أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 4 يناير 2021

الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية -تأليف مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي (ت 1033 هـ)

الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية

(661 - 728 هـ)

تأليف مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي (ت 1033 هـ)

تحقيق وتعليق: نجم عبد الرحمن خلف

إعداد: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

  تمهيد/ يعتبر كتاب "الشهادة الزكية" للشيخ مرعي الكرمي مختصراً لكتاب "الرد الوافر"  لابن ناصر الدمشقي، كما صرَّح بذلك الشيخ مرعي في مقدمة هذا الكتاب، وهو مختصرٌ حسنٌ جاء على الثلث من الكتاب الأصل، تضمن جملاً نفيسة من ثناءات الأئمة الأعلام على شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية، مع اشتماله على بعض الفصول الإضافية، والمعلومات الوافية الوفيَّة، في الذب عنه، وحفظ حرمته، وزجر منتقده، وقد يختلف ترتيب التراجم أحياناً، ولكن الكتابين في الجملة متشابهين.

ومع كون هذا الكتاب مختصراً؛ فقد استدرك الشيخ مرعي بعض التراجم على صاحب "الرد الوافر" مثل ذكر ترجمة ابن الوردي، وابن قطلوبغا، وابن مفلح، فهي لا توجد في "الرد الوافر"، وقد عمل فيه ترجمةً لشيخ الإسلام ابن تيمية، والذي يظهر أن المصنف رحمه الله -وضعه بعد تصنيفه لكتاب "الكواكب الدرية في مناقب المجتهد ابن تيمية"، وقد أنهى المؤلف كتابه "الشهادة الزكية" في الجامع الأزهر، سنة (1030 هـ) أي قبل وفاته بثلاث سنوات فقط رحمه الله رحمةً واسعة.

موضوع الكتاب

 وبيان سبب تأليفه تبعاً للأصل (الرد الوافر)

وموضوع هذا الكتاب وهو الموسوم بـ"الشهادة الزكية"، وأصله "الرد الوافر" هو البحث في قضية خطيرة، وطالما تكررت على مدار التاريخ الإسلامي، وهي تكفير المسلم المُعيَّن بلا بيِّنة ولا حُجَّة، وإنما بمحض الهوى والتعصُّب والافتراء، فكان هذا الكتاب كأصله رداً على كل من تسول له نفسه أن ينال أو يطعن في إيمان الأئمة الأعلام، دون بينة أو برهان.

وقد ظهر في منتصف القرن التاسع الهجري الفقيه الحنفي محمد بن محمد علاء الدين البخاري الأشعري (ت 841 هـ)، الذي انبرى للطعن والذم في شيخ الإسلام ابن تيمية، جوراً وتعصُّباً وعدواناً؛ لأنه رأى تعظيم أهل الشام له، واشتهار مآثره ومناقبه والثناء عليه، بل وصل الأمر به إلى تكفير ابن تيمية، وتكفير من يُلقبه بـ"شيخ الإسلام"، وتمادى في تعصُّبه حتى قال ببطلان صلاة من يعتقد فضل شيخ الإسلام ابن تيمية !! الذي هو ثمرة المغالاة في الانتماء المذهبي، والتعصُّب الأعمى للفرق الكلامية.

ومن الطبيعي أن يدفع التعصُّب بصاحبه في متاهات العداوة والإفك، وهو ما نراه متجذراً في سفهاء الأشاعرة وسفلتهم، وقد شهدوا على أنفسهم بترك بكلَّة الذهن، وحسور البصر، ولا زال الأمر مستمراً فيهم إلى يومنا هذا؛ حتى أن العصبية العمياء تُري الرجل أن شرار قومه وطائفته خياراً، وخيار غيرهم أشراراً.

ولا شكَّ أن شيخ الإسلام ابن تيمية إمامٌ مجتهد، وقد وصفه بالاجتهاد أعلام عصره من الأئمة العظام؛ كاحافظ المزي، والبرزالي، وابن سيد الناس، والذهبي، وغيرهم المئات، وقد كانت له اجتهاداته المعتبرة في الفروع الفقهية، وبالإضافة إلى تجديده ما اندثر من علوم السلف، وكان سيفاً صارماً على المبتدعين، وله صولاتٌ في ذلك وجولات، وقد سارت كتبه مسير الركبان، وعرف قدره الخاص والعام.

هذا وإن هذا اللقب أو غيره لا يزيد الإنسان شيئاً في ميزان الله، فالمرء بنيته وعمله، فالمرء الصالح يحرص على ما ينفعه في الآخرة، والدارس لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية يجد فيه من الورع والتقوى والإيمان والقبول الحسين لدى العامة والخاصة ما يُغنيه عن التعريف بفضله وعلمه.

الأشاعرة أصناف وليسوا صنفاً واحداً

ومعلومٌ أن الأشاعرة أصناف؛ فمنهم الظالم لنفسه، ومنهم المقتصد، ومنهم السابق بالخيرات، والظالم فيهم كثير، ومنشأ عداوتهم لابن تيمية ظاهرٌ جداً، فهو الذي قرَّر مذهب السلف الصالح في باب الاعتقاد، ونسف شبهات المتكلمين، وردَّ على الأشاعرة إجمالاً وتفصيلاً بما يشرح الصدور، ولا يُبقي لمعترضٍ منهم كلام.

ورحم الله الحافظ ابن حجر العسقلاني، حيث يقول؛ فيما نقله عنه الحافظ السخاوي في "الجواهر والدرر": "ومن أعجب العجب أنَّ هذا الرجل (يعني ابن تيمية) كان أعظمَ النَّاس قيامًا على أهلِ البدع مِنَ الرَّوافض والحُلوليَّة والاتحاديَّة، وتصانيفُه في ذلك كثيرة شهيرة، وفتاويه فيهم لا تدخُل تحتَ الحصر، فيا قُرَّة أعينهم إذا سمعوا تكفيره، ويا سُرورَهم إذا رأوا مَنْ يكفِّره من أهل العلم! فالواجب على مَنْ تلبَّس بالعلم، وكان له عقلٌ أن يتأمَّل كلام الرَّجُلِ مِنْ تصانيفه المشهورة، أو من ألسِنَةِ من يُوثَق به من أهل النَّقل، فيُفرد مِنْ ذلك ما ينكر، فيحذر منه على قصد النُّصح، ويثني عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك، كدأب غيره من العلماء الأنجاب".

وقد أشار إلى ذلك الشيخ تقي الدين "ابن دقيق العيد" في كتابه "الاقتراح"؛ حيث يقول: "أَعْرَاض الْمُسلمين حُفْرَة من حفر النَّار وقف على شفيرها طَائِفَتَانِ من النَّاس المحدثون والحكام".

وقد التقى ابن دقيق العيد بابن تيمية، وسمع كلامه؛ وقال له بعد سماع كلامه ما كنتُ أظنُّ أن الله تعالى بقي بخلق مثلك، وقال ابن دقيق العيد أيضاً لما اجتمعت بابن تيمية: رأيتُ رجلاً العلوم كلها بين عينيه يأخذ منها ما يريد ويدع ما يريد

ومن الإنصاف أيضاً ما قاله الشيخ الحنفي: عبد الرحمن بن علي التفهني في تقريظه لكتاب "الرد الوافر" لابن ناصر: "والإنسان إذا لم يُخالط ولم يُعاشر؛ يُستدلُّ على أحواله وأوصافه بآثاره. ثم قال مستخدماً هذه القاعدة العظيمة: "ولو لم يكن من آثاره -أي بن تيمية -إلا ما اتصف به تلميذه ابن قيم الجوزية من العلم لكفى ذلك ليلاً على ما قلناه".

جملة ما في في هذا الكتاب

من ثناءات الأئمة الأعلام على شيخ الإسلام ابن تيمية

وجملة الشهادات التي ذكرها الشيخ مرعي في هذا الكتاب وإن كانت أقلَّ من كتاب "الردِّ الوافر"، إلا أنَّ فيها الغُنية لطالب الحق، ومنشد الإنصاف، فكانت جملتها سبعة عشر شهادةً من سبعة عشر عالماً من الأكابر الأماجد، منهم: الحنفي، ومنهم المالكي، ومنهم الشَّافعي، ومنهم الحنبلي، المصري والشامي والعراقي.

وأعقب ذلك بذكر فصلٍ مختصرٍ يشرح فيه حال الناس عامةً وعلماء يوم وفاة ابن تيمية، وكان يوماً حافلاً مشهوداً في الأمة، وأتبع ذلك بخاتمةٍ لطيفة يذكر فيها تقريظات الأئمة على كتاب الرد الوافر، فذكر ثلاثة تقريظاتٍ له، وأتبعه بترجمةٍ قصيرة مسجوعةٍ بليغة لشيخ الإسلام ابن تيمية، وأثنى بها عليه ثناءً عظيماً، وبيَّن أن منهج الشيخ هو اتباع السلف الصالح، والرد على الزنادقة أهل الحلول والاتحاد.

وقد أنصف العلامة الإمام قاضي قضاة الإسلام بهاء الدين بن السبكي حيث يقول حيثُ يقول لبعض من ذكر له الكلام في ابن تيمية؛ فقال: "والله يا فلان ما يبغض ابن تيمية إلا جاهلٌ أو صاحب هوى، فالجاهل لا يدري ما يقول، وصاحب الهوى يصدُّه هواه عن الحقِّ بعد معرفته به".



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق