أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 18 يونيو 2020

التوسُّل والوسيلة
شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية 

تحقيق الشيخ: إبراهيم رمضان

دار الفكر اللبناني- بيروت، الطبعة الأولى، 1992 م

جمع وإعداد: أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة


تمهيد/ لا شكَّ أن الغلو في الأنبياء والصالحين: بدعائهم  والاستغاثة بهم من الشرك المُحرَّم، مع ما فيه من الظُّلم للنفس، والإساءةِ إلى هؤلاء الأنبياء والصالحين الذين لا يرضون أن يجعلهم الغلاة أرباباً تُعبد من دون الله، أو يُطلب منها المدد والولد والمال أو الفرج والغوث والإعانة…


وقد نبت في المتأخرين كثيرٌ من أدعياء العلم وُدعاة الضلال الذين يُخالفون الكتاب والسُّنة، وهدي سلف الأمة، الذين ألهاهم عن التوحيد علوم اليونان، وفلسفة الإغريق، فامتزجوا بعقائد الحلول والاتحاد، والخرافات والأساطير التي ما أنزل الله بها من سُلطان… 


فكان لهم من الغلو في الأموات من الصالحين وغير الصالحين نصيب، ونشأت بدعة التعلُّق بالقبور والاستغاثة بأصحابها، والتوسُّل بذوات الأموات، وكل هذا من تلاعب الشياطين ببعض الغواة من بني آدم، الذين حجبتهم الشياطين عن توحيد الخالق، فزين لهم الشرك تحت ظلال القباب وعلى شواهد القبور وعلى أستارها وسُرجها، فأشركوا مع الله غيره في أخصِّ خصائص الربوبيّة من الاستعانة والاستمداد وطلب الرزق والشفاء، وفي ذلك ما ترى وتسمع من إفساد مصالح العباد في المعاش والمعاد…


ولكن لا يزال في هذه الأمَّة من هو قائمٌ بالحقِّ، ثابتٌ عليه، يُقيم حُجَّة الله على عباده -كما أشار إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحقِّ، لا يضرُّهم من خالفهم حتَّى يأتي أمر الله وهم كذلك"...


 وقد بدأت بدع القبورية تظهر في الأمة وتنتشر إبَّان القرن الثالث الهجري، فأنكرها علماء ذلك الزَّمان، وحربوها أيَّما محاربة، ثم كثرت المنازعة في المتأخرين من أهل البدع لموافقتهم أهواء السلاطين، إلى أن أتى الله بشيخ الإسلام حقَّاً وصدقاً، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحرَّاني الحنبليَّ حامل لواء مذهب أهل الحقِّ بالحقِّ… الذي صدح بالحق، ونادى بتوحيد القصد والعبادة لله وحده بالرغبة والرهبة والافتقار والتذلُّل والتوكل والمحبة والاستمداد والاستعانة والاستغاثة..


وقد كان رحمه الله صاحب القلم الذي لا يُشق له غُبار، ولا يُدرك في مضمار، وكان رحمه الله سيفاً مسلولاً على أهل البدع والأهواء، وبلاءً مبرماً  على من خالف هذه الشريعة الغراء…


ورأينا في تاريخه المجيد أنه كلما ظهر وظفر على المبتدعة كثر خصماؤه وحاسدوه من المارقة ودعاة الضلال، وهذا طبيعيٌّ جداً؛ فإن الحقَّ صعبٌ على المغلوب في ميدان الاستدلال، وترك مألوف العوائد مما تأباه القلوب..


ومن ثمرة جهاد ذلك الفارس كان هذا المؤلَّف النفيس "التوسُّل وأنواعه" والذي فجَّرته يراع ذلك العلم الأشمّ -بالإضافة إلى الكثير من المؤلفات النافعة - الذي يكاد يُضيء من نور الوحي للأمة طريق الخير والهداية- بعد كتاب الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وقد طُبع هذا الكتاب باسمٍ آخر، وهو "قاعدة جليلة في التوسُّل والوسيلة"، وقد أشرنا لذلك في طبعتي الشيخين الجليلين: 
- الشيخ ربيع بن هادي عُمير المدخلي
- والشيخ عبد القادر الأرناؤوط

ونحنُ هنا نختار بعض الفقرات الذي ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله في هذا المصنَّف النفيس (مرَّقمةً)، ومن ذلك:


  • الأصول التي بُني عليها هذا الدين:
1- وهذا الدين مبنيٌّ على أصلين عظيمين، هما:
- أن نعبد الله وحده لا شريك له.
- وأن نعبده بما شرعه على ألسنة رسله، فلا نعبده بعبادة مبتدعة. 
* وكل من لم يعبد الله بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم -بما شرعه الله من واجب ومستحب فليس بمسلم حقيقةً.


  • الأصل العام في العبادات التوقيف والاتِّباع:
2- ولا ينبغي لأحدٍ أن يخرج في هذا عما مضت به السنة، وجاءت به الشريعة، ودل عليه الكتاب والسنة، وكان عليه سلف الأمة. 
* وما عَلِمَهُ قال به، وما لم يعلمه أمسك عليه، ولا يقفو ما ليس له به علم، ولا يقول على الله ما لم يعلم؛ فإن الله تعالى قد حرم ذلك كله.
* والذي ارتضاه الله لخلقه هو ما أكمل به الدّين من التوحيد والإحسان والعدل.


  • الوسيلة والتوسُّل في القرآن الكريم:
3-ولفظ الوسيلة مذكور في القرآن في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} (المائدة: 35)، وقوله: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} (الإسراء: 57). 
والوسيلة التي أمرنا الله أن نبتغيها إليه، وأخبر عن ملائكته وأنبيائه أنهم يبتغونها إليه: هي التقرب إلى الله بطاعته، والتوسل إلى الله عز وجل باتباع ما جاء به الرسول، وهذا يدخل فيه كل ما أمرنا الله به ورسوله، لا وسيلة لأحد إلى الله إلا ذلك. 
وهذه الوسيلة لا طريق لنا إليها: إلا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان به وطاعته، وهذا التوسل به فرض على كل أحد. 
وهي ما يتقرب إليه من الواجبات والمستحبات، ولا يدخل في ذلك: المحرم، ولا المكروه، ولا المباح. 


  • الوسيلة والتوسُّل في السُّنة النبويَّة الصحيحة:
4-وأما لفظ "الوسيلة" في الأحاديث الصحيحة؛ فله معانٍ صحيحة: 
الأول: درجة خاصة بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم في الجنة:
وقد رغبنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم في أن نسأل الله له الوسيلة والفضيلة، وأن يبعثه مقاماً محموداً الذي وعده. ويدلُّ لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد)/صحيح مسلم: 348/، فهذه الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. 
الثاني: التوسُّل بطاعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومحبته واتِّباعه وامتثال أمره؛ فهذا فرضُ عينٍ لا يتم الإيمان إلا به.
الثالث: التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته:
والمراد به التوسل بدعائه وشفاعته، كما في توسُّل الرجل ضرير بدعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ حتى رد الله عليه بصره بدعائه وشفاعته، وكما كان الصحابة يتوسلون بشفاعته في الاستسقاء وغيره.
الرابع: التوسُّل بدعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم يوم القيامة:
كما يسأله الناس يوم القيامة أن يشفع لهم، فهذا توسُّلٌ من باب قبول الله دعاءه وشفاعته لكرامته عليه. فالناس يتوسلون إلى الله تعالى بشفاعته التي هي دعوته التي ادَّخرها عند الله -أن يُفرِّج عنهم ما هم فيه من الكرب والغم... 
الخامس: التوسُّل بالعمل الصالح: مثل سؤال الثلاثة الذين آووا إلى الغار.


  • أعظم ما يتوسَّل به المتوسلون هو:
5- الإيمان بالله عز وجل، والإقرار لنبيِّه بالرسالة صلى الله عليه وسلم.
إن أعظم ما توسل به المتوسلون بعد الإيمان بالله عز وجل وبعد إفراده بالطاعة والعبادة، هو الإيمان بنبيِّه صلى الله عليه وسلم، واتِّباعُ سنته وهديه، وهو أعظم الشفعاء قدراً، وأعلاهم  جاهاً عند الله سبحانه.. 
* فلو سأل الله بإيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم ومحبته له، وطاعته له، واتباعه؛ لكان قد سأله بسببٍ عظيم يقتضي إجابة الدعاء بل هذا أعظم الأسباب والوسائل.


  • ومن التوسُّل المشروع الصلاة والسَّلام عليه صلى الله عليه وسلم:
6- ونصوص الكتاب والسنة متظاهرة بأن الله أمرنا أن نصلي على النبي ونسلم عليه في كل مكان، فهذا مما اتفق عليه المسلمون، فهذه الوسيلة هي التي شرع لنا أن نسألها الله تعالى -كما شرع لنا أن نصلي عليه ونسلم عليه - هي حق له، كما أن الصلاة عليه والسلام حق له صلى الله عليه وسلم. 


  • اشتباه التوسُّل بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم على كثيرٍ من المتأخرين مع كونه محكماً في عضر الصحابة:
7- والتوسل بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم والتوجه به إلى الله لفظٌ فيه إجمال واشتراك بحسب الاصطلاح: 
-فمعناه في لغة الصحابة: أن يطلب منه الدعاء والشفاعة، فيكونون متوسلين ومتوجهين بدعائه وشفاعته. ودعاؤه وشفاعته صلى الله عليه وسلم من أعظم الوسائل عند الله عز وجل. 
-وأما في لغة كثير من الناس (المتأخرين): فمعناه أن يسأل الله تعالى ويقسم عليه بذاته.


  • من السُّنة التوسُّل بدعاء الصالحين الأحياء:
8- وقد مضت السنة أن الحي يُطلب منه الدعاء كما يطلب منه سائر مايقدر عليه، وأما المخلوق الغائب والميت، فلا يطلب منه شيء.
* وينبغي للخلق أن يدعوا بالأدعية الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنة، فإن ذلك لا ريب في فضله وحسنه، وأنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
بل طلب الدعاء مشروع من كل مؤمن لكل مؤمن، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر لما استأذنه في العمرة:" لاتنسنا يا أخي من دعائك".
*وحتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب من (أويس القرني) أن يستغفر للطالب (وهو عُمر بن الخطاب) وإن كان الطالب أفضل من أويس بكثير.


  • الإيمان بالنبيِِّ صلى الله عليه وسلم وطاعته واتِّباعه أعظم عند الله من مجرد شفاعته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
9-وقد اتفق المسلمون على أنه صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق جاهاً عند الله، وأنه لا جاه لمخلوق عند الله أعظم من جاهه، ولا شفاعة أعظم من شفاعته، ولكن الإيمان بالأنبياء وطاعتهم أعظم عند الله من دعائهم وشفاعتهم له، فكل من مات مؤمناً بالله ورسوله، مطيعاً لله ورسوله كان من أهل السعادة قطعاً، ومن مات كافراً بما جاء به الرسول كان من أهل النار قطعاً.


  • التوسُّل المشروع في الدنيا يكون بالإيمان به صلى الله عليه وسلم، ومحبته، وامتثال أمره، وهذا هو أصل الدِّين ولُبِّه:
10-والتوسل بالإيمان بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم وطاعته واتباعه، وكذا التوسُّل بدعائه حال حياته مشروعٌ باتفاق المسلمين، بل إن التوسل بالإيمان به واتباعه هو أصلُ الدين، ومن أنكر التوسل به بأحد هذين المعنيين فهو كافرٌ مرتد، يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتداً؛ لأن التوسل بالإيمان به وبطاعته هو أصل الدين ومعلومٌ من الدين بالضرورة، ولأن دعاءه وشفاعته في الدُّنيا فلم ينكرها أحدٌ من أهل القبلة.


  • إثبات الشفاعة له صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وهي يومئذٍ أنواعٌ كثيرة:
11-وأما الشفاعة يوم القيامة: فمذهب أهل السنة والجماعة -وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم -أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم له شفاعات يوم القيامة خاصة وعامة. وأنه يشفع فيمن يأذن الله له أن يشفع فيه من أمته من أهل الكبائر. 
ولا ينتفع بشفاعته إلا أهل التوحيد المؤمنون؛ دون أهل الشرك ولو كان المشرك محباً له، معظماً له، لم تنقذه شفاعته من النار وإنما ينجيه من النار التوحيد والإيمان به.


  • أسعدُ الناس بشفاعته صلى الله عليه وسلم هم المتحقِّقون بالتوحيد ظاهراً وباطناً، لا يعبدون غير الله، ولا يستغيثون بسواه سبحانه:
12- و"أسعدُ النَّاس بشفاعته صلى الله عليه وسلم هو من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه" /رواه البخاري/. وفي /صحيح مسلم/: "أن شفاعته صلى الله عليه وسلم نائلةٌ من أمته من لا يُشرك بالله شيئاً". وفي لفظٍ في /السنن/ أنها: "لمن مات لا يُشرك بالله شيئاً". وفي /لفظٍ/: "من لقي الله لا يُشرك به شيئاً فهو في شفاعتي".


  • مراتب الشرك في دعاء الأموات والاستشفاع بهم:
 13- والمراتب في هذا الباب ثلاث:
(إحداها): أن يدعو غير الله وهو ميت أو غائب، سواء كان من الأنبياء والصالحين أو غيرهم؛ فيقول: يا سيدي فلان أغثني أو أنا أستجير بك أو أستغيث بك أو انصرني على عدوي.
فهذا (شركٌ مُحرَّم) فلا يجوز لأحدٍ أن يستغيث بأحد من المشايخ الغائبين ولا الميتين، مثل أن يقول: يا سيدي فلاناً أغثني وانصرني وادفع عني، أو أنا في حسبك. ونحو ذلك.
* وأعظم من ذلك: أن يقول: اغفر لي وتب عليَّ، كما يفعله طائفة من الجهال المشركين. 
* وأعظم من ذلك: أن يسجد لقبره ويصلي إليه ويرى الصلاة إليه أفضل من استقبال القبلة، حتى يقول بعضهم: هذه قبلة الخواص والكعبة قبلة العوام !.
* وأعظم من ذلك: أن يرى السفر إليه من جنس الحج؛ حتى يقول: إن السفر إليه مرات يعدل حجة، وغلاتهم يقولون: الزيارة إليه مرة أفضل من حج البيت مرات متعددة. ونحو ذلك، فهذا شرك بهم وإن كان يقع كثير من الناس في بعضه.


(الثانية): أن يقال للميت أو الغائب من الأنبياء والصالحين: ادع الله لي، أو ادع لنا ربك، أو اسأل الله لنا، كما تقول النصارى لمريم وغيرها.
فهذا أيضاً لا يستريب عالم أنه غير جائز، وأنه من البدع (الشركيَّة) التي لم يفعلها أحد من سلف الأمة، وإن كان السلام على أهل القبور جائزاً، هذا مع أن مخاطبتهم جائزة -كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول قائلهم: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. يغفر الله لنا ولكم، نسأل الله لنا ولكم العافية. اللهم لاتحرمنا أجرهم، ولاتفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم".
وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من مسلم يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام"، لكن ليس من المشروع أن يطلب من الأموات لا دعاء ولا غيره.

(الثالثة): أي المرتبة الثالثة من مراتب الدعاء البدعي، أن يقال: أسألك بفلان أو بجاه فلان عندك ونحو ذلك الذي تقدم عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما أنه منهيِّ عنه. وتقدم أيضاً أن هذا ليس بمشهور عن الصحابة، بل عدلوا عنه إلى التوسل بدعاء العباس وغيره.




الثلاثاء، 16 يونيو 2020

قاعدة جليلة في التوسُّل والوسيلة
تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية

حقَّقه وخرَّج أحاديثه:
عبد القادر الأرناؤوط

طبع إدارة البحوث العلمية والإفتاء
الرياض -السعودية، الطبعة الأولى، 1999 م.

وكتبه/ أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة

تمهيد/ هذا الكتاب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حفظه لنا أبو الحسن علي بن الحسين بن عروة الحنبلي الصالحي (ت 837 هـ)، في كتابه الكبير "الكواكب الدراري في ترتيب مسند أحمد على أبواب البخاري".
وكتابه هذا من الكتب المحفوظة بدار الكتب الظاهرية بدمشق الشام، وقد استُخرج منه عدة كتب من مؤلفات شيخ الإسلام، منها كتابنا هذا، ولو لم يُدرجه في هذا الكتاب لضاع مع ما ضاع من مؤلفات شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.

وكان الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله تعالى -وهو من كبار علماء الشام المتوفى سنة (1332 هـ) -قد نسخ هذا الكتاب من "الكواكب الدراري"، وأرسله إلى الشيخ محمد رشيد رضا (ت 1354 هـ) -صاحب مجلة المنار بمصر فنشره في مصر ثم طُبع بعد ذلك عدَّة مرات بمصر وغيرها.

إن هذا الكتاب الجليل خطَّه يراع الإمام واسع الاطلاع، طويل الباع، شيخ الإسلام حقَّاً وشيخ المسلمين صدقاً أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحرَّاني الحنبلي، الذي كان من الأئمة المجددين في عصره؛ كالإمام العز بن عبد السلام (ت 660 هـ)، والإمام النووي (ت 676 هـ)، الذين كانت لهم المواقف المشهودة، والأيادي البيضاء المحمودة رحمهم الله تعالى.

وكل من قرأ في كتبه ومصنفاته يُدرك أنه -رحمه الله- إنما كان يدعو إلى عقيدة السلف الصالح، التي تلقاها الصَّحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقاها عن الصحابة التابعون، وهي العقيدة السليمة والطريقة المستقيمة، التي ينبغي لكل مسلمٍ أن يسير على منهاجها، وهي أسلم وأعلم وأحكم بلا شكٍّ ولا ريب، وهي عقيدة الأئمة الأربعة: مالكٌ، والشَّافعيّ، وأبو حنيفة، وأحمد رضوان الله عليهم..

 وكان الإمام ابن تيمية رحمه الله رجلاً عميق الفهم؛ فهو الإمام الفذ في التفسير وعلومه، والحافظ الناقد في الحديث وعلومه، وهو الفقيه المبرز والأصولي المتمكن، والمجتهد المطلق، والعالم بالملل والنحل، والمنطق والفلسفة والتصوف والكلام، والعارف بأباطيلها وزيفها وغشها وخداعها.

عَرَفَ العلوم المسماة بالعقلية أكثر من أهلها المختصين فيها وعرف عيوبها وزيفها وخطرها وما تؤدي إليه من ضلال وهلاك، فوجه ما حباه الله به من طاقات، فزلزل قواعدها، ودك معاقلها.

وعَرَفَ التصوف وما ينطوي عليه من شرور وخرافات وأباطيل، واصطلاحات فاسدة ،ومغالطات تفسد وتدمر الدين والعقل، فثلَّ عروشه ودمر قواعده، وكشف تلك المغالطات بالحجج الواضحة والبراهين الساطعة.

لقد أخرج ابن تيمية رحمه الله -في عصره -العقول المسلمة من المناهج الزائفة، والأقاويل الباطلة، خلال قرون الانحطاط الفكري حيث خرافات التصوف ومنطق اليونان، وزهد الهند، والجمود والتقليد الأعمى للأشخاص -إلى الفكر الإسلاميِّ السامق الذي يُمجِّد الشرع والمنهج، ويتماهى مع طبيعة العقل والقلب والروح.

وخرج -رحمه الله -من معاركه العلمية والجهادية ظافرًا منتصرًا انتصاراً حاسماً؛ فلا ترى لخصومه إلى يومنا هذا إلا معارك فاشلة وحججاً متهاوية وكلاماً فارغاً إلا من المغالطات التي لا تنطلي إلا على الأغبياء.

ومن علامات هزائمهم: أن كثيراً منهم يتظاهرون بمدحه واحترامه، ثم يكيدون لدعوته إلى التوحيد بنقل ما يزعمون أنه يؤيد باطلهم من كلامه بعد بتره وتشويهه..

وكان لشيخ الإسلام الحظُّ الوافر من المحبين والأنصار من العلماء والصالحين، ومن الجند والأمراء، ومن التجار الكبار، وسائر العامة تُحبُّه؛ لأنه كان منتصباً لنفعهم ليلاً ونهاراً بلسانه وقلمه..

ولا شكَّ أن لشيخ الإسلام رحمه الله آراؤه الاجتهادية والتي خالف فيها المذاهب الأربعة المتبوعة، أو خالف المشهور من أقوالهم، ولكنها مسائلٌ معدودة على الأصابع ، وهذا لا يُنقص من قدر هذا الجبل الأشمّ، (كما يُحاول المبتدعة والقبوريون تشويه صورته بها)، ومن اختياراته رحمه الله:
1-القول بقصر الصلاة في كل ما يُسمى سفراً: طويلاً كان أو قصيراً، كا هو مذهب الظاهرية وقول بعض الصحابة.
2-القول بأن من أكل في شهر رمضان معتقداً أنه ليل؛ فبان أنه نهار: لا قضاء عليه، كما هو مذهب عمر بن الخطاب، وإليه ذهب بعض التابعين، وبعض الفقهاء بعدهم.
3- القول بأن تارك الصلاة عمداً لا قضاء عليه؛ ولا يشرع له القضاء، بل عليه أن يُكثر من النوافل رجاء أن يغفر الله له، كما هو مذهب ابن حزم الأندلسي رحمه الله.
4- ومن أقواله المعروفة المشهورة التي جرى بسبب الإفتاء بها محنٌ وقلاقل: قوله بالتكفير في الحلف بالطلاق المُعلّق على شرط إذا كان لا يقصد بذلك إلا الحض والمنع. وقوله: إن الطلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة، كما كان عليه العمل في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنهما.

  • والتوسُّل في الشرع له معنيان: 
الأول: التقرُّب إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة والطاعات، كما قال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة: 35). ومن التوسُّل إلى الله عز وجل: طلب الدُّعاء من الرجل الصَّالح (الحيّ) الذي يتوسم فيه الخير.

الثاني: المنزلة العالية في الجنَّة، كما في صحيح مسلم في حديث الدُّعاء خلف الأذان، وفيه: "ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلةٌ في الجنة لا تنبغي لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلَّت له الشفاعة" [ح: 384].

وأما التوسُّل بالأشخاص والذوات؛ فلم يفعله أحدٌ من السَّلف الصالح رضوان الله عليهم بما فيهم الأئمة الأربعة -أصحاب المذاهب المشهورة -. 

فعلى المؤمن أن يتوسَّل إلى الله عز وجل بأسمائه الحسنى ويدعوه بها، قال الله تعالى: {ولِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (الأعراف: 180)، أي: قولوا: يا الله، يا رحمن، (يا حيُّ يا قيوم برحمتك أستغيث)، وغير ذلك من أسمائه الحسنى وصفاته العُلى؛ كقولك: "اللهمَّ إني أسألك بحُبِّك لنبيِّك لمُحمدٍ صلى الله عليه وسلم"، فإن الحب من صفات الله عز وجل، وكذلك الدُّعاء بالأدعية الصحيحة الثابتة.

* وإذا أردنا أن نختصر هذا الكتاب؛ فنقول -وبالله التوفيق-:

1- قد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -ابتداءً: أن لفظ الوسيلة والتوسل فيه إجمال واشتباه -وقع عند المتأخرين بسبب تفسيرات حادثة لهذا المصطلح، ولذا يجب أن يعرف الناس المعنى المشروع في عرف الصحابة والتابعين -وما كانوا يفعلونه، ويعطى كل ذي حق حقه، وكذلك يعرف ما أحدثه المحدثون في هذا اللفظ ومعناه. 

2- وبيَّن رحمه الله أن كثيراً من اضطراب الناس -من المتأخرين -في هذا الباب هو بسبب ما وقع فيه من الإجمال والاشتراك في الألفاظ ومعانيها حتى أن أكثرهم لا يعرف في هذا الباب ما هو فصل الخطاب، وهذا الاضطراب لا يبقى على مدى الأزمان، وإنما يرتفع الإشكال ببيان وجه الحق والصواب.

3-ثم بين معاني التوسل والوسيلة في لغة القرآن والسنة وكلام الصحابة وأن من أعظم معاني التوسل التقرب إلى الله: بالإيمان بالله، ورسله، وكتبه، واليوم الآخر، والقيام بكل واجب ومستحب أمر الله به ورسله، وطاعة الرسول في كل ما أمر به ونهى عنه.

4- وبيَّن أن من معاني التوسُّل المشروع، هو: التوسل إلى الله بدعائه وشفاعته في حياته في الدنيا وبدعائه وشفاعته في الحياة الأخرى وأثبت له أنواعاً من الشفاعة منها الشفاعة العظمى، وأن الصحابة إذا أطلقوا لفظ التوسل إنما يريدون به هذا.

5-وبيَّن رحمه الله: وأن التوسل في عرف كثير من المتأخرين يُراد به الإقسام بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، والسؤال به كما يقسمون ويسألون بغيره من الأنبياء والصالحين ومن يعتقدون فيه الصلاح، وهذا هو التوسل المحدث المبتدع، والذي ليس له أصل في الكتاب والسنة، ولا في عرف الصحابة ومن اتبعهم بإحسان، وقد بين كل هذه الأنواع بياناً شافياً مفرقاً فيها بين الحق والباطل.



قاعدة جليلة في التوسُّل والوسيلة
تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية

تحقيق الشيخ العلامة
ربيع بن هادي عُمير المدخلي
 مكتبة الفرقان - عجمان، 2001 م.

وكتبه: أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة

تمهيد/ لا شكَّ أن التوحيد، هو سر القرآن ولبُّ الإيمان… وتعلُّمه والعمل به من أهم الأمور وأنفعها للعباد في مصالح المعاش والمعاد".

وبين أيدينا كتابٌ نفيسٌ لعالمٍ جليلٍ كبير، وهو كتاب (قاعدة جليلة في التوسُّل والوسيلة) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، والذي قصد من خلاله إلى تحقيق ما جاءت به جميع الأنبياء والرُّسل؛ وهو تقرير التوحيد بكل أنواعه وقواعده وكلياته وجزئياته، وحسم مادة الشرك بكل أنواعه وأسبابه ووسائله، وسد أبواب الغلو وذرائعه.

وقد جاء هذا الكتاب ليُوضِّح قواعد التوحيد في نفوس وعقول أبناء الأمة الإسلامية، ويزيل الغبش واللبس والران الذي أصاب عقول وأبصار كثيرٍ من الناس لا سيما المبتدعة من القبوريين بصنفيهم: الشيعة، والمتصوفة، الذين أغروا أتباعهم ومريديهم بدعاء أوليائهم وشيوخهم والاستغاثة بالأموات.. فقادوا الأمة على مدى التاريخ من هلاك إلى هلاك، ومن هزيمة إلى هزيمة، ومن دمار إلى دمار في دينهم ودنياهم…

فدعا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-إلى إفراد الله سبحانه بالعبادة -رغبة ورهبة وتوكلاً.
ودعا إلى إثبات صفات الكمال والعظمة لله عز وجل، كما جاءت في كتابه ووصفه بها رسوله في سنته، وآمن بها سادة هذه الأمة وخير قرونها الصحابة والتابعون لهم بإحسان
ودعا إلى هدم الشرك وحسم مواده وسد أبوابه وذرائعه.
ودعا إلى حسم باب الغلو الذي أهلك الأمم قبلنا.

ولذا نقول:

إن إخراج هذا الكتاب في هذا الوقت يُعتبرُ ردَّاً على كتابات وأعمال ودعايات من لا يدري ما هو التوحيد، وما هو الشرك… ممن يتخبَّطون في الجهلات والعماية؛ فلا يدرون معنى التوحيد لا من الكتاب ولا من السنة ولا من واقع الصحابة والتابعين لهم بإحسان؛ فهم أبعد الناس عنه وإن أظهروا أنهم مستمسكون به، سائرون عليه..

والفرق بين هذا الإمام الموحد المخلص وبين خصومه:
أنه رحمه الله يجعل من الكلام في التوسل والبحث فيه مُنطَلَقاً إلى تحقيق التوحيد وإخلاصه لله وحده ودحض الشرك، والقضاء على وسائله وأسبابه. 
بينما خصومه -وأعداءه وما أكثرهم في زماننا -يجعلون من التوسل منطلقاً إلى الشرك بالله وهدم قواعد التوحيد وتحريف نصوصه، دفاعاً عن الشرك وذرائعه، تحت ستار (حب النبي صلى الله عليه وسلم والأولياء والصالحين، والدفاع -في زعمهم -عن مكانتهم وقدرهم).

ولكل قومٍ سلف؛ فقد كان نوحٌ -عليه السلام -يدعو إلى التوحيد ويحارب الشرك -ولو كان بالصالحين -كود وسواع ويغوث ويعوق؛ وقد كان قومه الضالون يدافعون عن الشرك تحت شعار حب هؤلاء الصالحين ود، وسواع، ويغوث ... 

إن هذا الإمام المجاهد الكبير وقف حياته للدعوة إلى الحق في ميادينه مدافعًا عنه بكل ما منحه الله من طاقات ومواهب، واضعًا نصب عينيه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أُثِر عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان في مجال العقيدة والعبادة والتشريع وسائر الميادين الإسلامية؛ حتى أعجز حُسن بيانه وقوة حجته مبتدعة المتأخرين عن استعمال قواعدهم الفاسدة والتخريج عليها أصلاً وفرعاً، فعاد للدين صفاؤه ونقاؤه كما جاء به سيِّدُ البشرية صلى الله عليه وسلم، وتابعه عليه الخلفاء الراشدون المهديون، فدعا إلى إخلاص العبادة لله، وتطهير القلوب والعبادات والعادات من شوائب الشرك والضلال.

هذا الكتاب كما يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى، هو عبارة عن: "قواعد متعلقة بتقرير التوحيد، وحسم مادة الشرك والغلو"، وقد عالج فيه قضايا متنوعة، أهمها:
1 - التوسل وأنواعه وأشياء تتعلق وترتبط به.
2 - الشفاعة بأنواعها وأشياء تجر إليها من لا يفهم.
3 - الدعاء بأنواعه.

والغرض منه كما يقول رحمه الله: 
بيان المقاصد المهمة والقواعد النافعة في هذا الباب (باب التوسُّل والوسيلة) مع الاختصار"، مفرقاً فيه بين ما هو حقٌّ يجب اتباعه، وما هو باطلٌ يجب اجتنابه، بالأدلة الواضحة والحجج الساطعة.

  • وتكمن أهميَّة هذا الكتاب -كما يقول الشيخ ربيع- في أمورٍ منها:
أولاً: تقرير التوحيد الذي أرسل الله من أجله تقريره جميع الرسل، وأنزل من أجله جميع الكتب.
ثانياً: حسم مادة الشرك، الذي جاءت كلُّ الرسالات لحسمه ومحوه وتطهير الأرض والقلوب والنفوس من أقذاره وأدرانه.
ثالثاً: حسم مادة الغلو في أي ناحية من نواحي الدين العقائدية والتشريعية.

  • منهج شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "قاعدة جليلة":
أَمَّا منهجه في هذا الكتاب؛ فإنه يعرض القضية من القضايا، ويدرسها من كل النواحي التي تتطلبها الدراسات العلمية؛ من الناحية اللغوية والتفسيرية والحديثية والتأريخية والأصولية والفقهية، ويردفه بدراسة أحوال الناس والمجتمعات وأوضاعها، واستقراء الواقع ودراسته دراسة واعية عميقة، ومعرفة عقائد الناس وعاداتهم في مختلف البلدان وهذا شأن العظماء والمصلحين. 

ويضرب -رحمه الله -لذلك الأمثال، ويقرب النظير من الأمور إلى نظيره بطريقة فذة تدل على غزارة علمه وقوة استحضاره وقدرته على استحضار الأمثال والأشباه من المسائل وهذا شأنه في جميع مؤلفاته - رحمه الله -.

وله رحمه الله في هذا الكتاب جولات لغوية وتفسيرية وأصولية وفقهية وانتقادات حديثية وإلزامات جدلية يدعم بها وجهات نظره التي هداه الله إليها وسدد خطاه فيها.

  • إثبات نسبة الكتاب له رحمه الله:
وممن نسب اسم هذا الكتاب لشيخ الإسلام ابن تيمية تلميذه الإمام الحافظ ابن القيم رحمه الله في رسالة "أسماء مؤلفات ابن تيمية (ص 19)، رقم: 12"، وكذلك ذكره الإمام الحافظ محمد بن أحمد بن عبد الهادي في كتابه "العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية" قال في ثنايا سرده لمؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية: "قاعدة فيما يتعلق بالوسيلة بالنبي صلى الله عليه وسلم".

وقد تصدَّى لتحقيق هذا الكتاب الشيخ العلامة: ربيع بن هادي عُمير المدخلي، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جداً، مزركشٌ بالفوائد والدُّرر، حقَّقها من عدة مخطوطات، ووضعه في فقرات بلغت (945) فقرة، وأزعم أنه أفضل طبعات هذا الكتاب.

وهذا الكتاب هو جزءٌ من مجموع الفتاوى في المجلد (الأول)، في الصفحات ما بين ص (142- 368)، وقد طُبع هذا الكتاب في العام 1992م تحت اسم "التوسُّل والوسيلة" من تحقيق الشيخ إبراهيم رمضان في (164 صفحة).

وقد قرَّر الشيخ -ربيع -الأسباب الدافعة إلى العمل في هذا الكتاب من أهمها:
أول الأسباب وأهمها: هو أني في إحدى مطالعاتي في هذا الكتاب استوقفتني كلمة استبعدت أن تكون ممن هو دون شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فضلاً عن أن تكون منه والكلمة هي: 
"والرغبة إلى الله ورسوله" في كما في نسخة محب الدين الخطيب - رحمه الله (1)، وطبعة زهير الشاويش سنة (1970م) (2).
قال: وقد تكرر الخطأ نفسه في الطبعة الثانية لزهير سنة ( 1978م) ولم ينج من هذا الخطأ الشيخ عبد القادر أرناؤوط؛ حيث خدم هذا الكتاب مشكورًا ونشره له مكتبة دار البيان في دمشق سنة (1985م) (3).
وكذلك جاء الخطأ نفسه في الطبعة التي راجعها الشيخ عطية محمد سالم، والخطأ جسيم جداً، ولا أدري كيف خفي على هؤلاء الأفاضل.

يقول: وواضحٌ جداً من كتاب الله ومن سنة رسوله أن الرغبة كسائر قضايا التوحيد من العبادات التي لا يجوز أن يتوجه بها العبد إلا إلى الله وحده جل جلاله، كما قال تعالى (الشرح: 7، 8): {فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب} أي ارغب إلى الله لا إلى غيره. وكما قال تعالى (التوبة: 59): {وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون} ولم يقولوا: حسبنا الله ورسوله، ولم يأمرهم أن يقولوا: إنا إلى الله ورسوله راغبون.

قال: وكم رأينا شيخ الإسلام ابن تيمية يقرر في كتبه: أن الرغبة من العبادات الخاصة بالله حتى في هذا الكتاب "التوسل والوسيلة" قرر فيه عدة مرات قبل هذا الموضع وبعده أن الرغبة من العبادات التي لا يجوز صرفها إلى غير الله، وكثيراً ما يُقرر أن الرغبة والحسب من خصائص الله لا يشركه فيها غيره.

قال: فكان الخطأ السابق وما أعرفه في هذه القضية وما أعرفه من منهج شيخ الإسلام فيها وفي مثيلاتها من الجزم بأنها من العبادات الخاصة بالله، من أقوى الدوافع للقيام بخدمة هذا الكتاب فرأيت لزاما البحث أولاً عن أصوله الخطية في المكتبات الإسلامية ومظان وجودها… 

ومن الأسباب التي دفعتني لخدمة هذا الكتاب مكانته العظيمة ومكانة مؤلفه الكبير، ومن الأسباب أيضاً حب عقيدة التوحيد والحرص على تقديم جهد في ميادينها. والسبب الرابع والأخير أن الكتاب لم يخدم الخدمة اللائقة بمكانته إلى حين شروعي في خدمته.

  • ومن الكتب التي أُلِّفت في التوسُّل:
1-هذا الكتاب "قاعدة جليلة في التوسُّل والوسيلة".
2-الوسيلة والتوسُّل -وهو كتابٌ أكبر حجماً من هذا بقليل.
3-التوسُّل للإمام الشوكاني.
4- التوسُّل أحاكمه وأنواعه؛ للإمام محمد ناصر الدِّين الألباني.
5- التوصُّل إلى حقيقة التوسُّل للشيخ محمد نسيب الرِّفاعي -أحد تلامذة الألباني، وقد أجاد فيه وأفاد.

وقد تعرض للتوسل كثير من المخالفين لشيخ الإسلام ابن تيمية:
وكتاباتهم تدل على تعسف ومجازفات، وتدل على جهل يؤدي إلى:- الخلط الشنيع بين التوسل والاستغاثة -ويؤدي ثانياً: إلى هدم قواعد التوحيد، وتحريف نصوص الكتاب والسنة -ويؤدي إلى تضليل الأمة الإسلامية وإيقاعهم في مهاوي الشرك بحجة أن الآيات التي تضلل وتكفر من يدعو غير الله إنما تعني كفار قريش والعرب خاصة، فإذا دعا القرشي أو غيره من العرب غير الله في وقت نزول القرآن وقبله فهو مشرك كافر، وإذا دعا غير الله من يدعي الإسلام فهذا في نظرهم جائز أو هو مما يقرب إلى الله زلفى.

ومما شارك هذا الكتاب في موضوعه من مؤلفات شيخ الإسلام:
1- "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان".
2- وكتاب "العبودية". 
3-وكتاب "الرد على البكري". 
4-وكتاب "الرد على الأخنائي" .
5- وكتابه الآخر في التوسل ولا يخلو كتاب من كتبه من التركيز على قضية التوحيد.

__________________________
(1) نشر المكتبة العلمية. بيروت (ص 44 س 12)
(2) (ص 44 س 4) والتي راجعها - بطلب من الشيخ زهير -كل من الشيخ شعيب أرناؤوط والشيخ أحمد القطيفاني على المخطوطة المحفوظة في الظاهرية.
(3) وجاء الخطأ نفسه في نسخته (ص 49 س 18).