عقائد الصُّوفية
محمود يوسف الشُّوبكي
قسم العقيدة والمذاهب الفكرية -كلية أصول الدين
الجامعة الإسلامية -غزة
إعداد: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ أبى الله عز وجل أن يقبل من صاحب بدعةٍ عملاً حتَّى يدع بدعته، مهما كانت تلك البدعة صغيرة، ومهما حاول أصحابها تقليلها في أعين الناس، فإنها عند الله كبيرة من الكبائر، وما أحطَّ همة المتصوفة حينما يعترضون على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُلقون كلامه وراء ظهورهم كأنهم لم يسمعوه، وإذا سمعوه ألقى إليهم الشيطان بحبال التأويل والتزييف، بل يستكثر غلاتهم أن يرد هذا الحديث فيهم، ويتعجبون إذا أنكرنا عليهم ضلالهم وبدعتهم، ويرون ذلك غيبةً لهم وأكلاً للحومهم، وما دروا أن افتراءهم على الله أعظم من هذا الطعام المباح، وإنما هذا القول منا نصيحةٌ لله أولاً، ولعباد الله ثانياً؛ لئلا يغتروا بهؤلاء المخانيث!!.
وكيف يعجب هؤلاء الكذبة وغيرهم من قولنا فيهم، وتحذيرنا منهم، وهم مثار شرٍّ كبير سرى إلى الأمة؛ ففرق جمعها، ومزَّق كلمتها، وهم الذين يواصلون الليل بالنهار افتراءً على علماء أهل السنة الأكابر: قدحاً، وذماً، وتشنيعاً، وافتراءًا، وقد أساءوا الأدب مع الجناب النبويِّ الكريم، وهم الذين يُزهدون أتباعهم في طلب العلم، ويشغلونهم بالأناشيد الشركية، والسحر، والكفر بالله وبآياته، ويُضللون الأمة بالبدع العملية ويشغلونها فيما لا فائدة فيه من الرقص والاهتزاز والطرب؛ حتى زعم كهنوتهم أن الاشتغال بالعلم بطالةٌ وجهالة، وأن بإمكانهم الاستغناء عن وحي الأنبياء وعلوم الكتاب.
ولما تجرد هؤلاء الظالمين من العلوم الشرعية، حلَّت في قلوبهم العلوم الشيطانية، التي تأتيهم في حالة الغيبوبة والسُّكر إما كشفاً أو ذوقاً أو إلهاماً، وربما يجدونها في المنامات والأحلام، أو وجداً يتسلط به الشيطان على عقولهم، وكل ذلك بلا واسطة؛ فتوحي إليهم الشياطين بالأوهام والتخييلات حتى أخبر بعضهم أنهم يُخاطبون النجوم، ويصافحون الملائك، ويقطعون القفار، ويطوفون بالعرش، ويجتمعون بالخضر.. وهلم جرا. ولذلك كله فأنت ترى بضاعتهم القليلة في العلم، ونفاقهم الظاهر في الآفاق.
وأما علماء أهل السُّنة النبلاء، فلم يرتضوا لأنفسهم طريق هؤلاء الكسالى ولم يسكتوا على طريق أهل البطالة والجهالة، بل اشتغلوا بطلب العلم والدراسة والكتابة والحفظ، فحفظ الله بهم الدين والإسلام، وجعلهم سداً منيعاً في وجوه المبتدعة الذين يوالون اليهود والنصارى، ويُحاربون أهل السُّنة ودعاة التوحيد.
وإذا تأملنا أحوال هؤلاء الفجرة رأينا صدق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم؛ ونقرأ قول الله عز وجل: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ، لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } /الزمر: 3، 4/ فما أبعدهم عن الحق، وما أحطَّ نفوسهم؛ إذ باعوها بأبخس ثمن في أبخس مطلوب.
وفي هذا الكتاب بيان عقيدة "وحدة الوجود" عند غلاة المتصوفة والتي تعني أن الخالق والمخلوق شيءٌ واحد، وأن الله حل في المخلوقات، واعتقادهم أن الله والطبيعة حقيقة واحدة أو شيءٌ واحد، وأنه سبحانه- تعالى عما يقولون علواً كبيراً- صورة هذا العالم المخلوق، وهذه العقيدة هي أعلى درجات المعرفة عندهم، وهي الحقيقة المكتومة، وسرُّ الأسرار الذي ينطق به أربابهم وأصنامهم، وزورها معتقداً لأهل الإسلام، والإسلام منهم ومنها براء. وقد راعى الباحث الترتيب الزمني لظهور هؤلاء الغلاة، وطريقتهم في نشر اعتقاداتهم الفاسدة.
ولكن أهل السُّنة والجماعة يقولون: الله عز وجل فوق عرشه بائنٌ من خلقه، وهو الخالق الرازق المُدبر، وما سواه مخلوق مربوب، فليس في الله شيءٌ من خلقه، ولا في خلقه شيءٌ منه، وذلك معلومٌ من دين الله بالضرورة، وكل من قال بالحلول والاتحاد؛ فهو أكفر من اليهود والنصارى؛ وقد أكفر الله من اعتقد حلوله في عيسى عليه السلام، وهو نبيٌّ كريم، فكيف بمن يعتقد حلول الله في ذاته، أو في آحاد الناس، أو في الحيوانات أو في الأرجاس.. لا شكَّ أن كفر هذا أعظم وأكبر عند الله.
وحيث أن هؤلاء الأغرار يزعمون أنهم على الكتاب والسُّنة، ويرون فضيلة ما هم عليه من الضلال والخسران، قلنا لهم: من ادَّعى ما ليس فيه كذبته شهود الحال، ويكفي اللبيب ما يراه من أحوالهم وضلالهم وخصالهم الذميمة من الغدر والفجور والخيانة،
وأما حكم هؤلاء الذين يقولون بوحدة الوجود؛ فقد أجمع العلماء على كفر من اعتقد بهذه العقائد، ومن ذلك ما قاله القاضي عياض في كتابه "الشفاء": "أجمع المسلمون على كفر أصحاب الحلول، ومن ادّعى حلول الباري سبحانه في أحدٍ من الأشخاص كقول بعض الصوفية، والباطنية، والنصارى، والقرامطة".
وهذا الحديث يتناول أربع قضايا مهمة، وهي:
1. عقيدة الحلول والاتحاد عند الصُّوفية.
2. الكشف عند الصُّوفية.
3. عقيدة الصوفيين في الرسول (الحقيقة المُحمدية).
4. الفناء عند الصُّوفية.
مباحث الدراسة
* المبحث الأول: وحدة الوجود، ونماذج القائلين بها، والرد عليهم، والمحاذير المترتبة على قولهم.
* المبحث الثاني: عقيدة الحلول والاتحاد، والقائلين بها، والرد عليهم.
* المبحث الثالث: المعرفة (الكشف) عند الصوفية، والرد على القائلين بها.
* المبحث الرابع: عقيدة الصوفية في (الرسول)، والرد عليهم.
* المبحث الخامس: عقيدة (الفناء) عند الصوفية، وأنواعه، وحقيقته.
عقيدة وحدة الوجود والحلول
وهذه العقيدة الوثنية ظهرت عند الهنود القدماء من الهندوس والمانوية، والزرادشتية؛ حيث ورد في كتابهم المقدس "ريج فيدا"، والذي يرجع إلى (3100 سنة)، وقد ظهر أيضاً عند فلاسفة اليونان، والنصارى، وبه قال الرواقيون، في العام (200 ق. م)، وكذلك قال به أفلوطين اليوناني الذي عاش بين عامي (205 -270 م)، وقبله سقراط الذي توفي سنة ( 399 ق. م)، وفي المتأخرين الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا (ت 1677 م)، وبذلك تكون هذه العقيدة معروفة في البشرية زمن فلاسفة اليونان القدماء، وظهرت كذلك عند قدماء المصريين.
والحلول أخو الاتحاد ويتضمن المعنى العام لوحدة الوجود، ويُقصد بالحلول: حلول الإله في بعض أفراد البشر، وأول القائلين به هم النصارى النسطورية، الذين زعموا أن اللاهوت حلَّ في الناسوت، ويقصدون بذلك أن الله تعالى حلَّ في عيسى عليه السلام كحلول الماء في الإناء. وكذلك الملكانية من فرق النصارى الذين قالوا: إن الله مازج جسد المسيح كما يمازج الخمر اللبن، وبذلك قال غلاة الشيعة والمتصوفة.
أما الحلوليون وأهل وحدة الوجود؛ فكان أول انتشارهم في هذه الأمة في زمن المأمون، ومن السابقين الذين قالوا به غلاة الشيعة كالسبئية الذين زعموا أن علي بن أبي طالب هو الله! وكذلك من جاء بعدهم من الباطنية النصيرية، وكذلك الفاطميين الذين زعموا أن الله حل في الحاكم بأمر الله الفاطمي، وزعم غلاة الصوفية أن الله حل في أوليائهم ومشائخهم.
ومع أن كثيراً من الصوفية القدماء صرحوا بعبارات إلحادية تنم عن القول بوحدة الوجود، والاتحاد كأبي يزيد طيفور بن عيسى البسطامي (ت 261 هـ)، والحسين بن منصور الحلاج المقتول بالزندقة سنة (309 هـ)، والذي صرَّح ببراءته من دين الله، وكفره به في كثيرٍ من عباراته وأقواله، لا سيما كتابه "الطواسين"، وكذلك أبو حمزة محمد بن إسماعيل الفرغاني الحلواني (ت 331 هـ) كان يُصرح بذلك؛ حتى أن الحارث المحاسبي أراد ذبحه.
وانتشر القول بوحدة الوجود على يد الساحر الصوفي ابن عربي (ت 638 هـ)، وعبد الحق بن سبعين (669 هـ)، وقد أفاضوا في الحديث عنها، وجاءوا بالعجائب والبدع من الكلام الذي لا يشك معه عاقل في كفرهما.
ومن الذين قالوا بوحدة الوجود أبو حامد الغزالي (505 هـ)، كما في كتابه "مشكاة الأنوار"، ثم تاب من ذلك وأقبل على القرآن والحديث في آخر عمره، وعمر بن الفارض (632 هـ)، وقد أقرَّ قبل موته بأن ما كان يُنشده من أشعار في "الوحدة"، و"الاتحاد" إنما كانت أضغاث أحلام، وهباءٌ لا حقيقة له.
أما قطب الصُّوفية الاتحادية وختم الولاية ابن عربي (ت 638 هـ)؛ فهو الذي أعلن عن عقيدته في وحدة الوجود، وتابعه في ذلك محمد بن إسحاق القونوي (ت 673 هـ)، وكذلك سليمان بن علي، المعروف بعفيف التلمساني (ت 690 هـ)، وحكاياتهم في الزندقة مشهورة، وكذلك عبد الكريم الجيلي (ت 832 هـ) في كتابه "الإنسان الكامل".
ومما قاله ابن عربي، الأبيات الشهيرة:
الربُّ حقٌّ، والعبدُ حقٌّ… يا ليت شعري من المُكلَّف
إن قلتُ: عبدٌ؛ فذاك ميتٌ … أو قلتُ ربٌّ أنَّى يُكلف
وهذا هو ابن عربي الذي قال عنه من حضر جنازته: رأيتُ جنازته كأنَّما ذُرَّ عليها الرماد، فرأيتها لا تُشبه جنائز الأولياء /ذكره ابن تيمية في "الفتاوى"، سبب ذلك أنه شاع صيته بين الناس بأقواله الدالة على عقيدته، وأبرز معتقداته القول بوحدة الوجود، فزهد الناس في تشييعه.
الرد على القائلين بوحدة الوجود
(1) ومن يعرف حقيقة هذا المذهب يعرف بطلانه ببدائه العقل، لأنه لا يُعقل أن يكون الإنسان هو الله، والحجر هو الله، والشجر هو الله، كما لا يُعقل أن يكون الإنسان هو الحجر، وهو الشجر؛ فشتان بين مخلوق ومخلوق، وشتان بين خالقٍ ومخلوق، وهذا أحرى وأولى.
(2) كذلك فإن ما جاءت به الأنبياء والرسل يقتضي المغايرة بين الخالق والمخلوق، وقد قال سبحانه وتعالى: { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} /الطور: 35/؛ فمن المحال أن يوجد الشيء من العدم، أو يوجد ذاته بذاته، فلا بُد للموجود من موجد، ولا بُد للمخلوق من خالق، ولا يُعقل أن يكون المالك هو المملوك، والرازق هو المرزوق، ولا العابد هو المعبود.
(3) كذلك فإن دعوة الأنبياء والرسل منصبَّةٌ إلى توحيد العبادة، ولذلك اشتدَّ نكيرهم على من عبد غير الله أو أمر بعبادة غير الله سبحانه؛ وهذا يدّلُّ على الفرق بين العابد والمعبود، قال تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} /الزمر: 64/، وقال سبحانه: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } /فاطر: 3/، وقال سبحانه: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} /الزمر: 64/.
(4) وقد أجمع المسلمون على مر العصور على أنَّ الله عز وجل هو الخالق، وأن ما سواه مخلوق، وأنه سبحانه لا يحلُّ في المخلوقات، ولا تحلُّ فيه المخلوقات، وأن الله تعالى فوق عرشه، بائنٌ من خلقه في ذاته، وصفاته، وأفعاله.
(5) والقول باتحاد الخالق والمخلوق مُحالٌ عقلاً؛ لأن في اتحادهما إما أن يتحولا إلى شيءٍ مغاير لهما، أو يبقيا كما هما؛ فلا يكونان متحدان، وبذلك بطل القول بوحدة الوجود، وإما أن يبقى أحدهما وينعدم الآخر فيه فليس اتحاداً ولا وحدة. وإذا انعدم أن يتحد العبدان المربوبان، فلا يصحُّ ذلك في حقِّ الخالق.
(6) أن مذهب الصوفية مُركّبٌ من سلب الجهمية وتعطيلهم، وتمثيل الاتحاديين وأهل الفلسفة، حيث زعموا أن الله عز وجل يحل في الأشياء، ولا شكَّ أن هذه زندقة وكقر، وقد صرَّح كثيرٌ منهم بالوجود المطلق، وأزلية الكون، بل وبقدم الطبيعة؛ فلازم قولهم تعدد الخالقين.
(7) القائلون بوحدة الوجود أكفر من اليهود والنصارى؛ لأن النصارى قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، وقالوا: إن الله ثالث ثلاثة! وقال اليهود: نحن أبناء الله وأحباؤه! وقال غلاة الصوفية: إن الله هو كل شيء، بما في ذلك الكفار والمنافقون، والأرجاس، والمجانين، والصبيان، بل وزعموا أنه يتجلى في صور العاشقات والمعشوقات، عياذاً بالله تعالى؛ فيكونون أكفر من اليهود والنصارى.
(8) تناقض الصوفية القائلين بوحدة الوجود؛ فقولهم إن الكون وما فيه من المخلوقات هي مظاهر الحق، لأن الموجودات "المظاهر" متعددة وليست شيئاً واحداً، فالمغايرة الواقعة حساً وعقلاً أوقعتهم في التناقض؛ فكيف تكون الزوجة هي عين الأم؛ وكيف أحلت هذه حرِّمت الأخرى، ومعلومٌ أن في الوجود الظالم والمظلوم؛ فكيف يُحاسب الظالم ولا يُحاسب المظلوم..
****
الآثار الخطيرة المترتبة على القول بوحدة الوجود
إن القول بوحدة الوجود له آثاره السلوكية والعقدية الخطيرة التي تُفسد المجتمعات وتُهلك الأمم، ومن هذه الآثار:
(1) إبطال عقيدة التوحيد؛ لأن القول بوحدة الوجود لا يجتمع مع توحيد الخالق جل وعلا؛ لأنه لا فرق حينئذٍ بين الخالق والمخلوق، ولا فرق بين الموحد والمشرك، قال سبحانه: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} /الأنعام: 14/ بالإضافة إلى تعطيل العبادة؛ فكل معبودٍ عندهم هو اله، وكل عابد هو الله، والمأمور به هو عين المنهي عنه؛ فلا عبادة ولا شريعة ولا قيود.
(2) إبطال عقيدة الولاء والبراء؛ لأن هذه العقيدة قامت على أن الدين عند الله الإسلام، وما سوى ذلك فليس ديناً عند الله، وهذا يعني تمايز المسلمين والموحدين عن غيرهم من المشركين، وموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين، وأما عقيدة وحدة الوجود؛ فقئمةٌ على موالاة كل شيء، وكل مخلوق، وعدم معاداة أحدٍ في الوجود؛ لأن كل ما في الوجود عندهم هو "الله"، وهذا كفرٌ بالله العظيم.
(3) تخطئة الرسل عليهم السلام؛ الذين دعوا إلى التوحيد، وجاءوا بالتكاليف والأحكام والحدود والجهاد، لأنه إذا كان الوجود واحداً، والمعبود واحداً مع تعدد صوره التي يُعبد فيها، فكيف قاتل الرسل أعداء الله؟ وكيف استباح الأنبياء وأتباعهم دماء الكفار ؟ وما موقف هؤلاء من التاريخ الإسلامي الطويل المليء بالجهاد في سبيل الله ؟ وما حكم من قتلوا بسبب كفرهم ؟! وما هو حكم قاتلهم ؟ بل وما فائدة وجود النار يوم القيامة ؟ ولماذا هناك جنة ؟ وما فائدة البعث ؟!ولا شكَّ أن مذهب أهل وحدة الوجود كفرٌ صريح، وضلالٌ مُبين.
(4) التسوية بين دين المسلمين ودين المشركين، بناءً على القول بوحدة الأديان، وقد صرَّح كثيرٌ من المتصوفة الأوائل بوحدة الأديان، حيث يزعمون أن الملل والأديان كلها صادرةٌ عن الواحد، وإن تعددت صوره وأشكاله، فلا فرق بين دين أنزله الله، ودين ابتدعه البشر، ما دام أن الله هو الوجود المطلق؛ فأفضل الخلق عندهم هو من عرف الحقيقة المتمثلة بوحدة الوجود، ولا يهم بعد ذلك أن يكون المؤمن بها يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً.
(5) إلغاء قانون الشريعة، من الحدود والأحكام، بحيث يُصبح الحرام كالحلال، والمحظور كالمباح، والماء كالخمر، والمحرمات كالأجانب، ولا فرق عندهم بين من واقع زوجته أو ابنته أو دابته، وقد بان ذلك في أشعار القائلين بوحدة الوجود، الذين يذكرون حانات الخمر، ومواخير الخطايا، وكنيس اليهود، وبيع النصارى، وبيوت الأصنام، ومساجد الله كلها مستوية في نظرهم!
(6) إبطال الحكمة من الخلق؛ قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} /الذاريات: 56/ فإذا كان القول وحدة الوجود يؤدي إلى إبطال التوحيد والعبادة؛ فما هي الحكمة من الخلق؟ والله عز وجل لم يخلق الخلق عبثاً؛ قال تعالى: {فَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} /المؤمنون: 115/، والحق أن الله تعالى خلق الخلق لعبادته، وخلق الجنة ليثيب أولياءه، وخلق النار ليُعاقب أعداءه. وإذا كان المخلوق الناقص يترفع عن العبث، ويحرص أن تكون أفعاله مبنية على حكمةٍ وغايةٍ سامية؛ فكيف بالخالق الذي يتصف بكل كمال، ويتنزه عن كل نقص، فهو أولى بذلك الكمال.
(7) إعانة أعداء الإسلام على إلغاء مفهوم الجهاد من قاموس الأمة، وذلك من خلال نشر التصوف الإلحادي، لأنهم يعرفون المكاسب التي سيجنون ثمارها من هذا القول، ومدى تأثيرها السلبي على الناس في إزالة مفهوم الجهاد في سبيل الله، والخنوع للأقدار والأقضية المتساوية في الكل.
(8) القول بإيمان الكافرين؛ فهم يقولون بإيمان فرعون، وذلك لأنه بزعمهم عرف الحقيقة، وآمن بالوحدة؛ فقال: أنا ربكم الأعلى، لأن الجميع أرباب عنده، وقد عُلم بالضرورة من دين الإسلام كفر فرعون وهامان؛ قال تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ، يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ، وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} (هود: 97 -99). وقال تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (غافر: 45، 46).
* نتائج الدراسة:
- أن اعتقاد الصُّوفية بوحدة الوجود مناقضٌ لعقيدة التوحيد، ويؤدي إلى تعطيل الشريعة، وتخطئة الرسل فيما جاءوا به من الحق.
- من أصول الدين الإيمان بالله تعالى، واعتقاد أنه بائن من خلقه، لا يحلُّ فيهم، ولا يحلُّ فيهم، ولا هم يحلون فيه، ولا تحوزه الأمكنة، خلاف غلاة الصُّوفية الذين ينقضون هذا الأصل ويقولون بعقيدة الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، وكلها عقائد كقرية.
- المعرفة عند غلاة الصُّوفية يحصلون عليها من طريق الكشف، والرؤى المنامية، والذوق، وهذا من أعظم أسباب الضلال، حيث تزودوا بالعلوم الشيطانية، وابتعدوا عن العلوم الشرعية، وأما أهل السُّنة فيأخذون دينهم عن الوحي الذي هو كتاب الله عز وجل، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- موقف الصُّوفية من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فيه غلوٌ واعتداءٌ على خصائص الألوهية والربوبية، وبعضهم فرّط في حقِّه فأعطوا حقَّ التشريع والطاعة والعصمة لمشائخهم، وبعضهم يُعطي شيوخه ما هو من خصائص الربوبية كالتصرف في الكون، والرزق، والإحياء، والإماتة، وشفاء المرضى.
- كثرة استعمال الصُّوفية للمجازات والكنايات والألفاظ الغريبة المولدة رتب على ذلك حصول فساد كبير في العقائد، والتي تُعد إما عقائد كقرية بنفسها، أو تؤدي إلى العقائد الكفرية.
- الفناء عند الصوفية يؤدي إلى الغيبوبة وزوال العقل -بحسب ادعائهم -وهذا لا يدلُّ على كمالٍ في الدين، وإن الرسول وصحبه الكرام لم يكونوا على هذه الحال الناقصة حقيقةً، ولم يتكلفوا الوصول إلى ذلك، وأن الصوفية إنما وصلوا لذلك بالطرق المبتدعة.
- نزع الصوفية إلى تفسير القرآن تفسيراً باطنياً موافقُ لفعل القرامطة والحلوليون من الزنادقة، مبتعدين عن التفسير بالمأثور والرأي المحمود الذي كان عليه السلف، وقد تركوا لذلك أقوال أئمة التفسير لأغراض نفسانية وأهواءٍ بدعية لم يقدروا على الخلاص منها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق