أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 16 نوفمبر 2020

الفطرة مفهومها ٕوامكانية الاستدلال بها على وجود االله ووحدانيته -بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة

الفطرة مفهومها ٕوامكانية الاستدلال بها على وجود االله ووحدانيته  

د. خليل عبد الحميد العبادي

مجلة الدراسات الإسلامية، جامعة العلوم الإسلامية -الأردن


بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة


تمهيد/ إن الناس كلهم مطبوعون على الإيمان الفطري بالله سبحانه؛ ذلك أن الفطرة شيء ضروري، لا ينفك عنها إنسان بحال، وهذه الفطرة تجعل الإنسان مُهيئاً وصالحاً لفهم حركة الوجود المتناسقة بسلاسة، ومعرفة مدى انسجامها مع الشريعة الإلهية، ونمط الحياة البشرية. 

واعلم أن الإنسان لو تُرك على فطرته السليمة، دون وجود عوامل خارجية تؤثر فيه، لتوصل لحقيقة وجود االله تعالى. وهذا ما أثبته ابن طفيل في قصة حي بن يقظان؛ كيف نشأ في الغابة لوحده مع الحيوانات ثم تدرج في معرفته حتى وصل إلى حقيقة مفادها أنه "علم بالضرورة أن كل حادث لا بد له من محدث وخالقٍ لهذا الكون العظيم.  

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى": "ونحن إذا قلنا أنه ولد على فطرة الإسلام أو خلق حنيفًا، فليس المراد به أنه حين خرج من بطن أمه يعلم هذا الدين، فإن اللَّه أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً، (يُشير بذلك إلى قوله سبحانه: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (النحل: 78)).

قال: ولكن فطرته مقتضية موجبة لدين الإسلام، ولمعرفته ومحبته، ومن ظن أن البشر خلقوا خالين من المعرفة والإنكار من غير أن تكون الفطرة تقتضي ً واحدا منهما، بل يكون القلب كاللوح الذي يقبل كتابة الإيمان وكتابة الكفر، فهذا القول فاسد؛ لأنه حينئذ لا فرق بالنسبة إلى الفطرة بين المعرفة والإنكار، والتهويد والتنصير، فكان ينبغي أن يقال: ُيسلّمانه ويهودانه… ".

والمتأمل لهذه الفطرة، يجدها شعورٌ يتدفق من أعماق النفس ونورٌ يتصاعد من داخل الوجدان ليصل العين بالرؤية الصافية لجمال الخلق، وشهود بديع صنع الله في الكون، كما يُضفي على النفس مسحةً كريمة من الأخلاق الراقية الرفيعة. ولهذا وغيره تجد الشيخ علي الطنطاوي يضع بين قواعد العقائد التي ذكرها في كتابه "تعريف عام بدين الإسلام" قاعدة مفادها: "في قرارة كل نفس بشرية إيمان فطري باالله أكيد".

ولذا كانت الفطرة هي الصفحة البيضاء النقيَّة التي ترنو إلى الأوبة الدائمة والعودة الحقيقية إلى الرب الخالق، الذي يُمدُّ هذا العالم بالأمن والسكينة، ويحمي النفس من الشرور والأذى، ويُسخر لها النعم، ويشملها بالعطايا والمنح.

قال الله عز وجل {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الروم: 30).

وفي بيان أن الفطرة الناصعة هي الخير الكُليِّ الذي يسكن في ربيع القلوب الطيِّبة، والنَّبع الصافي الذي لم تُكدره أتربة الذنوب وغبار الشرك والبدعة. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "إن فقر المخلوقات إلى الخالق، ودلالتها عليه وشهادتها لهو أمر فطري فطر االله عليه عباده، كما أنه فطرهم على الإقرار به".

فالفطرة -إذن -هي التوحيد الخالص في صورته الأولى حيث مسح الله سبحانه ظهر آدم، فاستخرج منه ذريته، وأشهدهم على أنفسهم بربوبيته سبحانه واستحقاقه للعبادة، فأقروا له بذلك؛ فكانت الفطرة صورةً من صور توحيد الربوبية.

وحول هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولما كان الإقرار بالصانع فطرياً، فإن الفطرة تتضمن الإقرار بالله، والإنابة إليه، وهو معنى لا إله إلا االله فإن الإله هو الذي يعرف ويُعبد"، إذا كانت هذه هي الفطرة فلا شك أنها تُعد دليلاً لإثبات وجود االله ووحدانيته - سبحانه وتعالى.

  وإذا هُدي الإنسان بفطرته الصافية عن الشوائب إلى هذا الدين الفطري، فاض قلبه إيماناً وحُباً لله، وتعظيماً لله سبحانه، إلا إذا طرأ على هذه الفطرة ما يُبعد صاحبها عنها؛ كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (ما من مولودٍ إلا يُولد على الفطرة، فأبواه يُهودانه، أو يُنصرانه، أو يُمجسانه).

أما من بقيت فطرته صافية نقيَّة، فإن أعضاءه ستشرق بنورها الأول، حيث تخضع الجوارح طاعةً وإذعاناً لأمر الله وقضائه؛ ويتفجر القلب خوفاً ورجاءً، ورغبةً ورهبة، ويُحسُّ هذا الإنسان بالافتقار الشديد إلى الله سبحانه.

 وفي عصرنا الحالي حيثُ طغيان المادة، والعقل تزداد حاجة الإنسان إلى تعميق الجانب الفطري الجبلي بعيداً عن المسالك العقلية الجافة، وقضية ردِّ الشُّبهات مع أهميتها إلا أنها تأتي في المرتبة الثانية من علوم التوحيد والعقيدة، فإذا سقطت هذه الخمائر والحُجب التي تشكل الغلاف السميك على هذه الفطرة؛ فإنها بالتأكيد ستثمر المزيد من القرب من الله عز وجل، ونحن على ثقة أن دليل الفطرة سيُحرر الكثيرين من الشبهات الفلسفية الوافدة، وتُبدد الكثير من الشكوك والأوهام، إذا تمخض هذا الإيمان الفطري عن التسليم المطلق للخالق العظيم سبحانه وتعالى.

وقضية وجود االله تعالى رغم أنها قضية فطرية ضرورية، يشترك في إدراكها الإنسان في أمريكا مع الإنسان الذي في الصين؛ إلا أن الإنسان بعقله الضعيف العاجز حاول بحثها منذ وجوده، بأبسط الأدلة وأعمقها، وحاول إقامة البراهين العقلية عليها بالرغم من كونها بديهية يدركها كل أحد، وقد أرشدنا القرآن الكريم في معرض حديثه عن إثبات وجود االله تعالى ووحدانيته إلى الرجوع إلى الإحساس الداخلي المتمثل بالفطرة الموجودة داخل كل  إنسان، وما هذه الدراسة إلا دعوة إلى العودة إلى هذه الفطر السليمة ونبذ كل ما خالطها من أفكار إلحادية ومادية.

  • نتائج هذه الدراسة:

أولاً: أن الفطرة السليمة الباقية على أصولها مع العقل السليم المنضبط بالإضافة إلى الحواس والخبر الصادق مصادر يعاضد بعضها بعضاً للاهتداء إلى خالق هذا الكون وصفاته  

ثانياً: للفطرة دور كبير في التعرف على الخالق جل وعلا والتعرف على بعض كمالاته وصفاته من العلو والقدرة والسمع والبصر والحياة.  

ثالثاً: لو تُركت الفطرة دون مؤثرات خارجية لاهتدت إلى وجود ربها وخالقها سبحانه وتعالى.

من الدراسات العلمية التي سلطت الضوء على هذا الموضوع:

  1. رسالة ماجستير تحت عنوان: "الفطرة والعقيدة الإسلامية"، جامعة الملك عبد العزيز؛ لحافظ جعبري.  

  2. رسالة ماجستير "خطاب القرآن الكريم للفطرة الإنسانية ودلالته على وجود الله"، جامعة آل البيت، لمحمد سليمان الواردات.

  3. بحث مُحكَّم بعنوان "موقف الشيخ ابن عثيمين من الاستدلال بالعقل والفطرة على أصول الاعتقاد"؛ خلال ندوة علمية لجهود الشيخ ابن عثيمين، للباحثة شريفة الحازمي.








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق