بلوغ المنى في حكم الاستمناء
محمد بن علي الشوكاني (1250 هـ)
قدم له وعلق عليه، وخرَّج أحاديثه: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان.
دار الصميعي- الرياض، الطبعة الأولى، 1994 م.
اختصره: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ لا شك أن الاستمناء عادةٌ قبيحة، وفعلةٌ شنيعة، وأنه مما يتنافى مع ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان من الأدب وحسن الخلق، وقد أفتى عامة العلماء بتحريمه سلفاً وخلفاً، ولكن ذهب بعض العلماء إلى إباحته، كالإمام الشوكاني في كتابه هذا، وأصل هذا الكتاب هو جوابٌ على سؤالٍ ورد من الشيخ محمد عابد السندي الحنفي (ت 1257 هـ/ 1841م) قاضي زبيد باليمن، إلى الإمام الشوكاني (ت 1250 هــ/ 1834 م)، وكان سؤاله: عن حكم الاستمناء بالكف، هل هو محرَّمٌ أم لا؟ وهل عليه عقاب؟، وهل يُثاب فاعله عند الضرورة إذا خشي على نفسه الوقوع في الزنا ؟
وقد جمع فيه الإمام الشوكاني: أقوال المجوزين للاستمناء، وردَّ حُجج المانعين، وقد تكلم على وجه دلالات الآية من سورة (المؤمنون)، وقد أطال المؤلف النفس في ذلك جداً، وقد أغفل مع ذلك، بل حذف كل ما يُشعر بحرمة الاستمناء من كلام السلف، ولا شك أن ما فعله هذاخلاف الصواب، وإن كان قائله بالمنزل المعروفة في الفقه والدراية.
ولا شك أن نقل مثل هذه الرسالة قد لا يُفيد الإنسان العامي، بل ربما يكون فيه مفسدة لبعض من يطلع عليه، خصوصاً من العوام، وقد بذل الشيخ مشهور آل سلمان جهداً كبيراً في بيان الأخطاء في هذه الرسالة، مع تقديمه النصائح والإرشادات للشباب في هذا الزمن الصعب، عملاً على إصلاحهم، ورعايتهم، وتوجيههم، فجزاه الله عنا خير الجزاء.
أضف إلى ذلك جمعه الفتاوى النافعة لكبار علماء هذه الأمة: كالشيخ الشنقيطي، وابن باز، والعثيمين، والألباني، ومحمد بخيت المطيعي، والشيخ محمد الحامد، وغيرهم.
وقد طُبع هذا الكتاب بتحقيق الشيخ عبد الله بن صالح الوادعي، وهي طبعةٌ ملونة جديدة، في دار الآثار بصنعاء، وقد ترجم للأعلام، وله تعقُّبات مُفيدة أيضاً.
وقد ذكر الإمام الشوكاني فتواه هذه في كتابه (فتح القدير، ج 3، ص 474)، وأصرَّ الشوكاني على إباحة الاستمناء مطلقاً، بل وعلى وجوبه أحياناً في كتابه "وبل الغمام على شفاء الأوام (ج 2، ص 328).
وطريق السلامة أن يبتعد الإنسان عن مثل هذه العادات السيئة، وأن يستشعر خوف الله سبحانه وتعالى، ويشغل نفسه بالطاعات والعبادات، ويغضَّ بصره، ويحفظ بصيرته، وأن يجأر إلى الله تعالى أن يُخصله منها، والله خيرُ موفقٍ، والهادي إلى صراطٍ مُستقيم.
تعريف الاستمناء:
الاستمناء شرعاً: هو إخراج المنيِّ بشهوةٍ عن قصدٍ وتعمُّدٍ، من غير مُباشرة الأمة أو الزوجة، بأيِّ طريقةٍ تسمح بذلك.
ويعرفه الطبيب وصفي عدلي، بأنه: دعك العضو باليد أو بعض أصابعها؛ حتى تحثل الشهوة الجنسية خلال (2- 4) دقائق في العادة.
وهذه الرسالة تقع في مبحثين:
المبحث الأول: في النقل عن أهل العلم:
وقد نقل الشوكاني ما يؤيد مذهبه الذي ذهب إليه من إباحة الاستمناء مطلقاً، بعذرٍ أو بغير عذر، وتأول لفظ الكراهة بدخوله في باب الإباحة عموماً؛ إذ الكراهة لتنزيه، ونقل في ذلك:
ما نقله ابن القيم عن ابن عقيل: أنه يجوز للإنسان أن يستمني ما لم يتزوج.
ونقل عن ابن عباس، وابن عمر، وهو غير ثابتٍ عنهما.
وعن مجاهد، وعطاء، والحسن، وابن جريج، وعمرو بن دينار.
ومن أصحاب المذاهب: الإمام أحمد، وابن نُجيم من الحنفية، ونقل عن السمهودي أن التوقف في تحريمه هو قول الشافعي في القديم.
المبحث الثاني: في الكلام والرد على المانعين:
استدل الشوكاني بأنه لا عموم للمغايرة في قوله: {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} (سورة المؤمنون: 7)، وأنه لا بُدَّ من تقييده بمن ابتغى نكاحَ فرجٍ غير فرج الزوجات، والمملوكات، وأن هؤلاء هم العادون.
وظاهر كلامه: أن إطلاق القول: بحرمة الاستمتاع بغير الفرج من الزوجة والأمة، كالاستمناء؛ باطلٌ غيرُ مُراد؛ لأن انتفاء اللازم (الاستمناء) يستلزم انتفاء الملزوم (مطلق الاستمتاع)، وقد علمنا أن الاستمتاع بالزوجات والإماء مباح، فيلزم من ذلك إباحة الاستمناء بهن، وبغيرهن؛ لأن انتفاء الملزوم لا يقتضي تحريم لازمه.
قال: وحفظ الفرج باعتبار مدلوله اللغوي، أعمُّ من حفظه عن النكاح وعن غيره، فلا بُدَّ من تقييده بالنكاح، ولا يصدق اسم النكاح على الاستمناء باليد.
قال: وإن الآية مجملة، والمجمل لا يُحتجُّ به إلا بعد بيانه، وقد بيَّن الله تعالى ورسوله ما يحرم نكاحه: مثل الزنى الذي أوجب الحد فيه.
كذلك لا يجوز قياس الاستمناء على التلوُّط أو الزنى أو حتى العزل، بجامع قطع النسل؛ لأنه قد أباحه للزوجة في زوجها، ولو قيس عليه لأوجب الحد فيه، وهو قياسٌ باطل. أما العزلُ فهو مكروه، وليس بحرام، وقوله هذا صحيح.
هذه جملة حجج الشوكانيِّ، وله غيرها، ولكن هذه أقواها:
ويظهر لنا بطلان ما ذهب إليه المصنف، إذا علمنا أن حرمة الزنا مقررة في نصوص كثيرة، والأمر بحفظ الفرج أعمُّ من صيانته عن الزنا، وعند الأصوليون: "أن الكلام إذا احتمل التأسيس أو التأكيد، فلا شك أن حمله على التأسيس أرجح من حمله على التأكيد"، وعلى هذا لا نحتاج إلى التقييد أو التقدير الذي ذكره المصنف.
وعليه، فما ذهب إليه المُحرِّمون للاستمناء هو الراجح بالاستدلال الصحيح بكتاب الله، يدل عليه ظاهر القرآن، ولم يرد ما يُعارضه من كتابٍ ولا سُنَّة.
خلاصة القول في الاستمناء:
أنه ينافي مقاصد الشريعة الإسلامية من زيادة النسل، والتكاثر.
أنه يُنافي سُنَّة الترغيب في النكاح، سيما القادر عليه، وهو يعدل عنه إلى الاستمناء.
أن ممارستها بشكل مستمر ودوري يُؤدي إلى إرهاق الجهاز العصبي والتناسلي.
الانحراف الأخلاقي الذي يؤدي بصاحبه إلى الزنى والعياذ بالله.
تعقبات على الشوكاني في رسالته:
للشيخ مشهور آل سلمان، تعقبات، وإفادات، ونقولات عن أئمة المذاهب، والمفسرين، وتحقيقات مفيدة في هذا الباب، ولكن نقتصر على بعضها، ومن هذه التعقبات:
أن الشوكاني (ص 22)، زاد كلمة (ابن تيمية) على كلام ابن القيم في نقله عن ابن عقيل، ونصُّ كلام ابن القيم: "قال ابن عقيل: وأصحابنا، وشيخنا"، فالمراد بالشيخ هنا هو شيخ ابن عقيل، وليس ابن تيمية؛ لأن مذهب ابن تيمية في الاستمناء: التحريم.
كذلك، فإن الشوكاني لم يُحسن النقل عن ابن عقيل، ففي نقله حذفٌ وتصرُّف، وصريح قوله يُفيد الحرمة، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى: 10/ 573) أن حرمة الاستمناء مطلقاً هو اختيار ابن عقيل في "المفردات.
أيضاً (ص 30) نبَّه الشيخ مشهور إلى أن صحيح مذهب ابن عمر وابن عباس، القول بحرمة الاستمناء، وهو الثابت عنهما بالأسانيد التي رواها الثقات، وما رُوي عنهما من الإباحة، فأسانيدها ضعيفةٌ مغموزة، ومع ذلك قال: لم أرَ من نبَّه على قوله –يعني ابن عباس- بالمنع، واقتصر على الإباحة عنه صاحب "موسوعة فقه ابن عباس": (1/ 170- 171).
أن الشوكاني ينسبُ بعض الأقوال للحنابلة، وإنما هو لابن القيم كما أشار الشيخ عبد الله الوادعي في تحقيقه للرسالة (ص 18).
كذلك ما نقله عن ابن نُجيم، والإمام أحمد، والسمهودي الشافعي من القول بإباحة الاستمناء، مُقيَّدٌ بما إذا خشي العنت: أي الزنا، وقد حذف ما يُفيد ذلك، وهذا تدليس (ص 32- 35).
وما نقله عن الإمام أحمد، وأصحابه من الإباحة مطلقاً (ص 35)، غير صحيح، والمشهور عنه الإباحة لمن خشي العنت، والكراهة لمن لم يخش العنت.
وأنه عندما اعتُرض على الإمام الشوكاني أن للاستمناء أضرارٌ على الجسم من الناحية الطبية، أجاب: الكلام هنا على الحلال والحرام، وليس من الناحية الطبية، وقد اعترض الشيخ مقبل الوادعي على ردِّ الشوكاني (ص 70)، وقال: ألم تأتِ الشريعة للحفاظ على النفس، وصحتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق