أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 31 يناير 2021

التوضيح والإيمان لشجرة الإيمان -للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي

التوضيح والإيمان لشجرة الإيمان

للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة


تمهيد/ لا بُدَّ لكل عملٍ في الإسلام أن ينطلق من قاعدة صحيحة يرتكز عليها، وأساسٍ متين يستند إليه، وقاعدة الأعمال كلها هو الإيمان الصحيح بأركانه ومقتضاته، ومقوماته، وبواعثه، ولذلك فإن الضرورة ماسَّةٌ إلى تعلُّمه، والعناية به، والتحقُّق به عملاً ويقيناً لكونه من أعظم الأمور المُعينة للعبد في أمور دينه ودنياه.. 

وكما قال الشاعر:

والبيتُ لا يُبتنى إلا على عُمدٍ … ولا عِمادَ إذا لم تُرسَ أوتادُ

وفي هذا الكتاب نسير في ظلال شجرةٍ الإيمان؛ التي هي أعظم الشجر بركةً، وأطولها ظلاً، وألذُّها ثمرةً، لنتعرف إلى عظيم معناه، وجليل مبناه، وما هي أصوله ومقوماته وما هو مصدر استمداده، وكيف نُحسن زيادته، ونجتنب نقصانه، ونفهم مقاصده وأسراره، وما هي شعبه ومنازله، ومراتبه، وفوائده، وعظيم أجره وثوابه. 

وكم لهذه الشجرة الإيمانية من الثمار اليانعة، والجني اللذيذ، والأكل الدائم، والخير المستمر، وأمور لا تحصى، وفوائد لا تستقصى. ومجملها: أن خيرات الدنيا والآخرة، ودفع الشرور كلها من ثمرات هذه الشجرة.

وذلك أن هذه الشجرة إذا ثبتت وقويت أصولها، وتفرعت فروعها، وزهت أغصانها، وأينعت أفنانها - عادت على صاحبها وعلى غيره، بكل خير عاجل وآجل.

ولا شكَّ أن الشرع والحس والواقع يشهدون بتفاوت الإيمان بين المؤمنين، سواءً في علومه، أو معارفه، أو شُعبه، وأعماله الظاهرة والباطنة، وفي قوته وضعفه، وفي وجدان الآثار والموانع، وغيرذلك من وجوه التفاوت.

والإيمان في أصله هو الإقرار، والاعتراف والتصديق: بكل ما جاء عن الله سبحانه في كتابه، وكل من جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلم في سُنَّته؛ ليشمل العقائد، والأخلاق، والأعمال، مع التعبُّد لله ظاهراً وباطناً، وإخلاص التوحيد له شرعاً وقدراً، والقيام بشرائع الدين الظاهرة والباطنة.

ومن الأمور التي تُثمر زيادة الإيمان في القلب:

تدبر آيات الله الكونية والشرعية.

تفهُّم أحاديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم وتعظيمها.

معرفة محاسن الدين، من خلال دراسة أسرار الشريعة ومقاصدها في الحفاظ على الإنسان والحياة.

كثرة ذكر الله عز وجل، وأداء واجب شكره، والتحقُّق بمقام الإحسان.

والعبد المؤمن الموفق لا يزال يسعى في أمرين:

أحدهما: تحقيق أصول الإيمان وفروعه والتحقق بها علماً، وعملاً.

والثاني: السعي في دفع ما ينافيها وينقضها أو ينقصها من الفتن الظاهرة والباطنة، ويداوي ما قصر فيه من الأول، وما تجرأ عليه من الثاني بالتوبة النصوح، وتدارك الأمر قبل فواته.

ولخص الإمام "السعدي" رحمه الله تعالى مقاصد هذا الكتاب، بقوله:

 فتبين مما تقدم أن هذه الشجرة المباركة (شجرة الإيمان) أبرك أشجار وأنفعها وأدومها.

وأن عروقها وأصولها وقواعدها الإيمان وعلومه، ومعارفه.

وساقها وأفنانها شرائع الإسلام، والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة المؤيدة والمقرونة بالإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله.

وأن ثمارها وجناها الدائم المستمر: السمت الحسن، والهدي الصالح، والخلق الحسن، واللهج بذكر الله وشكره، والثناء عليه، والنفع لعباد الله -بحسب القدرة - بنفع العلم والنصح، ونفع الجاه والبدن، ونفع المال. وجميع طرق النفع. وحقيقة ذلك كله: القيام بحقوق الله، وحقوق خلقه.

وأن هذه الشجرة - في قلوب المؤمنين - متفاوتة تفاوتاً عظيماً، بحسب ما قام بهم، واتصفوا به من هذه الصفات.

وأن منازلهم في الآخرة تابعة لهذا كله.

وأن الفضل في ذلك كله لله وحده، والمنة كلها له سبحانه. 

{بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (سورة الحجرات: 17).

وقال أهل الجنة بعد ما دخلوها، وتبوءوا منازلها -معترفين بفضل ربهم العظيم:{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (سورة الأعراف: 43).

فجمع في هذه الآية بين الإخبار باعترافهم وثنائهم على الله بنعمه وفضله حيث وصلوا إلى هذه المنازل العالية، وبين ذكر السبب الذي أوصلهم إلى ذلك بمنة الله عليهم به وهو العمل الصالح الذي هو الإيمان وأعماله.

فنسأل الله تعالى أن يمن علينا بالإيمان الصادق، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ويهب لنا من لدنه رحمة. إنه هو الوهاب.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق