كيف تحافظ على صلاة الفجر
د. راغب السرجاني
كتاب إلكتروني- موقع قصة الإسلام
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة
تمهيد/ إن الفجر وقتٌ شريف، فهو الزمن الذي ينقلبُ فيه حال كل الدنيا من الضد إلى الضد، أعني أنه ينقلب حالها من الظلمة إلى النور، ومن الموت إلى الحياة، ومن الخفاء إلى الظهور، فالذي يشهد هذه الصلاة، يكون قد شهد هذه الآيات الكونية كلها، فيوقن بعظمة الله وقدرته، ثم هو يوقن بضرورة التغيير في بداية هذا اليوم ليخرج من ظلمات الكسل ورعونات النفس وتثبيطاتها إلى فضاء الطاعة ونور الإيمان وإشراقه مع الهواء البارد والنسيم العليل، الذي يُلامس ببرودته حرارة الإيمان؛ فيزيده تألُّقاً ونضارةً.
وصلاة الفجر وهي الفريضة الغائبة في قاموس كثيرٍ من المسلمين، الذين اعتادوا ترك أدائها جماعةً لسنوات طويلة، تُعدُّ الاختبار الحقيقي لقياس مدى موافقة إرادة العبد لمراد الرب سبحانه، وتقيس مدى صحة القلب من علل النفاق وأمراضه، فيظهر بها مدى تفوق منسوب النفاق على الإيمان أو العكس، وعلى قد صعوبة هذا الاختبار على النفوس التي اعتادت الخمول والكسل، ولكنه ليس مستحيلاً لا يُمكن اجتيازه، فهي أبسط اختبار يقيس مدى تمكُّن الإيمان من القلب.
وقد فاجأتني المقدمة الرائعة من الدكتور راغب والتي ربط فيها بين الأماني والحقائق، في ظل هذا الحماس الشديد من قبل الشباب المثقف والطامح، والذي قد يتهاون في بعض الصلوت، ويتكاسل، وهي لُب التغيير ومحوره؛ فيقول في "المقدمة" حاكياً أحوال كثيرٍ من الناس:
وقف يتحدث في تلك الأمسية بحماسة شديدة عن أحلامه بتمكين دين الله في الأرض، وعن أمانيه في أن يرى شرع الله عز وجل يسود العالمين.. وتساءل في تعجب لماذا يتراجع المسلمون عن مكانتهم التي أرادها الله لهم؟ ولماذا يتبعون غيرهم؟ ولماذا يعطون الدنية في دينهم؟ ولماذا يوالون أعداءهم؟ ولماذا....؟! ولماذا....؟! ولماذا....؟!
طرح أسئلة كثيرة في محاضرته البليغة، ووضع على أكتاف مستمعيه واجبات جسام.. وأسهب في التحليل والتنظير والاستنتاج...
ثم في الصباح لم أجده في صلاة الفجر بين صفوف المصلين.. فقلت لعل هناك ظرفاً ظارئاً أو أمراً عارضاً، وفي اليوم التالي لم أجده مرة أخرى في نفس الصلاة, فشعرت بالقلق عليه، وباللهفة لمعرفة أخباره، وخشيت حقاً أن يكون قد أصابه مكروه.
بحثت عنه حتى وجدته، وتساءلت في لهفة: ماذا حدث؟! لعل المانع خيراً.. افتقدتك في صلاة الفجر!!.. قال لي في بساطة لا تخلو من خجل: اعذرني يا أخي.. يغفر الله لي ولك.. "ظروفي" صعبة، وعملي مبكر، وأنام متأخراً، والله غفور رحيم!!
وقفت مشدوهاً أمام كلماته!!.. وتملكتني الحيرة.!!. وتساءلت في نفسي: كيف يطلب التمكين في الأرض من فرط في فرض من فروض الله عز وجل؟! شعرت بغليان في صدري، وضيق في نفسي، وغصة في حلقي.. أردت أن أفعل شيئاً.. أي شئ.. فكان ذلك الكتاب!
وبعد مقدمات جميلة ساقها المؤلف حفظه الله، ينتقل بنا إلى الخصائص المُميزة لصلاة الفجر، وقد حصرها في عشر خصال، نذكر منها سبعاً:
أولاً: صلاة الفجر أجرٌ بلا حدود؛ فالذي يُحافظ عليها يأخذ أجر الصلوات المعروفة، بالإضافة إلى تحصيل مزايا هذه الصلاة، التي تنفرد بها عن غيرها من الصلوات، ومنها: (من صلى الصبح في جماعة -يعني مع العشاء -فكأنما قام الليل كله)، وهي مصدر من مصادر النور التام يوم القيامة؛ والوعد الصريح بالجنة، لحديث: (من صلَّى البردين دخل الجنة).
ثانياً: تضييع صلاة الفجر يعني ضنك المعيشة، وتكدُّر الحياة، بالإضافة إلى العقاب الأخروي الذي يلقاه كل من ينام عن صلاةٍ مكتوبة.
ثالثاً: أن نافلتها أعظم من الدنيا وما فيها، وإذا كان هذا فضل نافلتها كيف بصلاة فريضتها، فيا باحثاً عن قيراط بسيط في الدنيا كيف تنام عن ما هو خير من الدنيا جميعاً.
رابعاً: أو وقتها وقتٌ مشهود، والذي يشهده خلق عظيم من خلق الرحمن سبحانه وتعالى، وهم الملائكة الكرام.
خامساً: أن من يُصلي الفجر يكون في حفظ الله عز وجل، ويمكن الاستفادة من هذا الوقت في تعلُّم أحكام الدين والإيمان، والعلم النافع، لأن القلوب نقية في هذا الوقت، والعقول متفتحة.
سادساً: أن صلاة الفجر هي دورةٌ تدريبيةٌ روحية يومية، من خلال تلاوة القرآن، وقراءة الأذكار، الأمر الذي يبعث على النشاط والتفاؤل، وتضمن لصاحبها خاتمة السعادة.
سابعاً: أنه في كل خطوةٍ إليها تحصل البركة في دنيا العبد وآخرته، ومعاشه وتجارته وعمله، وسفره، وجهاده، ورباطه في سبيل الله سبحانه،
من الوسائل المُعينة على أداء صلاة الفجر في جماعة:
الوسيلة الأولى: الإخلاص:
والإخلاص لله عز وجل يكون بحرصك الشديد على أن ترضي الله عز وجل، وهذا الأمر يحتاج إلى مواظبة وجهاد واجتهاد ومثابرة على هذه النية.
الوسيلة الثانية: العزيمة:
فارفع من همتك، وعظم قدوتك، وكون أهدافك، وضخم طموحاتك؛ فاقتد بالصالحين من هذه الأمة الصحابة الأوائل والسلف العظام، ودعك من المثبطين والمتخاذلين من المتأخرين.
الوسيلة الثالثة: احذر الذنوب:
ذنوب في عينيك.. أو ذنوب في لسانك.. أو ذنوب في علاقاتك بالناس.. أو ذنوب في علاقاتك بالوالدين.. أو ذنوب في القلب من كبر أو عجب أو حسد أو غضب أو رياء… ثم لا تستصغرن ذنباً من الذنوب.. فقد يكون هذا الذنب هو السبب في ضياع صلاة الفجر.
الوسيلة الرابعة الدُّعاء:
فندعوه سبحانه باستمرار وبإلحاح في كل وقت أن يُيسر لنا القيام إلى صلاة الفجر، وبالذات في أوقات الإجابة المعروفة.
الوسيلة الخامسة: الصُّحبة الصالحة:
ويا حبذا لو كانت هذه الصحبة الصالحة يسكنون إلى جوارك، ويصلون في المسجد الذي تصلي فيه بحي إذا غبت عن الصلاة في يوم من الأيام فإنهم يطمئنون عليك، ويسألون عليك.. وكذلك تفعل معهم..
الوسيلة السادسة: تعلم كيف تنام!!
من خلال التبكير في النوم، والنوم على الهيئة والحالة التي علمنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم النوم عليها، من النوم على وضوء، على الجانب الأيمن، مع تلاوة أذكار النوم،
الوسيلة السابعة: لا تأكل كثيراً قبل النوم!!
وهي وسيلة نافعة للإنسان بصفة عامة، ونافعة له في موضوع الصلاة بصفة خاصة.. والأصل ألا يأكل الإنسان كثيراً طوال فترات اليوم وليس في الليل فقط. لذلك يقول أحد الصاحيين: تأكل كثيراً تنام كثيراً يفوتك خير كثير!.
الوسيلة الثامنة: مذكرات صلاة الفجر!!
وهذه الوسيلة عبارة عن إعداد عدد كبير من الأوراق الكرتونية التي ستكتب فوق كل ورقة منها حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم المحفزة على صلاة الصبح، والموضحة للأجر الكبير والفضل العظيم لهذه الصلاة الهامة، ثم ستضع هذه الأوراق في حجرتك وفي بيتك بحي تذكرك بهذا الفضل فترفع من حماستك وتعلي من همتك، وتقوي من عزيمتك على الاستيقاظ في صلاة الفجر.
الوسيلة التاسعة: الأجراس الثلاثة!
الجرس الأول هو المُنبَّه الذي تضبطه على وقت صلاة الفجر، ويستحسن أن تضعه على مسافة بعيدة عنك نسبياً، بحيث تضطر إلى القيام إليه، والجرس الثاني هو الهاتف أو التيلفون، ومن النصائح الهامة في هذا المجال أن لعل صديقك يفتح معك حواراً في التليفون لمدة بسيطة حتى لا تنام مباشرة بعد غلق التليفون، كما أنه من المفيد جداً أن لعل من مسئوليتك أن توقظ غيرك بعد أن تستيقظ.. فشعورك بالمسؤولية تجاه غيرك سيدفعك إلى الإصرار على اليقظة إن شاء الله. والجرس الثالث: هو جرس الباب، وذلك بأن تتفق مع أحد جيرانك في السكن أو في المنطقة أن يرن عليك ويدق عليك جرس الباب لإيقاظك، ولكن لا تنسى أن تخبر أهلك بأن هناك من سيطرق الباب عند الفجر حتى لا تتسبب فزعاً في البيت.
الوسيلة العاشرة: أدعُ غيرك!
وابدأ أول ما تبدأ بأهلك: أولادك وزوجتك وإخوانك والديك.. فعلمهم وحفزهم وساعدهم بكل طاقتك على الاستيقاظ لصلاة الفجر، واعلم أن هذا في حق أهلك ليس فضلاً منك، بل فرضٌ عليك، وتذكر أن كل من صلى الفجر بسببك سوف تأخذ مثل حسناته، ومثل حسنات أولئك الذين سيدعوهم صاحبك إلى الفجر.. مثل أولاده وأصحابه وأحبابه.. وقد يظل هذا الخير ينمو في ميزان حسناتك إلى يوم القيامة.. وهو فضل هائل لا يستوعبه العقل.
وختاماً؛ فالأمة التي تفرط في الفجر في جماعة أمة لا تستحق القيام بل تستحق الاستبدال… والأمة التي تحر على صلاة الفجر في جماعة أمة اقترب ميعاد تمكينها في الأرض ! وأمة الإسلام بغير صلاة الفجر في جماعة أمة غير مرهوبة… لا يستقيم لأمة تطلب العزة والكرامة والنصرة أن تفرط في هذه الصلاة.
ويختم الدكتور السرجاني بقوله: وقد رأيت ملحوظة غريبة وهامة لاحظتها في سورة الإسراء - وهي السورة التي جاء فيها يقول الله عز وجل: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً}،إن هذه السورة التي تتحدث عن قرب ميعاد استبدال بني إسرائيل وإحلال الأمة المسلمة مكانهم، وتسلبهم القيادة للأرض لهذه الأمة المسلمة الجديدة، فلا تُسلم القيادة إلا للذين يُحفظون على صلاة الفجر!.
بل لاحظت ملحوظة أغرب!!.. وهي أنه لم يأت طلب النصرة إلا بعهد الحديث عن صلاة الفجر!.
إن تغيير الله عز وجل لواقع الأرض من الظلم إلى العدل، ومن الفساد إلى الصلاح، يكون في هذا الوقت الشريف، وقت صلاة الصُّبح.
فقد أهلك الله قوم لوط وقت الصُّبح، وكذلك قوم هود، وثمود قوم صالح، ةقد أقسم الله عز وجل بالخيول التي تغدو وقت الصباح، وتُغير على الأعداء، وهكذا الأمر حتى أن عيسى عليه السلام ينزل في وقت صلاة الصُّبح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق