الجواب الشافي عن السؤال الخافي
للإمام الحافظ أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني
تحقيق: د. عبد الرؤوف بن محمد بن أحمد الكمالي
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذه رسالة صغيرة الحجم، كبيرة القدر، كثيرة العلوم، جمَّة النفع، نفيسةً في بابها، اختصرت بحوث مطوَّلة في مسائل القبر ونعيمه وعذابه وسؤاله، وبعض ما يجري في القيامة من أحوال البعث والحشر والعرق، للإمام الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، يُجيب فيها عن أسئلةٍ وُجهت إليه، وعدتها ثلاثون سؤالاً، فأجاب عنها رحمه الله في هذه الورقات.
وهذه المسائل وأجوبتها باختصار، هي:
هل يُقعد الميت ويُسأل، أم يُسأل و وهو راقد؟
والجواب أنهما يسألانه وهو قاعد؛ ولحديث: (فيأتيه ملكان فيُجلسانه).
وهل تعود الروح إلى الجسد عند السؤال؟
نعم، ولكن ظاهر الحديث أنها تحلُّ في نصفه الأعلى.
وأين تُقيم الروح بعد السؤال؟
والجواب: أن روح المؤمنين في عليين، وروح الكافرين في سجين، ولكل روح اتصال بجسدها، وهو اتصال معنوي لا يشبه الاتصال بحياة الدنيا، بل أشبه شيء به حال النائم وإن كان هو أشد من حال النائم انفصالاً.
وهل يسمع الميت كلام من يلقنه أم لا ؟
فالجواب: نعم يسمع؛ لوجود الاتصال الذي أشرنا إليه.
وهل الميت يعلم بمن يزوره ؟
نعم، إنه قد يعلم إذا أراد الله ذلك؛ فإن الأرواح مأذون لها في التعرف.
وماذا يقول منكر ونكير له؟
يسألانه كما في حديث البراء الطويل عند أحمد: من ربُّك؟ وما دينك؟ وما الرجل الذي بُعث فيكم.
وهل يُكشف للميت حتى يرى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليُسأل عنه؟
والجواب: لا، وهذه دعوى بغير دليل.
وهل عذاب القبر على الروح أم الجسد، أم كلاهما؟
فالجواب: أنه عليهما ماً؛ لكنه يقع على الروح حقيقة، ويتألم الجسد مع ذلك أو يتنعم.
أين مقرُّ الأرواح؟
والجواب أن الروح تكون في عليين أو في سجين، ولها بجسدها اتصالاً معنوياً، بحيث تتألم بتألمه، وتتنعم بتنعمه.
وأين يغرس الريحان أو الجريد من القبر؟
فالجواب: أنه ورد في الحديث الصحيح مطلقاً، فيحصل المقصود بأي موضع غرس في القبر.
وهل يصل ثواب القراءة إلى الميت؟
والجواب: أن هذه مسألة مشهورة، وقد كتبت فيه كراسة، ولعله كتاب (أحوال الميت من حين الاحتضار إلى الحشر)، قال: والحاصل منها: أن أكثر المتقدمين من العلماء على عدم الوصول، وأكثر المتأخرين من العلماء على الوصول، وأن المختار الوقف عن الجزم بالمسألة، مع استحباب عمله والإكثار منه.
وهل للإنسان تصرفٌ في الأعمال بحيث يتمكن من إهدائها؟
والجواب على ما قاله ابن حجر أنه لا يملك ذلك.
وهل تنتقل روح الميت بانتقال جثته أم لا؟
فالجواب: نعم قد قدمنا أن الروح وإن لم تكن داخلة في الجسد، لكن لها به اتصال، فإلى أي موضع نقل، الاتصال مستمر.
وإذا تفرقت الأعضاء في أماكن مختلفة أين تكون الروح؟
فالجواب: أن الروح متصلة بكل منهما، ولو فرق بعدد أعضاء الميت فالجواب كذلك.
وهل يُشرع معالجة المحتضر أم أن الأفضل ترك ذلك؟
فالجواب: أنه إذا انتهى إلى حركة المذبوح فترك العلاج أفضل، وإلا فالعلاج مشروع، وربك على كل شيء قدير.
وهل من أخل بشيء من هذه العبادات، هل يقضيها يوم القيامة؟
فالجواب: أنه لا قضاء هناك بالفعل، وإنما قضاؤه أن يؤخذ من نوافل ذلك العمل فيكمل به ما وقع فيه الخلل من فرائضه، فإن لم يكن له نوافل فمن حسناته من جنس آخر، فإن لم يكن له حسنات فيطرح عليه بمقدار ما بقي عليه من سيئات، إلا أن يعفو الله ويسمح.
وهل في القيامة عمل أم عقوبة؟
والجواب أنه لا يوجد عمل، وإنما ثواب أو عقاب.
وهل يرخص لمؤدب الأطفال الذي يكثر منه الحدث أن يمس المصحف أم لا؟
فالجواب: أنه يسامح مثله في ذلك؛ لما ذكر من المشقة، ولكن يتيمم؛ فإن زمنه أسهل من زمن الوضوء، فإن استمرت المشقة فلا حرج.
وهل الملكان الكاتبان يجلسان على قبر الميت ويستغفران له؟
والجواب أنه إن كان الحديث ثابتاً كما رواه الترمذي؛ فإنهما يكونان كذلك.
وهل هما الملكان "السائق" و"الشهيد" أم غيرهما؟
فالجواب: أنهما هما الكاتبان، بخلاف من فسره بغيرهما. وقد اختلف في ذلك على أقوال، ذكرها الطبري وغيره.
وهل يكون في يوم الحشر على كل قدم سبعون ألف قدم؟
ولا أعلم بماذا أجاب الحافظ عن ذلك.
وهل تدنو الشمس في القيامة من رؤوس الخلائق ؟
فالجواب: نعم، هو حق؛ ورد به الحديث الصحيح، فوجب الإيمان به.
وهل في القيامة شمس؟
فالجواب: نعم، لكن في الموقف فقط، ثم تطرح الشمس والقمر بعد ذلك في النار إذا انقضى أمر الموقف.
وهل يحشر الناس في العَرَق كما قيل؟
فالجواب: نعم، ثبت ذلك في الحديث الصحيح، وأن منهم من يلجمه العرق إلجاماً، ومنهم من يصل إلى صدره، وإلى ركبتيه، وغير ذلك، على قدر أعمالهم.
وهل يحشر الناس بهذه الأجساد أم هي غيرها؟
فالجواب: نعم، إن الذي يعيده الله تعالى هي الأجساد الأول لا غيرها، وهذا هو الصحيح بل الصواب، ومن قال غيره فقد أخطأ عندي؛ لمخالفته ظاهر القرآن والحديث.
وهل تكون العينان في الرأس أم في الوجه؟
فالجواب: أنهما في الوجه على ما كانتا عليه في دار الدنيا.
وهل يكون الخلق كلهم طولا واحداً أم يكونون مختلفين؟
فالجواب: أن كل واحد منهم يكون على ما مات عليه، ثم عند دخول الجنة يصيرون طولا واحدا؛ ففي الحديث: «يبعث كل عبد على ما مات عليه».
وهل يحشر الناس في القيامة بشعور أم بغير شعور؟
فالجواب: نعم، يبعثون كذلك، ثم يدخلون الجنة جردا مرداً، كما ثبت في الحديث.
وهل يعرف الناس بعضهم بعضاً أم لا؟
فالجواب: نعم، يعرف بعضهم بعضاً.
وهل يميت الله العصاة في النار إماتة صغرى أم كيف الحال؟
فالجواب: نعم، ثبت ذلك في «صحيح مسلم»: أن من يدخل النار من عصاة هذه الأمة يميتهم الله إماتة. وقال العلماء: هي إماتة صغرى، ثم يخرجهم بالشفاعة، فيلقون في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق