أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 29 نوفمبر 2020

النية والإخلاص لابن أبي الدُّنيا -بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

النية والإخلاص لابن أبي الدُّنيا

تحقيق: إياد خالد الطباع

دار البشائر، الطبعة الأولى

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تمهيد/ هذا الكتاب تم العثور عليه ضمن كتاب "الكواكب الدراري في ترتيب مُسند الإمام أحمد على أبواب البخاري"، لعلي بن الحسين بن عروة الحنبلي الدمشقي (المتوفى سنة 837 هـ) وكانت ولادته في حدود (760 هـ).

 وهذا الكتاب كما هو ظاهرٌ من عنوانه، يشتمل على الأحاديث الواردة في "مسند الإمام أحمد" مرتبةً على طريقة البخاري في تقسيمه للكتب والأبواب في "جامعه الصحيح"، ولكن مصنفه قصد منه الاستطراد بذكر شروح الحديث والتعريف برجاله، ونقل ذلك حرفياً من مصنفات حُفاظ الحديث وأئمة الحنابلة.

ففي هذا الكتاب تجد قطعةً كبيرةً من كتاب "الزهد" لابن المبارك، و"آداب حملة القرآن" للآجري، وكذلك تجد فيه ذكراً كاملاً لأبواب من "تهذيب الكمال" للمزي، وإذا جاء حديث "الإفك" مثلاً فإنه يأخذ نسخة من شرح القاضي عياض فيضعها بتمامها، وإذا مرَّت مسألةٌ فقهية استوفى ذلك الباب من "المُغني" لابن قدامة، وهكذا في كل مسألة وحديث وترجمة.

وتجد فيه -أيضاً -من مصنفات الحنابلة "كابن تيمية"، و"ابن القيم"، و"ابن رجب"، و"الموفق" ما تقرُّ به العيون، وتُلبي نهم الطلاب، ولذلك تجد فيه النسخة الكاملة الوحيدة للكتاب الفذ "توضيح المشتبه" لابن ناصر الدين الدمشقي، ولذلك فقد تجاوزت أجزاء الكتاب المئة وثلاثين جززءاً، وبقي منها الآن أربعين جزءاً في "الظاهرية"، والأجزاء الأخرى مُقرقةً قي "دار الكتب المصرية"، و"المكتبة السليمانية" بتركيا.

وجملة ما في هذا الكتاب من الأحاديث والآثار التي تتحدث عن إخلاص النيَّة لله عز وجل ثمانين أثراً، وقد ساق ابن عروة الحنبلي هذه الرسالة لابن أبي الدُّنيا كاملةً فيه، وقد تضمنت نسخته ستةً وخمسين أثراً ذكرها بأسانيد ابن أبي الدُّنيا كاملةً موفورة. 

وقد رأى المُحقق أن يُلحق بهذا الكتاب مُستدركين من كتابين عظيمين: 

الأول: من "جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبلي، وجملة ما نقله عن ابن أبي الدُّنيا سبعة عشر أثراً.

والثاني: من "اتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين" لمحمد مرتضى الزبيدي، وجملة ما نقله عن ابن أبي الدُّنيا سبعة آثار.

وقد ألحقها بهذه النُّسخة؛ لأنه عثر في ثنايا هذين الكتابين على نصوص مروية عن كتاب "الإخلاص"، ولم ترد في الأصل المخطوط" قال: "ولعلها زيادة في روايتهما للكتاب".

  • سند ابن عروة إلى كتاب الإخلاص:

 وذكر ابن عروة رحمه الله في أول هذه النُّسخة سنده؛ فقال: أخبرنا بجميع كتاب الإخلاص لابن أبي الدُّنيا الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد القادر الحنفي النحوي (ت 749 هـ) قراءةً عليه، ونحن نسمع، قال: أنبأتنا الشيخة الصالحة أم عبد الله زينب بنت أبي العباس أحمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد بن أحمد المقادسية (ت 740 هـ)، قالت: أنبأتنا عجيبة بنت أبي بكر بن أبي غالب (ت 647 هـ)، قالت: أنبأنا الشيخ أبو الخير محمد بن أحمد بن محمد بن عمر الباغبان المُقَدِّر (يعني من اشتهر بعلم الفرائض) (ت 559 هـ)، وأبو الفرج مسعود بن الحسن بن القاسم بن الفضل الثَّقفي (ت 560 هـ)، قالا: أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن منده الملقب بـ"أبي الأرامل" (ت 475 هـ)، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يوسف يَوَه المديني "وهو راوي كتب ابن أبي الدُّنيا"، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمرو بن أبان العبدي اللُّنباني (ت 332 هـ)، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا: عبد الله بن محمد بن عُبيد بن سفيان القرشي.

  • الإخلاص والنيَّة:

إن االله سبحانه وتعالى طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، و العمل لا يكون طيباً إلا إذا كان خالصا لوجه الله سبحانه؛ حيث إن الإخلاص روح العبادة وأساس قبول الأعمال أو ردها، وهو النجاة من كل فتنة مُدلهمة، وكل خطبٍ جلل؛ وقد قال الربيع بن أنس: "علامة الدين الإخلاص لله، وعلامة العلم خشية الله".

وتمثل المسلم بالإخلاص يؤدي به إلى الجنة؛ لأن الله عز وجل يقول: {إنما يتقبل الله من المُتقين} (المائدة: 27)، وأعظم التقوى إخلاص العمل لله سبحانه، ويكون ذلك بتنفيذ أمر الله واجتناب نواهيه لينال مرضاة الله.

والإخلاص أفضل الأعمال بعد التوحيد وقد قال جلَّ شأنه: {ليبلوكم أيُّكم أحسن عملاً} (الملك: 2) أي أخلصه وأصوبه، وهو سببٌ في زيادة الثواب، وإجابة الدُّعاء؛ لأن الإجابة مقرونةٌ بالإخلاص، ولذلك قالوا: الأعمال صور قائمة روحها الإخلاص!.

وقد سئل بعضهم: ما الإخلاص لله؟ قال: الذي يعمل العمل لا يُحبُّ أن يحمده عليه أحدٌ من الناس. وإذا أقبل العبد إلى الله عز وجل أقبل بقلوب عباده إليه.

كذلك فإن مفهوم الإخلاص في الإسلام يرتبط ارتباطا وثيقاً بالعقيدة والعبادة؛ ويدلُّ لذلك قول الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة: 5).

ويمكن تعريف الإخلاص لغة بأنه "من الخلوص، أي التصفية وإزالة الشوائب، وخلص الشيء: صار خالصاً، وخلصت إلى الشيء وصلت إليه ".

ويقصد بالإخلاص في الشريعة الإسلامية بأنه "إفراد االله تعالى بالقصد في العبادة، وتنقية الأقوال والأعمال عن الأغراض والمصالح المؤقتة، والتوجه بها جميعا إلى الله عز وجل مع الصدق في النية".

ويعرف أيضاً -بأنه" صفاء النية ونقاء السريرة من الشرك والرياء. وإرادة وجه الله تبارك وتعالى وحيازة رضاه تعالى في كل اعتقاد أو قول أو عمل".

  • أهمية الإخلاص:

يعد الإخلاص فضيلة من الفضائل الحسنة، إذ يكبح جماح النفس البشرية، وينهاها عن غيِّها، ويبين للمسلم أن له حقوقاً وعليه واجبات، فلا يعتدي على حقوق الآخرين، فتصبح حياة الشعوب آمنة، يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله: والإخلاص سبب من أسباب النجاة والفوز في الدنيا والآخرة".

وبالإخلاص يتم تفريج الكروب. وقصة الثلاثة الذين حبستهم صخرة خير دليل على ذلك: فمنهم من أخلص في خدمة والديه ليلاً و نهاراً، وابتغى وجه االله. والثاني امتنع عن فعل الفاحشة بعد أن تهيأت له أسبابها، والثالث الذي وفى العامل أجره ونماه وصبر على ذلك، وكل واحد منهم كان يبتغي وجه الله، ففرج الله كربتهم ونجوا بالإخلاص.

ويعمل الإخلاص على تنقية القلب من الحسد والحقد ويحمي النفس من غوائل الشيطان، حيث أخذ إبليس عهد على غواية العباد فقال: {إلا عبادك منهم المخلصين}، والإخلاص مصدر للرزق وفتح أبواب الخير والبركة، وفي الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغى به وجهه".

  وهناك مجموعة من صفات الإنسان التي تلازم الإخلاص وتدل عليه، ومن أبرز هذه الصفات:

1- أن يكون هدف العبد من العمل مرضاة الله وليس التفات الناس إليه. قال ابن الجوزي: "إن االله تعالى إذا رضى عمل عبد ورآه خالصاً لفت القلوب إليه، وإن لم يره خالصاً أعرض بها عنه، ومتى نظر العامل إلى التفات القلوب إليه فقد زاحم الشرك نيته، لأنه ينبغي أن يقنع بنظر من يعمل له، ومن ضرورة الإخلاص ألا يقصد التفات القلوب إليه فذاك يحصل لا بقصده بل بكراهته".

2-عدم محبة المسلم الملتزم بالإخلاص معرفة الخلق لما بينه وبين ربه من الأعمال الصالحة والطاعات، فهذا مظهر من مظاهر الإخلاص.

3- أن لا ينتظر مدح الناس له، ولا يطمع بما لديهم، ولذلك قال بعضهم: "علامة إخلاصك انك لاتلتفت إلى حمد الخلق ولا إلى ذمهم ولا تطمع فيما في أيديهم"، وقيل: ثلاث من علامات الإخلاص: "استواء المدح والذم من العامة، ونسيان رؤية الأعمال، ونسيان اقتضاء ثواب العمل في الآخرة".

4-أن يكون المخلص مبادراً إلى العمل متقناً له ويحتسب الأجر عند الله، دون أن يدفعه أحدٌ إلى ذلك العمل.

5-أن يكثر من عمل السر ويخفيه عن الناس لنيل مرضاة االله، يقول الدكتور الأشقر: "إنهم لا يعملون لأنفسهم، بل مرادهم رضا ربهم، يودون أن يكفيهم غيرهم تعليم الحق وإظهاره ،وعندما يحاورون لا يكون غاية همهم أن يغلبوا الخصم، بل مرادهم ظهور الحق، ويتمنون أن يظهر الله الحق".








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق