قاعدة جليلة في التوسُّل والوسيلة
تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية
تحقيق الشيخ العلامة
ربيع بن هادي عُمير المدخلي
مكتبة الفرقان - عجمان، 2001 م.
وكتبه: أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة
تمهيد/ لا شكَّ أن التوحيد، هو سر القرآن ولبُّ الإيمان… وتعلُّمه والعمل به من أهم الأمور وأنفعها للعباد في مصالح المعاش والمعاد".
وبين أيدينا كتابٌ نفيسٌ لعالمٍ جليلٍ كبير، وهو كتاب (قاعدة جليلة في التوسُّل والوسيلة) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، والذي قصد من خلاله إلى تحقيق ما جاءت به جميع الأنبياء والرُّسل؛ وهو تقرير التوحيد بكل أنواعه وقواعده وكلياته وجزئياته، وحسم مادة الشرك بكل أنواعه وأسبابه ووسائله، وسد أبواب الغلو وذرائعه.
وقد جاء هذا الكتاب ليُوضِّح قواعد التوحيد في نفوس وعقول أبناء الأمة الإسلامية، ويزيل الغبش واللبس والران الذي أصاب عقول وأبصار كثيرٍ من الناس لا سيما المبتدعة من القبوريين بصنفيهم: الشيعة، والمتصوفة، الذين أغروا أتباعهم ومريديهم بدعاء أوليائهم وشيوخهم والاستغاثة بالأموات.. فقادوا الأمة على مدى التاريخ من هلاك إلى هلاك، ومن هزيمة إلى هزيمة، ومن دمار إلى دمار في دينهم ودنياهم…
فدعا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-إلى إفراد الله سبحانه بالعبادة -رغبة ورهبة وتوكلاً.
ودعا إلى إثبات صفات الكمال والعظمة لله عز وجل، كما جاءت في كتابه ووصفه بها رسوله في سنته، وآمن بها سادة هذه الأمة وخير قرونها الصحابة والتابعون لهم بإحسان
ودعا إلى هدم الشرك وحسم مواده وسد أبوابه وذرائعه.
ودعا إلى حسم باب الغلو الذي أهلك الأمم قبلنا.
ولذا نقول:
إن إخراج هذا الكتاب في هذا الوقت يُعتبرُ ردَّاً على كتابات وأعمال ودعايات من لا يدري ما هو التوحيد، وما هو الشرك… ممن يتخبَّطون في الجهلات والعماية؛ فلا يدرون معنى التوحيد لا من الكتاب ولا من السنة ولا من واقع الصحابة والتابعين لهم بإحسان؛ فهم أبعد الناس عنه وإن أظهروا أنهم مستمسكون به، سائرون عليه..
والفرق بين هذا الإمام الموحد المخلص وبين خصومه:
أنه رحمه الله يجعل من الكلام في التوسل والبحث فيه مُنطَلَقاً إلى تحقيق التوحيد وإخلاصه لله وحده ودحض الشرك، والقضاء على وسائله وأسبابه.
بينما خصومه -وأعداءه وما أكثرهم في زماننا -يجعلون من التوسل منطلقاً إلى الشرك بالله وهدم قواعد التوحيد وتحريف نصوصه، دفاعاً عن الشرك وذرائعه، تحت ستار (حب النبي صلى الله عليه وسلم والأولياء والصالحين، والدفاع -في زعمهم -عن مكانتهم وقدرهم).
ولكل قومٍ سلف؛ فقد كان نوحٌ -عليه السلام -يدعو إلى التوحيد ويحارب الشرك -ولو كان بالصالحين -كود وسواع ويغوث ويعوق؛ وقد كان قومه الضالون يدافعون عن الشرك تحت شعار حب هؤلاء الصالحين ود، وسواع، ويغوث ...
إن هذا الإمام المجاهد الكبير وقف حياته للدعوة إلى الحق في ميادينه مدافعًا عنه بكل ما منحه الله من طاقات ومواهب، واضعًا نصب عينيه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أُثِر عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان في مجال العقيدة والعبادة والتشريع وسائر الميادين الإسلامية؛ حتى أعجز حُسن بيانه وقوة حجته مبتدعة المتأخرين عن استعمال قواعدهم الفاسدة والتخريج عليها أصلاً وفرعاً، فعاد للدين صفاؤه ونقاؤه كما جاء به سيِّدُ البشرية صلى الله عليه وسلم، وتابعه عليه الخلفاء الراشدون المهديون، فدعا إلى إخلاص العبادة لله، وتطهير القلوب والعبادات والعادات من شوائب الشرك والضلال.
هذا الكتاب كما يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى، هو عبارة عن: "قواعد متعلقة بتقرير التوحيد، وحسم مادة الشرك والغلو"، وقد عالج فيه قضايا متنوعة، أهمها:
1 - التوسل وأنواعه وأشياء تتعلق وترتبط به.
2 - الشفاعة بأنواعها وأشياء تجر إليها من لا يفهم.
3 - الدعاء بأنواعه.
والغرض منه كما يقول رحمه الله:
بيان المقاصد المهمة والقواعد النافعة في هذا الباب (باب التوسُّل والوسيلة) مع الاختصار"، مفرقاً فيه بين ما هو حقٌّ يجب اتباعه، وما هو باطلٌ يجب اجتنابه، بالأدلة الواضحة والحجج الساطعة.
- وتكمن أهميَّة هذا الكتاب -كما يقول الشيخ ربيع- في أمورٍ منها:
أولاً: تقرير التوحيد الذي أرسل الله من أجله تقريره جميع الرسل، وأنزل من أجله جميع الكتب.
ثانياً: حسم مادة الشرك، الذي جاءت كلُّ الرسالات لحسمه ومحوه وتطهير الأرض والقلوب والنفوس من أقذاره وأدرانه.
ثالثاً: حسم مادة الغلو في أي ناحية من نواحي الدين العقائدية والتشريعية.
- منهج شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "قاعدة جليلة":
أَمَّا منهجه في هذا الكتاب؛ فإنه يعرض القضية من القضايا، ويدرسها من كل النواحي التي تتطلبها الدراسات العلمية؛ من الناحية اللغوية والتفسيرية والحديثية والتأريخية والأصولية والفقهية، ويردفه بدراسة أحوال الناس والمجتمعات وأوضاعها، واستقراء الواقع ودراسته دراسة واعية عميقة، ومعرفة عقائد الناس وعاداتهم في مختلف البلدان وهذا شأن العظماء والمصلحين.
ويضرب -رحمه الله -لذلك الأمثال، ويقرب النظير من الأمور إلى نظيره بطريقة فذة تدل على غزارة علمه وقوة استحضاره وقدرته على استحضار الأمثال والأشباه من المسائل وهذا شأنه في جميع مؤلفاته - رحمه الله -.
وله رحمه الله في هذا الكتاب جولات لغوية وتفسيرية وأصولية وفقهية وانتقادات حديثية وإلزامات جدلية يدعم بها وجهات نظره التي هداه الله إليها وسدد خطاه فيها.
- إثبات نسبة الكتاب له رحمه الله:
وممن نسب اسم هذا الكتاب لشيخ الإسلام ابن تيمية تلميذه الإمام الحافظ ابن القيم رحمه الله في رسالة "أسماء مؤلفات ابن تيمية (ص 19)، رقم: 12"، وكذلك ذكره الإمام الحافظ محمد بن أحمد بن عبد الهادي في كتابه "العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية" قال في ثنايا سرده لمؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية: "قاعدة فيما يتعلق بالوسيلة بالنبي صلى الله عليه وسلم".
وقد تصدَّى لتحقيق هذا الكتاب الشيخ العلامة: ربيع بن هادي عُمير المدخلي، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جداً، مزركشٌ بالفوائد والدُّرر، حقَّقها من عدة مخطوطات، ووضعه في فقرات بلغت (945) فقرة، وأزعم أنه أفضل طبعات هذا الكتاب.
وهذا الكتاب هو جزءٌ من مجموع الفتاوى في المجلد (الأول)، في الصفحات ما بين ص (142- 368)، وقد طُبع هذا الكتاب في العام 1992م تحت اسم "التوسُّل والوسيلة" من تحقيق الشيخ إبراهيم رمضان في (164 صفحة).
وقد قرَّر الشيخ -ربيع -الأسباب الدافعة إلى العمل في هذا الكتاب من أهمها:
أول الأسباب وأهمها: هو أني في إحدى مطالعاتي في هذا الكتاب استوقفتني كلمة استبعدت أن تكون ممن هو دون شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فضلاً عن أن تكون منه والكلمة هي:
"والرغبة إلى الله ورسوله" في كما في نسخة محب الدين الخطيب - رحمه الله (1)، وطبعة زهير الشاويش سنة (1970م) (2).
قال: وقد تكرر الخطأ نفسه في الطبعة الثانية لزهير سنة ( 1978م) ولم ينج من هذا الخطأ الشيخ عبد القادر أرناؤوط؛ حيث خدم هذا الكتاب مشكورًا ونشره له مكتبة دار البيان في دمشق سنة (1985م) (3).
وكذلك جاء الخطأ نفسه في الطبعة التي راجعها الشيخ عطية محمد سالم، والخطأ جسيم جداً، ولا أدري كيف خفي على هؤلاء الأفاضل.
يقول: وواضحٌ جداً من كتاب الله ومن سنة رسوله أن الرغبة كسائر قضايا التوحيد من العبادات التي لا يجوز أن يتوجه بها العبد إلا إلى الله وحده جل جلاله، كما قال تعالى (الشرح: 7، 8): {فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب} أي ارغب إلى الله لا إلى غيره. وكما قال تعالى (التوبة: 59): {وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون} ولم يقولوا: حسبنا الله ورسوله، ولم يأمرهم أن يقولوا: إنا إلى الله ورسوله راغبون.
قال: وكم رأينا شيخ الإسلام ابن تيمية يقرر في كتبه: أن الرغبة من العبادات الخاصة بالله حتى في هذا الكتاب "التوسل والوسيلة" قرر فيه عدة مرات قبل هذا الموضع وبعده أن الرغبة من العبادات التي لا يجوز صرفها إلى غير الله، وكثيراً ما يُقرر أن الرغبة والحسب من خصائص الله لا يشركه فيها غيره.
قال: فكان الخطأ السابق وما أعرفه في هذه القضية وما أعرفه من منهج شيخ الإسلام فيها وفي مثيلاتها من الجزم بأنها من العبادات الخاصة بالله، من أقوى الدوافع للقيام بخدمة هذا الكتاب فرأيت لزاما البحث أولاً عن أصوله الخطية في المكتبات الإسلامية ومظان وجودها…
ومن الأسباب التي دفعتني لخدمة هذا الكتاب مكانته العظيمة ومكانة مؤلفه الكبير، ومن الأسباب أيضاً حب عقيدة التوحيد والحرص على تقديم جهد في ميادينها. والسبب الرابع والأخير أن الكتاب لم يخدم الخدمة اللائقة بمكانته إلى حين شروعي في خدمته.
- ومن الكتب التي أُلِّفت في التوسُّل:
1-هذا الكتاب "قاعدة جليلة في التوسُّل والوسيلة".
2-الوسيلة والتوسُّل -وهو كتابٌ أكبر حجماً من هذا بقليل.
3-التوسُّل للإمام الشوكاني.
4- التوسُّل أحاكمه وأنواعه؛ للإمام محمد ناصر الدِّين الألباني.
5- التوصُّل إلى حقيقة التوسُّل للشيخ محمد نسيب الرِّفاعي -أحد تلامذة الألباني، وقد أجاد فيه وأفاد.
وقد تعرض للتوسل كثير من المخالفين لشيخ الإسلام ابن تيمية:
وكتاباتهم تدل على تعسف ومجازفات، وتدل على جهل يؤدي إلى:- الخلط الشنيع بين التوسل والاستغاثة -ويؤدي ثانياً: إلى هدم قواعد التوحيد، وتحريف نصوص الكتاب والسنة -ويؤدي إلى تضليل الأمة الإسلامية وإيقاعهم في مهاوي الشرك بحجة أن الآيات التي تضلل وتكفر من يدعو غير الله إنما تعني كفار قريش والعرب خاصة، فإذا دعا القرشي أو غيره من العرب غير الله في وقت نزول القرآن وقبله فهو مشرك كافر، وإذا دعا غير الله من يدعي الإسلام فهذا في نظرهم جائز أو هو مما يقرب إلى الله زلفى.
ومما شارك هذا الكتاب في موضوعه من مؤلفات شيخ الإسلام:
1- "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان".
2- وكتاب "العبودية".
3-وكتاب "الرد على البكري".
4-وكتاب "الرد على الأخنائي" .
5- وكتابه الآخر في التوسل ولا يخلو كتاب من كتبه من التركيز على قضية التوحيد.
__________________________
(1) نشر المكتبة العلمية. بيروت (ص 44 س 12)
(2) (ص 44 س 4) والتي راجعها - بطلب من الشيخ زهير -كل من الشيخ شعيب أرناؤوط والشيخ أحمد القطيفاني على المخطوطة المحفوظة في الظاهرية.
(3) وجاء الخطأ نفسه في نسخته (ص 49 س 18).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق