أضواء على كتاب
حكم الإسلام في التحالف ودخول البرلمان
إعداد: عبد القادر الشطلي
مركز العلم والثقافة -النصيرات
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ لا زال بين الإسلامين وبين القمة الرفيعة التي ينبغي أن يكونوا عليها فراغٌ كبيرٌ، ومفازةٌ عظيمة، فالإسلاميون يُجاهدون بشتى الطرق للوصول إلى الحكم، ولكن الشيء الضخم الذي يريدونه ويُقدّمون من أجله النفس والوقت والمال لم يتبلور بشكل واضح وكامل، ولا يوجد هناك تجربة ناجحة على المستوى السياسي المعاصر للقادة المعاصرين؛ ولا شك أن هناك رغبة عارمة في إقامة دولةٍ إسلامية تحتكم إلى شريعة الله عز وجل، ولكن ما هي الخطوات التنفيذية لهذا كله ؟ وما هي نقطة البداية ؟ وهل سلوك طريق البرلمان، وإقامة تحالفات مع أحزاب علمانية واشتراكية هو الحل الوحيد ؟
أستطيع القول: بأنه وحتى الوقت الحالي لم تستطع أيّة جماعة إسلامية ولا حزب إسلامي أن يصل إلى قلوب المسلمين جميعاً، على الرغم من الشعارات الرنّانة التي يصدح بها أتباعها، والتوليفة الغير متناسقة التي تُقدمها بعض الأحزاب الإسلامية، لأنَّ الساحة اليوم تتنازع فيها تيارات كبيرة وعميقة في البُعد التاريخي، وهناك عداوات حقيقية تُغذيها الطائفية، فلا يوجد حزب إسلامي يستطيع أن يصل إلى قلب كل المسلمين على حدٍّ سواء، وهذه قضية أخرى لم يلتفت إليها الإسلاميون الذين يرومون الوصول إلى السلطة والحكم.
ربما دفع هذه الأمر ببعض الأحزاب الإسلامية إلى جعل الأمر يرتبط بالعاطفة والشعور الجمعي تجاه الأمة ومشاكلها، ولكنها عملياً لا تتبني مواقف صحيحة؛ وذلك لعجزها الدائم إزاء ما يجري في العالم.
كذلك -أزعم -أن معظم المحاولات الحزبية في استقطاب عامة المسلمين فشلت، لأن هناك فجوات ومواقف تُحطم ذلك التمدُّد، ووفي النهاية لا يوجد رابطة تؤلف بين الجميع.
وقد رأينا تجربة الإخوان في مصر، وهي تجربة قصيرة نسبياً لم يتمكنوا خلالها من صناعة شيء؛ ومعلوم أن التجربة القصيرة لا يُمكن الحكم عليها بالنجاح أو الفشل، ولكن أمام هذه التجربة تحدي كبير؛ فإما أن تُثبت أنها قادرة على تجاوز هذه المرحلة، وتزيد من التفاف الناس حولها، أو تنسحب من الحياة السياسية معلنةً استسلامها للواقع، وتدع الناس وحالهم.
وهذا كتاب يتحدث عن حكم تحالف الإخوان المسلمين مع الأحزاب العلمانية والاشتراكية كوسيط يدفع بجماعة الإخوان المسلمين إلى سُدة البرلمان، بحيث يتوافق الحزبين على وثيقة اتفاق يتم بموجبه دعم الإخوان المسلمين للحزب العلماني ومرشيحه، في مقابل تقديم بعض التسهيلات للجماعة على المستوى الدعوي والسياسي، وهذه من وجهة نظرهم مبررة ومشروعة على أن لها تبعات عظيمة، أدناها نصرة من يعتقدون كفره، الذي ربما أول ما يبطش بالمسلمين وأهل الخير، حينها ستكون جنايتهم عظيمة.
ولا شكَّ أن التحالف مع هذه الأحزاب لتحقيق مصلحة المسلمين أمرٌ جيِّد، ولكن هل المصلحة الإسلامية تُقررها الجماعة فقط ؟ أم لا بُد أن تتشارك مع غيرها من الجماعات في طرح قضايا المسلمين ومعالجتها بالشكل الأمثل ؟ والتساؤل الأكثر أهمية: هل نجح الإخوان في تحالفهم مع هذه الأحزاب.
إن المثل الحاضر دوماً في أذهاننا هو جمال عبد الناصر، فقد جاء به الإخوان المسلمين، وقالوا: هذا نجعله واجهةً أمام الناس، ونحن نعمل ونتحرك تحت هذا الغطاء، فلما تمكن وصار الحديد والنار بيده، قتلهم قتلاً ذريعاً.
لا يُمكن اعتبار ذلك تكتياً فاشلاً، وإنما يندرج تحت الغباء السياسي الوعر، فإذا ضحك لهم الرئيس فلان أو ألقى إليهم فتات المال يظنون أن العيد غداً، وأن النصر سيأتي من قبله، وهذا جُرمٌ كبير ارتكبوه بحقِّ أنفسهم، وبحق متبوعيهم، وربما رفعوا الشخص حتى يصير وزيراً ويكون من الإخوان، وبعد أن ينال ما يُريد فإنه يُوصد الأبواب في وجوههم، كما قال الشاعر:
على عاتقيه يصعد المجد غيره … وهل هو إلا للتسلُّق سلماً
ويطرح الإخوان المسلمون الآن نموذج الدولة المدنية التي لا علاقة لها بالدين، وهو تلطيفٌ لاسم العلمانية، واستبعدوا نظام الدولة الدينية من قاموسهم السياسي، ربما يكون ذلك تكتيكاً أو مؤقتاً؛ فالله أعلم. وقد صرح بذلك كثيرٌ من قادتهم في العالم الإسلامي، وكان الخط العريض هو عدم مخالفة الإسلام ومسايرة الشعوب، وإبقاء ما كان على ما كان، واليوم يوضع بقوة العنصر التركي للدولة المدنية كقائد سياسي معتبر لهذه الأحزاب، ولكن "أردوغان" لم يطرح نفسه كخليفة للمسلمين، وإنما دعا إلى الدولة الديمقراطية العلمانية، وهذا يُبين سبب الانحراف السياسي لدى بعض الإسلاميين، والمتمثل في أمرين:
الأول: الطمع في الوصول إلى المنصب والمركز، والحفاظ على المكتسبات التي يُحققها المنصب ضمن حدود الدولة المدنية، واستبعاد الدولة الإسلامية بمفهومها الصحيح الناصع.
الثاني: الجهل الكبير بالسياسة، وبالتالي الدخول تحت عباءة العلمانية والأحزاب الأخرى وتقديم المزيد من التنازلات، والتي ستقوض يوماً ما المشروع الإسلامي الكبير التي ترنو له تلك الأحزاب.
وجماعة الإخوان المسلمين هي جماعة فكرية سياسية اجتماعية وتربوية، تؤالف جميع الطوائف والطبقات والأحزاب للوصول إلى السُّلطة، وتقف منها بنفس المستوى، وتعتني بإصلاح الجانب العام وما يتعلق بالسياسة والحكم، وليس لهم تصنيف مُميِّز تتبناه الجماعة في الجانب العقدي، أو في الفروع الفقهية، وأبرز الأفكار التي نهجوا عليها مصطلح "الحاكمية"، و"المجتمع الجاهلي"، و"إزالة الطواغيت"، و"الدولة الإسلامية العالمية".
والقضية الثانية التي تحدَّث المؤلف عنها هي حكم الدخول في البرلمانات، وخلاصة القول في هذه المسألة أن الدخول في البرلمانات والترشُّح لها جائزٌ بشروط، أهمها: تكثير المصالح الموجودة، وإيجاد المصالح المفقودة، أو درء المفاسد، وإصلاح ما يُمكن إصلاحه في ضوء الشريعة الإسلامية، وأنه لا يُقال: واجب، ولا حرام، ولا يُنكر المُجيز على المانع، ولا المانع على المُجيز؛ لأن المصلحة محتملة والخطب جلل، والله المستعان.
والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق