المشروع الاستعماري تحالفات وأهداف
أنور عبد ربه
القدس- الطبعة الأولى -1993 م
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ استطاع الأوروبيون أن يُطوقوا العالم الإسلامي بعدة أنواع من الأطواق، لا سيما بعد انهيار "الدولة العثمانية"، التي تُمثل الناظم السياسي للأمة الإسلامية في ذلك الوقت، والذي كان النتيجة الحتمية للصراعات الكبيرة بين أمراء العثمانيين بالإضافة إلى أنها خسرت قواها في معارك ضارية بين ملل الكفر لا علاقة لها بها، وتعاون بعض العثمانيين مع الصليبيين واليهود حتى طردوا عبد الحميد الثاني إلى مدينة "سالونيك" اليونانية، وتنازل الأخير عن أمواله المودعة في البنوك الألمانية، تحت ضغط الاتحاديين، وبالنتيجة سقطت هذه الدولة المُعمِّرة، والتي وُصفت في نهاياتها بـ"الدولة المريضة".
وتفرَّق المسلمون إلى شيعٍ وأحزاب، وبرزت كيانات إقليمية هزيلة في مجملها، تتبنى أطروحات قومية أو اشتراكية نكدة، ومرتبطة ارتباطاً بشعاً بتحالفات آثمة ومجرمة، وقامت في مقابلها أحزابٌ أخرى إسلامية كرَّست جهودها في إعادة الحكم العثماني للعالمي الإسلامي، ولكنها جهود مبعثرة وضعيفة، بل غير مُحكمة على أساس متين، وقد استيقظ العالم على الوعد المشؤوم في ثلاثينيات القرن المنصرم، والذي أعطى اليهود الحق في فلسطين، باعتبارها وطن قومي لهم والمُسمَّى بوعد "بلفور"، وكانت هذه آخر صيحات هذه الأمة.
ومن بين تلك الأطواق التي فرضها المستعمر على هذه الأمة: الطوق السياسي والعسكري، فقد أحكموا أمر الأمة بحيث جعلوها عالةً عليهم، ومنعوا عنها كل وسيلةٍ يمكنهم بها أن يُطوروا أسلحتهم وعدتهم، فالسلاح نستورده من الأعداء، ولك أن تتخيل كم هذا السلاح متهالك ومتآكل، وقد خسر العرب العديد من المعارك بفضل هذه الأسلحة المعطلة، والتي دفع المسلمون في مقابلها ثروات طائلة، كذلك فكل أدوات القوة نستوردها من ذلك الكافر، وحتى أبسط الأدوات فإننا نستوردها من مصانعهم ومعاملهم.
ومن المضحك المبكي أننا إذا أردنا أن نُقاتل أعداءنا فإنه يجب أن يوافقوا أولاً، وإذا أرادوا سلاماً فرضوه علينا قسراً، وإذا أرادوا أن يجعلوا قطراً ضعيفاً فعلوا ذلك بمساعدة قطرٍ عربيٍّ آخر، وإذا أرادوا أن يُسلطوا عليه جيرانه كان لهم ذلك بسهولةٍ ويُسر، وهذا كله يجعلهم في وضع المتحكم في أدق الأمور وأكبرها؛ حتى إن أكثر الأقطار الإسلامية تظاهراً باستعصائها على الضغط الخارجي أكثرها تنازلاتٍ خفيَّة، والله المستعان على هذا الزمان.
وفي العالم الإسلامي مناطق وأقطار تحتلها دول كبرى عالمية، وأنظمة تسندها قوى عالمية، ومناطق ضُمت إلى أقطار على رأسها الفجرة الظلمة، كما أن في العالم العربي أنظمة تجسس ساعدت الدول الكبرى في التمكين لها في هذا الشرق المظلوم، كما أن هناك أحزاباً وطوائف ارتدت على أعقابها للحفاظ على مصالحها الزائلة مع هذه القوى المزعومة.
وهذا الكتاب فيه فصلان:
الفصل الأول: بيان أن ملة الأعداء من اليهود والنصارى واحدة، وأن اليهود مُفسدون في الأرض، واعتقاداتهم أفسد العقائد، وذكر أمثلة ذلك في إباحتهم الكذب والخداع، والزنا، والقتل، والشرك بالله، والربا، وغيرها من الموبقات والأمور العظيمة، والإفتراء على رب العزة جل جلاله من كتبهم المعتمدة.
والفصل الثاني: تحدث فيه عن الولاء لليهود والنصارى الذي تتبناه بعض الأنظمة العربية القائمة، وبيان أنواع هذا الولاء، وكذلك العداء التاريخي لليهود لهذه الأمة، وأخيراً النفس المتحمس لإيران الشيعية، وكان هذا في بدايات قيام الثورة المشؤومة للخميني، مما لا نوافق المؤلف عليه، وقد دافع المؤلف عن النظام الإيراني في انضمامه إلى التحالفات العالمية في الوقت الذي يُذبح المسلمين في شتى بقاع الأرض بدعوى التكتيكات الفاشلة في حقيقتها، وقد برز في الحقبة الأخيرة وجه "إيران" الصفوية المُعادية للعرب والمسلمين.
وخلاصة القول في هذا لكتاب: أن الهجوم الغربي المضاد على "دار الإسلام" منذ مطلع القرن التاسع عشر؛ وحتى نشوب الحرب العالمية الأولى، أدى إلى انحسار "الدولة العثمانية" بعد انهيارها قبل ذلك داخلياً بكثرة الصراعات بين أمراء العثمانيين، ومشاركتهم في حربٍ لا مصلحة لهم فيها بين ملل الكفر، وتكدُّس الديون بالربا؛ وفشو ظلم الأتراك للناس، حتى طرد عبد الحميد الثاني في نهاية الأمر إلى اليونان.
ومرت الأمة بحقبةٍ استعماريِّةٍ جديدة، سقطت خلالها العديد من الأقطار تحت رزح الاحتلال الأجنبي ورحمته، وتعرض المسلمون قرابة قرنٍ من الزمان إلى محاولات الإبادة، وتغيير الهوية، والفتن الكثيرة في العقيدة والعبادة.
وما ننتظره الآن هو خلافة راشدة على منهاج النبوَّة لا خلافة تركية، ولا دولة مدنية، ولا حكم علماني، وولا غير ذلك من المناهج الهدامة، والأفكار المنحرفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق