب الخير والبركة، وفي الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغى به وجهه".

  وهناك مجموعة من صفات الإنسان التي تلازم الإخلاص وتدل عليه، ومن أبرز هذه الصفات:

1- أن يكون هدف العبد من العمل مرضاة الله وليس التفات الناس إليه. قال ابن الجوزي: "إن االله تعالى إذا رضى عمل عبد ورآه خالصاً لفت القلوب إليه، وإن لم يره خالصاً أعرض بها عنه، ومتى نظر العامل إلى التفات القلوب إليه فقد زاحم الشرك نيته، لأنه ينبغي أن يقنع بنظر من يعمل له، ومن ضرورة الإخلاص ألا يقصد التفات القلوب إليه فذاك يحصل لا بقصده بل بكراهته".

2-عدم محبة المسلم الملتزم بالإخلاص معرفة الخلق لما بينه وبين ربه من الأعمال الصالحة والطاعات، فهذا مظهر من مظاهر الإخلاص.

3- أن لا ينتظر مدح الناس له، ولا يطمع بما لديهم، ولذلك قال بعضهم: "علامة إخلاصك انك لاتلتفت إلى حمد الخلق ولا إلى ذمهم ولا تطمع فيما في أيديهم"، وقيل: ثلاث من علامات الإخلاص: "استواء المدح والذم من العامة، ونسيان رؤية الأعمال، ونسيان اقتضاء ثواب العمل في الآخرة".

4-أن يكون المخلص مبادراً إلى العمل متقناً له ويحتسب الأجر عند الله، دون أن يدفعه أحدٌ إلى ذلك العمل.

5-أن يكثر من عمل السر ويخفيه عن الناس لنيل مرضاة االله، يقول الدكتور الأشقر: "إنهم لا يعملون لأنفسهم، بل مرادهم رضا ربهم، يودون أن يكفيهم غيرهم تعليم الحق وإظهاره ،وعندما يحاورون لا يكون غاية همهم أن يغلبوا الخصم، بل مرادهم ظهور الحق، ويتمنون أن يظهر الله الحق".








السبت، 28 نوفمبر 2020

أضواء على كتاب حكم الإسلام في التحالف ودخول البرلمان -بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

أضواء على كتاب

حكم الإسلام في التحالف ودخول البرلمان

إعداد: عبد القادر الشطلي

مركز العلم والثقافة -النصيرات


بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ لا زال بين الإسلامين وبين القمة الرفيعة التي ينبغي أن يكونوا عليها فراغٌ كبيرٌ، ومفازةٌ عظيمة، فالإسلاميون يُجاهدون بشتى الطرق للوصول إلى الحكم، ولكن الشيء الضخم الذي يريدونه ويُقدّمون من أجله النفس والوقت والمال لم يتبلور بشكل واضح وكامل، ولا يوجد هناك تجربة ناجحة على المستوى السياسي المعاصر للقادة المعاصرين؛ ولا شك أن هناك رغبة عارمة في إقامة دولةٍ إسلامية تحتكم إلى شريعة الله عز وجل، ولكن ما هي الخطوات التنفيذية لهذا كله ؟ وما هي نقطة البداية ؟ وهل سلوك طريق البرلمان، وإقامة تحالفات مع أحزاب علمانية واشتراكية هو الحل الوحيد ؟

أستطيع القول: بأنه وحتى الوقت الحالي لم تستطع أيّة جماعة إسلامية ولا حزب إسلامي أن يصل إلى قلوب المسلمين جميعاً، على الرغم من الشعارات الرنّانة التي يصدح بها أتباعها، والتوليفة الغير متناسقة التي تُقدمها بعض الأحزاب الإسلامية، لأنَّ الساحة اليوم تتنازع فيها تيارات كبيرة وعميقة في البُعد التاريخي، وهناك عداوات حقيقية تُغذيها الطائفية، فلا يوجد حزب إسلامي يستطيع أن يصل إلى قلب كل المسلمين على حدٍّ سواء، وهذه قضية أخرى لم يلتفت إليها الإسلاميون الذين يرومون الوصول إلى السلطة والحكم. 

ربما دفع هذه الأمر ببعض الأحزاب الإسلامية إلى جعل الأمر يرتبط بالعاطفة والشعور الجمعي تجاه الأمة ومشاكلها، ولكنها عملياً لا تتبني مواقف صحيحة؛ وذلك لعجزها الدائم إزاء ما يجري في العالم.

كذلك -أزعم -أن معظم المحاولات الحزبية في استقطاب عامة المسلمين فشلت، لأن هناك فجوات ومواقف تُحطم ذلك التمدُّد، ووفي النهاية لا يوجد رابطة تؤلف بين الجميع.

وقد رأينا تجربة الإخوان في مصر، وهي تجربة قصيرة نسبياً لم يتمكنوا خلالها من صناعة شيء؛ ومعلوم أن التجربة القصيرة لا يُمكن الحكم عليها بالنجاح أو الفشل، ولكن أمام هذه التجربة تحدي كبير؛ فإما أن تُثبت أنها قادرة على تجاوز هذه المرحلة، وتزيد من التفاف الناس حولها، أو تنسحب من الحياة السياسية معلنةً استسلامها للواقع، وتدع الناس وحالهم.

وهذا كتاب يتحدث عن حكم تحالف الإخوان المسلمين مع الأحزاب العلمانية والاشتراكية كوسيط يدفع بجماعة الإخوان المسلمين إلى سُدة البرلمان، بحيث يتوافق الحزبين على وثيقة اتفاق يتم بموجبه دعم الإخوان المسلمين للحزب العلماني ومرشيحه، في مقابل تقديم بعض التسهيلات للجماعة على المستوى الدعوي والسياسي، وهذه من وجهة نظرهم مبررة ومشروعة على أن لها تبعات عظيمة، أدناها نصرة من يعتقدون كفره، الذي ربما أول ما يبطش بالمسلمين وأهل الخير، حينها ستكون جنايتهم عظيمة.

ولا شكَّ أن التحالف مع هذه الأحزاب لتحقيق مصلحة المسلمين أمرٌ جيِّد، ولكن هل المصلحة الإسلامية تُقررها الجماعة فقط ؟ أم لا بُد أن تتشارك مع غيرها من الجماعات في طرح قضايا المسلمين ومعالجتها بالشكل الأمثل ؟ والتساؤل الأكثر أهمية: هل نجح الإخوان في تحالفهم مع هذه الأحزاب.

إن المثل الحاضر دوماً في أذهاننا هو جمال عبد الناصر، فقد جاء به الإخوان المسلمين، وقالوا: هذا نجعله واجهةً أمام الناس، ونحن نعمل ونتحرك تحت هذا الغطاء، فلما تمكن وصار الحديد والنار بيده، قتلهم قتلاً ذريعاً.

لا يُمكن اعتبار ذلك تكتياً فاشلاً، وإنما يندرج تحت الغباء السياسي الوعر، فإذا ضحك لهم الرئيس فلان أو ألقى إليهم فتات المال يظنون أن العيد غداً، وأن النصر سيأتي من قبله، وهذا جُرمٌ كبير ارتكبوه بحقِّ أنفسهم، وبحق متبوعيهم، وربما رفعوا الشخص حتى يصير وزيراً ويكون من الإخوان، وبعد أن ينال ما يُريد فإنه يُوصد الأبواب في وجوههم، كما قال الشاعر:

على عاتقيه يصعد المجد غيره … وهل هو إلا للتسلُّق سلماً

ويطرح الإخوان المسلمون الآن نموذج الدولة المدنية التي لا علاقة لها بالدين، وهو تلطيفٌ لاسم العلمانية، واستبعدوا نظام الدولة الدينية من قاموسهم السياسي، ربما يكون ذلك تكتيكاً أو مؤقتاً؛ فالله أعلم. وقد صرح بذلك كثيرٌ من قادتهم في العالم الإسلامي، وكان الخط العريض هو عدم مخالفة الإسلام ومسايرة الشعوب، وإبقاء ما كان على ما كان، واليوم يوضع بقوة العنصر التركي للدولة المدنية كقائد سياسي معتبر لهذه الأحزاب، ولكن "أردوغان" لم يطرح نفسه كخليفة للمسلمين، وإنما دعا إلى الدولة الديمقراطية العلمانية، وهذا يُبين سبب الانحراف السياسي لدى بعض الإسلاميين، والمتمثل في أمرين:

الأول: الطمع في الوصول إلى المنصب والمركز، والحفاظ على المكتسبات التي يُحققها المنصب ضمن حدود الدولة المدنية، واستبعاد الدولة الإسلامية بمفهومها الصحيح الناصع.

الثاني: الجهل الكبير بالسياسة، وبالتالي الدخول تحت عباءة العلمانية والأحزاب الأخرى وتقديم المزيد من التنازلات، والتي ستقوض يوماً ما المشروع الإسلامي الكبير التي ترنو له تلك الأحزاب.

وجماعة الإخوان المسلمين هي جماعة فكرية سياسية اجتماعية وتربوية، تؤالف جميع الطوائف والطبقات والأحزاب للوصول إلى السُّلطة، وتقف منها بنفس المستوى، وتعتني بإصلاح الجانب العام وما يتعلق بالسياسة والحكم، وليس لهم تصنيف مُميِّز تتبناه الجماعة في الجانب العقدي، أو في الفروع الفقهية، وأبرز الأفكار التي نهجوا عليها مصطلح "الحاكمية"، و"المجتمع الجاهلي"، و"إزالة الطواغيت"، و"الدولة الإسلامية العالمية".

والقضية الثانية التي تحدَّث المؤلف عنها هي حكم الدخول في البرلمانات، وخلاصة القول في هذه المسألة أن الدخول في البرلمانات والترشُّح لها جائزٌ بشروط، أهمها: تكثير المصالح الموجودة، وإيجاد المصالح المفقودة، أو درء المفاسد، وإصلاح ما يُمكن إصلاحه في ضوء الشريعة الإسلامية، وأنه لا يُقال: واجب، ولا حرام، ولا يُنكر المُجيز على المانع، ولا المانع على المُجيز؛ لأن المصلحة محتملة والخطب جلل، والله المستعان.

والحمد لله رب العالمين.



حكم خروج النساء إلى العيدين -إعداد: أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة

حكم خروج النساء إلى العيدين

دراسة فقهية وحديثية

إعداد: أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة

اتفق الفقهاء على مشروعية الخروج لصلاة العيد واستحبابها، وذلك على الرجال والصبيان والنساء العجائز بلا خلاف، واختلفوا في خروج الشَّابة، وذوات الخدور، والكبيرة التي تُشتهى إلى صلاة العيد:

1. فذهب الحنابلة إلى إباحة حضور النساء إلى صلاة العيد من غير فرق بين بكر وثيِّب، أو شابّة وعجوز أو حائض أو طاهر، لعموم حديث أم عطية في الصحيحين، وهو قول ابن خزيمة وابن المنذر من الشافعية.

2. وذهب الشافعية والحنفيَّةُ والمالكيَّة إلى كراهة خروج الشَّابة أو الكبيرة التي تُشتهى إلى صلاة العيد، وكرهوا لزوجها ووليها تمكينها من الخروج، ورخصوا في ذلك للعجوز، وهو قول عائشة، عروة بن الزبير، وإبراهيم النخعي، ويحيى الأنصاري، وابن المبارك، وأصحاب الرأي.

3. وذهب بعض السَّلف إلى استحباب أو وجوب خروج المرأة إلى صلاة العيد، وهو قول أبي بكر، وعمر، وعليُّ بن أبي طالب، وابن عمر رضوان الله عليهم.

بيان الأدلة الواردة في هذه المسألة:

1-  واستدلُّوا بما رواه البخاريُّ ومسلمٌ في "صحيحيهما"، عن أمِّ عَطيَّةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: (أَمرَنا- تعني النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنْ نُخرِجَ في العيدينِ، العواتقَ وذواتِ الخدور وأمَرَ الحُيَّضَ أن يعتزِلْنَ مُصلَّى المسلمينِ). 

2- وفي روايةٍ لهما عنها، قالت: (كنَّا نُؤمَر أن نَخرُجَ يوم العيدِ، حتى تَخرُجَ البكرُ من خِدرهِا، وحتى يَخرجَ الحُيَّضُ فيكُنَّ خلفَ الناس، فيُكبِّرْنَ بتكبيرِهم، ويَدْعونَ بدعائِهم؛ يرجونَ بركةَ ذلك اليومِ وطُهرتَه).

وجه الدلالة: أنَّه صلى الله عليه وسلم علَّل خروجهنَّ بشهودِ الخيرِ ودعوةِ المسلمينَ، وأنه لم يُفرق بين الشابة وغيرها، وأن ذلك الأمر محمولٌ عى الاستحباب؛ إذ لو كان واجبًا ما علَّل ذلك الحضور.

قال النووي في "المجموع": "العواتقُ جمْع عاتق، وهي البنتُ التي بلَغتْ، وقال أبو زيد: هي البالِغة ما لم تعنسْ، وقيل: هي التي لم تتزوَّجْ، قال ثعلب: سُمِّيتْ عاتقًا؛ لأنَّها عتقت من ضرِّ أبويها، واستخدامهما وامتهانها بالخروجِ في الأشغال". وجاء في "الفتح": الخدور: جمْع خِدر، وهو ناحيةٌ في البيتِ يُتركُ عليها سترٌ، فتكون فيه الجاريةُ البِكر. وقيل: الخدور: البيوت.

3- بل إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يعذر من لم يكن لها جلباب، وأمرها أن تُلبسها صاحبها من جلبابه: فقد روى البخاريُّ في "صحيحه"، عن أم عطيَّة نسيبة بنت كعب الأنصارية، قالت: "كُنّا نَمْنَعُ عَواتِقَنا أنْ يَخْرُجْنَ في العِيدَيْنِ، فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ، فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فَحَدَّثَتْ عن أُخْتِها، أنها سَأَلَت النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أعَلى إحْدانا بَأْسٌ إذا لَمْ يَكُنْ لَها جِلْبابٌ أنْ لا تَخْرُجَ؟ قالَ: (لِتُلْبِسْها صاحِبَتُها مِن جِلْبابِها ولْتَشْهَدِ الخَيْرَ ودَعْوَةَ المُسْلِمِينَ).

ورواه مسلمٌ مختصراً، وفيه أن السائلة هي أم عطية.

4- واستدلوا بماا رواه ابن ماجه والبيهقيُّ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان يخرج نساءه وبناته في العيدين).

وهذا الحديث ضعفه النوويُّ في "الخلاصة"، وقال الضياء المقدسي في "السنن والأحكام"، والشوكاني في "نيل الأوطار"، والمباركفوري في "تحفة الأحوذي": في إسناده حجاج بن أرطأة، وهو مختلف فيه، وقال الألباني في "تمام المنة" فيه حجاج بن أرطأة، وهو مُدلسٌ وقد عنعنه، وفي "ضعيف ابن ماجه" قال: ضعيف. 

وهذا الحديث مع ضعفه إلا أنه يشهد له الروايات المتقدمة عن أم عطية.

5- واستدلوا بما رواه البخاريّ في "صحيحه"، والنَّسائيُّ في "سننه"، عن ابن عباس قال: (خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فصلى، ثم خطب ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة).

5- واستدلوا بما رواه أحمد وأبو داود والدارمي، عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (لا تَمْنَعوا إماءَ اللهِ مساجدَ اللهِ).

وهذا الحديث صحيحٌ، احتجَّ به ابنُ حزم في"المحلى" وقال ابن عبد البَرِّ في "التمهيد": محفوظ، وصحَّح إسنادَه النوويُّ في "المجموع"، وقال: على شرْط الشيخين، وصحَّحه ابن الملقِّن في "البدر المنير"، وقال ابن حجر في "التلخيص": اتَّفق الشيخان عليه بالجملة الأوَّلى. وقال الألباني في "صحيح أبي داود": حسنٌ صحيح. وحسَّنه الوادعي في "الصحيح المسند".

6- وروى البخاري ومسلم، عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنه، أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (لا تَمنَعوا إماءَ اللهِ مَساجدَ اللهِ).

  • حكاية الخلاف:

وقال الإمام أبو بكر بن المنذر في "الأوسط": "وقد اختلف أهل العلم في خروج النساء إلى الأعياد: 

أ. فروينا عن أبي بكر، وعلي أنهما قالا: "حق على كل ذات نطاق أن تخرج إلى العيدين"، وروي عن علي أنه قال: "الخروج إلى العيدين سنة للرجال والنساء"، و"كان ابن عمر يخرج من استطاع من أهله في العيد". وقد روي عن أبي بكر وعلي رضي الله عنهما، وجوب خروجهنَّ إلى العيد عملاً بظاهر الحديث.

ويدل لذلك ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، عن طلحة اليامي، قال: قال أبو بكر: (حقٌّ على كل ذات نطاق الخروج إلى العيدين). 

وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن علي، قال: (حقٌّ على كل ذات نطاق أن تخرج إلى العيدين، ولم يكن يرخص لهنَّ في شيءٍ من الخروج إلا إلى العيدين). 

ب. وكرهت طائفة خروج النساء إلى العيدين، كره ذلك إبراهيم النخعي، و "كان عروة بن الزبير لا يدع امرأة من أهله تخرج إلى فطر ولا إلى أضحى". وقال يحيى الأنصاري: "لا نعرف خروج المرأة الشابة عندنا في العيدين"، وقال أصحاب الرأي في خروج النساء إلى العيد: "أما اليوم فإنا نكره لهن ذلك ونرخص للعجوز الكبير بأن تشهد العشاء، والفجر، والعيدين، وأما غير ذلك فلا".

وقال الترمذيُّ في "سننه": "وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث (يعني حديث أمِّ عطيَّة في الخروج إلى صلاة العيد)، ورخص للنساء في الخروج إلى العيدين وكرهه بعضهم".

قال (يعني الترمذيّ): وروي عن ابن المبارك أنه قال: "أكره اليوم الخروج للنساء في العيدين، فإن أبت المرأة إلا أن تخرج فليأذن لها زوجها أن تخرج في أطمارها ولا تتزين، فإن أبت أن تخرج كذلك؛ فللزوج أن يمنعها عن الخروج". 

وروى مسلمٌ في "صحيحه"، وأحمد في "مسنده"، عن عائشة، قالت: "لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل".

وهذا الأثر عند أحمد، صحَّح إسناده شعيب الأرناؤوط، وقال: على شرط الشيخين. وقال الشيخ أحمد شاكر في "حاشية الترمذي": أثر عائشة هذا رواه الشيخان، وليس فيه حجة لجواز منعهنَّ المساجد؛ إذ الشريعة استقرت بموته، وليس لأحدٍ أن يُحدث بعده حكماً يُخالف ما ورد عنه لرأيٍ رآه، أو علَّةٍ استحسنها، وكما قال الشافعيُّ في "الرسالة" (ر: 326): "ومن وجب عليه اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له خلافها، ولم يقم مقام أن ينسخ شيئاً منها…". 

 ويُروى عن سفيان الثوري: "أنه كره اليوم الخروج للنساء إلى العيد". ويُقال فيه مثلما قيل في أثر عائشة رضوان الله عليها.

  • مذهب الشَّافعيّ في خروج المرأة لصلاة العيد:

قال الماوردي في "الحاوي الكبير": "لا يختلف مذهب الشافعي أن كل من لزمته الجمعة فهو مأمور بصلاة العيدين، إما ندباً أو على الكفاية. 

فأما من لا تلزمه الجمعة من: العبيد والنساء والمسافرين والمعذورين؛ فهل هم مأمورون بصلاة العيدين أم لا؟ على قولين:

أحدهما: نصَّ عليه في القديم في كتاب الصيد والذبائح، أنهم غير مأمورين بها. والقول الثاني: نص عليه في صلاة العيدين من الجديد وهو الصحيح، أنهم مأمورون بها، لعموم أمره - صلى الله عليه وسلم.

وقال النوويُّ في "المجموع": "قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله يستحب للنساء غير ذوات الهيئات حضور صلاة العيد.

وأما ذوات الهيئات وهن اللواتي يشتهين لجمالهن فيُكره حضورهن هذا هو المذهب والمنصوص وبه قطع الجمهور.

(فإن قيل) هذا مخالف حديث أم عطية المذكور؟

(قلنا) ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل"؛ ولأن الفتن وأسباب الشر في هذه الأعصار كثيرة بخلاف العصر الأول والله أعلم".

 وقال الإمام الشافعي في "الأم": أحب شهود النساء العجائز وغير ذوات الهيئات الصلاة والأعياد وأنا لشهودهن الأعياد أشدُّ استحباباً مني لشهودهن غيرها من الصلوات المكتوبات".

وقال الشَّافعيُّ في "اختلاف الحديث": أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أن رسول الله قال: «إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد، فلا يمنعها». قال: وهذا حديثٌ كلمنا فيه جماعة من الناس بكلام قد جهدت على تقصي ما كلموني فيه، فكان مما قالوا أو بعضهم: ظاهرُ قول رسول الله النهي عن منع إماء الله مساجد الله، والنهي عندك عن النبيِّ تحريمٌ، إلا بدلالة عن رسول الله أنه أراد به غير التحريم. وهو عام على مساجد الله، والعام عندك على عمومه إلا بدلالة عن النبي، أو عن جماعة لا يمكن فيهم جهلُ ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه خاص. 

فما تقول في هذا الحديث: أهو عام، فيكون تحريم أن يمنع أحد إماء الله مساجد الله بحال، أو خاص فيكون لهم منعهن بعض المساجد دون بعض، فإنه لا يحتمل إلا واحداً من معنيين؟ 

قلتُ: بل خاصٌّ عندي، والله أعلم. 

قال: ما دل على أنه خاص عندك؟ 

قلتُ: الأخبار الثابتة عن النبيِّ بما لا أعلم فيه مخالفاً. 

ثم استطرد الشَّافعيُّ في ذكر الأدلة على ذلك، إلى أن قال:

 أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه سمع عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: «إذا استأذنت أحدكم امرأته لتشهد العشاء فلا يمنعها».

فاحتمل أن يجب عليهن، واحتمل أن يكون على استحباب، فلما كان ما وصفت من الاستدلال بأن لم يختلف العامة أن ليس على المرأة شهود صلاة جماعة كما هي على الرجل، وإن وليها حبسها، كان هذا اختياراً لا فرضاً على الولي أن يأذن للمرأة للعشاء.

فقال: ما علمت أحداً من المفتين يخالف في أن ليس على الرجل الإذن لامرأته إلى جمعة ولا جماعة، ولقد قال بعضهم: ولا إلى حج؛ لأنه لا يفوتها في عمرها. 

فقلت: ففي أن لم يختلف المفتون إن كان كما قلت دليل على أن لا يجهلوا معنى حديث رسول الله، إذا كان معنى حديث رسول الله محتملاً ما قالوا.

قال: ولقد قال بعضهم: لزوج المرأة أن يمنعها من الحج؟

قلتُ: أما هذا فلا؛ لأنه إذا جاز له أن يمنعها الفريضة فقد منعها مساجد الله كلها، فأباح له خلاف الحديث.

فإذا قلتَ: لا يمنعها الفريضة من الحج أخالف الحديث؟ بل هو ظاهر الحديث «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله كلها».

وفيه والله أعلم دلالة على أن لهم منعهن بعضها.

قال: وأجبر زوج امرأة ووليها من كان على أن يدعها والفريضة من الحج والعمرة في سفر، ولا أجبره على ما تطوعت به منهما، فإذا أذن لها إلى الحج فلم يمنعها مساجد الله؛ لأنه قد أذن لها في الفرض إلى المسجد الحرام، قال: وقد روي حديث أن يترك النساء إلى العيدين، فإن كان ثابتا قلنا به.


الخلاصة:

1-استحباب خروج المرأة لصلاة العيد مع أمن الفتنة، وهذا متوافرٌ في عصرنا، وهو القول الراجح إن شاء الله تعالى.

2. حديث أم عطية حديثٌ صحيح، وروى في الصحيح وغيره، بألفاظٍ منها: (أمرنا أن نُخرج العواتق وذوات الخدور)، وفي رواية: (كنا نؤمر أن نُخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور)، وفي رواية: (كنا نؤمر أن نُُخرج يوم العيد حتى البكر من خدرها).


  • مصادر البحث:

  1. الدرر السنيَّة.

  2. فقه السُّنة.

  3. موسوعة الفقه الكويتية.

  4. الأم؛ للشافعي.

  5. الحاوي؛ للماوردي.

  6. المجموع شرح المهذب؛ للنووي.

  7. النظر فيما علق الشافعي القول به على صحة الخبر.