شرح القواعد الأربع
لشيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
(ت 1115 -1206 هـ)
بقلم: صالح بن فوزان بن عبد الله آل فوزان
اعتنى به: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة
تمهيد/ هذا كتابٌ فيه أربع قواعد مهمة في بيان حقيقة التوحيد، ومعرفة قضايا الشرك وأنواعه، ولا يكمل التوحيد إلا بمعرفة الشرك؛ لئلا يرتكبه الإنسان أو يقع فيه. ومصدر هذه القواعد: هو ما بينه الله في كتابه من قضايا التوحيد والاعتقاد، وما بيَّنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في سنته من ذلك. وفائدتها: هو تمييز دين المسلمين من دين المشركين. ومردها: هو معرفة التوحيد الذي دعا إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ومعرفة الشرك الذي كان عليه المشركون. وخلاصتها: أن العبادة تفتقر إلى الإخلاص، وشرطها تحقيق التوحيد واجتناب الشرك.
والقواعد في اللغة: جمع قاعدة، وهي الأصل والأساس الذي يتفرع عنه مسائل كثيرة أو فروعٌ كثيرة، وهي هنا أعم من إطلاق الفقهاء، ويجوز إرادة المعنى الإصطلاحي للقواعد؛ فتكون من قواعد التوحيد، وهو الأمر الكلي المنطبق على جزئيات كثيرة، يُفهم منها متعلقات التوحيد ونواقضه، وقضايا الشرك ومقتضياته.
وقد ابتدأ المؤلف رحمه الله بالدعاء والثناء على قارئ هذه الرسالة، وأن يجعله الله من أهل الولاية الذاكرين، المحافظين على التوحيد الخالص، والاعتقاد الصحيح.
ومعلومٌ لدى الكافة أن العبادة مقرونةٌ بالتوحيد فمن زعم عبادة الله وهو لا يوحده؛ فهو كاذبٌ مُدَّعي، والعبادة في الاصطلاح لها معنيان:
1- معنى عام: وهو اتباع خطاب الشارع امتثالاً له مقروناً بالحب والخضوع والتعظيم في كل نواحي الحياة: قولاً وعملاً، ظاهراً وباطناً.
2- ومعنى خاص: وهو التوحيد وإفراد الله بالطاعة؛ كما قال ابن عباس: كل ما في القرآن من العبادة فهو التوحيد. ذكره البغويُّ في "تفسيره".
أما الشرك؛ فهو جعل شيء من العبادة لغير الله، وهو نوعان:
1-نوعٌ يزول به أصل الإيمان: وهو الشرك الأكبر.
2-نوعٌ يزول به كمال الإيمان: وهو الشرك الأصغر.
ومدار النفي والإثبات في الشفاعة على: إذن الله ورضاه، ففي النفي يكون هذين الركنين مانعين لها، وفي الإثبات يكونان شرطين لها. فالشفاعة المنفية هي الخالية من إذن الله ورضاه، والشفاعة المثبتة هي المقترنة بإذن الله ورضاه.
والقواعد الأربع باختصار، هي:
القاعدة الأولى: أن تعلم أن الكفار كانوا مُقرين بتوحيد الربوبية لله عز وجل، فكانوا مقرين بأن الله تعالى هو الخالق الرازق المدبر وأن ذلك لم يدخلهم في الإسلام.
القاعدة الثانية: أنهم يقولون: ما دعونا هذه الأوثان والأصنام من صور الصالحين والملائكة وما توجهنا إليهم إلا لطلب القربة والشفاعة، والقربة: بطلب حصول الرفعة والكمالات. والشفاعة بطلب دفع النقائص والآفات.
القاعدة الثالثة أن مناط الكفر هو عبادة غير الله عز وجل، دون النظر إلى منزلة المعبود، والنبي صلى الله عليه وسلم قاتل من يعبد الملائكة، ومن يعبد الأنبياء والصالحين والملائكة، مثل الذي يعبد الأشجار والأحجار والأجرام والأفلاك، ومثل من يعبد الشمس والقمر ولم يفرق بينهم؛ فظهر عليهم جميعاً.
القاعدة الرابعة أن مشركي زماننا أغلظ شركاً من الأولين لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، ومشركو زماننا شركهم دائما في الرخاء والشدة.
وتفصيل القاعدة الرابعة في بيان أن شرك المتأخرين أغلظ من شرك المتقدمين من اثني عشر وجهاً
(ذكرها الشيخ صالح العُصيمي):
الوجه الأول: أن المشركين الأولين يُشركون في الرخاء ويُخلصون في الشدة، كما قال الله: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (العنكبوت: 65)، وأما المتأخرون فيُشركون في الرخاء والشدة؛ كم يُنادي الحسين، ويستغيث بالرفاعي والبدوي والدسوقي.
الوجه الثاني: أن الأولون كانوا يدعون مع الله خلقاً مُقربين إلى الله من الأنبياء والملائكة والصالحين، أو أشجاً وأحجاراً غير عاصية لله، وأما المتأخرون فيعبدون ويدعون مع الله: الفجار والفُساق. ذكر هذا الفرق المصنف في كتابه "كشف الشبهات"، وبيَّن تحقق وقوع هذا الأمر عصريُّه محمد بن إسماعيل الصنعاني في كتابه "تطهير الاعتقاد"، ووجه عبادتهم لهؤلاء الفجار والفساق أنهم يريدون دفع الأذية عنهم بدعائهم وعبادتهم والاستغاثة بهم.
الوجه الثالث: أن الأولين كانوا يعتقدون أن ما هم عليه مُخالفٌ لدعوة الأنبياء والرسل؛ فإنهم قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: 5)؛ أما المتأخرون فإنهم يدَّعون أن دعوتهم موافقة لدعوة الأنبياء والرسل. ذكره صالح بن عبد الرحمن في "رده على داود بن جرجيس"، وتبعه في ذلك تلميذه "سليمان بن سحمان".
الوجه الرابع: أن المشركين الأولين كانوا لا يُشركون آلهتهم شيئاً من الملك والتصرف الكلي العام، فيرون أن التصرف والملك الكلي هو لله، فهم يقولون في تلبيتهم "لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ، إلّا شَرِيكًا هو لَكَ، تَمْلِكُهُ وَما مَلَكَ" يقولونَ هذا وَهُمْ يَطُوفُونَ بالبَيْتِ، وأما المتأخرون فيجعلون لمن يُعظمونه ملكاً وتصرفاً في الكون من دون الله، ويزعمون أن الله وكَّلهم بذلك، وجعلوا لهؤلاء قدرة يُدبرون بها الكون، وهذا شركٌ أعظم من شرك الجاهلية الأولى. ذكره عبد الله بن فيصل رحمه الله.
الوجه الخامس: أن المشركين الأولين قصدوا معبوداتهم لتُقربهم إلى الله، واتخذوهم شفعاء ووسائط في حصول مطلوباتهم، أما المتأخرون فإن كثيراً منهم قصدوا معبوداتهم من دون الله على جهة الاستقلال في جلب النفع ودفع الضر.
الوجه السادس: أن عامة المشركين الأولين كان الشرك واقع عندهم في توحيد الألوهية، وهو في غيرها قليل. بينما المتأخرون فشركهم في الربوبية كثير، وكذلك كثر شركهم في الألوهية والأسماء والصفات.
الوجه السابع: أن المتأخرين يرون أن قصد الصالحين ودعائهم والتوجُّه إلبهم أنه من حقهم، وأن ترك ذلك من تنقصهم والإزراء عليهم، ولم يكن المشركون الأولون يقولون هذا.
الوجه الثامن: أن المشركين الأولين كانوا مُقرين بشركهم كما تقدم، وقد أخبر الله عنهم قولهم: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام: 148)، فأقروا بوقوع الشرك منهم، وأما المتأخرون فإنهم لا يُقرون بشركهم، ويُسمون رغبتهم إلى من يدعونهم: محبة، وتعظيم، فيزعمون أنهم يُحبون الأولياء، وهم يدعونهم ويعبدونهم من دون الله سبحانه.
الوجه التاسع: أن المشركين الأولين كانوا يقصدون أوثانهم في قضاء حوائجهم الدنيوية فقط؛ كرد الغائب، ووجدان المفقود، ولا يجعلونهم عُدةً ليوم الدين، لإنكارهم البعث، واعتقادهم أن لهم مالاً وولداً بعد الموت، لأن لهم حظوةً عندهم. أما المتأخرون فيريدون من مُعظميهم قضاء حوائج الدنيا والآخرة. قاله محمد بن ناصر بن معمر.
الوجه العاشر: أن المشركين الأولين كانوا يُعظمون الله وشعائره؛ فكانوا يُعظمون الحلف بالله، ومن عاذ بالله وببيته يُعيذوه، ويعتقدون أن البيت الحرام أعظم من بيوت أصنامهم، وأما المتأخرون منهم فبضد هذا، فهم يجترئون على الحلف بالله كذباً، ولكن لا يجترئون على الحلف كذباً بمعظميهم، ولا يُعيذون من عاذ بالله وببيته، ويُعيذون من عاذ بمعظمهم، ويعتقدون أن العكوف عند القبور والمشاهد أعظم من العكوف في بيوت الله، وأكثرهم على أن الاستغاثة بغير الله أنفع وأسرع وأنجع من الاستغاثة بالله. وهذا مُستفادٌ من كلام الشيخ سليمان بن عبد الله في "تيسير العزيز الحميد".
الوجه الحادي عشر: أن المشركين الأولين لم يكونوا يطلبون من آلهتهم كل ما يُطلب من الله، بل كانت لهم مطالبٌ لايطلبونها إلا من الله تعالى، أما المتأخرون بالإضافة إلى شركهم في الربوبية، فإن لهم مطالب لا يطلبونها إلا ممن يُعظمونهم. ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية.
الوجه الثاني عشر: أن المتأخرين من المشركين فيهم من يزعم أن الله يتجلى في صور المخلوقات، فيرون في مُعظميهم صورة الله سبحانه، تعالى الله عن ذلك، خلاف المتقدمين فإنهم لم يكونوا يزعمون ذلك. ذكره ابن تيمية، ونقله عنه ابن القيم في "روضة المحبين".
أما عن شروحات هذه المادة؛ فكثيرةٌ جداً، نذكر من شرحها من العلماء والشيوخ:
أ. د. خالد المصلح.
د. صالح العصيمي.
د. عبد الله البخاري.
د. عبد المحسن القاسم.
د. عبد الرزاق البدر.
د. عثمان الخميس.
د. هيثم سرحان.
محمد هشام طاهري.
حاتم الأثري.
أبي موسى عبد الله نيني
عبد الله القصير.
هرياد بن شوان القمتراني.
أبي زياد محمد بن سعيد البحيري المصري.
محمد بن هادي المدخلي.
عبد الله بن مرعي العدني.
عبد الرحمن بن فهد السليماني.
أحمد بن عمر الحازمي.
شيخ عبد الباسط باللغة "الهندية".
باللغة الانجليزية (The four principles -the school of sunna -at 9 lessons).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق