قصة المسيح الدجال ونزول عيسى عليه السلام وقتله إياه
على سياق رواية أبي أمامة رضي الله عنه
مُضافاً إليه ما صحَّ عن غيره من الصحابة رضي الله عنهم
تأليف: محمد ناصر الدين الألباني
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ ألّف كثيرٌ من العلماء والحفاظ كتبًا وأجزاءً في علامات وأشراط الساعة، إما إجمالًا بذكر العلامات كلها، أو بذكر العلامات الكبرى أو الصغرى، أو بالتَحدُّثِ عن بعض هذه العلامات والأشراط؛ مثل المسيح الدجال، والمهدي عليه السلام.
وفي هذا الكتاب القيّم يروي لنا الإمام محمد ناصر الدين الألباني قصة المسيح الدجال، وما ورد في نزول عيسى عليه السلام؛ على سياق رواية أبى أمامة -رضي الله عنه؛ مضافًا إليه ما صح عن غيره من الصحابة رضوان الله عليهم، ويسوقها سوقاً واحداً، في تسعةٍ وأربعين فقرة.
وقد بلغ عدد الأحاديث الواردة في الدجال قريباً من ثلاثين حديثاً؛ عن أكثر من عشرين صحابياً، وللحديث عن بعضهم أكثر من طريق واحد، وبخاصة حديث أبى هريرة؛ فقد استخرجت له وحده عشر طرق، وفى كل طريق منها أحياناً ما ليس فى الطريق الأخرى من الفوائد والزيادات.
ولا شك أن الحديث بجميع فقراته - إلا قليلاً منها -هو من الصحيح لغيره؛ وكثيراً منها من قبيل المتواتر المقطوع ثبوته عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
أعظم فتنة على وجه الأرض
وليس على وجه الأرض منذ ذرأ الله آدم عليه السلام وحتى تقوم الساعة فتنة أعظم من فتنة الدجال، وهي الفتنة التي حذر منها جميع الأنبياء أقوامهم، وقد حذرنا منها الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم، وهي فتنةٌ مُرعبة، حيث يخرج الدجال من غضبةٍ يغضبها، في أيام اختلافٍ وفُرقةٍ بين الناس، وفي خفة من الدين، وإدبار من العلم، حيثُ عُطّل الجهاد، واستأثر الناس بأموالهم.
أمارات خروج الدجال
وقبل خروج الدجال بثلاث سنين يظهر في الناس القحط والجفاف، فيهلك الزرع والحيوان، فتحبس الماء قطرها والأرض زرعها، وتكون حربٌ بين الروم والمسلمين، تكون فيها ردَّةٌ شديدة، يظهر المهدي ويفتح المسلمون "القسطنطينية"؛ ويصرخ الشيطان: أن الدجال أخرج في أهليكم.
خروج الدجال وبداية فتنته
فيرجع الناس إلى ديارهم، وفي طريقهم إلى الشام، يخرج الدجال في يهودية أصبهان من خلَّة بين العراق والشام، فيدَّعي النبوة، ثُم يدعي الربوبية، ويتبعه سبعون ألف يهودي من يهود أصبهان (عليهم الطيالسة، ومع كل رجلٍ ساجٌ وسيفٌ مُحلّى)، فيدعو الناس إلى الإيمان به وعبادته، ويبعث الشياطين تُكلم الناس، وتأمرهم باتباعه.
مدة سياحته في الأرض
فيسيح في الأرض، ويرد كل منهلٍ ووادي، وتطوى له كما تُطوى فروة الكبش، فيقطعها في أربعين يوماً، وله دابة عرضُ ما بين أُذنيها أربعين ذراعاً، ويمكث في الناس أربعين يوماً أو صباحاً أو ليلةً: (يوماً كسنة، ويوماً كنصف سنة، ويوماً كشهر، ويوماً كأسبوع، سائر أيامه كأيامكم، كالشررة أو كاضطرام السَّعفة).
حليته وصفته
وقد بين النبيُّ صلى الله عليه وسلم من صفته ما لم يُبينه نبيٌّ قبله، وهو خارجٌ في هذه الأمة لا محالة، ويسبقه ثلاثين دجالاً كلهم يزعم أنه نبيّ، يكون آخرهم الدجال الأكبر، وقد أخبرنا عن صفته، وصفة خروجه، وصفة فتنته، وأيام مكوثه في الأرض، ومن ذلك:
وأنه شابٌ، آدم، جعد، قطط، جفال (شعث الشعر)، دعج، قصيرٌ، أفحج. بين عينه: ك ف ر، يقرأها كل مؤمن كاتبٍ وغير كاتب، ومعه جنَّةً وناراً، ونهراً من الماء، وجبلٌ من الخبز، وأنه يأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت (فيما يرى الناس)، ويُسلط على نفسٍ مؤمنةٍ يقتلها ويُحييها مرَّة واحدة.
أعور العين اليُمنى، ممسوح حدقتها قد (ذهب ضوؤها)، جاحظة: كأنها عنبةٌ طافية، وكأنها نُخاعةٌ في جنب حائط. أعور العين اليُسرى ممسوحها، عليها ظفرة غليظة؛ خضراء كأنها كوكبٌ دُري، ليست بناتئةٍ ولا حجراء، وعلى هذا فهو أعور العينين معًا، فكل واحدة منهما عوراء، وذلك أن العور: العيب، والأعور من كل شيء: المعيب. وكلا عيني الدجال معيبة؛ إحداهما بذهاب نورها، والأخرى بنتوئها وخضرتها.
سبب تسميته بالدجال
وقد سماه النبيُّ صلى الله عليه وسلم دجالاً؛ لكثرة كذبه ودجله، والدجال هو الكذاب وشديد الدجل، والدجل في اللغة هو التغطية؛ ولأنه يغطي الحق بباطله، فهو يدعي الألوهية، ويُفتن الناس بما يأتي به من خوارق العادات وعجائب الأمور.
أتباعه من الناس
ويتبعه كل منافق وفاسق وكل صاحب ربا، وصاحب زنا، وأكثر من يخرج إليه النساء، وله مسالحٌ وجند.
الهدي النبوي في النجاة من فتنته
وأمرنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ بالله من فتنته في صلاتنا ودعائنا، وأمرنا بحفظ أول عشر آياتٍ من سورة الكهف، واللجوء إلى: مكة أو المدينة أو المسجد الأقصى، أو مسجد الطور، وأمرنا إذا أخرج الدجال أن ننأى عنه ولا نتعرض له، وأعظم ما يُنجي المرء يومئذٍ هو: الإيمان والعمل الصالح، وأن يقول المرء: ربي الله.
قصة قتله وخلاص العالم منه
ويفر المسلمون منه إلى جبل "إيلياء" بالشام ويكون فيهم المهدي، فيأتيهم الدجال، فيُحاصرهم في أصل الجبل، فيشتدُّ حصارهم، ويُجهدهم جهداً شديداً؛ حتى إذا طال عليهم البلاء قال رجل من المسلمين: يا معشر المسلمين حتى متى أنتم هكذا وعدو الله نازل بأرضكم هكذا؟ هل أنتم إلا بين إحدى الحسنيين بين أن يستشهدكم الله أو يظهركم؟ فيبايعون على الموت بيعة يعلم الله أنها الصدق من أنفسهم، ثم تأخذهم ظلمة لا يبصر امرؤ فيها كفه.
قال: فينزل ابن مريم في صلاة الصُّبح عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، وينطلق إلى إيلياء، وبينما الناس تسوي صفوفها للقتال يأتيهم عيسى بن مريم في صلاة العصر، فإذا رآه الدجال انماع كما ينماع الملح في الماء، وفي رواية (ذاب كما تذوب الإهالة في الشمس) فيومئذ ترى اليهودي العظيم الطويل الأكول الشروب لا تقل يده سيفه من الرعدة فيقومون إليهم فيسلطون عليهم، ويذوب الدجال حين يرى ابن مريم كما يذوب الرصاص حتى يأتيه أو يدركه عيسى فيقتله عند باب (لُد) بفلسطين، ويقتله عند عُقبة "أُفيق" بالقرب من الأردن.
ما جاء في أصفهان (أصبهان)
جاء في كتاب "محاسن أصفهان": (أصفهان)، أو "أصفهان بلدةٌ قد أسنى الله من أياديه البيض قسمها، ووفر من مواهبه الغر سهمها، وصدَّر في جريدة البلاد اسمها، وألحق برسوم الجنان رسمها، فلا مزيد عليها طيب بقعة، وسعة رقعة، وزكاء تربة، وصفاء طينة، واعتدال هواء، وعذوبة ماء، ونظافة أوطان، وظرافة قُطَّان؛ لكونها في نقطة الاعتدال وحيِّز الكمال من الإقليم الرابع الأوسط من الأقاليم السبعة المجمع على وفور حظها من النُبل، وهي سُرَّة الأرض، وغرتها، وسيِّدةُ البلدان وحرتها.
وقال صاحب كتاب "عين الأفاضل في اللغات الثلاث": (اسپهان) بالكسر: في اللغة الفارسية هو اسم المدينة السعيدة المباركة، ذات الهواء اللطيف، والحنطة الجيدة، وهي مشهورةٌ بالصناعات المختلفة، وهي من عجائب الأقاليم والبلدان، ومنها يخرج الدجال عليه لعائن الله، وهي مدينة اتصلت باليهودية القديمة، وهناك مواد أُخر من الألفاظ الفارسية المبنية على الهمزة والنون: أصفهان همان، أسياهان.
وقد قال أبو عبد الله بن النطنزي في مدحها:
وفيها فصول الزمانِ اعتدلنَ... فلا فصل إلاَّ وما فيه طابا
فلا البردُ يُردي، ولا الحرُّ يؤذي... ولا الرِّيحُ تُقذي، وتُذري تُرابا
تَرى ابنَ ثلاثٍ بها يستفيدُ.. حديثَ الرَّسولِ، ويتلو الكتابا
فعادت لكلِّ جمالاً مجالاً ... وصارت لكلِّ صلاحٍ مآبا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق