خطبة الحاجة التي علمها النبي لأصحابه
للإمام محمد ناصر الدين الألباني
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذه رسالة قيِّمة في خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه، وكان السلف الصالح يقدمونها بين يدي دروسهم وكتبهم ومختلف شؤونهم، كالطحاوي، وابن تيمية، وغيرهم من العلماء والفضلاء.
وقد تتبع الإمام الألباني رحمه الله طرقها وألفاظها من مختلف كتب السنة المطهرة، ووضعها في هذه الرسالة، وجعلها على فصلين وخاتمة.
وقد شرح عددٌ من أهل العلم القدامى، والمُعاصرين خطبة الحاجة، منهم:
1- شيخ الإسلام ابن تيمية،
وقد أفرد لها فصلاً في مجموع الفتاوى (18/ 285- 290)، وقام بشرح هذا الفصل الشيخ أحمد بن عمر الحازمي (وهو جيد جداً).
2- الشيخ سالم الطويل.
3- الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
4- الشيخ فؤاد بشر الكريم الجُهني.
5- الشيخ عبد الرحمن الفهيد.
6- الشيخ أ. د. صالح سندي (وهو أنفعها).
وغيرهم من أهل العلم.
----------------------------------------
أما الفصل الأول: فهو نصُّ خطبة الحاجة، وهي:
(خطبة الحاجة)
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره.
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} أما بعد: (ثم يذكر حاجته).
الفصل الثاني: في تخريج الخطبة (انظر: ص 9- 35).
وقد وردت هذه الخطبة المباركة عن سبعةٍ من الصحابة، وتابعي واحد وهم:
1- عبد الله بن مسعود، وله (4 طرق):
أولاً: من طريق أبي عبيدة بن عبد الله، عن أبيه، وفيه: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة - في النكاح وغيره) رواه أصحاب السنن بسندٍ فيه انقطاع وزيادة "في النكاح وغيره" من كلام أبي إسحاق وليس ابن مسعود.
ثانياً: من طريق أبي الأحوص، عنه، وفيه: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة؛ فقال: التشهد في الحاجة) وذكره. رواه الترمذي والنسائي، وهو حديث حسن صحيح.
ثالثاً: من طريق أبي عياض، عنه، وزاد فيها بعد قوله "عبده ورسوله"، قال: (أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً)، أخرجه أبو داود، وغيره بإسناد ضعيف، ولعته أبي عياض المجهول. وليس في متن هذه الرواية نكارة وهي قوله: "ومن يعصهما".
فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن هذه اللفظة؛ كما في حديث عدي بن حاتم، وفيه: "من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى"، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت، قُل: ومن يعص الله ورسوله".
قال العلماء: إنما أنكر عليه لتشريكه في الضمير المقتضي للتسوية وأمره بالعطف تعظيما لله تعالى بتقديم اسمه.
وأما ما جاء من جمع الضمير في الأحاديث الصحيحة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله: "أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" وغيره من الأحاديث.
فأجاب عنه الألباني، ومن قبله العز بن عبد السلام: بأن ذلك خصوصيةٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك لأحدٍ من أفراد الأمة، فجمعه الضمائر لا يقتضي التسوية، بخلاف جمع غيره الذي قد يوهم التسوية، ويُخلُّ بالتعظيم الواجب.
وبه قال الإمام أبو الحسن السندي، ونقله عن القرطبي.
رابعاً: من طريق شقيق عنه، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد والخطبة، كما يعلمنا السورة من القرآن.... والخطبة الحمد لله.... ) رواه البيهقي بإسناده ضعيف.
2- وأبو موسى الأشعري. رواه أبو يعلى، بسندٍ فيه انقطاع.
3- وعبد الله بن عباس.
وذكر فيه قصة إسلام ضماد الأزدي لما سمع خطبة الحاجة، وأخذ البيعة له ولقومه. وزاد لفظة: "ونستغفره" أخرجه مسلم. وقد تردد شيخ الإسلام ابن تيمية في ثبوت هذه الزيادة وهي صحيحة ثابتة بدون شك.
4- وجابر بن عبد الله:
ولفظه: (الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا)، أخرجه الخطيب بإسنادٍ ضعيف جداً، وآفته عمرو بن شمر فإنه كذاب وضاع.
وفي رواية صحيحة لأحمد، عنه مرفوعاً: (من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة).
5- ونبيط بن شريط.
وذكر خطبة النبي صلى الله عليه وسلم عند الجمرة. وهي مختصرةٌ: (الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، أوصيكم بتقوى الله) رواه البيهقي بإسناده ضعيف.
6- وعائشة رضي الله عنها.
وفيه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر هاتين الآيتين في الخطبة..) الحديث، أبو بكر بن أبي داود في مسند عائشة بإسناد جيد.
7- حديث سهل بن سعد.
وفيه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب الناس أو علمهم لا يدع هذه الآية..) رواه سمويه في فوائده.
* أما التابعي، الواردة عنه، فهو الزهري - رحمه الله -:
وزاد فيه بعد قوله "عبده ورسوله": (أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى) رواه أبو داود وغيره، بإسناد ضعيف؛ لأنه مرسل، ولا يعضده الطريق الثالث عن ابن مسعود؛ لأنه يحتمل أن يكون الزهري أرسله عن أبي عياض وهو ضعيف، ويحتمل غيره، ومع الاحتمال يسقط التقوي.
الخلاصة:
قد تبين لنا من مجموع الأحاديث المتقدمة:
(1) مشروعية خطبة الحاجة، وأنها تفتح بها جميع الخطب سواء كانت خطبة نكاح أو خطبة جمعة أو غيرها فليست خاصة بالنكاح وحده، كما قد يظن. وفي بعض طرق حديث ابن سعود التصريح بذلك كما تقدم.
(2) وأنها سُنَّةٌ مؤكدة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وليست واجبة، ولا تجب في عقود البيع والشراء والإجارة، بل ولا تُستحب لعدم ورود ذلك عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
(3) وردت خطبة الحاجة عن سبعةٍ من الصحابة بأسانيد متفاوتة في الصحة، والضعف، وبألفاظ مختلفة، وجاءت عن تابعي واحد وهو الزهري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق