الصلوات اليومية على خير البرية
عرض ونقد
إعداد: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذا كتابٌ لمجموعة من المؤلفين، اشتمل على بعض الصلوات البدعية، التي فيها التوسلات المُحرمة بالجاه والحرمة والمكانة، وكذلك تضمنت الاعتداء في دعاء الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، بإقحام الألفاظ والعبارات المبتدعة، وتكلُّف ذكر أعداد الأشياء صلاةً على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والتي لم يرد تعيينها لا في كتاب ولا سُنَّة، ولم يرد منها شيءٌ عن سلف هذه الأمة، وقد ذكر هؤلاء المؤلفون هذه الصلوات بصيغٍ وكيفيات مبتدعة، زاعمين أنهم تأكدوا منها، وأنها موافقةً للسُّنة النبوية وآثار السلف الصالح!!!. وهي بعيدةٌ كل البعد عن هدي السلف الصالح، وعمَّا ورد في الكتاب والسنة.
وقد أحدث هذه الصلوات المتأخرون من غلاة وضُلال الصُّوفية، الذين وضعوا لهذه الصلوات أسماءً مبتدعة، وكيفياتٍ مُخترعة، وقسَّموا ذلك على الأوقات والأيام بلا دليلٍ ولا بُرهان.
ويُلحظ في الكتاب هذه التسميات المخترعة، ووقوع هذه التسميات بحسب بعض الألفاظ الواردة فيها، مثل (صلوات البداية، وصلوات الرضى، والصلوات التريلونية!، وصلوات كل شيء!، وصلوات الرجاء، وصلوات الأسماء الحسنى، وصلوات الانطلاق والاستمرار)، وتخصيص ذلك بأيامٍ مُعيَّنة على الترتيب من السبت إلى الجمعة، وكل يومٍ يقرأ صلاة من هذه الصلوات، بالتزام كيفية معينة، ووقت معين، كل ذلك من غير دليل ولا حجة ولا برهان.
وإذا أردنا أن نُعرِّف البدعة، فهي كما قال الشاطبي رحمه الله: "فالبدعة إذن عبارة: عن طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه... ومنها التزام الكيفيات والهيئات المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، وما أشبه ذلك.
ومن هذه البدع التزام عبادات معينة، في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته" انتهى من "الاعتصام" (1/ 37-39).
كذلك الأمر في التزام صلوات مُعينة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أيامٍ مُعينة، وإن لم يُصرح هؤلاء المؤلفون بوجوب التزام هذه الصلوات، إلا أن فعلهم من الترتيب والتفريق، والحث على قراءتها وأفضليتها، وطريقة صياغتها يوحي بذلك.
والأمر ابتداءً لا يتعلق بمجرد هذه الصيغ فقط، بل هو أكبر من ذلك، فليست المخالفة محصورة في هذه البدع، لكنها قد تتجاوز ذلك -فيما بعد -إلى نشر أدعية واستغاثات مما هي من صور من الشرك في الاعتقاد.
وقبل البدء بعرض ما في هذا الكتاب من البدع، نقول: قد اختلف العلماء فيمن قال: (اللهم صل على محمد عدد كذا)، إن كان يثاب بمثل ذلك العدد أم يثاب ثوابا واحدا معظماً، والذي جزم به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يثابُ ثواباً واحداً، ولا يكافئ ثواب من صلى حقيقة بذلك العدد، بمعنى لا يأخذ أجر تلك الصلوات تامة كاملة، ولكن هذا الثواب الواحد أكبر من ثواب الصلاة المجردة .
وقال العلماء: يجوز الصلاة على النبيِّ بهذه الصيغ، بشروط، وهي:
أولاً: أن لا يعتقد لها فضلا خاصاً.
ثانياً: أن لا يراها سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثا: أن لا يعتقد أنها أفضل من صيغة الصلاة الإبراهيمية التي علمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الصحيح الثابت أفضل من غيره وأكمل.
رابعاً: أن لا يستعملها في الصلاة بل خارجها، فصلاة الفريضة أو النافلة لها أذكارها الخاصة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأضيف شرطاً خامساً: وهو ألا تتضمن بدعةً، أو الدعوة إلى بدعة، وألا تشتمل على استغاثات شركية، أو توسلات مُحرَّمة، أو اعتداءٌ على حق من حقوق الله عز وجل، أو صفةٍ من صفاته.
وحديثي على هذا الكتاب من وجوه:
أولاً: ابتدأ المؤلفون هذا الكتاب بصلاة الفاتح الصوفية المبتدعة، وذلك (ص 7): "اللهم صلِّ صلاً كاملةً، وسلم سلاماً تاماً على النبيِّ المصطفى … الذي تنحلُّ به العُقد، وتنفرج به الكرب…"، وجاء شطرها الثاني في (ص 68)، وهذه الصلاة، هي صلاةٌُ مخترعةٌ مُحدثةٌ، ابتدعها أحمد التيجاني صاحب الطريقة "التبجانية"، وادعى أنه تلقاها عن الرسول صلى الله عليه وسلم ورتب عليها فضائل وأجور باطلة بل جعلها والعياذ بالله أفضل من قراءة القرآن!!.
ثانياً: التعمُّق والتكلُّف والتعنُّت في بعض هذه الصلوات، ومثاله قولهم (ص 14): "اللهم صلِّ على روح سيدنا أحمد في الأرواح، وعلى جسده في الأجساد وعلى قلبه في القلوب، وعلى نفسه في الأنفس، منذ البدايات وكلما ذكر"، وقد يزيد بعضهم: "وعلى قبره في القبور"، وهذه الصلاة مُبتدعةٌ مُحدثة، لا يجوز الصلاة عليه بها. كذلك قولهم: "صلِّ عليه بلغات ولهجات، وكلمات، وحروف، ومكونات جميع الخلق ماعلمت منها وما لم أعلم …"، وكل هذا من التنطُّع والتكلُّف الذي نهانا عنه النبيُ صلى الله عليه وسلم، بقوله: .
ثالثاً: التوسُّل المُحرَّم: بجاه النبيِّ صلى الله عليه وسلم وحرمته ومكانته وهو من جنس الحلف بغير الله، وهو نوعٌ من أنواع الشرك؛ لأنه قسم على الله عز وجل ببعض مخلوقاته، وهذا مُحرَّمٌ باتفاق العلماء وأئمة المسلمين، وكذلك التوسل بغيره من المخلوقات، ومثاله، قوله (ص 16، 18، 46، 48، 49، 61، 70)، وفيها: "اللهم إني أسألك … وبمكانه منك الذي خصصته واصطفيته… بحق ما أقسمتُ به عليك، وتوسلتُ به إليك … اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بحبيبك بأبي القاسم نبي الرحم والملحمة، اللهم شفعه فينا بجاهه عندك … وأسألك بحرمة الأشهر الحرم، والبلد الحرام، والأماكن والأوقات المقدسة… بجاه محمد النبي الأمي وآله الطاهرين … بحقك وبحق حبيبك محمد… يا رب بجاهه عندك"، وقد تكلم الإمام الألباني رحمه الله تعالى في كتابه "التوسل أنواعه وأحكامه" بما يشفي الغليل، بلا مزيد عليه؛ فليُنظر فيه. ومعلومٌ أن التوسل المشروع إلى الله عز وجل يكون بالأعمال الصالحة، وبأسماء الله وصفاته، ولا يكون ذلك بأحدٍ من المخلوقين نبياً أو ملكاً أو صالحاً، فضلاً عن أن يكون زماناً أو مكاناً أو حجراً أو قبراً.
رابعاً: تضمنها سوء الأدب مع الله عز وجل، وذلك في قولهم (ص 24): "وعد ما أحاط به علمك، وأضعاف ذلك"، وذلك أن علم الله سبحانه كاملٌ من كل وجه، وتضعيف الصلاة بتضعيف الإحاطة بزيادة المعلوم أو العلم هذا من الغلو المحرم، والعياذ بالله تعالى. وكقولهم (ص 22): "اللهم صلِّ على سيدنا محمد كيفما وعدد ما صليت على الأنبياء والأولياء"، ومعلومٌ أن صلاة الله على نبيه أعظم من صلاته على الأنبياء والأولياء، وأن كيفية صلاته عليه أعظم من صلاته عليهم، وإقحام الأولياء في مماثلة الصلاة عليه بهم سوء أدب معه، وأين الأولياء بمجموعهم من نبيِّ الله محمد صلى الله عليه وسلم.
خامساً: ذكر أعدادٍ مُعينة من الصلوات وتقييدها بأعداد المخلوقات، وهي بدعةٌ مكروهة، ولا تفوق أجر من صلى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرة واحدة، وذلك كثيرٌ في الكتاب (ص 14، 15، 16، 18، 19، 22، 24، 25، 26، 27، 35، 38، 40، 41، 43، 47، 49، 54، 61)، ومن ذلك قولهم: "عدد ما في علمك، وعدد ما خطه قلمك، وعدد ما في كتابك… عدد جميع خلقك من إنس وجن وملائكة وحيوان وجماد وغيرها وجزئياتها وحركاتها … صلاةً تستغرق العد، وتُحيط بالحد… وعدد من قرأ أحاديثه، وعدد من حفظها، وعدد من ترجمها، وشرحها، ودرسها، وخرجها… عدد الرياح والسحاب الجارية، والرياح الذارية، والمياه الصافية، وعدد ذراتها وجزئياتها، وحركتها داخل وخارج الجنة من قبل ومن بعد!!!" إلى غير ذلك من الأعداد.
سادساً: التكثُّر بأسماء الصلوات باعتبار بعض ما ذكر فيها، وجعل ذلك علامةً ظاهرةً عليها، وقد يصحب ذلك اعتقاد فضلٍ لهذا النوع من الصلوات على غيرها من الصلوات المشروعة، وهذا إثمٌ عظيم، ومثاله صلوات الرضى؛ لأن فيها "صلِّ عليه كما يرضى نبينا"، وصلوات التريلونية؛ لأن فيها "صلِّ عليه ترليون ترليون مرة" (ص 38، 39، 40، 41، 43، 44، 42)، وصلوات الانطلاق والاستمرار "صلاةً تفيدنا دوام الانطلاق والاستمرار" (ص 64).
سابعاً: جعلهم اسم "طه"، و"يس" من أسماء النبيِّ صلى الله عليه وسلم، (ص 44)، والصواب أن "طه" و "يس" ليسا من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هما من الحروف المقطعة التي افتتحت بها بعض سور القرآن الكريم، إشارةً إلى إعجاز القرآن الكريم، وأنها من نفس الحروف التي يتكلم بها العرب، ومع هذا فقد عجزوا عن الإتيان بمثله، مما يدل على أنه منزل من عند الله تعالى .
ثامناً: قوله: "واجعلني ممن شفى غليله بزيارة قبره مراتٍ كثيرة" (ص 68، 70، وهذا من الغلو المحرم، وهو مخالفٌ لأمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبرواً"، وكره السلف والأئمة أن يُقال: زُرتُ قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والمشروع هو زيارة مسجده صلى الله عليه وسلم، وشدِّ الرحال إليه، وتأتي زيارة القبر تبعاً لزيارة المسجد والصلاة فيه.
تاسعا: تخصيص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بكونه "الحبيب"، وإبراهيم عليه السلام بكونه "الخليل" (ص 25)، والصحيح أن الخلة مرتبة أعلى من مرتبة من المحبة، وأن نبينا صلى الله عليه وسلم كما صرح في أحاديث كثيرة هو خليل الله، وخلته أرفع رتبة من خلة إبراهيم عليه السلام، وإن كانا يشتركان في هذه المرتبة العظيمة.
نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يوفقنا وإياك لطاعته ومرضاته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق