منهج الحافظ ابن حجر العسقلاني
في كتابه نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر
(دراسة استقرائية نقدية)
رسالة ماجستير، جامعة الجزيرة -السودان
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة
تمهيد/ يعتبر كتاب "نزهة النظر" من أجل كتب المصطلح وأنفعها، وهو خلاصة شاملة لهذا العلم، فقد وضعه الحافظ ابن حجر بطريقة فريدة فذَّة، جمعت بين: الابتكار، والتحقيق، والاختصار، وضمَّنه تحقيقات علمية رصينة لا توجد في غيره من كتب هذا الفن، كما اشتمل علي أزيد من خمسين نوعاً من علوم الحديث، على طريقة السبر والتقسيم، وهي: طريقةٌ عقلية منطقية مبتكرة في هذا العلم؛حيث يجمع الأنواع المتجانسة والمتقاربة من هذا العلم في موضعٍ واحد، مع التفريق بين المتشابهات، وتوضيح المختلفات، وتفصيل المجملات.
وكان الهدف من هذه الدراسة هو التعرف علي شخصية الحافظ ابن حجر، ومنزلته بين العلماء، وقيمة كتبه الحديثية، بالإضافة إلى التعرُّف إلى كتاب "نزهة النظر" من حيث: الترتيب، والمنهج، وبيان الأنواع الحديثية التي اشتمل عليها الكتاب وتوضيحها مع اختيارات ابن حجر فيها، ولا شكَّ أن ارتباط هذه الدراسة بشخصية لها وزنها واعتبارها عند المتأخرين في هذا الفن، ومكانة عالية عند العلماء يجعل لها وزناً وقيمةً واعتباراً كبيراً.
كلُّ ذلك جمعته هذه الدراسة التي تحدَّثت عن منهج الحافظ ابن حجر، والتي نعني به: "الطريق الذي سار عليه الحافظ في تقرير وتوضيح مسائل مصطلح الحديث، في كتابه نزهة النظر، والمتمثل في معرفة القواعد والأصول التي يتوصل من خلالها إلى معرفة حال الراوي والمروي".
ويتكون هذا البحث من مقدمة، وتمهيد وأربعة مباحث مشتملة علي مطالب وخاتمة ثم الفهارس العلمية.
أهمية هذا البحث:
1.التعرف على شخصية الحافظ ابن حجر الفذة رحمه الله تعالى رحمة واسعة، باعتباره أحد أساطين هذا الفن، وصاحب مدرسة حديثية فريدة.
2. التعرف على كتاب (نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر) من حيث: الترتيب وطريقة التصنيف، وميزاته، وما يحتاج دارسه، وما يتعلق به عموماً.
3. معرفة الأنواع الحديثية المذكورة في هذا الكتاب، مع بيان اختيارات الحافظ ابن حجر وما زاده في هذا الفن، وذكر من خالفه من علماء النقد، ثم الترجيح، والتمثيل لذلك.
4. بيان تكامل مصنفات الحافظ ابن حجر الحديثية وتآلفها، وإمكان فهم المنهج الكلي للحافظ من خلال استقراء كلامه في كتبه، وإتمام الناقص في موضع بموضع آخر، وشرح كلامه بكلامه، واستنباط طريقته وأسلوبه فيها.
بيان علوم الحديث الواردة في الكتاب؛ وفيه خمس مباحث:
المبحث الأول: المتواتر والآحاد؛ و فيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: علاقة الحديث المتواتر والآحاد بعلوم الحديث:
والظاهر أن المتواتر والآحاد هو مبحث أصولي، يذكره الفقهاء في باب "السُّنة"، ويضبطون ما يتفرع عن كل منهما، كما صَّرح بذلك الإمام ابن الصلاح وغيره.
المطلب الثاني: الحديث المتواتر:
وهو في اللغة: التتابع. وأما اصطلاحاً؛ فقد عرفه ابن حجر، بأنه: كل حديث جمع شروطاً أربعة، وهي:
(1) عددٌ كثير تحيل العادة تواطؤَهم على الكذب.
(2) أن يروي ذلك الجمع عن مثلهم من الابتداءِ إلى الانتهاءِ.
(3) أن يكون منتهى خبرهم الحسُّ والمشاهدة.
(4) أن يصحب هذا الخبر إفادة العلم للسامع.
****
المطلب الثالث: حديث الآحاد:
وهو ما لم يجمع شروط المتواتر، وهو غالب السُّنة المروية، وهي ثلاثة أقسام: المشهور، والعزيز، الغريب بنوعيه (المطلق والنسبي)، وذلك باعتبار أقل طبقة من طبقات الإسناد.
****
المبحث الثاني: الحديث الصحيح؛ ويشتمل علي ثلاثة مطالب .
المطلب الأول: تعريفه لغة واصطلاحاً:
الصحيح في اللغة ضدُّ السقيم.
وفي الاصطلاح هو: "خبر الآحاد: بنقل عدل تام الضبط، متصل السند، عن مثله، من غير شذوذ ولا علة".
****
المطلب الثاني: أقسام الحديث الصحيح:
1. الصحيح لذاته: هو من اجتمعت فيه الشروط الخمسة استقلالاً.
2. والصحيح لغيره: فهو الحسنُ لذاته، إذا تعددت طرقه.
****
المطلب الثالث: مسائل متفرقة في الحديث الصحيح:
أ. أصحُّ الأسانيد.
ب. مراتب الحديث الصحيح (سبعة).
ج. المفاضلة بين صحيحي البخاري ومسلم.
***
المبحث الثالث: الحديث الحسن؛ ويحتوي علي ثلاثة مطالب.
المطلب الأول: تعريفه لغة واصطلاحاً.
في اللغة: هو الجميل، ضد القبيح.
وفي الاصطلاح: هو ما قصر عن رتبه الصحيح.
****
المطلب الثاني: سبب الاختلاف في مفهومه والاحتجاج به.
هو حجَّةٌ كالصحيح عند جمهور المُحدثين.
المطلب الثالث: أقسامه وأمثلته:
وهو قسمين: أ- حسنٌ لذاته. ب- حسنٌ لغيره.
***
المبحث الرابع: الحديث الضعيف ؛ ويشتمل علي مطالب.
المطلب الأول: تعريفه وحدُّه:
وهو في اللغة: الضعف ضد القوة.
وفي الاصطلاح: ما لم تجتمع فيه صفات القبول.
****
المطلب الثاني: أسبابه وأقسامه:
وأسباب الضعف تعود إلى أمرين أساسيين:
أ. ضعف في الراوي.
ب. ضعفٌ في المروي.
وأما أقسامه فكثيرةٌ جداً، ولا ينبغي الاشتغال بعدِّها؛ وقد قال الحافظ ابن حجر: "إن ذلك تعبٌ ليس وراءه أرب".
****
المطلب الثالث: الأنواع الحديثية بسبب سقط في الإسناد:
القسم الأول: ما كان السقط فيه ظاهراً، وهو أربعة أنواع:
(1) المعلق: هو ما سقط من مبدأ إسناده راوٍ فأكثر.
(2) المرسل: هو ما سقط من آخره من بعد التابعيِّ راوٍ فأكثر.
(3) المعضل: هو ما حذف منه اثنان فأكثر على التوالي.
(4) المنقطع: هو سقوط راوٍ من أي موضعٍ من مواضع الإسناد عدا الصحابي.
****
القسم الثاني: ما كان السقط فيه خفيَّاً، وهو نوعان:
(1) المدلس: وهو قسمان رئيسيان:
أ. تدليس التسوية: هو أن يروي الراوي عن شيخه حديثاً سمعه منه، ثُمَّ يُسميه أو يكنيه أو يصفه بما لا يُعرف.
ب. تدليس الإسناد: هو إسقاط الشيخ والرواية عمن فوقه بلفظٍ يحتمل السماع وغيره، ولا يصرح بالسماع.
(2) المرسل الخفي: هو أن يروي عمَّن لقيه أو عاصره ما لم يسمعه بلفظٍ يحتمل السماع وغيره.
المطلب الرابع: الأنواع الحديثية بسبب طعن في الراوي.
وهي عشرة أمور، خمسسةٌ تتعلق بالعدالة، وخمسةٌ تتعلق بالضبط:
أولاً ما يتعلق بعدالة الراوي:
1. الكذب.
2. التهمة بالكذب
3. جهالة العين.
4. البدعة.
5. الفسق.
ثانياً: ما يتعلق بضبط الراوي:
1. الوهم.
2. مخالفة الثقات.
3. الغفلة عن الإتقان.
4. سوء الحفظ.
5. فحش الغلط وكثرته.
الموضوع = ما كان راويه كاذاباً.
المتروك = ما كان راويه متهماً بالكذب.
المنكر = ما كان راويه فاحش الغلط أو سيئ الحفظ أو فاسقاً خالف أم لم يُخالف.
المعلل = ما كان وقع راويه في الوهم، وهو قسمان:
(الأول): في الإسناد فقط :وهو الأكثر؛ كالإعلال بالوقف، وإرسال الموصول. (الثاني): في المتن فقط: وهو الأقل؛ كحديث ترك البسملة في الفاتحة في الصلاة. (الثالث) فيهما معاً.
الشاذ= هو مخالفة الثقة من هو أوثق منه.
من الأمور الملحقة بأوهام الرواة:
أ. الإدراج: في السند والمتن.
ب. المقلوب: في السند بعضه أو كله، والمتن.
ج. المزيد في متصل الأسانيد.
د. المضطرب: ويكن في السند أو في المتن
ه. المُصحَّف والمُحرَّف: ويكون في السند أو المتن.
***
المبحث الخامس: طرق التحمل والأداء
وصيغ الأداء المشار إليه على ثمانية مراتِب:
الأولى: السماع من لفظ الشيخ: وهي أعلى طرق السماع عند المحدثين.
الثانية: العرض على الشيخ:
اختلف العلماء في هاتين المرتبتين على ثلاثة أقوال: فقيل إنها مساوية للسماع: روي ذلك عن مالك، والبخاري، ومعظم علماء الحجاز والكوفة. وقيل: إنها أدنى من السماع: عند جمهور أهل المشرق، "وهو الصحيح". وقيل: إنها أعلى من السماع: عند أبي حنيفة، وابن أبي ذئب، ورواية عن مالك.
الثالثة: الإجازة: وهي إذن المُحدِّثِ للطالب أن يروي عنه كتابًا من كتب الحديث أو غيرها، وتصحُّ الرواية بها.
الرابعة: المناولة: وهي أن يدفع الشيخ كتابه لتلميذه ويأذن إن كانت مقرونةً بالإجازة؛ فيجوز الرواية بها.
الخامسة: الكتابة: بأن يكتب الشيخ مسموعه لحاضر، أو غائب، بخطه، فإن كانت مقرونةً بالإجازة فروايتها صحيحة، وكذلك لو لم تكن مقرونةً بالإجازة على الصحيح، خلافاً لابن الصلاح.
السادسة: الإعلام: وهو أن يخبر الشيخ الطالب أن هذا الحديث أو هذا الكتاب سماعه؛ فلا تصح روايته عند المحدثين، وهو الصحيح.
السابعة: الوصيَّة بالإجازة، وهو أن يوصي الشيخ عند موته، أو سفره لشخص بكتاب من كتبه التي يرويها، ولا تصحُّ الرواية بها.
الثامنة: الوجادة، وهي أن يجد الطالب أحاديث بخط شيخ يرويها، يعرف الطالب خطه، وليس له سماع منه، وحكمها حكم المنقطع، ولكن فيها نوع اتصال.
***
منهج الحافظ ابن حجر في الجرح والتعديل؛ وفيه خمسة مباحث.
المبحث الأول: مفهوم الجرح والتعديل، لغة واصطلاحا.
الجرح في اللغة: الشقُّ، والتأثير.
وفي الاصطلاح: : وصف الراوي بما يقتضي رد روايته.
التعديل في اللغة: التسوية والموازنة.
وفي الاصطلاح: وصف الراوي بما يقتضي قبول روايته.
والجرح والتعديل متعلقان بصفتي الضبط والعدالة:
والعدالة: ملَكةٌ تحمل المرء على ملازمة التقوى والمروءة.
والعدل هو: المسلم البالغ العاقل السالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة.
والملكة: هي السجية والطبع، والتقوى: هي فعل ما يحبه الله تعالى ، وترك ما يكرهه
والضبط نوعان هما: ضبط الصدر: بحيث يكون الراوي متيقظاً غير مغفل، بل يحفظ ما يُسمعه، ويستحضره وقت الحاجة كما هو، مع علمه بما يحيل المعاني إن روى بالمعنى. وضبط الكتاب: صيانته لديه منذ سمع فيه وص ّححه إلى أن يؤدي منه.
علم الجرح والتعديل له شقان:
الأول: الشق النظري وهو: القواعد التي تنبني عليها معرفة الرواة الذين تقبل رواياتهم أو ترد، ومراتبهم في ذلك.
الثاني: الشق التطبيقي وهو: إنزال كل راوٍ منزلته التي يستحقها من القبول وعدمه
المبحث الثاني: مشروعيته وأهميته.
المبحث الثالث: أسباب الجرح والتعديل.
المبحث الرابع: مراتب الجرح والتعديل.
المبحث الخامس: تعارض الجرح والتعديل
أهم النتائج التي توصَّل إليها الباحث ما يلي:
1. علو منزلة الحافظ ابن حجر بين العلماء والمصنفين في علوم الحديث عامة ومصطلح الحديث وعلم الرجال خاصة.
2. أن كتاب نزهة النظر هو عصارة علم الحافظ ابن حجر، وآخر ما وصلت إليه اجتهاداته.
3. أن نشأة علم الحديث رواية يختلف عن علم الحديث دراية، وكذلك أن الحافظ ابن حجر زاد في هذا الكتاب زيادات علمية لا توجد في غيره، وهي على نوعين:
أ. زيادات في التعاريف والمفاهيم؛ مثل ضبط الحديث الحسن لذاته وهو من أصعب أنواع علوم الحديث، والحديث المتروك الذي لم يذكره أحد من قبل الحافظ، والمصحف والمحرف .
ب. وزيادات في الأنواع والتقاسيم، مثل: حصر أسباب ضعف الحديث في قسمين فقط: الضعف بسبب سقط في السند، والضعف بسبب طعن في الراوي.
4.كما توصلت الدراسة إلى أن الجرح والتعديل هو عمود علم المصطلح، وبأنه ليس من الغيبة المحرمة، بل من باب النصيحة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم.
أهم التوصيات التي أرشد إليها الباحث:
توصي الدراسة بمزيد من الاهتمام، ودراسة كتب الحديث المشهورة سواء كتب الرواية أو كتب علوم الحديث من جهة مناهج أصحابها واختياراتهم.
وتقترح الدراسة جمع علوم الحديث عند الحافظ ابن حجر بين التنظير والتطبيق امتداداً لهذه الدراسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق