قاعدة في الجرح والتعديل
للإمام تاج الدين عبد الوهاب بن علي السُّبكي
(727 -771 هـ)
تحقيق: عبد الفتاح أبو غُدَّة
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة
تمهيد/ هذه رسالة نافعة تتناول نقد قاعدة ذكرها الحافظ ابن عبد البر في كتابه "جامع بيان العلم وفضله"، حيث أشار إلى أن القاعدة العامة عند أهل الجرح والتعديل، هي "قبول الجرح في الراوي إذا جاء مُفسراً"، وقد انتقد التاج عبارة ابن عبد البر هذه، ووصفها بأنها قاصرة وغير صافية من القذى والكدر، وأنه ينبغي النظر في السبب الحامل على مثل هذا الجرح، لا سيما فيمن اشتهرت عدالته، والذي ربما يكون الحامل عليه هو إرادة الوقيعة، أو التعصُّب المذهبي، أو المنافسة الدنيوية، أو الغضب والحسد، واختلاف العقائد، فالذي يراه التاج السُّبكي هو وجوب تقييد كلام ابن عبد البر بعدم ووجود قرينة دالة على التحامل.
هذا مع أن ابن عبد البر رحمه الله أتبع ذلك بقوله: "الصحيح في هذا الباب أن من ثبتت عدالته، وصحت في العلم إمامته، وبانت ثقته وبالعلم عنايته، لم يُلتفت فيه إلى قول أحدٍ إلا أن يأتي جارحه ببيِّنةٍ عادلة، تصحُّ بها جَرحَتُه على طريق الشهادات". وهو نفس المعنى الذي أراد التاج تقريره في هذه القاعدة، وعليه تكون عبارة التاج هي ضبط وتقييد، وليس استدراكاً على الحافظ أبو عمر.
فالذي يراه التاج السُّبكي في هذه المسألة: أنه يقبل الجرح فيمن اشتهرت عدالته إذا جاء مُفسَّراً، وكان غير صادرٍ عن عداوةٍ أو حسد أو اختلاف مذهب، فإن كان كذلك؛ فلا يقبل الجرح. ولا اعتبار له ولو فُسّر، بل يحكم فيه بالعدالة والتوثيق، وكان جرحه كالخبر الغريب الذي لا يُقبل؛ لأن فيه مقتاً زائداً وإساءةً كبيرة لمن يجرحه.
وبين -رحمه الله -أنه إذا لم يعمل بهذه القاعدة، فسوف يفتح باباً يصعب إغلاقه؛ لأنه ما من إمام من الأئمة إلا وقد تٌكلم فيه من بعض حاسديه ومناوئيه. وإليه أشار الرافعيُّ رحمه الله: "وينبغي أن يكون المزكون براء من الشحناء والعصبية في المذهب خوفاً من ان يحملهم ذلك على جرح عدل او تزكية فاسق".
ثم أصل رحمه الله لمسألة حكم كلام الأقران في بعضهم، وبين أنه غير مقبول، بدليل السنة وأقوال الصحابة والتابعين والعلماء؛ فذكر حديث الزبير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد، والبغضاء" (رواه الترمذي).
وعند تأمُّل كلام التاج يتبين لنا أن هذا النقد لا يتوجَّهُ إلى ذات القاعدة، ولكن يتوجه إلى ذات الناقد، الذي تصدر عنه الأحكام، لأن الأصل في الناقد أن يكون ورعاً عدلاً ذا أمانة وديانة، وفقدان بعض النُّقاد لهذا الشرط أدى إلى تعصب الكثيرين منهم، فجرحوا أئمة بسبب مخالفتهم في الاعتقاد، أو في المذهب الفقهي، وهم المخطئون لأنهم جروا إلى أنفسهم الملامة، والمجروح هو المصيب لأنه بريء من الجرح، ويمكن اعتبار كلام التاج ضابطاً يُصحِّح مسار القاعدة؛ حيث التريث والتثبُّت من كلام النُّقاد في الثقات المجروحين.
وقوع التاج السُّبكي في شيخة الشَّمس الذهبيّ
ومن القضايا العجيبة أن نجد التاج السُّبكي يقع فيما قصد التحذير منه، والتنبيه إليه، فقد أسرف ابن السبكي، وبالغ في التشنيع على شيخه الذهبي، فعاب عليه فاتهمه بأنه يجرح عن تعصب وهوى، وتسرُّعٍ وغضب، بسبب المخالفة في العقيدة ! وهو نفسه قد وقع فيما رمى به شيخة الذهبي؛ إذ بالغ في جرح شيخه بسبب المخالفة في العقائد، ووصفه بأوصاف شنيعة غير لائقة، ولا نشك أن السُّبكي هو المخطئ والإمام الذهبي هو المصيب؛ لأن عدالته ثابتة قطعا، وكان التاج السبكي تلميذاً عاقاً، ونسي أن عمدته في أخذه لها العلم هو الإمام الذهبي، ولولاه لما جاء ولا راح، وقد ذكر هذا الأمر عن السُّبكي الإمام الحافظ شمس الدين السخاوي رحمه الله.
وقال الحافظ السخّاوي رحمه الله في "الإعلان بالتوبيخ" (ص 56)، بعد أن أشار إلى طرفٍ مما نقد به السُّبكيُّ شيخة الحافظ الذهبي رحمهما الله تعالى: "فالذي نسبه التاج السُّبكي إلى شيخ الذهبيّ، على تقدير تسليمه، إنما هو في أفراد، مما وقع التاج في أقبح منه"، ثم ذكر السخاوي نموذجاً لما وقع فيه التاج السُّبكي؛ فانظر هناك.
وقد انتقد القاضي الشوكاني في "البدر الطالع" (2/ 111) تشنيع السُّبكي في مواضع من "بقاته" على شيخة الحافظ الذهبي، وقال: "وَمن جملَة مَا قَالَه السبكي فِي صَاحب التَّرْجَمَة أَنه كَانَ إِذا أَخذ الْقَلَم غضب حَتَّى لَا يدرى مايقول!! وَهَذَا بَاطِلٌ؛ فمصنفاته تشهد بِخِلَاف هَذِه الْمقَالة، وغالبها الْإِنْصَاف والذب عَن الأفاضل، وَإِذا جرى قلمه بالوقيعة فِي أحد لم يكن من معاصريه؛ فَهُوَ إنما روى ذَلِك عَن غَيره، وَإِن كَانَ من معاصريه فالغالب أَنه لَا يفعل ذَلِك إلا مَعَ من يسْتَحقّهُ وَإِن وَقع مَا يُخَالف ذَلِك نَادرا فَهَذَا شَأْن الْبشر وكل أحد يُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك إلا الْمَعْصُوم، والأهوية تخْتَلف والمقاصد تتباين، وَرَبك يحكم بَينهم فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ".
تعقبات الشيخ عبد الفتاح أبو غُدة
على إسراف السُّبكي في ذمِّ الإمام الذهبيّ بغير علمٍ ولا إنصاف
ويقول الشيخ عبد الفتاح أبو غُدة (ص 37) في تعليقه على الكتاب: وما عاب به (يعني التاج) شيخة الإمام شمس الدين الذهبي، وقاله فيه -رحمهما الله تعالى -لا يخلو من مبالغة وتحامل بسبب المخالفة في العقيدة أيضاً، نسأل الله أن يرزقنا العدل في الرضا والغضب.
وعلق على قول السُّبكي (اني اعتقد ان الرجل كان اذا مد القلم لترجمة احدهم غضب غضباً مفرطاً وقرطم الكلام!!): فيه مبالغةٌ طافحة، وتحاملٌ مكشوف! ومتى كان هذا الإمام الفذ الفريد، الصاعقة في الحفظ والذكاء والفهم ولمعان الذهن، لا يعقل ما ينطلق؟! نسأل الله السلامة من الشطط وسوء الأدب.
وعلَّق الشيخ عبد الفتاح على قول السُّبكي: (ثم هو -أي الذهبي -مع ذلك غير خبير بمدلولات الالفاظ كما ينبغي؛ ودائماً اتعجب من ذكره الإمام فخر الدين الرازي في كتاب الميزان في الضعفاء وكذلك السيف الامدي)، فقال: صحيح اَن أَصل الكتاب: "ميزان الاعتدال" بني على نَقد الرواة من حَمَلة الأثار، ولكنْ العلماءَ- بصرف النظر عن الفخر الرازي والسيف الآمدي- الذين وقع منهم ما ينتقد في سيرتهم أوعقيدتهم، ولا رواية لهم، هل يؤاخذ الذهبى رحمه الله نعالى إذا تَرجم لهم بما هم عليه، ليعرَفوا لمن بعدهم؟ وقانا الله العصبية لغير الحق وأَهله.
وعلق الشيخ عبد الفتاح على قول السُّبكي: (واذا وصل الى هذا الحد والعياذ بالله فهو مطبوع على قلبه؟!!)؛ قال: لقد أَسرف الشيخ تاج الدين في حق شيخه الإمام شمس الدين الذهبي- لقباً ومعنى، وبالغَ حتى أَفرط! ومال حتى قسط! ووقع في الشطط والغلط! وكيف ساغ له التعبير بهذه الكلمة الكبيرة؟ وإنها لكبيرة. وإذا كان الإمام شمس الدين الذهبي (مطبوعاً على قلبه) وحاشاه من ذلك، فمن الذي أَعاذه الله من (الطبع على قلبه) ؟ نسأل الله العدل في الرضا والغضب، والعافية من الإفراط والتفريط.
وقال الحافظ السخاوي في "الإعلام بالتوبيخ" (ص 76) تعقيباً على كلام التاج السُّبكي هذا، في حق شيخة الشمس الذهبي رحمه الله تعالى: "بالغ السُّبكيُّ في كلامه! مع أن الذهبي عمدته في جُلِّ التراجم، وكونه -أي السُّبكي -قد زاد في التعصُّب على الحنابلة، كما أسلفته، فشاركه فيما زعمه من التعصب ودعوى الغِيبة. مع أني لا أنزه الذهبيَّ عن بعض ما نُسب إلأيه، وقد نَسَبَ إليه -أي الذهبي -ابن الجوزي إلى أنه في كتابه في "الضعفاء" يذكر من طعن في الراوي، ولا يذكر من وثقه. وعندي تحسيناً للظن به -أي ابن الجوزي -أنه لم يقف على التوثيق، والكمال لله تعالى. ويكفينا في جلالة الذهبي شربُ شيخنا الحافظ ابن حجر ماء زمزم لنيل مرتبته، وهل انتفع الناس في هذا الفن بعده وإلى الآن بغير تصانيفه؟ والسعيد من عُدَّت غلطاته".
وقوع التاج السُّبكي في يحيى بن معين
ولم يسلم النُّقاد الأكابر من تطاولات السُّبكي؛ لتي امتدت إلى مثل الإمام الناقد يحيى بن معين؛ لأجل أن ابن معين تكلم في الشَّافعي، وقد شنَّع السُّبكي على ابن معين تشنيعاً شديداً، وعيَّره بوقوعه في فتنة خلق القرآن!!، وقد علَّق الشيخ عبد الفتاح (ص 19): الذي يبدو من كلام المؤلف غفر الله له، أن الراجح عنده أن ابن معين لم يطعن في الإمام الشافعي المطلبي رضي الله عنه (وإنما أراد الطعن في ابن عمه)، وإذا كان كذلك، فما كان ينبغي أن يغمز في ابن معين هذا الغمز، ويشطَّ عن الجادَّة !... وتعييره لابن معين بسبب فتنة خلق القرآن، وهذا غير لائقٍ بمثله، رحمه الله تعالى، فإن المرء لا يدري ماذا يكون موقفه لو كان في موضع يحيى بن معين؟! ورأى ما رآه يحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأبو نصر التمّار وغيرهم، من عرضهم على السيف والعذاب، بشأن الامتناع عن الإجابة في تلك المسألة، نسأل الله العافية من كل بلاء، والعدل في القرباء والبعداء.
شروط المعدل والمُجرّح التي ذكرها تاج الدين السُّبكي
وقد وضع العلماء شروطاً ضابطة لمن يقوم بعملية الجرح والتعديل، وهذه الضوابط والشروط تكفل سلامة الناقد من الوقوع في الخطأ والزلل، وتصونه من الهوى، والغرض الفاسد، و لذا لم يقبل العلماء صدوره من أي عالم؛ حتى تتوافر فيه هذه الشروط، ومن شروط المعدل والجارح التي ذكرها التاج السبكي:
(1) الخبرة بمدلولات الألفاظ، لا سيما الألفاظ العرفية، والتي تختلف باختلاف أعراف الناس، وتكون في بعض الأزمان مدحاً وفي بعضها ذماً، ومثال ذلك إذا قال ابن معين في الراوي: "ليس بشيء"؛ ففي الغالب يعني به أن أحاديثه ضعيفة، وفي غير الغالب يُريد به تضعيف حديثه، وقيل: إنه مجهول.
(2) العلم بالأحكام الشرعية؛ لأن الناقد إذا كان جاهلاً بالحلال والحرام، ربما جرح بما يعتقده حراماً وليس بحرام: مثل من جرح لكونه بال قائماً، أو مدح بما يظنه مباحاً وليس بمباح، مثل: من يعتقد إباحة زواج المتعة.
(3) ومن ضوابط الجرح والتعديل التي ذكرها التاج السبكي، أنه لا يقبل جرح من اشتهر بالعدالة ولو فسر إذا كانت قرينة دالة على سبب جرحه.
ذكر مسائل الجرح والتعديل
التي ذكرها التاج السُّبكي في هذا الكتاب
أ- كلام الأقران في بعضهم البعض يُطوى ولا يُروى، إلا إذا جاء الجرح من عدلٍ وكان مُفسَّراً، ولم يكن الحامل عليه العصبية أو اختلاف المذهب.
ب- من شهد على آخر وهو مخالف له في العقيدة، مثل شهادة السني على المبتدع وعكسه؛ فإن أوجبت شهادته ريبة عند الحاكم المتبصر فإنه يقبله، والاحتياط في شهادة المبتدع على السُّني أشد. وأن الصحيح في المذهب قبول شهادة المبتدع إذا لم نكفره.
ج- وهل من جرح غيره بغير مُجرِّحٍ، هل يُجرح به ؟ قال: أما من تكلم بالهوى ونحوه فلا شك فيه، وأما من تكلم بمبلغ ظنه، وكان ثقةً: فيجوز أن يكون واهماً، أو جرح متأولاً (بما يظنه جارحاً وليس بجارح)، أو يكون نقله عمَّن يظنه صادقاً وهو مطعونٌ فيه، ففي هذه الحالات لا يُجرح الجارح بجرحه.
د - إذا تعارض جرحٌ وتعديل، واستويا من جهة الظن، قُدِّم الجرح المُفسَّر، لأنَّ فيه زيادة علم، وأما إذا لم يقع فيهما استواء الظن، فلا تعارض، ويكون العمل بأقوى الظنين من جرحٍ أو تعديل.
خاتمة القاعدة
وختم - رحمه الله - هذه القواعد والضوابط بوصية هامة نافعة لطالب العلم، وهي: اتباع طريق التأدب مع العلماء، وعدم الخوض فيما وقع بين الأقران من المشاحنات بغير دليل، وأن يلتمس لهم العذر والتأويل، وأن يترضى على جميعهم؛ لأن الاشتغال بعد معايبهم ليس من السداد والرشاد في شيء وربما جر على طالب العلم ذلك هلاكا وفسادا كبيراً.
أين ذكر السُّبكي هذه القاعدة ؟
وهذه القاعدة لم يذكرها الإمام السبكي في كتاب مستقل، وإنما أوردها استطراداً في كتاب "طبقات الشافعية الكبرى"، في ترجمة أحمد بن صالح المصري، لأنه طُعن عليه، وقد قال فيه النسائي: ليس بثقةٍ ولا مأمون، وقد قام الشيخ عبد الفتاح أبو غدة بتحقيقها والتعليق عليها، ضمن مجموعة من الرسائل المطبوعة.
وقد ذكر الشيخ أبو غُدَّة أوردها التاج السُّبكي في كتابه "طبقات الشافعية الكبرى" في ترجمة "أحمد بن صالح المصري"، وكان من المناسب ذكرها في ذلك الموضع، لما قيل في المترجم له من طعنٍ وتجريحٍ لا يُلتفتُ إليه،
وقام المحقق رحمه الله بمقابلة هذه الرسالة بمصدرين هامين لإمامين كبيرين، نقلا هذه القاعدة، وأولياها الاهتمام والتقدير:
المصدر الأول: للمؤرخ الأديب صلاح الدين الصفدي في مقدمته الجامعة النفيسة التي صدَر بها كتابه "الوافي بالوفيات"، فقد جعل نصَّ تلك القاعدة في الفصل العاشر من فصول مقدمته (1/ 56)، واستهله بقوله رحمه الله: الفصل العاشر في أدب المؤرخ: نقلتُ من خط الإمام الحجة شيخ الإسلام قاضي القضاة تقي الدين أبي الحسن علي بن عبد الكافي السُّبكي الشافعي، ما صورته: قَالَ يشْتَرط فِي المورخ الصدْق…".
المصدر الثاني: الحافظ المؤرح شمس الدين السخاوي رحمه الله تعالى في كتابه "الإعلان بالتوبيخ لمن ذمَّ أهل التوريخ" (ص 72 -76) ط- الترقي، بدمشق، سنة 1349 م.
وقد تناول هذه القاعدة بالدراسة والتحليل الشيخ الفاضل السعيد الصمدي، ضمن مقال بعنوان: قراءة في الجرح والتعديل؛ لابن السُّبكي، موقع الألوكة، وهو في غاية النفاسة، ولا مزيد عليه:
https://www.alukah.net/sharia/0/106640/
تميم لقاعدة السُّبكي من كتاب ابن ناصر في "الرد الوافر"
ومن المناسب هنا ذكر ما كتبه الإمام محمد بن أبي بكر ابن ناصر الدين الدمشقي الشافعي في كتابه "الرد الوافر "تتميماً للفائدة، والذي أرى أنه يخدم هذه القاعدة ويزيد في بيانها؛ قال رحمه الله: وَالْكَلَام فِي الرِّجَال ونقدهم يَسْتَدْعِي أمورا فِي تعديلهم وردهم:
(1) مِنْهَا أَن يكون الْمُتَكَلّم عَارِفًا بمراتب الرِّجَال وأحوالهم فِي الانحراف والاعتدال ومراتبهم من الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال.
(2) وَأَن يكون من أهل الْوَرع وَالتَّقوى مجانباً للعصبية والهوى، خَالِيا من التساهل عَارِيا عَن غَرَض النَّفس بالتحامل.
(3) مَعَ الْعَدَالَة فِي نَفسه والاتقان.
(4) والمعرفة بالأسباب الَّتِي يجرح بِمِثْلِهَا الانسان.
وَإِلَّا لم يقبل قَوْله فِيمَن تكلم، وَكَانَ مِمَّن اغتاب وفاه بِمحرم
وَإِذا نَظرنَا فِي طَبَقَات النقاد من كل جيل الَّذين قبل قَوْلهم فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل رأيناهم أَئِمَّة بِمَا ذكر موصوفين، وعَلى سَبِيل نصيحة الْأمة متكلمين" وذكر طبقاتهم من المائة وستين الهجرية، إلى نقاد القرن السادس الهجري ممن هو في طبقة شيوخه.
وذكر الحافظ ابن ناصر الدمشقي -رحمه الله -في "الرد الوافر" أن هؤلاء النُّقاد توافرت فيهم الشروط السابقة، وأنهم لم يكونوا يطعنون في الثقات، لأجل الهوى واختلاف المذهب، فقال: "وَلم نر أحدا مِنْهُم عمد إِلَى إِمَام جليل ثِقَة نبيل رَمَاه عَن الْإِسْلَام بالتحويل وَلَا أفْصح بِكُفْرِهِ تَصْرِيحًا وَلَا حكم عَلَيْهِ بعد مَوته بالْكفْر تجريحا حاشا أَئِمَّة هَذِه السّنة من الْميل عَن سنَن الْهدى أَو الانحراف إِلَى قلَّة الانصاف بِاتِّبَاع الْهوى لَكِن بعض الْأَعْيَان تكلم فِي بعض الأقران مثل كَلَام أبي نعيم فِي ابْن مَنْدَه وَابْن مَنْدَه فِيهِ فَلَا نتَّخذ كَلَامهمَا فِي ذَلِك عُمْدَة بل وَلَا نحكيه لِأَن النَّاقِد إِذا بحث عَن سَبَب الْكَلَام فِي مثل ذَلِك وانتقد رَآهُ إِمَّا لعداوة أَو لمَذْهَب أَو لحسد وَقل أَن يسلم عصر بعد تِلْكَ الْقُرُون الثَّلَاثَة من هَذِه المهالك وَمن نظر فِي التَّارِيخ الاسلامي فضلا عَن غَيره حقق ذَلِك وَمَا وَقع مِنْهُ فِي الْأَغْلَب كَانَ سَببه الْمَذْهَب".
وأنقل هنا خاتمة البحث، الذي ذكره الأخ الصمدي:
وبعد هذه الجولة الممتعة في رياض علم الجرح والتعديل، من خلال قراءة في (قاعدة في الجرح والتعديل) للتاج السبكي تبين لنا ما يلي:
- أن هذه القاعدة التي ذكرها التاج السبكي هامة ونافعة في بابها؛ لأنه حملت لنا بعضا من قواعد وشروط الجرح والتعديل مقرونة بأمثلة تطبيقية.
- أن العلماء وضعوا قواعد في الجرح والتعديل تعتبر ميزاناً لنقد المنقول، وهي تمثل أفضل ما يمكن أن يصل إليه العقل البشري المجرد نقاء وطهارة، وسلامة من الهوى والعصبية.
- ومن ضوابط الجرح والتعديل التي فصل فيها القول وجوب تفقد حال الجارح والمعدل عند اختلاف العقائد.
- تبين لنا أن ابن السبكي قد بالغ في التشنيع على شيخه الذهبي، ونسي أن عمدته في أخذه للعلوم هو الذهبي، ولولاه لما جاء ولا راح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق