أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 25 ديسمبر 2020

لفتة الكبد إلى نصيحة الولد -بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة

لفتة الكبد إلى نصيحة الولد

للإمام أبي الفرج بن الجوزي

نصح بها ولده أبا القاسم بدر الدين علي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة


تمهيد/ إن لكلمات ابن الجوزي رحمه الله -شذىً تتفتح له القلوب المضيئة، وعبيراً يسري في أجزاء الأرواح الطيبة، وحلاوةً  تحار من لذتها النفوس الكريمة، وقد كان ابن الجوزي علامةً فارقةً في زمانه في الوعظ والتوجيه والإرشاد، حتى قال الذهبيُّ: "ما أظن الزمان يسمح بمثله"، وقد تاب على يديه الآلاف وأسلم على يديه المئات، وقد كانت له هيبةٌ وقبول رحمه الله تعالى، وليس ذلك إلا للعناية الربانية التي أودعها قلب وعقل هذا الرجل، الذي انقادت له قلوب العامة والخاصة بأمر الله؛ لتسمع منه أحسن القول، وتستجيب لموعود الله.

وهذا الكتاب "لفتة الكبد" وضعه الإمام ابن الجوزي نصيحة لابنه بدر الدين علي الذي توانى في شبابه عن طلب العلم، ولزم البطالة واشتغل بما لا ينفع، وصحب البطالين وترك المسار الذي رسمه والده له؛ وهو ولده الوحيد في تلك المُدة، بعد أن فقد ابن الجوزي أكبر أولاده "عبد العزيز" الذي قتل مسموماً على يد جماعةٍ حسدوه!.

وإذا تأملت العنوان "لفتة الكبد" وجدته يُشير بنفسه إلى الشلل والمرض والعطب الذي أصاب قلب الوالد وأدمى كبده عندما رأى ضياع ابنه من بين يديه، وهو ينصحه وابنه لا يستجيب، وبعد أن وجَّه أبو الفرج هذه الرسالة لابنه  يحثه فيها على ترك البطالة، والاشتغال بما ينفع، تمادى الولد في طغيانه، ولم ينتصح، بل زاد ميله إلى اللهو والخلاعة، مما كان سبباً في هجر والده له، ومقاطعته إياه.

وزاد عقوق الولد لوالده، فاصبح يسبُّ أباه وينال منه في المجالس؛ حتى أنه سرق مصنفات أبيه التي كدَّ في كتباتها وتعنَّى في جمعها، وباعها في السوق بأبخس الأثمان نكايةً في والده، وقد شقَّ ذلك على أبي الفرج، حتى صار يدعو عليه في كل ليلةٍ وقت السَّحر، واستمرت القطيعة العمياء بينهما إلى أن مات الأب الحاني أبو الفرج ابن الجوزي عليه سحائب الرحمة والرضوان.

وصلَّى عليه ابنه عليٌّ، ولعله صلح حاله بعد ذلك، ونسأل الله عز وجل أن يكون هذا الابن قد تاب قبل موته مما جرى له مع أبيه.

وقد بقيت هذه النصيحة شاهدةً على ما جرى بين الأب وأبيه، لنأخذ العبرة والعظة، ولا شكَّ أن ما جرى لابن الجوزي مع ابنه من المصائب التي يسترجع الإنسان عندها، قال الله سبحانه: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} /البقرة: 155 - 157/.

وهذا الابتلاء الذي ظاهره الشر هو نعمةٌ للإنسان في تكفير السيئات، ورفعة الدرجات، ولا شكَّ أن هذه الكلمة (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) هي أبلغ ما يُقال في هذا المقام الذي لا يرضي حبيباً ولا يصدُّ عدواً، وهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب، وأنفعه له في عاجلته وآجلته، فإنها تتضمن أصلين عظيمين إذا تحقق العبد بمعرفتهما تسلى عن مصيبته.

أحدهما: أن العبد وأهله وماله ملك لله عز وجل حقيقة، فإن الإنسان محفوف بعدمين: عدم قبله وعدم بعده، وملك العبد له متعة معارة في زمن يسير، وأيضا فإنه ليس الذي أوجده عن عدمه، حتى يكون ملكه حقيقة، ولا هو الذي يحفظه من الآفات بعد وجوده، ولا يبقى عليه وجوده، فليس له فيه تأثير، ولا ملك حقيقي.

والثاني: أن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق، ولا بد أن يخلف الدنيا وراء ظهره، ويجيء ربه فردا كما خلقه أول مرة: بلا أهل، ولا مال، ولا عشيرة، ولكن بالحسنات، والسيئات، فإذا كانت هذه بداية العبد وما خوله ونهايته، فكيف يفرح بموجود أو يأسى على مفقود؟؟!! ففكره في مبدئه ومعاده من أعظم علاج هذا الداء!.

وقد وضع المحقق جزاه الله خيراً عناوين مميزة لهذه الرسالة؛ لتكون محاور أساسية دارت حولها موضوع الرسالة، وخدمها خدمةً جليلة، نذكر تلك العناوين باختصار:

مقدمة المصنف: الباعث على كتاب الوصية.

فصل: ترغيب وترهيب بين يدي هذه الوصية النافعة.

فصل: الواجبات والفضائل والهمة العالية.

فصل: تقوى الله سبب في حصول العلم وزيادته.

فصل: حفظ الأوقات واغتنام اللحظات.

فصل: الثمن الي تشتري به الحياة الأبدية.

فصل: الانتباه بعد الغفلة والتفريط

فصل: منهج تربوي في اليوم والليلة.

فصل: العلم أفضل من النافلة إذا صلحت النية.

فصل: الحذر من الآفات والعوائق.

فصل: العفة عما في أيدي الناس.

فصل: متى صحَّت التقوى رأيت كل خير.

فصل: من سير السلف الصالح في اغتنام الأوقات.

فصل: الحفظ رأس مال الطالب.

فصل: العلم والعمل متلازمان.

فصل: من روائع تصانيف ابن الجوزي

فصل: صفة الواعظ النافع.

فصل: أداء الحقوق إلى أهلها.

خاتمة حسنة للكتاب.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق