شرح الأصول الثلاثة وأدلتها
للإمام الشيخ العلامة المجدد محمد بن عبد الوهاب التميمي
تأليف الشيخ العلامة
محمد بن صالح العثيمين
اعتنى به: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة
تمهيد/ هذا الكتاب النفيس هو بيانٌ مُبسَّط للأصول الثلاثة الواردة في حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه مرفوعاً، وهو حديثٌ طويل عند الإمام أحمد وغيره، وفيه: أن العبد إذا وُضع في القبر يأتيه ملكان؛ فيسألانه ثلاثة أسئلة، وهي: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟
فأما المؤمن؛ فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم؛ فيُفتح له بابٌ إلى الجنة، فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجل قيام الساعة، كيما أرجع إلى أهلي ومالي، فيقال له: اسكن.
وأما الكافر أو المنافق؛ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيُقال له: لا دريت ولا تلوت، ويُفتح له بابٌ إلى النار، ويمهد له فراش من النار؛ ويأتيه من عذابها وسمومها.
والأصول: جمع أصل، وهو ما ينبني عليه غيره، قال تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله كلمةً طيبةً كشجرةٍ طيبةٍ أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء}، والأصول الثلاثة هي الأمور التي يُسأل عنها العبد في قبره، وعليها مدار النجاة والفوز؛ لأنها توضح حق الخالق على المخلوق من استحقاق العبادة والخضوع والتذلل.
ومعلومٌ أن فتنة القبر هي آخر فتنةٍ يلقاها الإنسان بعد موته، وجاء في الحديث الصحيح عند مسلم: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر المُصلي إذا تشهَّد أن يستعيذ بالله من أربع، يقولُ: (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ).
وقد ضمن المؤلف رحمه الله هذا الكتاب جميع أصول العقائد الإيمانية، مدعَّمة بالشواهد القرآنية وقد بلغ عدتها ( 50 آية من كتاب الله تعالى)، والأحاديث النبوية وقد بلغ عدتها ( 10 أحاديث نبوية)، وذكر فيها بعضاً من أقوال السَّلف، عن خمسةٍ من العلماء الأجلاء، وهم: الإمام الشَّافعي فيما أُثر عنه، والإمام البُخاري في "صحيحه"، ونقل عن ابن كثير والبغويِّ من المُفسرين، وكذلك عن الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى.
وأما المؤلف رحمه الله؛ فهو الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي، ولد سنة (1115 هـ)، وكان جده سليمان عالم نجدٍ في زمانه، وكان رحمه الله صاحب دعوة تجديد في الجزيرة العربية وما حولها، وكان يدعو إلى توحيد الله عز وجل، وإفراده بالعبادة، ويدعو إلى إنكار البدع والمنكرات، ويذمُّ أهل الأوثان من القبوريين، عبدة الأصنام والطواغيت، وقد تأثر رحمه الله بشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله تعالى، واستمر في دعوته المباركة حتى توفي عام (1206 هـ).
ومما يُلاحظ في هذا الكتاب حرص المؤلف رحمه الله على ذكر الأدلة، وشفقته الشديدة على من يدعوه، وتمام عنايته بالمخاطب، وتلطُّفه في القول، وقصده الخير له، وحرصه الشديد على هدايته، ويظهر ذلك في كثير من الجمل الدُّعائية، والهدايات الإيمانية، والتنبيهات الشرعية في الكتاب، مثل (اعلم رحمك الله. اعلم أرشدك الله لطاعته… ) وكل هذه الدعوات تتضمن الطاعة لله وللرسول، والاستقامة على الحق.
وأما شرح الشيخ ابن عثيمين، فهو من أجمل وأفضل شروح هذه المادة، لسهولته، وإمكان فهمه من العامي وطالب العلم، فكانت أنفاس الشيخ رحمه الله مباركةً طيبة في هذا الكتاب، فرحم الله هؤلاء العلماء الأجلاء، وجزاهم عنا خير الجزاء.
وإذا أردنا تبسيط هذه المادة واختصارها؛ فنقول:
1-أن المسائل التي ذكرها الشيخ رحمه الله تشتمل على الدين كله؛ فقد تضمنت قضية "المعرفة" (معرفة الله، ومعرفة رسوله، ومعرفة دينه)، والتي تتضمن توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات. وقضية "العمل" وهي العبادة الشرعية، و "الدعوة" إلى هذا المنهج المبارك، و"الصبر على الأذى"، وهي مجموعةٌ في سورة العصر.
2-أن تعلم هذه المسائل فرضٌ على كل مسلمٍ ومسلمة، ولا ينبغي لمن دخل في هذا الدين أن يجهل هذه المسائل الضرورية من دين الإسلام، وتشتمل على مسائل في العبادة والتوحيد والقصد.
3-أن كل نوع من أنواع المعرفة لها طرق تؤدي إليها، وهي أربعة أدلة: (الأدلة الثابتة من الكتاب والسنة) وتُسمى الأدلة السمعية، و (ما ثبت بطريق العقل من النظر والتأمل والقياس) وهي الأدلة العقلية: كدليل "الخلق"، و "دليل الإبداع" ودليل "العناية، و (ما ثبت بطريق الخلقة الجبلية والشعور الداخلي) وهي دليل الفطرة: فيعلم الإنسان بفطرته أن الله واحدٌ، وأنه لا بُد لها الكون من خالق، و (ما ثبت بواسطة الحواس من السمع والبصر والإحساس التي تتفاعل مع الآيات الكونية) وهي الدليل الحسي.
4- أن كل نوع من أنواع المعرفة لا بُد لها من لوازم ينبغي العمل بها واعتقادها، لأن العلم بلا عمل لا قيمة له، فالذي يتعلم ولا يعمل يكون علمه حجةً عليه يوم القيامة، وأقل ذلك العمل "الامتثال"، ويدخل في ذلك العبادات الخاصة (التي يقتصر نفعها على المكلف نفسه كالصلاة والصوم والحج)، والعبادات المتعدية (التي يتعدى نفعها إلى الغير؛ كالزكاة، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
5- أن العمل هو الثمرة الناضجة لهذا العلم، ولذلك فإن (معرفة الله يترتب عليها أمورٌ، منها: قبول شرعه -والإذعان والانقياد له -وتحكيم شريعته)، و(معرفة النبيِّ صلى الله عليه وسلم يستلزم: معرفة اسمه ونسبه -وسيرته وأصحابه -ومكانته -وشريعته -وقبول ما جاء به -وتصديق فيما أخبر به -وامتثال أمره -واجتناب نهيه -واعتقاد عصمته في الأمور التي بلغها عن الله -وتحكيم شريعته -والرضى بحكمه)، و(معرفة دين الإسلام يستلزم: معرفة أركانه -وحقيقته -ودعوته -والأمور التي تناقضه -وأنه ناسخٌ لجميع الأديان).
6-أنه لا بُد من الدعوة إلى هذا العلم، وتعليمه لمن لا يعلمه، والإخلاص في هذه الدعوة، وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُرسل أصحابه ليُعلموا الناس التوحيد والقرآن، منهم مُصعب بن عُمير، وعلي بن أبي طالب، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن أم مكتوم، ومُعاذ بن جبل، وغيرهم، فكانوا يدعون إلى منهاج الله وشريعته، بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا بُد من الرفق في الدعوة؛ لأنها تُزيِّنُ الداعي، بينما الشدة تُشينه في عيون الناس، ومجالات الدعوة كثيرة، منها: الدعوة بالمحاضرة، وبالخطابة، وبالمقالة، وبحلقات العلم، ودروس التحفيظ، وبالتأليف والنشر، وبالقدوة الحسنة، وبمجالس المناقشة والحوار، وبكفالة داعية، وبإنشاء مراكز دعوية، وعقد اللقاءات، وإنشاء الجمعيات القرآنية، ودعمها وهكذا.
7-ولا بُد أيضاً من الصبر على الأذى القولي والفعلي في سبيل هذه الدعوة، قال تعالى: {ولنصبرنَّ على ما آذيتمونا}، ولا بُدَّ من احتساب ذلك في سبيل الله، لأننا أسباب هداية، {إنما أنت مُنذر ولكل قومٍ هاد}، وقد صبر نوحٌ على قومه يدعوهم (950 سنة)، وذُكر أن مجموع من ركب مع نوح (83) إنسان، فالداعية يصبر ويحبس نفسه لله، وأفضل الرسل بعد محمد صلى الله عليه وسلم وهو إبراهيم عليه السلام، قال الله تعالى فيه: {فآمن له لوط} أي لم يؤمن به إلا إنسان واحد. وهذا الأمر لم يجعله يتوانى أو يُقصِّر في دعوته، قال تعالى: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}، بل لا بُد أن يكون نشيطاً في الدعوة إلى الله وإن أوذي، وقد قال الله لنبيه: {ولقد كُذبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا}، ولا بُد من معرفة الطريقة المناسبة للدعوة عن طريق معرفة حال المدعوين.
وقد نُظم هذا المتن المبارك في أبيات شعرية عددٌ من الفضلاء، ومن ذلك:
1- منظومة "إسراج الخيول بنظم القواعد الأربع وثلاثة أصول"؛ للشيخ سعيد بن إبراهيم الشريم، وقد جمع فيها بين القواعد الأربع التي هي متممة للأصول الثلاثة.
2-منظومة "الخير المأمول في نظم الثلاثة أصول"؛ لمحمد بن مُطهِّر كُليب.
3-النظم المختصر للأصول الثلاثة؛ للشيخ محمد القرشي.
4-نظم ثلاثة الأصول؛ للشيخ عبدالرحمن بن نجاح آل طاجن.
وقد شرح هذا الكتاب الكثير من العلماء، من ذلك:
1- دليل المُعلم في شرح الأصول الثلاثة، للشيخ عبد العزيز بن داخل المطيري (مشرف معهد آفاق).
2-تيسير الوصول إلى شرح ثلاثة أصول، للشيخ د. عبد المحسن محمد القاسم.
3-شرح الأصول الثلاثة؛ للشيخ علي بن خضير الخضير.
4-شرح الأصول الثلاثة؛ للشيخ صالح بن فوزان الفوزان.
5-شرح الأصول الثلاثة؛ عبد السلام السليمان، مؤسسة الرسالة.
6-شرح الأصول الثلاثة؛ للشيخ محمد بن صالح العثيمين، دار الثريا.
7-شرح الأصول الثلاثة؛ للشيخ محمد حسان.
8-شرح الأصول الثلاثة؛ هيثم بن محمد سرحان (مشرف على موقع التأصيل العلمي).
9-إفادة المسئول عن الثلاثة أصول؛ صالح بن عبد الله العصيمي.
10-شرح الأصول الثلاثة؛ للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ.
11-شرح الأصول الثلاثة؛ للشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي.
12-شرح الأصول الثلاثة؛ للشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك.
13- شرح الأصول الثلاثة؛ للشيخ أحمد بن عمر بازمول.
14-المحصور شرح الأصول الثلاثة؛ للشيخ عبد الله بن محمد الجهني.
15-شرح الأصول الثلاثة؛ للشيخ خالد بن عبد الله المصلح.
وقد ترجم هذا الكتاب إلى عدة لغات، منها:
1-الكردية، ترجمه: شروقه كرنا كتابا الأصول الثلاثة؛ لملا جليل صادق.
2-الإنجليزية، ترجمة محمود مراد، المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد,
3-الفرنسية، ترجمة أبو أحمد الجزائري.
4-السوننكية؛ للشيخ يعقوب جاخو.
ومن الشروح الصوتية أو المسموعة:
1-الشيخ منصور الصعقوب.
2-د. عثمان الخميس.
3-أحمد بن عمر الحازمي.
4- أ. د. أحمد القاضي.
4-د. سليمان الرحيلي.
5-د. عبد الرزاق البدر.
6- د. هيثم سرحان.
7- الشيخ محمد الصاوي.
8- الشيخ ماموستا علي خان.
9- وليد راشد السعيدان.
10-الشيخ علي الرملي.
11- محمد سعيد رسلان.
12- الشيخ عبد الله نيني المغربي.
فوائد مختصرة من شرح الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى:
1- الجار والمجرور في (باسم) متعلق بمحذوف: "فعل"، "مؤخر"، "مناسبٌ للمقام"، تقديره: "أكتب أو أصنف"، وقدرناه فعلاً لأن الأصل في العمل الأفعال، وقدرناه مناسباً؛ (لأنه أدل على المراد)، وقدرناه مؤخراً لفائدتين:
أ- التبرك بالبداءة باسم الله سبحانه.
ب- إفادة الحصر؛ لأن تأخير العامل (الفعل) يُفيد الحصر؛ أي: لا أبدأ إلا باسم الله.
-الرحمن: اسم من أسماء الله عز وجل المختصة به، ومعناه ذو الرحمة الواسعة، والرحيم: اسمٌ من الاسماء المشتركة، وهو في حق الله أنه ذو الرحمة الواصلة.
-العلم: هو إدراك الشيء على ما هو عليه، ومراتب الإدراك ستة:
أ- العلم، وهو ما تقدم تعريفه.
ب- الجهل البسيط: وهو عدم الإدراك بالكلية.
ج- الجهل المركب: وهو إدراك الشيء خلاف ما هو عليه.
د- الوهم: وهو إدراك الشيء مع احتمال الضد الراجح.
هـ-الشك: وهو إدراك الشيء مع احتمالٍ مُساوٍ.
و-الظن: وهو إدراك الشيء مع احتمال ضدٍّ مرجوح.
-إذا جاءت الرحمة مفردةً كانت بمعنى المغفرة لما مضى من الذنوب، وإذا اقترنت الرحمة بالمغفرة، كان معناها التوفيق للخير، والسلامة من الذنوب في المستقبل، وتكون المغفرة لما مضى من الذنوب. والدعاء بالرحمة: هو الرغبة في حصول النجاة من المحذور، والفوز بالمطلوب.
- من أنواع العبادة التي لا تنبغي إلا لله عز وجل:
1-الدعاء: دعاء المسألة (فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل)، ودعاء العبادة (بالرغبة فيما عند الله من الأجر والمثوبة).
2-الخوف: وهو التعبد لله بالرهبة منه ومن عقابه، ويخرج من ذلك الخوف الجبلي كخوف الإنسان من السبع، والنار، والغرق. والرجاء: وهو الرغبة المتضمنة للذل والخضوع، وهو بهذا المعنى لا يكون إلا له وحده.
3-التوكل على الله: وهو الاعتماد على الله، والثقة بموعوده في جلب المنافع ودفع المضار، مع الأخذ بالأسباب، وهو من تمام الإيمان وعلامة صدقه.
4-الرغبة وهو رجاء حصول شيء محبوب، والرهبة: وهو خوف حصول أمر مكروه، والخشوع: وهو الذل والتطامن، والإنابة: وهي دوام الرجوع إلى الله تعالى بالقيام بطاعته وترك معصيته، وهي أدقُّ من التوبة؛ لأنها مقرونة بالمحبة والتعظيم، فهي تأتي مع الطاعة، وأما التوبة: فهي الرجوع بعد المعصية.
والفرق بين الرغب والرجاء: أن الرجاء هو الرغب المستمر، والفرق بين الخوف والرهب: أن الخوف هو الرهب المستمر، والخشية هي الخوف المقرون بالعلم بعظمة الله وسلطانه، وقد جمع الله بينهما في قوله: {ويخشون ربهم ويخافون سوء الحسابْ}.
5-الاستعانة بالله: وهو طلب العون من الله، وهي تتضمن كمال الاعتماد على الله، وتفويض الأمر إليه، واعتقاد كفاية الله للعبد، والاستعاذة بالله تعالى: وهي طلب الإعاذة والحماية من الله تعالى لتوقع مكروه أو حصوله. واللوذ إلى الله: وهو اللجوء إلى الله تعالى لجلب نفع للإنسان، وتيسير مصالحه في دنياه وآخرته. والاستغاثة بالله: وهو طلب الغوث من الله لوقوع شدةٍ أو توقع هلاك.
6-الذبح لله: وهو إراقة الدماء تقرباً إلى الله تعالى. والنذر لله تعالى: وهو أن يُلزم العبد نفسه بفعل قربةٍ لله تعالى لا تجب عليه في الأصل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق