حكم شرب الدخان وإمامة من يتجاهر به
الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ قد دلت الأدلة الشرعية على أن شرب الدخان من الأمور المحرمة شرعاً لما اشتمل عليه من الأضرار في الدين والبدن والعقل؛ وضرره ثابتٌ بإجماع أهل الطب والمعرفة فهو سببٌ لكثيرٍ من الأمراض الضارة كالسرطانات، والسكتات القلبية، وأمراض الجلطات وتصلب الشرايين.
والله سبحانه لم يُبح لعباده من المطاعم والمشارب إلا ما كان طيباً نافعاً، وأما ما كان ضاراً لهم في دينهم ودنياهم، أو مُغيّراً لعقولهم فإن الله سبحانه قد حرَّمه عليهم، وقد قال تعالى في وصف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (الأعراف: 157)، وهذا مقصدٌ شرعيٌّ عظيم، ولا شكَّ أن الدُّخان من جملة الخبائث المحرمة، ويؤدي شربه إلى أمراض متعددة تؤدي إلى الموت، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، فالضرر بالجسم أو الإضرار بالغير منهي عنه، فشربه وبيعه حرام.
وهو عز وجل أرحم بعباده من أنفسهم، وتشتدُّ حرمة الدُّخان في حقِّ من كان فقيراً مُدخناً، أو مريضاً مُدخناً، وقد أصدرت الهيئات الشرعية في عددٍ من البلاد الإسلامية بحرمة التدخين، منها دار الإفتاء المصرية في (5/ سبتمبر/ 1999م)، وكذلك اللجنة الدائمة للبحوث، وغيرها من الهيئات ودور الفتوى.
ومن العجيب حقاً: أن كثيراً من المدخنين يعلمون خطر التدخين على الصحة والبيئة والمجتمع ومع ذلك يتهاونون في هذا الأمر الخطير! وذلك لغلبة الهوى، واستيلاء الشيطان والهوى على إرادة الإنسان، وضعف إرادة المُدخن عن مقاومة هذه السموم الفتاكة، وتقديم العادات على ما يُعلم ضرره، فإن العادات تُسيطر على عقل صاحبها وعلى إرادته.
ومن الآثار السيئة للتدخين على الفرد أنه يُثقل على العبد العبادات والقيام بالمأمورات، وخصوصاً الصيام، وكذلك فإنه يدعو صاحبه إلى مخالطة قرناء السُّوء، ويُزهِّد في مجالسة الأخيار كما هو مُشاهدٌ معلوم، ومن أعظم النقائص أن يكون العبد خليلاً للأشرار، مُتباعداً عن الأخيار، وقد يترتب على ذلك العداوة لأهل الخير والصلاح، والبغض لهم، والقدح فيهم، والزهد في طريقتهم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الرَّجلُ على دِينِ خليلِه، فلْينظُرْ أحدُكم مَن يُخالِلْ) رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
ومن ابتلي بالتدخين من الصغار والكبار فقد دخل إلى مداخل قبيحة في السلوك والأخلاق، وكان ذلك عنواناً على انتكاس الفطرة، وكان التدخين باباً لشرور كثيرة؛ فضلاً عن ضرره الذاتي.
وقبل أن نشرع في بيان أضرار التدخين، نذكر حكم إمامة شارب الدُّخان وغيره من العُصاة، والذي رجّحه الإمام ابن باز في هذه الرسالة هو صحة إمامة المُدخِّن، قال: "وهذا هو القول الصحيح المعروف، ولكن الأصل أن لا يُتخذ إماماً مع وجود غيره".
أولاً: الأضرار الصحية للتدخين:
ومن الأضرار الصحية أنه يزيد نسبة الإصابة بأمراض القلب، والسكتة الدماغية خاصة عند النساء اللواتي يستعملن حبوب منع الحمل، كذلك يؤثر على اللسان ويُسبب التهابات وتقرحات متكررة، مما يؤدي في النهاية إلى سرطان اللسان.
ثانياً: الأضرار الاقتصادية للتدخين:
حيث أن التدخين هو تبديرٌ للمال دون فائدة؛ وقد نهى الله تعالى عن التبذير والإسراف فقال سبحانه: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (الإسراء: 26، 27).
وقد صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إضاعة المال، وأيُّ إضاعةٍ أبلغ من حرقه في هذا التدخين الذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع، ولا نفع فيه بوجهٍ من الوجوه، حتى إن كثيرً من المدمنين يغرمون الأموال الكثيرة في سبيل تحصيله، ولو بالاستدانة لأجل شرائه، وربما تركوا ما يجب عليهم من النفقات الواجبة على أهليهم وأولادهم، وهذا انحرافٌ عظيم، وضررٌ جسيم، فصرفُ الأموال فيما لا منفعة فيه منهيٌّ عنه، فكيف بصرفه في شيءٍ مُحقَّقٌ ضرره!!.
ثالثاً: الأضرار العقلية للتدخين:
وقد ثبت علمياً أن التدخين يُضعف الذاكرة ويُحدث خللاً في الدماغ؛ وقد يُسبب السرطانات الدماغية، وارتجاجاً في المخ.
رابعاً: الأضرار السلوكية للتدخين:
ولا شكَّ أن المُدخن يكون سلوكه في الغالب سيئاً، وذلك في بيته ومع أهله، وحتى مع أصدقائه في العمل، فهو في الغالب يشعر بحالةٍ سيئةٍ من القلق وأعصابه متوترة، مما يؤدي إلى نوبات عصبية ومعاملة حادة مع الآخرين.
خامساً: الأضرار الخَلْقيَّة للتدخين:
وقد أثبت الأطباء في تقارير علمية كثيرة، بأن الأشخاص الذين يُمارسون التدخين رجالاً أو نساءً تحدث لدى أطفالهم تشوهات خلقية، وذلك بسبب تعاطي الأم للتدخين في أشهر الحمل الأولى.
سادساً: الأضرار الاجتماعية للتدخين:
ولا أحد يُنكر الأضرار الفادحة التي يتسبب بها التدخين في المجتمعات والأسر المدخنة، من ظهور التشتت والتفكك وعدم الوئام، بالإضافة إلى عدم الاستقرار المالي، وعدم توفر الضروريات من الطعام والشراب وغيره مما تحتاجه الأسرة، وينتج عن ذلك الجوع والهلاك وشحوب وجوه الأطفال، وحدوث الخلافات الزوجية، التي ربما تؤدي إلى الطلاق في كثيرٍ من الأحيان.
سابعاً: الأضرار البيئية للتدخين:
وقد أثبت العلم أن ما يخرج من مخلفات التدخين مثل أول أكسيد الكربون، والغازات السامة، وغيرها من المواد الأخرى لها تأثيرها الكبير على البيئة وتلوث الجو، مما يؤدي إلى حدوث أضرار وأمراض خطيرة على صحة الأفراد والمجتمعات.
ثامناً: المخالفات الدينية للتدخين:
كذلك فإن ممارسة التدخين تُشكل مخالفة دينية واضحة، يقول الله عز وجل: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (الأعراف: 157)، وقال جل شأنه: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } (البقرة: 195)، وقال جل في علاه: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (النساء: 29).
وهذه الآيات الكريمة وغيرها حرَّم الله فيها كل خبيثٍ أو ضار، فكل ما يُستخبث أو يضرُّ الإنسان فإنه لا يحلُّ، والخُبث والضرر يُعرف بآثاره وما يترتب عليه من المفاسد، فإن التدخين ه مفاسد وأضراره كثيرة محسوسة، ولا تخفى على أحد، والمدمنون من أعرف الناس بها، ولكن إرادتهم ضعيفة، ونفوسهم تغلبهم مع شعورهم بالضرر، ولذلك قال العلماء: "يحرم كل طعامٍ أو شرابٍ فيه مضرَّة".
الخطوات العشر للتخلص من عادة التدخين السيئة:
أولاً: القناعة التامة بأنك واقعٌ في ذنبٍ وبلاء، ويجب عليك أن تسعى للتخلص منه، فإذا اقتنعت أنه شرٌّ؛ فستقلع عنه.
ثانياً: الرغبة الجادة، والعزيمة الصادقة في التخلص من هذا الوباء، وبشرط أن تكون هذه الرغبة نابعة من الداخل.
ثالثاً: التوبة النصوح إلى الله عز وجل؛ واجعل نيتك في التوبة أن تترك التدخين طاعةً لله، وابتغاء المثوبة والأجر مه.
رابعاً: تعرف على مخاطر وأضرار هذا البلاء، واطلع على تلك الصور المأساوية والأمراض الخبيثة التي يُعاني منها المدخنون لتكون عبرةً لك.
خامساً: استخدم البديل عن الدُّخان المُميت، بعود الأراك الطيب، أو السواك، الذي هو مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب.
سادساً: جاهد نفسك على الترك، ولا تترك لنفسك فرصة العبث بك، وليكن شعارك: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}.
سابعاً: احذر ثم احذر من صحبة أهل الغيِّ والفساد؛ فإنه سبب البلاء، وهم سبب العودة للبلاء.
ثامناً: عليك بصحبة الصالحين ما أمكن إلى ذلك، فإنهم لا يأمرون إلا بخير، ولا يحثُّون إلا على الخير.
تاسعاً: اشغل وقتك بالمُفيد، واحذر الفراغ؛ فإن الفراغ يدعو صاحبه إلى ممارسة العادات السيئة، وليكن وقتك مشغولاً بالطاعات وإصلاح المعاش.
عاشراً: كثرة الدعاء والالتجاء إلى الله سبحانه بأن يُنجيك الله عز وجل مما أنت فيه، وأن يثبتك على الترك؛ فإن من قصد باب الكريم فإنه لا يُخيِّبه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق