كشف الشبهات
تأليف الإمام المُجدِّد
محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
(1115 - 1206 هـ)
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة
تمهيد/ إن الإنسان بطبيعته مفطورٌ على الإيمان بالله عز وجل، ومجبولٌ على التوحيد الخالص، لكنه في حاجةٍ دائمةٍ إلى صيانة وحماية لهذا التوحيد؛ ليظلَّ التوحيد خالصاً نقيَّاً لا تشوبه شوائب الشرك، ولا أوضار الجاهلية، من خلال كلام العلماء الربانيين، الذين أبصروا الطريق، وأوضحوا المنهج، وساروا على سنن الأنبياء والمرسلين، واقتفوا آثارهم قولاً وعملاً واعتقاداً، فكانوا بمثابة النجوم المُضيئة التي يخلف بعضها بعضاً في هداية الناس إلى الحق والصواب، ويُحذوهم من الوقوع في الخطأ ويمنعونهم من التردي في المحظور بأساليب متنوعة وطرائق مختلفة، ليظل هذا الإنسان على التوحيد الخالص والعقيدة السوية؛ فيسير إلى ربِّه على بصيرة وهداية وكذلك يكون سيره وسلوكه مستقيماً في كل ميدان من ميادين الحياة.
وهذا كتابٌ نافعٌ جداً، تشتدُّ إليه الحاجة في باب التوحيد، للشيخ المُجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى -، والذي من أتقنه فهماً وحفظاً واستدلالاً انتفع به في باب الردِّ على الشُّبه الواهية لمرجئة المتكلمين من عُبّاد القبور، والأضرحة، والتي يحتجون بها على بعض الممارسات الشركية.
ودراسة هذا الكتاب يُقوِّي الملكة العقلية والشرعية للدارس، بحيث لا تنطلي عليه تلك الشُّبه التي يُلقيها المُبتدعة، ولا تروج عليه تلك الأقوال الكاسدة، ويتمكن الدارس من إحكام الأدلة وطرق الاستدلال، ومعرفة الحدود والمحترزات وما يرد على الأدلة وما يُجاب به عن تلك الإيرادات، ويخرج من درسه ليُصبح ترساً في مواجهة الباطل وأعوانه، بل جندياً مُخلصاً في ميدان التوحيد والإيمان يضرب بقذائف الحق أوهام الباطل، فتُصيب عين هذه الشُّبة وما يندرج تحتها من الأقوال الواهية.
ولا شكَّ أن الشبهات تتداعى صغيرها يجرُّ كبيرها، وكبيرها يعضد صغيرها، وتشتدُّ في عقل المبتدع وقلبه حتى توصد عليه أبواب الخير والتوبة، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام (إنَّ اللَّهَ حجبَ التَّوبةَ عن كلِّ صاحبِ بدعةٍ حتّى يدعَ بدعتَه).
وقد بيَّن الشيخ رحمه الله بطلان ما عليه أهل الشرك والضلال والبدع، بالحجج الواضحة، والأدلة الساطعة وإن كان كلامه في بعض المواطن يحتاج إلى تفسيرٍ وبيان، ويُعتبر الفصل السابع هو المحور الأساس الذي يدور عليه هذا الكتاب، وقد ذكر فيه جملةً من الشُّبه التي يحتجُّ بها القبوريين والردِّ عليها تفصيلاً وإجمالاً.
وقد طُبع هذا الكتاب في دار الإيمان، بعناية الأستاذ طلعت مرزوق، وقدَّم له الشيخ الدكتور ياسر برهامي، ولكنها طبعةٌ فيها سقطٌ كثيرٌ جداً، وقد أطال التعليق فيها، ومع كون هذه التعليقات نفيسة ونافعة، إلا أنها تحتا إلى ترتيب واختصار والربط بينها، لئلا يشتت ذهنُ القارئ.
وفي ضوء ما تمَّت دراسته في هذا الكتاب، يتبين لنا أن دراسة هذا الكتاب له آثاره التربوية وثمراته السلوكية على المُسلم المُعاصر، والتي من أهمها:
1- تحقيق التوحيد الخالص لله عز وجل، والتعرف إلى معنى العبادة، والدعوة إلى الله على بصيرة.
2- الجد وعلو الهمة في طلب الحق، والثبات على التوحيد والإيمان، ونبذ الشرك والكفر والنفور منهما، وتحذير الناس من ذلك.
3- حماية الفرد المسلم من الانحراف والغواية الذي تترسمه طرق المبتدعة، واتباع الطريق القويم الذي هو سبب الفلاح في الدنيا والآخرة.
4- تحقيق الخشية من الله والالتجاء إليه قولاً وعملاً واعتقاداً، والتوكل عليه مع الأخذ بالأسباب الشرعية لا الأسباب الشركية أو البدعية.
5- تحقيق التوازن العام والشامل في شخصية المسلم، بحيث يطمئن إلى صفاء العقيدة ونقائها من الشوائب، والارتقاء إلى مرتبة الاستزادة من الطاعات.
جملة الفصول التي تضمنها هذا الكتاب ستة عشر فصلاً، كما يلي:
الفصل الأول: بيان أن مُهمَّة الرسل الأولى تحقيق توحيد العبادة.
الفصل الثاني: بيان الأدلة على أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مُقرُّون بتوحيد الربوبية، ولم يُخرجهم ذلك من الشرك في العبادة.
الفصل الثالث: بيان أن توحيد العبادة هو معنى "لا إله إلا الله"، وأن الكفار في زمنه صلى الله عليه وسلم كانوا أعرف بمعناها من بعض من يدَّعي الإسلام.
الفصل الرابع: معرفة المؤمن أن نعمة الله عليه بالتوحيد توجب عليه الفرح به، والخوف من سلبه.
الفصل الخامس: أن حكمة الله اقتضت أن يجعل لأنبيائه وأوليائه أعداء من الإنس والجن.
الفصل السادس: وجوب التسلُّح بالكتاب والسُّنة لدحض شُبهة الأعداء.
الفصل السابع: الرد على أهل الباطل إجمالاً وتفصيلاً.
الفصل الثامن: الرد على من زعم أن الدُّعاء ليس عبادة.
الفصل التاسع: الفرق بين الشفاعة الشرعية والشركية.
الفصل العاشر: إثبات أن الالتجاء إلى الصالحين شرك، وإلجاء من أنكر ذلك إلى الاعتراف بأن ذلك شرك.
الفصل الحادي عشر: إثبات أن شرك الأولين أخفُّ من شرك أهل زماننا "بأمرين".
الفصل الثاني عشر: كشف شبهة من زعم أن من أدَّى بعض واجبات الدين لا يكون كافراً، ولو أتى بما يُنافي التوحيد، وبيان أدلة ذلك بالتفصيل.
الفصل الثالث عشر: حكم من وقع من المسلمين في نوعٍ من الشرك جهلاً منه ثم تاب منه.
الفصل الرابع عشر: الرد على من زعم الاكتفاء في التوحيد بقول لا إله إلا الله، ولو أتى بما ينقضها.
الفصل الخامس عشر: الفرق بين الاستغاثة بالحي الحاضر، فيما لا يقدر عليه، والاستغاثة بغير.
الفصل السادس عشر: وجوب تطبيق التوحيد بالقلب واللسان والجوارح إلا لعذرٍ شرعي.
وجملة الشُّبه التي يحتجُّ بها المشركون وأهل البدع:
1. قولهم: نحن لا نُشرك بالله، ولكننا مُذنبون، والصالحون لهم جاهٌ عند لله، ونحن نطلب من الله ونسأله بجاههم.
2. قولهم: أن الآيات التي تنزلونها بنا، إنما نزلت فيمن يعبد الأصنام، فكيف تجعلون الصالحين والأنبياء مثل الأصنام؟!
3. قولهم: أن الكفار إنما يُريدون من أصنامهم وأوثانهم، وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر، والصالحون ليس لهم من الأمر شيء، ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم، فلا أريد إلا من الله ؟!!
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: "واعلم أن هذه الشُّبهات الثلاث هي أكبر ما عندهم، فإذا عرفت أن الله وضَّحها لنا في كتابه، وفهمتها جيداً، فما بعدها أيسر منها".
4. وقولهم: أنا لا أعبد إلا الله، وهذا الالتجاء إلى الصالحين ودعاؤهم ليس بعبادة؟!
5. قولهم: إنكم تنكرون شفاعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وتتبرأون منها؟!!
6. قولهم: النبيُّ صلى الله عليه وسلم أُعطي الشَّفاعة وأنا أطلبها مما أعطاه الله ؟!!
7. قولهم: نحن لا نُشرك بالله شيئاً، ولكن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك؟!!
8. قولهم: الشرك عبادة الأصنام، ونحن لا نعبد الأصنام؛ لأن عبادة الأصنام هو من قصد خشبة أو حجراً أو بُنية على قبرٍ أو غيره يدعونها، ويذبحون بها، والقول بأن هذه الأشياء تدفع عنا الضُرَّ ببركتها، أو تُعطينا ببركتها؟!!.
9. وقولهم: إن المشركين الأولين لم يكفروا بدعاء الملائكة والأنبياء، وإنما كفروا لما قالوا: الملائكة بنات الله، ونحن لا نقول إن عبد القادر أو الرفاعي ابن الله ولا غيره؟!!
10. قولهم: إن للأولياء كرامات، وقد قال سبحانه: {ألا إن أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هُم يحزنون}(يونس: 62)، ونحن نطلب منهم بحق ولايتهم وكرامتهم عند الله؟!!
11. قولهم: أن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله، ويُكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم، ويُنكرون البعث، ويُكذبون القرآن، ويجعلونه سحراً، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن مُحمداً رسول الله، ونُصدق القرآن، ونؤمن بالبعث، ونصوم، فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟!!
12. وقولهم: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة قتل من قال: (لا إله إلا الله)، وكذلك قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)، وأحاديث أخرى في الكف عمَّن قالها، فكيف تُكفروننا، ونحن نقولها؟!!
13. وقولهم: أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، ثم بنوح، ثم بإبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى، فكُلُّهم يعتذرون حتى ينتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قالوا: فهذا يدلُّ على أن الاستغاثة بغير الله ليست شركاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق