شرح مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية
د. مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
اعتنى به: محمد ناهض عبد السلام حنّونة
تمهيد/ يُعد شرح الدكتور مُساعد من أنفس شروح مقدمة "ابن تيمية" في أصول التفسير، وقدم الشارح بين يدي شرحه بمدخل إلى رسالة شيخ الإسلام، ذكر فيها أهم طبعات المقدمة، وعنوانها، ومتى كتب شيخ الإسلام المقدمة؟، ومن أفاد من المقدمة، والموضوعات التي طرقتها المقدمة.
ثم بين الدكتور "مساعد" أهم المسائل الواقعة في مقدمة المؤلف، وخاصة بيان سبب تأليف هذه المقدمة، وقول ابن تيمية: «فإنَّ الكتب المصنفة في التفسير مشحونة بالغث والسمين، والباطل الواضح والحق المبين»، وقوله: «أن التفسير إما منقول وإما معقول».
وقد نبَّه أن تحديد المنقول والمعقول من التفسير قضية نسبية تختلف باختلاف العصر، وأن ضابط المنقول في عصر الصحابة يختلف عنه في عصر التابعين، وفي عصر التابعين يختلف عنه في عصر من بعدهم.
كما نبه أن من بلغ درجة الاجتهاد في التفسير في العصر الحاضر فإن له مجالين: (المجال الأول): هو أن يجتهد في الاختيار بين أقوال المفسرين السالفين دون أن يخرج عنها. (المجال الثاني): هو أن يأتي المفسر بمعنى جديد لم يذكره المتقدمون، وهذا يظهر جليًا فيما يسمى بالتفسير العلمي الذي يستعين بالعلوم التجريبية في معرفة معاني الآيات القرآنية.
ثم تعرض لموضوع البيان النبويِّ للقرآن، ونبه أنَّ شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يناقش أقوال أقوامٍ لا يرون تفسير الصحابة والتابعين، ويذهبون إلى تفسيرات شيوخهم من أهل البدع، فقد ذكر هذه الأفكار في كتبٍ يناقش فيها هؤلاء، ككتاب (بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة، والقرامطة والباطنية وأهل الإلحاد القائلين بالحلول والاتحاد)، وفي كلامه على المحكم والمتشابه.
وتطرق إلى شرح اختلاف التنوع واختلاف التضاد في تفسير السلف، وذكر أن مراد شيخ الإسلام في هذا الفصل بيان نوع الاختلاف الذي وقع عند السلف، وذكر أنَّ غالب ما يصحُّ عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، وذكر في آخر هذا الفصل أنه لا بدَّ من وجود اختلاف محقق بينهم، وهو ما يُسمى بالتَّضاد، لكنه قليل بالنسبة لاختلاف التنوع.
وعرض لعدة مسائل على وجه التفصيل:
المسألة الأولى: في تعريف اختلاف التنوع واختلاف التضاد.
المسألة الثانية: في نوعي الاختلاف اللذَين يكثران في تفسير سلف الأمة.
المسألة الثالثة: تنبيهات تتعلق بأسباب النُّزول.
وعرض لعدة قضايا مهمة في أسباب النزول يحسن مراجعتها.
كما تعرض لعدة قضايا علمية، وهي:
1 - الألفاظ المترادفة.
2 - التضمين.
3 - فائدة جمع أقوال السلف.
4 - وقوع الاختلاف المحقق في تفسير السلف.
5 - أسباب الاختلاف.
وفي شرح الاختلاف الواقع في كتب التفسير من جهة النقل ومن جهة الاستدلال، ذكر أن الاختلاف في التفسير على نوعين:
الأول: ما يرجع إلى النقل.
والثاني: ما يرجع إلى الاستدلال.
وقد طرح فيما يرجع إلى النقل الموضوعات الآتية:
1 - الإسرائيليات.
2 - الإشارة إلى أسانيد التفسير، وغلبة المراسيل عليها، وحكمها.
3 - الموضوعات في كتب التفسير، مع الإشارة إلى بعض الكتب التي فيها ضعف من هذه الجهة.
وتعرض لمسألة المراسيل في التفسير، وذكر أن هذه المسألة من نفائس هذه المقدمة التي يحسن بالمعتنين بالتفسير الاستفادة منها في حال دراسة أقوال مفسري السلف.
كما تعرض في شرحه لنقد شيخ الإسلام لبعض المفسرين، وهم البغوي (ت:516 هـ)، والثعلبي (ت:427 هـ) وتلميذه الواحدي (ت:468 هـ).
وفي مسائل الاختلاف الواقع في كتب التفسير من جهة الاستدلال، تعرض إلى أن أكثر الخطأ في الاستدلال من جهتين لا توجدان في تفسير السلف:
أحدهما: قوم اعتقدوا معاني، ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها، وكان نظرهم إلى المعنى أسبق.
والثانية: قوم فسَّروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده من كان من الناطقين بلغة العرب بكلامه، من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن، والمنَزَّل عليه، والمخاطب به، وكان نظرهم إلى اللفظ أسبق.
كما أشار إلى جملة علوم العربية ومنْزلتها من التفسير.
كما تعرض لنقد بعض التفاسير المخالفة لمنهج السلف، وبيان المنهج العقدي العام لها.
ومن المسائل المهمة التي تعرض لها، قوله: (وأما كيفية معرفة فساد أقوال هؤلاء فقد ذكر شيخ الإسلام طريقة ذلك، ورتبها على الآتي:
1 - معرفة القول الصواب الذي خالفه هؤلاء المبتدعة.
2 - أن يتيقن أن قول السلف هو الحقُّ، وأن تفسير السلف يخالف تفسير المبتدعة.
3 - أن يعرف أن تفسير المبتدعة مُحدثٌ مبتدع.
4 - أن يعرف بالأدلة التي نصبها الله للحق فساد قولهم.
هذا خلاصة ما ذكره في هذه الفقرة، ويمكن أن يزاد عليه: معرفة الرأي المبتدع على وجهه وحقيقته، إذ كثيرٌ ممن يقرؤون التفسير لا يُحسنون معرفة المذاهب المخالفة، فيفوت عليهم شيء من أقوال المبتدعة، وتدخل عليهم وهم لا يشعرون).
وفي شرح أحسن طرق تفسير القرآن، لاحظ على هذه الطرق أمور:
الأول: أنها دائرة بين الأثر والرأي.
الثاني: أن هذا التقسيم الذي ذكره شيخ الإسلام إنما هو تقسيم فنيٌّ، وليس المراد أن المفسر يتدرَّج في التفسير على هذه الطرق، فالذي يخوض غمار التفسير يعلم أنَّ هذه الطرق ستكون مختلطة، ولا يوجد تفسير مرتَّب على هذا الترتيب، حتى التفسير الذي كتبه شيخ الإسلام.
الثالث: أنَّ هذه الطرق من حيث الجملة هي التي يجب الرجوع إليها عند التفسير، لكن أفراد هذه الطرق لها أحكامٌ خاصَّةٌ بحيث إنه لا يمكن القول بأنه يجب الأخذ بهذه الطرق جملة وتفصيلاً، بل في الأمر تفصيلات سيأتي في محلها من هذه الطرق.
الرابع: إن تمايز المفسرين عمومًا هو في مدى اعتمادهم على هذه الطرق، ولا يكاد أن يخلو منها كتاب في التفسير؛ إما نصًّا وإما إشارة.
ثم تعرض لهذه الطرق بالشرح، وهي:
1 - تفسير القرآن بالقرآن.
2 - تفسير القرآن بالسنة.
3 - تفسير القرآن بأقوال الصحابة.
4 - تفسير القرآن بأقوال التابعين.
وبعد أن أنهى شيخ الإسلام الحديث عن أحسن طرق التفسير ذكر عددًا من القضايا المتعلقة بالتفسير بالرأي، وهي:
1 - حكم التفسير بالرأي المجرد.
2 - الأحاديث الناهية عن ذلك.
3 - تحرج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به، والمقصود بتحرج هؤلاء.
ثمَّ ختم الرسالة بحديث ابن عباس في تقسيم التفسير، وقد تعرض لها الشارح بالتفصيل، والبيان.
وختم الشارح شرحه بإيراد الملاحق العلمية، وهي: نقولٌ من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية.
وخُتم الشرح بعدة فهارس علمية.
ويمتاز الشرح بعدة مميزات، من أهمها:
1 - حسن التصوير لمسائل المقدمة.
2 - جودة إقامة الدليل عليها.
3 - كثرة الأمثلة الموضحة للمقصود.
من أفاد من المقدمة:
جُلُّ من كتب في مسائل هذا العلم بعد شيخ الإسلام ابن تيمية؛ عالةٌ على هذه الرسالة الفريدة في بابها. وعلى وجازتها؛ فإنه قد استفاد منها كثيرٌ ممن جاء بعد شيخ الإسلام، ومنهم:
1 - تلميذه ابن كثيرٍ (ت:774) الذي ذكر جزءًا من موضوعات المقدمة في مقدمة تفسيره، ولم يُشر فيها إلى أنه ينقل من هذه الرسالة، كما هي عادة بعض العلماء في نقولاتهم.
2 - الزركشي (ت:794) في كتابه البرهان في علوم القرآن.
3 - السيوطي (ت:911) في الإتقان في علوم القرآن..
4 - القاسمي (ت:1332) في مقدمة تفسيره محاسن التأويل.
وهناك غيرهم من اللاحقين والمعاصرين.
الموضوعات التي طرقتها المقدمة:
وتنقسم أفكار هذه الرسالة إلى:
* بيان الرسول صلّى الله عليه وسلّم معاني القرآن وألفاظه للصحابة.
* اختلاف التنوع والتضاد في تفسير السلف.
* سبب الاختلاف من جهة المنقول ومن جهة الاستدلال.
* أحسن طرق التفسير.
* التفسير بالرأي.
مع طرحه لبعض المسائل العلمية المتعلقة بالتفسير وكتب التفسير أثناء هذه الموضوعات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق