أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 31 ديسمبر 2020

كيف نفهم التوحيد -بقلم: محمد أحمد باشميل

كيف نفهم التوحيد ؟

بقلم: محمد أحمد باشميل

 الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة


إعداد: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة


تمهيد/ إن الغاية العظمى التي خلق الله عز وجل الإنسان من أجلها هي توحيده وعبادته، كما قال سبحانه في كتابه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56)، فمكث النَّاسُ مُدَّةً يعبدون الله ولا يشركون به شيئاً، حتَّى كان أول الشرك في قوم نوح عليه السلام، وكانوا يدفنون الصالحين ويقومون بتصوير حالهم بعد الموت ويقتدون بهم، وبعد مرور فترة من الزمن أصبحت هذه الأموات وصورهم عبارة عن أصنام يعبدونها من دون الله تعالى وذلك بعد أن اعترضتهم الشياطين، واجتالتهم عن دينهم، فزيَّنوا لهم أسباب الشرك وطرقه من دعاء الأموات، والتوسل بهم، فخصصوا القبور بالدعاء عندها، بل وبالتوجُّه بها وإليها، واستمرَّ ذلك في الأمم حتى يومنا هذا، وقد أصاب المغفلون من ذلك مفاسد عظيمة، وحماقاتٍ كبيرة، وأضحى كثيرٌ من العوام والدهماء ضحايا لسدنة القبور وتجار الأضرحة.

ونشأ في هذه الأجواء الجاهلية من لا يعرفون التوحيد، بل يسمون ما هم فيه من الشرك والكفر بالله توحيداً، فيعتقدون استجابة الأولياء لمن دعاهم ونجدتهم من يستغيث بهم، ونسوا الله ربهم وخالقهم، الذي يسمعهم ويراهم، وهو فوقهم، عالمٌ بأحوالهم، ومُطلعٌ عليهم.

وفي هذا الكتاب نعيٌ على بعض علماء السوء الذين اختاروا طريق الزوغان والمغالطة، وأخذوا بمنطق الكبر والعناد، ومضوا يُفشون الشرك الأكبر بين العوام بفتاويهم الباطلة، وهو زجرٌ وردعٌ لبعض فرق الضلال الذين يرتكبون الشرك، ويزينوه في قلوب العامة، لا سيما فيما ابتدعوه من الموالد والحواليات وغيرها.

وقد نهج المؤلف نهجاً حوارياً لطيفاً، تحت عناوين جذابة، تشدُّ القارئ بحسن صياغتها، وتُقنعه بأسلوبٍ جميل سلسٍ، وقد أجراه على طريقة الحوار الذي يدور بين المؤلف الذي يُقرر شرك من يدعو الأموات ويستغيث بهم، وبين شخصٍ آخر يعتقد أن التوسل بالأموات ودعائهم والاستغاثة بهم ليس شركاً.

وفي رأيي أن هذا الكتاب هو إعادة ضياغةٍ لكتاب "كشف الشبهات" لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ولكن بطريقةٍ جديدة تُخاطب العقل والوجدان، من خلال قصص واقعية جرت للمؤلف مع بعض القبوريين، ومن خلال المحاججة المنطقية في تقرير التوحيد وبيان الشرك، وعقد المقارنات بين مشركي الجاهلية ومشركي زماننا، وذلك بأبسط المفاهيم وتشرحها بأسلوب قريب من القارئ العادي.

والمطلوب من العبد المؤمن أن يُرضي ربَّه سبحانه، ويتبع رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يلتفت إلى هؤلاء الأئمة المضلين، ولا يهتمَّ لرضاهم أو سخطهم، وأن يوحد الله بالعبادة والإنابة والتذلل والخضوع، ولا يُشرك به شيئاً، لا ملكاً منزلاً، ولا نبياً مرسلاً، ولا ولياً صالحاً.

بيان أن الخلق مفطورون على التوحيد ونبذ الشرك

  في الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول االله صلى االله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل فيها من جدعاء).

وأما قوله: (بهيمة جمعاء) فالجمعاء السليمة من العيوب، سميت بذلك لاجتماع سلامة أعضائها، لا جدع فيها ولا كي، كأنه صلى الله عليه وسلم شبه السلامة التي يولد عليها المولود من الاعتقادات الفاسدة بالبهيمة الجمعاء التي هي سليمة من العيوب ثم يطرأ عليها العيب بفعل يفعل فيها ، كما يطرأ إفساد الاعتقاد على المولود بالتربية التي ينشأ عليها.

قال القاضي عياض: وقوله: (كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحس فيها من جدعاء) أي تولد مجتمعة الخلق سالمة من النقص والتغيير، لم يلحقها جدع ، وهو قطع الأذن ولا غير ذلك، إلا بعد ولادتها.

ومعنى قوله (تحس) أي تجد، كما جاء في الرواية الأخرى (جدون)، يقال: حسست الشيء كذا و أحسسته: وجدته كذلك، يؤيد تأويل من تأول أن المراد بالفطرة ها هنا: ما فطر عليه العبد في أصل خلقه، وابتدائها قبل معرفته بشيء من قبل بني آدم، من التهيؤ لقبول الهداية والسلامة من ضد ذلك، حتى يدخل عليه من أبويه وقريبه، ما يغير من ذلك، ويحمله على ما سبق عليه في الكتاب، ويجعلانه يعمل بعمل أهل الشقاوة.

  • ومن الفوائد التربوية التي يمكن استنباطها من الحديث الشريف ما يلي :

- يولد كل مولود سليماً من الانحراف والنقص .

- وجود استعداد فطري في الإنسان لتقبل الإسلام، لذلك لا يجوز قتل أطفال الكفار بل ينبغي تربيتهم لإبقائهم على الفطرة .

- واجب على كل المربين المسلمين إحياء وتنمية الفطرة من خلال التربية الإسلامية الصحيحة.

- الأسرة لها دور عظيم في تشكيل شخصية الفرد .

- تعرض الفطرة للتغيير بسبب التربية الفاسدة .

إن فطرة الإنسان تقتضي استقامة سلوكه وفكره ومعتقده، لا سيما إذا تهيأت للإنسان بيئة صالحة تحافظ على سلامة الفطرة وتوجهها نحو طريق الخير وتكون الاستقامة في أصول الدين وفروعه ويتحقق ذلك بعبادة االله وحده لا شريك له، والتمسك بما جاء في كتابه لأن هذا الطريق المستقيم؛ قال تعالى:{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} /النساء: 175/. والاستقامة بالتوجه إلى الله وحده، وبأداء العبادات مثل الصلاة والصيام والزكاة والحج والبعد عن الشرك وأسبابه المؤدية إليه، والدعاء والتضرع إلى الله عزوجل وحده، وطلب الهداية منه وحده، قال تعالى{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} /الفاتحة: 6/

وهذه الهداية تقتضي: الاستقامة في السلوك ويكون ذلك بتهذيب النفس، وتوحيد العبادة، والتقوى، والتوكل على الله عز وجل، والثبات على الحق ونصرة دين االله والصبر على الشدائد ، قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } /هود: 112/ 

قال الحافظ ابن رجب رحمه االله: " أصل الاستقامة: استقامة القلب على التوحيد"، فمتى استقام القلب على معرفة الله وتوحيده، وعلى خشيته وإجلاله ومهابته ومحبته وإرادته ورجائه ودعائه والتوكل عليه والإعراض عما سواه، استقامت الجوارح كلها على طاعته، فان القلب هو ملك الأعضاء ،وهي جنوده، فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه، وأعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح :اللسان فانه ترجمان القلب والمعبر عنه





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق