دور التربية الإسلامية في الحفاظ على الفطرة السليمة
وسبل تعزيزه من خلال المؤسسات التربوية
إعداد الطالبة:
أسماء عودة عطا الصوفي
رسالة ماجستير -الجامعة الإسلامية، غزة/ فلسطين
اختصره: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة
تمهيد/ من جماليات هذا الدين الحنيف (الإسلام) أنه يُحافظ على الفطرة الإنسانية، ويضعها على خط الاعتدال بلا إفراط ولا تفريط، وذلك أن الفطرة هي الخلقة التي يكون عليها كل موجود أول خلقه، وبعبارةٍ أخرى الفطرة في جوهرها هي التوجه نحو الخير والتوحيد، فالإنسان مخلوق موحد بالفطرة.
وحيث إن الفطرة هي النظام التكويني الذي أوجده الله تعالى في كل مخلوق منذ إنشاء خلقه؛ فلا يختص بها نفر من الناس دون آخرين، أو زمان دون زمان، وإنما الفطرة التي قرن بها الدين الإسلامي مشتركةٌ بين الناس جميعاً، حيث قال ربنا: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله} (الروم: 30)، كذلك فإن الفطرة في مدلولها القرآني والنبوي لم تخرج عن نطاق مفهوم التوحيد الكلي لله تعالى.
ونلاحظ في تساؤلات الأطفال الصغار ما يدلُّ على هذه الفطرة، مثل قولهم: من خلق السماء؟ ولماذا هي زرقاء؟ وأين تذهب الشمس ليلاً؟ ولماذا لا يظهر القمـر في النهار؟ وغير ذلك من الأسئلة، فهذه الأسئلة كلها علامات تدل على الفطرة؛ فما الذي يدفع هؤلاء الأطفال إلى إلقاء هذه الأسئلة؟ إنها الفطرة المغروسة في أعماق نفوسهم؛ وهي بهذا الاعتبار تُشكل الاستعداد لقبول الخير والعلم.
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "الفطرة هي السلامة من الاعتقادات الباطلة، والقبول للعقائد الصحيحة"، فهي تعني السلامة والاستقامة، والتوجُّه نحو التوحيد ومعرفة الخالق سبحانه وتعالى.
والفطرة في المنزع السلوكي، هي الاستقامة والرحمة ومحبَّة الخير للعالم، قال ابن القيم رحمه الله: "الفطرة فطرتان: فطرة تتعلق بالقلب وهي معرفة االله ومحبته وإيثاره على ما سواه، وفطرة عملية وهى الخصال، فالأولى تزكي الروح، وتطهر القلب، والثانية يها تطهر البدن وكل منهما تمد الأخرى وتقويها".
كذلك فإن الفطرة هي أحد أهم الطرق والمسالك التي يمكن من خلالها الكشف عن مقاصد الشريعة الإسلامية وتحديدها، وهي مؤثر مهم في الترجيح بين المقاصد حال تعارضها؛ حيث يستطيع الإنسان أن يُميز بين الخير والشر، والحق والباطل بمعناها الكلي.
وعن دور الأسرة -وهي أولى المؤسسات التربوية المسؤولة عن رعاية الفطرة-يتحدث الإمام أبو حامد الغزالي: "الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش فيه، ومائل إلى كل ما يمال به إليه ، فإذا عود الخير وعلمه نشا عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له".
كذلك فلابد للمدرسة -وهي المحطة التربوية الثانية -أن تقدم العقيدة الصحيحة والعلم الذي يُناسب قدرات الطفل، وتُساهم في تنقية المناهج من الشوائب التي تؤدي إلي انحراف الفطرة السوية، لأن الإنسان يولد على فطرة سوية، فيشوبها الفساد عن طريق المجتمع الفاسد فتقوم التربية الإسلامية بالدفاع عن الفطرة، ومقاومة كل تلك الانحرافات.
وعلى المجتمع -أيضاً - بما فيه من مساجد وأقران وأبناء الجيل أن يتحمل مسؤولياته في حماية أفراده، والحفاظ على فطرتهم، من أجل الوصول بأبنائنا إلى النجاة في الدنيا والآخرة، وذات الأمر يتعلق بالمجتمع في اختيار الصحبة الصالحة، ووسائل الإعلام المنضبطة،
وخلاصة القول: أنه لا بُد من تربية هذا الجيل على لبنات الخير وأسس الاعتقاد السليم، والعمل على تنقية عقيدة الأفراد وفطرتهم من الخرافات والأوهام والأيدلوجيات المتعارضة مع عقيدة التوحيد والتأكيد على أهمية الربط بين العقيدة والعمل، وبيان أثر ذلك في بناء حضارة إنسانية متوازنة متميزة.
ومن مظاهر موافقة الإسلام للفطرة، ما يلي:
أولاً: الإيمان بوحدانية االله وعبوديته يُلبي حاجة الفطرة، فالإيمان بأنه سبحانه وتعالى مُتصفٌ بصفات الكمال، وأنه منزه عن صفات النقص، وهذا يلبي حاجة الفطرة إلى الكمال واليقين في الإيمان، يلجأ الفرد إليه ويجد بجواره الأمن والأمان، وهذه القضيَّة تتفق تماماً مع دين الإسلام.
ثانياً: الإيمان باليوم الآخر يلبي حاجة الفطرة إلى العدل المطلق الذي يتنافى وجوده في علاقات البشر مع بعضهم على سطح الأرض، فيسعى الإنسان إلى الخير السَّامي حتى يصل إلى الدرجات العلا في الجنة ويلبي حاجته الفطرية إلى العدل المطلق، الأمر الذي حثَّ الإسلام على الإيمان به، ومدح المؤمينن به.
ثالثاً: الإيمان بالأمور الغيبية يلبي حاجة الفطرة في مواجهة المجهول، ذلك أن الرغبة الفطرية تدفع بالإنسان إلى ضرورة الخروج من قيد الحس الذي يقف عنده الحيوان، وتجاوز ذلك إلى الإيمان بالعوالم الأخرى التي تُحيط بنا من حولنا، وهو ما جاء به الإسلام وهو بذلك يُحقق مطلباً من مطالب الفطرة.
رابعاً: الاعتراف بالغرائز يُلبي حاجة الفطرة، فلم يأت الإسلام ليكبت النفس الإنسانية، وإنما جاء ليعطيها المجال لتتحرك وفق الضوابط الإسلامية، كل ذلك يُلبي حاجة الفطرة.
خامساً: القيود التي يفرضها الإسلام هي قيود من الفطرة ذاتها، فهو حين يكف الطاقات الإنسانية دون الإسراف يقيها من العطب والتلف ويتناسق في هذا مع الفطرة ويلبيها.
سادساً: تطبيق الشريعة الإسلامية في الدنيا، يلبي حاجة الفطرة إلى العدل والمساواة وحفظ الحقوق والحدِّ من الظلم، كما أن التشريع موافق للفطرة السليمة.
ما هي الأدلة العقلية التي تدلُّ على أن كل مولود يُولد على الفطرة، التي هي "الإسلام" ؟
الدليل الأول: نزوع الإنسان إلى التديُّن، والإقرار بوجود خالق عظيم وقادر على كل شيء، وهذا الخالق إما أن تكون محبته انفع للعبد أو عدمها أنفع له، والثاني فاسد، وهذه المحبة لما ينفعه إنما تحصل بسبب وجود قوة تعتقد الحق، وتحب النافع وهي الفطرة.
الدليل الثاني: أن دين الإسلام إما أن يكون متماثلاً مع الأديان الأخرى، أو مرجوحاً، أو راجحاً عليها، فالأول والثاني باطلان بدليل نفرة الفطرة منها، وكونها طارئةً عليها، والثالث هو الحق؛ لأن الفطرة توجب رجحانه.
الدليل الثالث: إذا حصل للنفوس مُعَلّم ومخصص، حصلت على العلم والإرادة، ولكن التعليم والتخصيص لوحدهما لا يؤديان إلى العلم والإرادة، لولا وجود قوة في النفس تقبل ذلك وهي الفطرة.
الدليل الرابع: أن هناك قوة في النفس ترجح الحق على الباطل، وهذا دليل على كونها ولدت على الفطرة.
الدليل الخامس: تتميز النفس بالشعور والإرادة، وخلو النفس من الشعور والإرادة ممتنع، لأنه من لوازم وجودها، فمن البدهي أن يكون العبد لديه شعور تجاه خالقه متمثل في محبته وهذا الشعور هو الفطرة.
الدليل السادس: إما أن تكون الفطرة موجبة لمعرفة الحق دون العمل به كحال اليهود، أو العمل دون معرفة الحق كالنصارى؛ حيث قال الله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمتَ عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين} (الفاتحة: 6 -7)، أو موجبة لهما أو لا تقتضي احداً منهما.
"فإن كان الرابع (أن لا توجب معرفة الحق ولا العمل به): فيلزم أن يستوي عندها الصدق والكذب، والاعتقاد المطابق والفاسد، وإرادة ما ينفعها وإرادة ما يضرها، وهذا خلاف ما يعلم بالحس الباطن والظاهر وبالضرورة.
وإن كان الأول: (وهو أن توجب العمل دون معرفة الحق) فيلزم أن يستوي عندها مع العمل أن تعلم وأن تجهل، وأن تهتدي وأن تضل، وأن لا يكون فيها مع استواء الدواعي الظاهرة ميل إلى أحدهما، وهو أيضا خلاف المعلوم بالحس والضرورة.
وإن كان الثاني (أن توجب العمل دون معرفة الحق): فيلزم أن يستوي عنده إرادة الخير النافع والشر الضار دائماً، إذا استوت الدواعي الخارجة، وهذا أيضا خلاف الحس الباطن والظاهر، وخلاف الضرورة، فتبين أنه لا يستوي عندها هذان بل يترجح عندها هذا وهذا جميعاً.
وحينئذ فلا تكون مفطورة لا على يهودية ولا على نصرانية، ويلزم أن تكون مفطورة على الحنيفية المتضمنة لمعرفة الحق والعمل به، وهو المطلوب.
أما عن نتائج هذه الدراسة التي توصلت إليها الباحثة؛ فهي:
1. كشفت الدراسة أن معاني كلمة فطرة ومشتقاتها في القرآن الكريم، لم تختلف عن معانيها في المعاجم اللغوية .
2. أن علماء المسلمين اختلفوا في مفهوم الفطرة إلى عدة أقوال، لكن أكثرهم فسرها بأنها الإسلام.
. 3. أوضحت الدراسة أن الناس مفطورون على التوحيد، وأن فطرة الإنسان خيِّره، وما يطرأ عليهم من انحراف وفساد يرجع لأسباب خارجية طارئة.
4. المقصود بقول الرسول صلى االله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة" أن فطرة المولود تستلزم الإقرار بالله الخالق، وليس المراد بالحديث العلم بالدين.
5. توافق الفطرة التي تتوافق مع خصائص الدين الإسلامي، وهذا يؤكد على أن الفطرة هي الإسلام.
6. بيَّنت الدراسة أن الفطرة تعد أساساً من أسس التربية الإسلامية، وهي عامل مؤثر في غرس الأخلاق الفاضلة لدى النشء وعنصر هام في تشكيل شخصياتهم المتوازنة .
7. أظهرت الدراسة أن للأسرة دوراً جوهريا في الحفاظ على فطرة الأبناء، يبدأ منذ اختيار الزوج لزوجته.
8. ضرورة تضافر الجهود والمؤسسات وتكامل دورها في الحفاظ على الفطرة السليمة لدى أفراد المجتمع.
دراسات أخرى ذات علاقة:
1- الدلالات التربوية المستنبطة من أحاديث سنن الفطرة في الإسلام؛ عبد الرحمن حدايدي.
2- حديث القرآن عن طبيعة الإنسان، أبو سالم.
3- إعجاز القرآن في دلالة الفطرة على الإيمان؛ د. سعد الشهراني.
4-الفطرة في ضوء مصادر التشريع الإسلامي ومقاصده؛ منصور.
5-العقيدة الإسلامية عقيدة عقلية تدفع إليها الفطرة الإنسانية وتدعو إلى الاستقرار النفسي؛ وجدان خليل الكركي.
6-الأساس الفطري في التربية الإسلامية؛ أ. د. أحمد الدغشي.
7-فقه خصال الفطرة؛ عبد الغفور جوهلي.
8-خصال الفطرة في الفقه الإسلامي؛ إبراهيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق