أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 23 نوفمبر 2020

صلاة العيدين في المُصلى هي السُّنة -بقلم محمد ناصر الدين الألباني

صلاة العيدين في المُصلى هي السُّنة

بقلم محمد ناصر الدين الألباني

المكتب الإسلامي، ط 3، 1986 م.


تمهيد/  هذه رسالة لطيفة في بيان أن صلاة العيدين في المصلى هي السنة. قال المؤلف - رحمه الله - «فهذه رسالة لطيفة في إثبات أن صلاة العيدين في المُصلى خارج البلد هي السنة، كنتُ قد ألفتها منذ ثلاثين سنة، رداً على بعض المبتدعة الذين حاربوا إحياءَنا لهذه السنة في دمشق المحروسة أشد المحاربة، بعد أنْ صارتْ عند الجماهير نسياً منسياً، لا فرق في ذلك بين الخاصة والعامة، إلا منْ شاء الله».

وأن هذا الأمر هو المشروع في كل زمانٍ وبلد، إلا لضرورةٍ كمطرٍ ونحوه، وهو مذهب الأئمة الأربعة، واختار الشافعيُّ الصلاة في المسجد إن كان يسعهم، والصحيح قول الجماهير.

وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يواظب على أدائها في (المُصلى)، وهو موضعٍ معروف بالمدينة، قريباً من مقبرة البقيع، (وكان بينه وبين مسجده حوالى ألف ذراع= 640 متر، إلى الجهة الشرقية من المسجد)، وكانوا يجتمعون عند شيءٍ شاخص مثل العلم.

فإذا جاء يوم العيد (الأضحى أو الفطر)، برز الناس من أهل القرى أو المُدن إلى أرضٍ فضاء، بحضرة منازلهم، ضحوةً، أثر ابيضاض الشمس، وحين ابتداء جواز التطوُّع، وهو وقت صلاة العيد.

  • الأحاديث الواردة في الرسالة:

الحديث الأول: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم، ويوصيهم، ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثًا قطعه، أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك.... ". (رواه البخاري ومسلم، وغيرهما).

الحديث الثاني: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كان صلى الله عليه وسلم يغدو إلى المصلى في يوم العيد، والعَنَزة تُحمل بين يديه، فإذا بلغ المصلى نصبت بين يديه فيصلي إليها وذلك أن المصلى كان فضاء ليس فيه شيء يستتر به" (رواه البخاري ومسلم). [العنزة: مثل الرمح القصير].

الحديث الثالث: عن البراء بن عازب قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أضحى إلى البقيع -وفي رواية: (إلى المُصلى)- فصلى ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه، وقال: "إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة، ثم نرجع فننحر؛ فمن فعل ذلك، فقد وافق سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو شيء عجله لأهله ليس من النسك في شيء" (رواه البخاري).

الحديث الرابع: عن ابن عباس قيل له: أشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته حتى أتى العَلَم الذي عند دار كثير بن الصلت (أي: مكانها، وهذه الدار أُحدثت بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم) فصلى ثم خطب، ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة، فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه في ثوب بلال، ثم انطلق هو وبلال إلى بيته" (رواه البخاري ومسلم).

  • فوائد من هذه الأحاديث:

(1) أنه لا يلزم موعظة النساءموعظة خاصة؛ لوجود مكبرات الصوت اليوم، ولكن يُستحبُّ أن يُنوِّهَ بذكر شيءٍ ينفعُهُنَّ في موعظته.

(2) استحباب الصدقة في يوم العيد.

(3) أن السنة في صلاة العيد أن يخرج الإمام والناس لصلاتها في المُصلَّى والصحراء، إلا من عُذر فيُصلي في المسجد داخل البلد.

(4) أن صلاة العيدين في المُصلى أفضل من فعلها في المسجد.

(5) أن أهل (المسجد الحرام) يُصلون في مسجدهم، لأنه لا توجد ساحة قريبة من البيت، ولأن مكة بين جبال لا ساحة فيها.

وقيل: صلاة العيد في المسجد الحرام أفضل؛ لأنه خير بقاع الدُّنيا، فلا يُعدل عنه إلى غيره؟!.

وهذا القول ضعيفٌ من جهة القياس؛ لأن المقصود اجتماع الناس، لا اختيار أفضل البقاع، ولو كان ذلك كذلك لكانت الصلاة في مسجده الشريف أولى من الصلاة خارج المدينة، فإن الصلاة فيه بألف صلاة.

(6) أنه لا علاقة لسعة المسجد وضيقه بصلاة العيد في المُصلى، لأن الناس كانوا يجتمعون في مسجده الشريف صلى الله عليه وسلم لصلاة الجمعة، وكانوا يأتونه من عوالي المدينة وغيرها، ومع ذلك لم يكن ينتقل إلى المُصلى، وهذا أمرٌ ليس عليه دليل.

(7) أن صلاة العيد في المسجد لا تُسمى بدعة، وأنها صحيحة مُجزئة.

(8) وأن تعليل اختيار النبيِّ صلى الله عليه وسلم المصلى دون المسجد، بأنه لم يكن إلا مسجدٌ واحد خطأ، فإن المساجد في المدينة كثير، أشهرها مسجد قباء، والقبلتين، والفتح كما ذكرها الحافظ في الفتح (1/ 445).

(9) جواز صلاة العيد في المسجد، وهو خلاف الأولى، كذلك فإن ترك الناس الصلاة في تلك المساجد يوم العيد وصلاتهم مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في المُصلى، دليلٌ واضح على أنَّ السُّنة صلاتها فيه دون المساجد.

(10) أن الحكمة من الصلاة في المُصلَّى هو شهود دعوة المسلمين، وعطفٌ الأغنياء على الفقراء والتصدق عليهم، وإظهار الفرحة وشعائر الدين، ولإظهار شوكة المسلمين، والتنويه بكثرتهم، واجتماعهم.

----------------------------------------

اختصره: أ. محمد حنونة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق