نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر
في مصطلح أهل الأثر
للإمام الحافظ: ابن حجر العسقلاني
إعداد: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة
تمهيد/ هذا الكتاب المختصر الفريد، هو للإمام الحافظ، شيخ الإسلام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني رحمه الله، جمع فيه أهم المباحث في (علوم الحديث)، حيث صاغها صياغةً جديدةً ومبتكرة، راعى فيها الترتيب وحسن التقسيم، وقام بحصر علوم الحديث وضبطها، على طريقة السبر والتقسيم، بحيث يذكر الموضوع وكل ما يتعلق به من أحوال وأحكام.
ولا شكَّ أن ابن حجر هو أحد أئمة الدين، الذين جعل الله لهم ولمصنفاتهم القبول والانتشار، ولابن حجر مكانته العلمية الرفيعة عند جميع العلماء، وهذا لما حباه الله تعالى من جودة الذهن، وقوة الحافظة، والمحافظة على الوقت، وتوفيق الله له من قبل ومن بعد.
ولذا فتُعدُّ "نخبة الفكر" وشرحها "نزهة النظر" من أهم كتب المصطلح التي أُلِّفت منذ عصر المؤلف الحافظ ابن حجر -رحمه الله -إلى يومنا هذا، وأول من شرح متن "النخبة" الكمال الشُّمني تلميذ الحافظ، وذلك بأمر من الحافظ ابن حجر رحمه الله، وشرح "نزهة النظر" عددٌ من العلماء كالإمام والبقاعي، وبرهان الدين اللقاني، وقاسم قطلوبغا، ووجيه الدين الكجراتي، والمُلا علي القاري الحنفي في كتابه "شرح شرح نخبة الفكر"، وغيرهم من العلماء.
وفي عصرنا الحاضر فإن غالب المحاضن العلمية، والكليات الشرعية مستندها الأول هو: "نزهة النظر"، وكل الأعمال العلمية تقريباً تدور عليها، والتي تزيد على المائة، ما بين مختصر، وشارح، وناظم، وشارح للنظم، و محشي، ومعقب، وما إلى ذلك.
ويُشير تلميذه الحافظ السَّخاوي في "الجواهر والدرر" إلى شرح الحافظ ابن حجر للنخبة؛ فقال: "وشرحها (أي النخبة) في شرح أسماه نزهة النظر، في مجلد لطيف، دمجها فيه، وتنافس الفضلاء من أبناء العرب والعجم في تحصيله والاعتناء به".
سبب تأليف الحافظ ابن حجر لنخبة الفكر
وقد وضع الحافظ ابن حجر كتابه "نخبة الفكر" عندما سأله بعض تلاميذه، وهو شمس الدين الزركشي أن يؤلف لهم كتاباً في هذا الفن، وهو ما صرَّح به السَّخاوي في "الجواهر والدرر" سأله أن يؤلف لهم كتاباً في المصطلح فأجابهم لذلك، واضعاً لهم الأصل الذي هو "نُخبة الفكر"، والتي وضعها في حدود العام (812 هـ).
يقول رحمه الله: "فسألني بعض الإخوان أن أُلَخِّصَ له المهم من ذلك (أي من علم المصطلح)، فلخصته في أوراقٍ لطيفةٍ، سَمّيتها: "نُخْبَةَ الْفِكَرِ في مصطلحِ أهلِ الأثرِ".
منهج الحافظ ابن حجر في النخبة إجمالاً
وقد بين الإمام الحافظ منهجه في النُّخبة، وأنه أختصرها ولخصها بطريقة جديدة مبتكرة، وموجزة؛ فقال: "... على ترتيبٍ ابتكَرْتُهُ، وسبيلٍ انْتَهَجْتُهُ، مع ما ضَمَمْتُ إليه من شوارِد الفرائدِ، وزوائدِ الفوائدِ".
تأليف الحافظ ابن حجر لنزهة النظر
ثمَّ سئل رحمه الله أن يشرح هذا المتن النفيس؛ فقال: "فَرَغِبَ إليَّ ثانياً (يعني الزركشي)، أنْ أضَعَ عليها شرحاً يَحُلُّ رموزَها، ويفتحُ كنوزَها، ويوضِّح ما خَفِيَ على المبتدئ مِن ذلك، فأجبتُهُ إلى سؤاله؛ رجاءَ الاندراج في تلك المسالِك، فبالغتُ في شرحها، في الإيضاح والتوجيه، ونَبَّهتُ على خفايا زواياها؛ لأنّ صاحبَ البيتِ أدرى بما فيه، وظهر لي أنّ إيرادَهُ على صورةِ الْبَسْطِ أَلْيَقُ، ودمْجَها ضِمْن توضيحها أوفقُ، فسلكتُ هذه الطريقةَ القليلةَ السالكِ".
ويظهر من كلامه رحمه الله: أن موضوع كتاب"نزهة النظر" هو شرح لمتن وضعه الحافظ لطلابه يسمى"نخبة الفكر"، وأنه اتخذ طريقة دمج الشرح مع المتن؛ لقصد زيادة التوضيح والإيضاح. وكان وضعه لهذا الشرح المُسمى بـ"نزهة النظر" في حدود سنة (818 هـ) أي بعد ست سنوات من تأليف النخبة.
وقد لخص الإمام الحافظ السخاوي رحمه الله -ذلك في "الجواهر والدرر"، و"الضوء اللامع"، فقال :"نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، كراسة فيها مقاصد الأنواع لابن الصلاح وزيادة أنواع لم يذكرها، فاحتوت على أكثر من مائة نوع من أنواع علوم الحديث، وفرغ من تأليفها في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة..... شرحها المسمى نزهة النظر، في مجلد لطيف، دمجها فيه، وتنافس الفضلاء من أبناء العرب والعجم في تحصيله والاعتناء به،وكان التمس منه تصنيفه صاحبه الشيخ شمس الدين الزركشي، وفرغه في مستهل ذي الحجة سنة ثمان عشر وثمانمائة".
أهمية نخبة الفكر في "المصلطلح" وشرحها النُّزهة:
1. شمولية هذه الرسالة لمختلَف أنواع علوم الحديث.
2. إيراد الأنواع الحديثية على طريقة السبر والتقسيم هي طريقةٌ عقلية منطقية مبتكرة في طرق هذا العلم، وهي مبنيَّةٌ على الاستقراء والتتبع.
3. اجتنابه المآخذ التي وردت على المؤلفين السابقين، الذين لم يتبعوا نظاماً معيناً في ترتيب الأنواع الحديثية، حيث قام الحافظ بوضع كل مجموعة من علوم الحديث في ظل قسم واحد يجمعها في موضع واحد.
4. اشتماله على التحقيقات العلمية الرصينة التي لا توجد في ِسواها من مؤلفات هذا الفن، وذلك كثير في هذا الكتاب على إيجازه واختصاره.
5. الاختصار والإيجاز: فجمع بين: الابتكار، والتحقيق، والاختصار، وهذه لا تكاد توجد في غيره.
6. وفرة الأعمال العلمية المتعلق بها ، وتنوعها ، وكثرة النسخ الخطية والمطبوعة لها، وتناقل العلماء لها.
أهم الموضوعات التي تضمنها كتاب "نزهة النظر"
ويصف لنا الشيخ نور الدين عتر -رحمه الله -هذا الكتاب وصفاً مُجملاً في "مقدمته على النزهة"؛ فيقول:
1. قام الحافظ بدمج المتن مع الشرح كأنه شيء واحد.
2. وقد بدأ أولاً بتقسيم الخبر إلى أقسام:
* إما بحسب عدد طرقه وهي:
- إما بلا حصر.
- أو محصور بما فوق اثنين، أو باثنين ،أو بواحد.
* ثم شرع بتفصيل: أحكامها، وما يتفرع منها من مباحث.
3. ثم تكلم على الحديث المردود وحصره في سببين فقط :
أ. سقط في السند.
ب. طعن في الراوي.
وفصلها تفصيلا مع التعاريف، والأمثلة.
4. ثم ختم بخاتمة: تشتمل على أنواع من العلوم الحديثية مما زاده على المختصرات قبله. وتكلم باختصار على الجرح والتعديل والأسماء، والبلدان وما إلى ذلك. وبعدها ختم بذكر آداب المحدث والطالب، ما يلزمهم من كونهم من أهل الحديث. ثم معرفة صفة كتابة الحديث، وشروطها وما يتعلق بها، والرحلة فيه. وأخيراً، تكلم على أسباب ورود الحديث
منهج الحافظ ابن حجر في كتابه "نزهة النظر"
1. عرَّف أنواع علوم الحديث التي ذكرها، وذكر الأمثلة، والمؤلفات المتعلق بكل نوع غالباً.
2. اقتصر رحمه الله على الأقوال الراجحة عنده في الغالب، وإلا بعض الأحيان يذكر الخلاف، أو يشير إليه ويناقش البعض الآخر، كما في مسألة شرط الصحيح أن يكون عزيزاً.
3. ضبط الأعلام، والأنساب التي تحتاج إلى ضبط.
4. الإشارة والتنبيه إلى بعض المسائل الدقيقة، التي قلَّ من يُنبه لها في المختصرات،كما ذكر هو في مسألة الفرق بين الإرسال والانقطاع.
5. ربط بعض أنواع علوم الحديث ببعض، وبيان العلاقة بينهما كما المدلس والإرسال الخفي، وغيرهما.
6. الثناء على بعض العلماء، وانتقاد آخرين وهذا ليس كثير.
7. يذكر بعض الأحيان طرف الحديث التي يمثل به، ويكتفي بالإشارة إليه.
8. تكلم عن بعض أنواع الحديث بكلامٍ مختصرٍ أحياناً.
9. لم يذكر عناوين لمسائل كتابه، والتي تدل على الأنواع الذي تضمنه.
10. يرجح دائماً في المسائل الخلافية أو التي زادها، ويبسط القول فيها، ويدلل عليها كمسألة: الشاذ والمنكر.
11. التنبيه على القواعد المهمة في هذا الباب، التي صارت أصلاً كقوله "والأقل في هذا الفن يقضي على الأكثر".
المصادر التي استند عليها الحافظ ابن حجر في كتابه "النزهة":
1. القاضي أبو محمد الرامهرمزي في كتابه "المحدث الفاصل".
2. أبو عبد الله الحاكم بن البيع النيسابوري في "معرفة علوم الحديث".
3. أبو نُعيم الأصبهاني في كتابه "المستخرج على علوم الحديث".
4. أبو بكر الخطيب البغدادي في كتابه "الكفاية في علم الرواية"، و"الجامع لآداب الشيخ والسامع".
5. أبو عمرو عثمان بن الصلاح الشهرزوري في كتابه "علوم الحديث".
6. القاضي عياض في كتابه "الإلماع".
7. أبو بكر ابن العربي في كتابه "شرح البخاري".
8. محب الدين بن رشيد في "ترجمان التراجم على أبواب البخاري".
9. أبو حاتم بن حبان في "التقاسيم والأنواع"، و"المجروحين".
10. أبو عبد الله البخاري في "الجامع الصحيح".
11. أبو الحسين مسلم بن الحجاج في "صحيحه".
12. أبو بكر البزار في "مسنده".
13. أبو القاسم الطبراني في "الأوسط".
14. أبو سليمان الخطابي في "معالم السنن".
15. أبو عيسى الترمذي في "سننه".
16. محمد بن إدريس الشافعي في "الأم"، و"اختلاف الحديث".
17. ابن أبي حاتم في "العلل".
18. أبو بكر بن خزيمة في "صحيحه".
19. أبو عبد الرحمن النسائي في "سننه".
20. أبو محمد بن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث".
21. أبو عبد الله بن ماجه في "سننه".
22. أبو بكر الجصاص في "الفصول في الأصول".
23. أبو الوليد الباجي في "الإشارة".
24. ابن دقيق العيد في "الاقتراح في فنِّ الاصطلاح".
25. أبو عبد الله القاسم بن سلام في "غريب الحديث".
26. أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في "الكشاف".
27. أبو عُبيد الهروي في "غريب الحديث".
28. أبو السعادات ابن الأثير في "النهاية".
29. عبد الغني الصوري في "المؤتلف والمختلف".
30. الجوزجاني في "معرفة الرجال".
31. أبو عمر بن عبد البر في "الاستيعاب".
32. أبو الحسن الدارقطني في "المدبج".
33. الحافظ العلائي في "الوشي المعلم فيمن روى عن أبيه عن جده".
34. ابن ماكولا في "الإكمال".
35. ابن نقطة في "تكملة الإكمال".
36. ابن حجر (المؤلف) في "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه"، و "تهديب التهذيب"، "والإصابة".
37. محمد بن سعد في "الطبقات".
38. أبو عبد الله الذهبي في "الموقظة".
39. ابن أبي خيثمة في "التاريخ".
40. المزي في "تهذيب الكمال".
41. العقيلي في "الضعفاء".
42. محمد بن ربيع الجيزي في "تاريخ الذين نزلوا مصر".
43. ابن منده في "معرفة الصحابة"، وغيرها من المصادر والمراجع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق