أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 28 نوفمبر 2020

حكم خروج النساء إلى العيدين -إعداد: أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة

حكم خروج النساء إلى العيدين

دراسة فقهية وحديثية

إعداد: أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة

اتفق الفقهاء على مشروعية الخروج لصلاة العيد واستحبابها، وذلك على الرجال والصبيان والنساء العجائز بلا خلاف، واختلفوا في خروج الشَّابة، وذوات الخدور، والكبيرة التي تُشتهى إلى صلاة العيد:

1. فذهب الحنابلة إلى إباحة حضور النساء إلى صلاة العيد من غير فرق بين بكر وثيِّب، أو شابّة وعجوز أو حائض أو طاهر، لعموم حديث أم عطية في الصحيحين، وهو قول ابن خزيمة وابن المنذر من الشافعية.

2. وذهب الشافعية والحنفيَّةُ والمالكيَّة إلى كراهة خروج الشَّابة أو الكبيرة التي تُشتهى إلى صلاة العيد، وكرهوا لزوجها ووليها تمكينها من الخروج، ورخصوا في ذلك للعجوز، وهو قول عائشة، عروة بن الزبير، وإبراهيم النخعي، ويحيى الأنصاري، وابن المبارك، وأصحاب الرأي.

3. وذهب بعض السَّلف إلى استحباب أو وجوب خروج المرأة إلى صلاة العيد، وهو قول أبي بكر، وعمر، وعليُّ بن أبي طالب، وابن عمر رضوان الله عليهم.

بيان الأدلة الواردة في هذه المسألة:

1-  واستدلُّوا بما رواه البخاريُّ ومسلمٌ في "صحيحيهما"، عن أمِّ عَطيَّةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: (أَمرَنا- تعني النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنْ نُخرِجَ في العيدينِ، العواتقَ وذواتِ الخدور وأمَرَ الحُيَّضَ أن يعتزِلْنَ مُصلَّى المسلمينِ). 

2- وفي روايةٍ لهما عنها، قالت: (كنَّا نُؤمَر أن نَخرُجَ يوم العيدِ، حتى تَخرُجَ البكرُ من خِدرهِا، وحتى يَخرجَ الحُيَّضُ فيكُنَّ خلفَ الناس، فيُكبِّرْنَ بتكبيرِهم، ويَدْعونَ بدعائِهم؛ يرجونَ بركةَ ذلك اليومِ وطُهرتَه).

وجه الدلالة: أنَّه صلى الله عليه وسلم علَّل خروجهنَّ بشهودِ الخيرِ ودعوةِ المسلمينَ، وأنه لم يُفرق بين الشابة وغيرها، وأن ذلك الأمر محمولٌ عى الاستحباب؛ إذ لو كان واجبًا ما علَّل ذلك الحضور.

قال النووي في "المجموع": "العواتقُ جمْع عاتق، وهي البنتُ التي بلَغتْ، وقال أبو زيد: هي البالِغة ما لم تعنسْ، وقيل: هي التي لم تتزوَّجْ، قال ثعلب: سُمِّيتْ عاتقًا؛ لأنَّها عتقت من ضرِّ أبويها، واستخدامهما وامتهانها بالخروجِ في الأشغال". وجاء في "الفتح": الخدور: جمْع خِدر، وهو ناحيةٌ في البيتِ يُتركُ عليها سترٌ، فتكون فيه الجاريةُ البِكر. وقيل: الخدور: البيوت.

3- بل إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يعذر من لم يكن لها جلباب، وأمرها أن تُلبسها صاحبها من جلبابه: فقد روى البخاريُّ في "صحيحه"، عن أم عطيَّة نسيبة بنت كعب الأنصارية، قالت: "كُنّا نَمْنَعُ عَواتِقَنا أنْ يَخْرُجْنَ في العِيدَيْنِ، فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ، فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فَحَدَّثَتْ عن أُخْتِها، أنها سَأَلَت النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أعَلى إحْدانا بَأْسٌ إذا لَمْ يَكُنْ لَها جِلْبابٌ أنْ لا تَخْرُجَ؟ قالَ: (لِتُلْبِسْها صاحِبَتُها مِن جِلْبابِها ولْتَشْهَدِ الخَيْرَ ودَعْوَةَ المُسْلِمِينَ).

ورواه مسلمٌ مختصراً، وفيه أن السائلة هي أم عطية.

4- واستدلوا بماا رواه ابن ماجه والبيهقيُّ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان يخرج نساءه وبناته في العيدين).

وهذا الحديث ضعفه النوويُّ في "الخلاصة"، وقال الضياء المقدسي في "السنن والأحكام"، والشوكاني في "نيل الأوطار"، والمباركفوري في "تحفة الأحوذي": في إسناده حجاج بن أرطأة، وهو مختلف فيه، وقال الألباني في "تمام المنة" فيه حجاج بن أرطأة، وهو مُدلسٌ وقد عنعنه، وفي "ضعيف ابن ماجه" قال: ضعيف. 

وهذا الحديث مع ضعفه إلا أنه يشهد له الروايات المتقدمة عن أم عطية.

5- واستدلوا بما رواه البخاريّ في "صحيحه"، والنَّسائيُّ في "سننه"، عن ابن عباس قال: (خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فصلى، ثم خطب ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة).

5- واستدلوا بما رواه أحمد وأبو داود والدارمي، عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (لا تَمْنَعوا إماءَ اللهِ مساجدَ اللهِ).

وهذا الحديث صحيحٌ، احتجَّ به ابنُ حزم في"المحلى" وقال ابن عبد البَرِّ في "التمهيد": محفوظ، وصحَّح إسنادَه النوويُّ في "المجموع"، وقال: على شرْط الشيخين، وصحَّحه ابن الملقِّن في "البدر المنير"، وقال ابن حجر في "التلخيص": اتَّفق الشيخان عليه بالجملة الأوَّلى. وقال الألباني في "صحيح أبي داود": حسنٌ صحيح. وحسَّنه الوادعي في "الصحيح المسند".

6- وروى البخاري ومسلم، عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنه، أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (لا تَمنَعوا إماءَ اللهِ مَساجدَ اللهِ).

  • حكاية الخلاف:

وقال الإمام أبو بكر بن المنذر في "الأوسط": "وقد اختلف أهل العلم في خروج النساء إلى الأعياد: 

أ. فروينا عن أبي بكر، وعلي أنهما قالا: "حق على كل ذات نطاق أن تخرج إلى العيدين"، وروي عن علي أنه قال: "الخروج إلى العيدين سنة للرجال والنساء"، و"كان ابن عمر يخرج من استطاع من أهله في العيد". وقد روي عن أبي بكر وعلي رضي الله عنهما، وجوب خروجهنَّ إلى العيد عملاً بظاهر الحديث.

ويدل لذلك ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، عن طلحة اليامي، قال: قال أبو بكر: (حقٌّ على كل ذات نطاق الخروج إلى العيدين). 

وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن علي، قال: (حقٌّ على كل ذات نطاق أن تخرج إلى العيدين، ولم يكن يرخص لهنَّ في شيءٍ من الخروج إلا إلى العيدين). 

ب. وكرهت طائفة خروج النساء إلى العيدين، كره ذلك إبراهيم النخعي، و "كان عروة بن الزبير لا يدع امرأة من أهله تخرج إلى فطر ولا إلى أضحى". وقال يحيى الأنصاري: "لا نعرف خروج المرأة الشابة عندنا في العيدين"، وقال أصحاب الرأي في خروج النساء إلى العيد: "أما اليوم فإنا نكره لهن ذلك ونرخص للعجوز الكبير بأن تشهد العشاء، والفجر، والعيدين، وأما غير ذلك فلا".

وقال الترمذيُّ في "سننه": "وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث (يعني حديث أمِّ عطيَّة في الخروج إلى صلاة العيد)، ورخص للنساء في الخروج إلى العيدين وكرهه بعضهم".

قال (يعني الترمذيّ): وروي عن ابن المبارك أنه قال: "أكره اليوم الخروج للنساء في العيدين، فإن أبت المرأة إلا أن تخرج فليأذن لها زوجها أن تخرج في أطمارها ولا تتزين، فإن أبت أن تخرج كذلك؛ فللزوج أن يمنعها عن الخروج". 

وروى مسلمٌ في "صحيحه"، وأحمد في "مسنده"، عن عائشة، قالت: "لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل".

وهذا الأثر عند أحمد، صحَّح إسناده شعيب الأرناؤوط، وقال: على شرط الشيخين. وقال الشيخ أحمد شاكر في "حاشية الترمذي": أثر عائشة هذا رواه الشيخان، وليس فيه حجة لجواز منعهنَّ المساجد؛ إذ الشريعة استقرت بموته، وليس لأحدٍ أن يُحدث بعده حكماً يُخالف ما ورد عنه لرأيٍ رآه، أو علَّةٍ استحسنها، وكما قال الشافعيُّ في "الرسالة" (ر: 326): "ومن وجب عليه اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له خلافها، ولم يقم مقام أن ينسخ شيئاً منها…". 

 ويُروى عن سفيان الثوري: "أنه كره اليوم الخروج للنساء إلى العيد". ويُقال فيه مثلما قيل في أثر عائشة رضوان الله عليها.

  • مذهب الشَّافعيّ في خروج المرأة لصلاة العيد:

قال الماوردي في "الحاوي الكبير": "لا يختلف مذهب الشافعي أن كل من لزمته الجمعة فهو مأمور بصلاة العيدين، إما ندباً أو على الكفاية. 

فأما من لا تلزمه الجمعة من: العبيد والنساء والمسافرين والمعذورين؛ فهل هم مأمورون بصلاة العيدين أم لا؟ على قولين:

أحدهما: نصَّ عليه في القديم في كتاب الصيد والذبائح، أنهم غير مأمورين بها. والقول الثاني: نص عليه في صلاة العيدين من الجديد وهو الصحيح، أنهم مأمورون بها، لعموم أمره - صلى الله عليه وسلم.

وقال النوويُّ في "المجموع": "قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله يستحب للنساء غير ذوات الهيئات حضور صلاة العيد.

وأما ذوات الهيئات وهن اللواتي يشتهين لجمالهن فيُكره حضورهن هذا هو المذهب والمنصوص وبه قطع الجمهور.

(فإن قيل) هذا مخالف حديث أم عطية المذكور؟

(قلنا) ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل"؛ ولأن الفتن وأسباب الشر في هذه الأعصار كثيرة بخلاف العصر الأول والله أعلم".

 وقال الإمام الشافعي في "الأم": أحب شهود النساء العجائز وغير ذوات الهيئات الصلاة والأعياد وأنا لشهودهن الأعياد أشدُّ استحباباً مني لشهودهن غيرها من الصلوات المكتوبات".

وقال الشَّافعيُّ في "اختلاف الحديث": أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أن رسول الله قال: «إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد، فلا يمنعها». قال: وهذا حديثٌ كلمنا فيه جماعة من الناس بكلام قد جهدت على تقصي ما كلموني فيه، فكان مما قالوا أو بعضهم: ظاهرُ قول رسول الله النهي عن منع إماء الله مساجد الله، والنهي عندك عن النبيِّ تحريمٌ، إلا بدلالة عن رسول الله أنه أراد به غير التحريم. وهو عام على مساجد الله، والعام عندك على عمومه إلا بدلالة عن النبي، أو عن جماعة لا يمكن فيهم جهلُ ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه خاص. 

فما تقول في هذا الحديث: أهو عام، فيكون تحريم أن يمنع أحد إماء الله مساجد الله بحال، أو خاص فيكون لهم منعهن بعض المساجد دون بعض، فإنه لا يحتمل إلا واحداً من معنيين؟ 

قلتُ: بل خاصٌّ عندي، والله أعلم. 

قال: ما دل على أنه خاص عندك؟ 

قلتُ: الأخبار الثابتة عن النبيِّ بما لا أعلم فيه مخالفاً. 

ثم استطرد الشَّافعيُّ في ذكر الأدلة على ذلك، إلى أن قال:

 أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه سمع عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: «إذا استأذنت أحدكم امرأته لتشهد العشاء فلا يمنعها».

فاحتمل أن يجب عليهن، واحتمل أن يكون على استحباب، فلما كان ما وصفت من الاستدلال بأن لم يختلف العامة أن ليس على المرأة شهود صلاة جماعة كما هي على الرجل، وإن وليها حبسها، كان هذا اختياراً لا فرضاً على الولي أن يأذن للمرأة للعشاء.

فقال: ما علمت أحداً من المفتين يخالف في أن ليس على الرجل الإذن لامرأته إلى جمعة ولا جماعة، ولقد قال بعضهم: ولا إلى حج؛ لأنه لا يفوتها في عمرها. 

فقلت: ففي أن لم يختلف المفتون إن كان كما قلت دليل على أن لا يجهلوا معنى حديث رسول الله، إذا كان معنى حديث رسول الله محتملاً ما قالوا.

قال: ولقد قال بعضهم: لزوج المرأة أن يمنعها من الحج؟

قلتُ: أما هذا فلا؛ لأنه إذا جاز له أن يمنعها الفريضة فقد منعها مساجد الله كلها، فأباح له خلاف الحديث.

فإذا قلتَ: لا يمنعها الفريضة من الحج أخالف الحديث؟ بل هو ظاهر الحديث «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله كلها».

وفيه والله أعلم دلالة على أن لهم منعهن بعضها.

قال: وأجبر زوج امرأة ووليها من كان على أن يدعها والفريضة من الحج والعمرة في سفر، ولا أجبره على ما تطوعت به منهما، فإذا أذن لها إلى الحج فلم يمنعها مساجد الله؛ لأنه قد أذن لها في الفرض إلى المسجد الحرام، قال: وقد روي حديث أن يترك النساء إلى العيدين، فإن كان ثابتا قلنا به.


الخلاصة:

1-استحباب خروج المرأة لصلاة العيد مع أمن الفتنة، وهذا متوافرٌ في عصرنا، وهو القول الراجح إن شاء الله تعالى.

2. حديث أم عطية حديثٌ صحيح، وروى في الصحيح وغيره، بألفاظٍ منها: (أمرنا أن نُخرج العواتق وذوات الخدور)، وفي رواية: (كنا نؤمر أن نُخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور)، وفي رواية: (كنا نؤمر أن نُُخرج يوم العيد حتى البكر من خدرها).


  • مصادر البحث:

  1. الدرر السنيَّة.

  2. فقه السُّنة.

  3. موسوعة الفقه الكويتية.

  4. الأم؛ للشافعي.

  5. الحاوي؛ للماوردي.

  6. المجموع شرح المهذب؛ للنووي.

  7. النظر فيما علق الشافعي القول به على صحة الخبر.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق