زكاة المدين وتطبيقاته المعاصرة
د. أحمد محمد خليل
دار ابن الجوزي، ط، 1428 هـ
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وقد قرنها الله عز وجل بالصلاة في مواضع كثيرة من كتابه الكريم، قال تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} (البقرة: 43)، ولا شك أن الزكاة دعامة من دعائم الإسلام، وأداؤها عنوانٌ على العمل بطاعة الله عز وجل، وفي القرآن الكريم نفحاتٌ طيبة، وأنسامٌ لطيفة تُؤكد على فلاح من يُطهر نفسه من الشُّح: {ومن يُوق شُحَّ نفسه فأولئك هم المُفلحون}(الحشر: 9)، وقد مدح سبحانه أهل الزكاة، وهي من أوجب الصدقات، وجعلها سبباً في الطهارة والنقاء المعنوي لمُخرجها، ونجاةً وفلاحاً له في الآخرة.
وهذا بحثٌ نفيس في (زكاة الدين)، نتعرف من خلاله إلى أحكامٍ متنوعة ومختلفة في الزكاة، من حيث تعريفها، ومشروعيتها، وأقسامها، وتأثرها بالديون، وشروط أدائها.
ونستعرض من خلاله آراء الفقهاء وأدلتهم في إسقاط الدين من الزكاة، ومناقشتها بطريقة علمية، وهو يبحث في الديون عموماً وتأثيرها في الزكاة، سواءٌ كان الدين مؤجلاً أو معجلاً، أو كان ديناً لله أو للعباد، مع التفصيل في بعض المسائل المعاصرة مثل: قرض البنك العقاري، والقروض الأخرى التي يأخذها الإنسان من بنوك التمويل، وكذلك الديون الاستثمارية، والديون المترتبة على شراء السيارات، والديون المتعلقة بجمعيات الموظفين، وتأثير ذلك كله على الزكاة..
وقد خلص الباحث إلى ما يلي:
1- الزكاة تُطلق في اللغة على النماء والبركة والطهارة.
2- الزكاة في الشرع: هي حقٌّ واجبٌ في مالٍ مخصوص، لطائفةٍ مخصوصة، في وقتٍ مخصوص.
3- الدين لغةً: كل شيءٍ لم يكن حاضراً فهو دين.
4- الدين اصطلاحاً: اسمٌ لمالٍ واجب في الذمة بسبب قرضٍ أو مبيعٍ أو غيرهما.
5- الدينُ أعم من القرض؛ والقرض هو أحد أسباب الدين.
6- للدين أقسامٌ كثيرة باعتبارات مختلفة: وذلك باعتبار المُطالب به (دين الله، ودين العباد)، وباعتبار وقت أدائه (حالٌّ، ومؤجل)، وباعتبار قدرة الدائن على الحصول عليه (مرجو السداد، وغير مرجو السداد)، وباعتبار تعلُّقه (بالذمة وحدها، أو موثق برهن)...
7- الأقرب للصواب أن الأموال الزكوية تنقسم إلى قسمين:
الأموال الظاهرة: وهي ما لا يُمكن إخفاؤه من الأموال، وتشمل:
أ- السائمة. ب. الزروع. ج. الثمار.
الأموال الباطنة، وهي: ما لا يُمكن إخفاؤه من الأموال، وتشمل:
أ- الأثمان (الذهب والفضة). ب. عروض التجارة.
8-وأظهر قولي العلماء: أن الدين يمنع وجوب الزكاة بقدره في الأموال الباطنة لا الظاهرة، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُرسل سعاته إلى أصحاب الأموال الظاهرة لأخذ الزكاة منهم، ولم يكونوا يسألونهم عن الديون، وهو مذهب الشافعية، والمالكية، والظاهرية، والحنفية في (الزروع والثمار فقط)، وهو مذهب الصحابة والتابعين.
9- يشترط في "الدين" المانع للزكاة في الأموال الباطنة:
أ- ألا يجد ما يقضي به دينه سوى النصاب، أو يجد غير النصاب لكنه لا يستغني عنه لكونه من حاجاته الأصلية كمسكنه، وكتبه، وثيابه، ونحوها.
ب- أن يكون تعلُّق الدين بذمته قبل الحول ووجوب الزكاة عليه؛ فإن أداه بعد الحول وقبل وجوب الزكاة عليه: لم يُحسم ما وجب عليه من الدين من الزكاة؛ لأن الدين يؤثر في منع وجوب الظكاة لا في إسقاطها بعد وجوبها.
ج- أن يكون الدين مستغرقاً للنصاب، أو مننقصاً له، أما إذا كان لا يستغرق النصاب ولا يُنقص منه، فإنه يُزكي الباقي.
10- الأظهر أن الديون لا تمنع وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة، وقد تقدم.
11- أرجح القولين: أن الدين المؤجل لا يمنع وجوب الزكاة، وهو قول الحنفية، ورواية عن أحمد، خلاف الدين الحال. قالوا: لأن الدين المؤجل غير مُطالبٍ به في الحال.
12- وأرجح القولين: أن دين الله عز وجل (كالكفارات والنذور…) يمنع وجوب الزكاة كدين الآدمي تماماً، ولو لم يكن له مُطالبٌ، وهو قول الحنابلة وبعض الحنفية والمالكية، لأن الزكاة تتعلق بالعين، ولحديث: (فدين الله أحقُّ بالقضاء).
13- قرضُ البنك العقاري: وهو أن الحكومة تُقرض مواطنيها مبالغ محددو كمساعدة لهم في بناء منازل، ويُسددها المقترض على دفعات سنوية، وحكمها أنه يُخصم القسط الحال من الزكاة إذا وافق وجوبه وجوب الزكاة، واستكمل الشروط الأخرى: من بلوغ المال النصاب، وحولان الحول، ويشترط كذلك أن لا يدخل فيه الأثاث المبالغ فيه، ولا يُحتاج إليه.
14- الديون الاستثمارية: وهي الديون التي تؤخذ لتمويل مشروعات تجارية يُقصد منها التكسب و تنمية الأموال؛ فيها تفصيل:
أ- إن كان استدان ليسُدَّ فاقته وحاجته بلا مبالغة ولا إقتار؛ فهذا يحسم دينه من زكاته.
ب- وإن كان استدان لزيادة توسُّعٍ في تجارته أو للبدء بمشروع تجاري من أجل زيادة الدخل، مع وجود ما يكفي حاجته الأصلية، أو يستدين للبدء بمشروع تجاري ضخم؛ فهذا لا يخصم الدين من الزكاة.
15- ديون شراء السيارات بالتقسيط؛ فيها تفصيل:
أ- إن كان اقترض لشراء سيارة وكان بحاجتها حاجة ماسّة، فتكون مما لا يُستغنى عنه ومن الحاجات الأصلية، على شرط أن تكون بثمنٍ معتدلٍ؛ فهذا يجوز له أن يحسم مقدار الدين من الزكاة.
ب- أما إذا اشترى سيارة مرتفعة الثمن، أو اشترى سيارة أخرى مع سيارته من غير حاجة لها، فهذا لا يجوز له أن يحسم مقدار القسط أو الدين من الزكاة؛ لأنها من الكماليات.
16- ديون جمعيات الموظفين فيها تفصيل:
ويدخل فيها جمعيات الأصدقاء، أو العائلة، وهي التي يدفع فيها أقساط ثابتة من الشركاء. فإذا اقترض أحدهم من الجمعية؛ فإنه سيكون مديناً لها. فهل يحسم مقدار هذا الدين من أمواله الزكوية ويؤديه إلى الجمعية كسداد لأصحابها؟ والجواب: أن الدين يُحسم من أمواله الزكوية فقط، دون باقي الأقساط المؤجلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق