بطاقات تعريفية بأصحاب خير البريَّة صلى الله عليه وسلَّم
إعداد: د. عطوة بن محمد القريناوي
شهر رمضان- تيليجرام
سنقوم بإذن الله تعالى يومياً خلال شهر رمضان بنشر بطاقة تعريفية لصحابي واحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمساهمة في البناء القويم لهذا الجيل.
وسنبدأ اليوم مع المقدمة
أولا: تعريف الصحابي لغة واصطلاحًا:
الصحابي لغة: لفظ الصحابي مشتق من الفعل الثلاثي: (صَحِبَ)، ومن خلال التعريفات اللغوية يتضح لنا أن الصحبة تعني المقاربة والملاءمة والملازمة، فمن لازم أحدًا كان صاحبًا له.
الصحابي اصطلاحًا: تعددت تعريفات الصحابي عند العلماء، وأرجح التعريفات تعريف الحافظ ابن حجر: حيث قال: "الصحابيُّ: من لقي النبيّ مؤمنًا به، ومات على الإسلام، وزاد في موضع آخر: " ولو تَخَلَّلتْ رِدَّةٌ في الأصح".
ثانيًا: عقيدتنا في الصحابة:
لقد فضل الله تعالى بعض الناس على بعض، وبعض القرون على بعض، فكان الفضل أولًا للأنبياء ثم لأصحابهم، وجيل الصحابة صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأجيال بشهادة القرآن الكريم، والسنة النبوية، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}، وعن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ..."، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ.
ثالثًا: النهي عن سب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم: ورد في أدلة السنة النبوية نهي الرسول عن سَبِّ أصحابه، وقد حذر العلماء أيما تحذير من سب الصحابة، قال أبو زرعة: "إذا رأيتَ الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح أولى بهم، وهم زنادقة".
العشرة المبشرون بالجنة
لقد تميز أصحاب النبي بالفضائل والميزات الكثيرة، وكان على رأس هؤلاء العشرة المبشرين بالجنة، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : أَبُو بَكْرٍ فِي الجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الجَنَّةِ، وَسَعْدٌ فِي الجَنَّةِ، وَسَعِيدٌ فِي الجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ فِي الجَنَّةِ.
وهم مجموعون في المعادلة الحسابية التالية:
6ع + 2س + ط + ز= 10
وهم كالتالي:
6ع: عبد الله بن عثمان، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، عامر بن الجراح (أبو عبيدة)، عبد الرحمن بن عوف.
2س: سعد بن أبي وقاص، سعيد بن زيد.
ط: طلحة بن عبيد الله.
ز: الزبير بن العوام.
وقد ذكرهم أبو بكر بن أبي داود في أبياته فقال:
وَقل إِن خير النَّاس بعد مُحَمَّد ... وزيراه قدماً ثمَّ عُثْمَان الْأَرْجَح.
ورابعهم خير الْبَريَّة بعدهمْ ... عَليّ حَلِيف الْخَيْر بِالْخَيرِ ممنح.
وَإِنَّهُم والرهط لَا ريب فيهم ... على نجب الفردوس بِالنورِ تسرح.
سعيد وَسعد وَابْن عَوْف وَطَلْحَة ... وعامر فهر وَالزُّبَيْر الممدح.
هل اقتصر التبشير بالجنة على هؤلاء العشرة؟
لم يقتصر التبشير بالجنة على العشرة، بل بشر الرسول بعض الناس بالجنة غيرهم، ومن ذلك:
• جعفر بن أبي طالب: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "أُرِيتُ جعفرًا ملكًا يطير بجناحيه في الجنة".
• بلال بن رباح: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لِبِلاَلٍ عِنْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ: يَا بِلاَلُ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: «دَفَّ نَعْلَيْكَ يَعْنِي تَحْرِيكَ».
• الحسن والحسن: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا».
• خديجة بنت خويلد: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ، وَلاَ نَصَبَ".
ما سبب اشتهار العشرة بالتبشير بالجنة؟
يلاحظ من الحديث أن العشرة ذكروا في سياق حديث واحد، ومن أجل ذلك اشتهروا أكثر من غيرهم، كما أنهم كان لهم الفضل في الأسبقية إلى الإسلام، والقيام بأمر الله تعالى بصدق نية وإخلاص لله عز وجل، وأفضليتهم في الجهاد في سبيل الله تعالى، فهم أصحاب أيادٍ بيضاء على الإسلام وأهله.
مواقف من حياة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
إنفاقه في سبيل الله تعالى:
لقد كان أبو بكر الصديق مثالًا رائعًا في بذل النفس والدم في سبيل الله تبارك وتعالى، وكل ذلك كان يهون فداء لقائد الأمة الإسلامية، وأما المال فلم يكن ليساوي شيئًا أمام حب أبي بكر لدينه، وإنفاقه في سبيل الله تبارك وتعالى؛ لذلك نالوا أعلى الدرجات عند ربهم، فقد ورد أنه نزل فيه قول الله تعالى: "وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يُزَحْزَحُ عَنْ دُخُولِ النَّارِ.
وأما عن المنافسة في الخير، فلم يستطع أحدٌ مهما كان أن ينافس هذا الرجل العظيم، فقد حاول عمر بن الخطاب أن يسبقه للنفقة في سبيل الله تعالى، فأتى بنصف ماله، فوجد أبا بكر قد جاء بماله كله.
وقد أحبَّ سيد ولد آدم أن يكافيء حبيبه الصديق على معروفه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلَّا وَقَدْ كَافَيْنَاهُ مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَا نَفَعَنِي مَالُ أَحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، أَلَا وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ».
بكاؤه مع آيات التنزيل:
قالت عائشة بنت أبي بكر: " ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَبَرَزَ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لاَ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ القُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ.
لقد أبهرت الآيات العظيمة أسماع النساء والصبيان، فكانوا يأتون لسماع الآيات من الرجل المطارَد في مكة الذي يُمنع من الدعوة إلى الله تعالى، فتكون الدعوة بالصوت، وقراءة الآيات والبكاء معها، مما أفزع رؤوس الشر من المشركين حيث خافوا من رِقَّةِ قُلُوبِ النِّسَاءِ، والصبيان، فهم أدعى لقبول الحق من الكبار.
قال ابن حجر: "فَأَفْزَعَ ذَلِكَ" أَيْ: أَخَافَ الْكُفَّارَ لِمَا يَعْلَمُونَهُ مِنْ رِقَّةِ قُلُوبِ النِّسَاءِ وَالشَّبَابِ أَنْ يَمِيلُوا إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ...، وَفِيهِ جَوَازُ الْأَخْذِ بِالْأَشَدِّ فِي الدِّينِ، وَقُوَّةُ يَقِينِ أَبِي بَكْرٍ".
ونأخذ من موقف أبي بكر أن المسلم الذي لا يتدبر القرآن مغلق القلب، عديم الإحساس، وهو مجرد آلة تردد الآيات، ولا تفهم المراد منها، فلا يكون التأثير إلا بشدة التدبر، والمعيشة مع الآيات القرآنية العظيمة.
فعلى الأمة الإسلامية اليوم أن تفك أقفال القلوب لتستفيد من سماعها للقرآن الكريم، وتنطلق نحو تغيير واقعها الأليم، حيث تداعت عليها الأمم، فلا سبيل لعلاج أزمات الأمة إلا بتدبر النور المبين، والذكر الحكيم، ولقد كان الصالحون يحزنهم أن يمروا بآية فلا يعرفوا معناها؛ لأن هذا يمنعهم من التدبر للآية، فعَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: " مَا مَرَرْتُ بِآيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَا أَعْرِفُهَا إِلَّا أَحْزَنَنِي؛ لِأَنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}
لا يحزن لخسارته في البورصة، ولا لمتاع دنيا زائل، وليس من أجل موت قريب حميم، بل جُلّ حزنه لأجل عدم معرفته بتفسير كلمة أو آية في كتاب الله الكريم. إن الله عز وجل يخاطبنا بهذه الآيات، فكيف نعرض عن تدبرها وفهمها كما أراد الله تعالى؟
متى نتعظ بزواجر القرآن؟ متى ترق الأفئدة، وتبكي القلوب؟ متى تدمع العين عند ذكر القيامة، والنار؟ إن ذلك لا يكون إلا باستشعار أنك مخاطَب بكل آية من القرآن العظيم، فالعين لا تدمع، والقلب لا يرجف إذا كانت الكلمات تخرج من اللسان، فإذا شاركه القلب خرجت الكلمات برجفة تتناغم مع راجفة النازعات، وانكدار يتناغم مع نجوم التكوير، وانتثار يتناغم مع كواكب الانفطار.
وهكذا كان أبو بكر الصديق مع كتاب الله تعالى، فقد أمر الرسول (بأن يخلفه في الصلاة بعده بالمسلمين أبا بكر، فاعتذرت السيدة عائشة بأنه رجل كثير البكاء.
خوفه من تناول الحرام:
إن الوقوع في المال الحرام أمر خطير تساهل فيه بعض أفراد الأمة المسلمة، فوقع الكثير في الربا، والقمار، والاحتكار، والغش، وأكلوا ما حرم الله تعالى من المال الحرام، ولقد كان الصحابة يتحرون أكل المال الحلال، ويبتعدون عن المشتبهات، وبصورة أشد عن المحرمات، حتى لو وصلت اللقمة إلى الجوف، فالأفضل أن تكون في جوف الأرض، ولا تكون في أجواف الصالحين؛ لأن السؤال سيكون عن الوارد والصادر قبل أن تزول قدما العبد يوم القيامة، من أين اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الغُلاَمُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَمَا أُحْسِنُ الكِهَانَةَ، إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ".
قال ابن الجوزي: "وَأَبُو بكر أول من قاء من الشُّبُهَات تَحَرُّجًا".
عمر بن الخطاب رضي الله عنه
من فضائله:
١-جعل الله الحق على لسانه وقلبه.
أنه من المُحَدَّثين: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ( قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ، فَإِنَّهُ عُمَرُ».
٢-له في الجنة قصر من ذهب.
٣-خوف الشيطان منه: عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( لعمر بن الخطاب: « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ، إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ».
مواقف من حياة عمر:
خوفه من الله تعالى:
عن عبد الله بن عامر قال: "رأيت عمر أخذ تبنة من الأرض فقال: ليتني كنت هذه التبنة، ليتني لم أخلق، ليت أمي لم تلدني، ليتني لم أكُ شيئًا, ليتني كنتُ نسيًا منسيًّا"، وعن مجاهد قال: كان عمر يقول: "لو مات جَدْيٌ بِطَفِّ الفرات, لخشيتُ أن يطالب الله به عمر".
فهذا هو مثال الحاكم الصالح القريب من رعيته، حيث يحنو عليهم كما تحنو الأم على طفلها، وهو يعلم أنه لا يفعل ذلك مِنَّة منه على أمة الإسلام، بل هو حق يجب على الأمير رعايته، وتوفير أجواء الحياة الكريمة للأمة، وعدم تركها تصارع الموت، بل عليه أن يوفر حد الكفاف على الأقل، والوصول برعيته إلى حد الكفاية.
علم عمر:
كان عمر مثالًا عظيمًا في العطاء، فلم يكن انشغاله بالناس ليلهيه عن العلم ومدارسته، فقد كان من أعلم الصحابة، ومن أحرصهم على الفقه في دين الله تعالى، قال عبد الله بن مَسْعُود: "لو وُضِعَ علم أحياء العرب في كفة ميزان، ووضع علم عمر في كفة لرجح علم عمر، لقد كانوا يرون أَنَّهُ ذَهَبَ بتسعة أعشار العلم، ولمجلس كنت أجلسه مع عُمَر أوثق فِي نفسي من عمل سنة".
عدل عمر:
"العدل أساس المُلْك": لم يكن هذا شعار يوضع خلف القضاة، وفي قاعات المحاكم، بل كان شعارًا يطبق بين الناس، ويحس به المواطن مسلمًا كان أو كافرًا، ويتجلى ذلك في موقف عمر بن الخطاب من لطم المزني لجبلة بن الأيهم ملك غسان، ومطالبة جبلة بقتل المزني، فلم يتم له ما طلب؛ لتعارضه مع عدل الإسلام، فارتدَّ نصرانيًّا، وكان هذا حكم أبي عبيدة بن الجراح في الموقف، ووافق عليه عمر بن الخطاب.
عثمان بن عفان - رضي الله عنه-
فضائله:
١-تبشير الرسول له بالشهادة: عن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ (، كَانَ عَلَى حِرَاءٍ، هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: «اهْدَأْ، فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدٌ.
٢- أن له بئرًا عظيمة في الجنة؛ لشرائه بئر رومة لتكون للمسلمين.
حياؤه:
الحياء خلق الإسلام العظيم، وهو شعبة عظيمة من شعب الإيمان، وقد كان عثمان بن عفان شديد الحياء من الله تعالى، ومن الناس، وقد استحيا منه الرسول عندما كان كاشفًا لفخذه، وقال: «أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ» وقال الحسن البصري: «إِنْ كَانَ لَيَكُونُ فِي الْبَيْتِ وَالْبَابُ عَلَيْهِ مُغْلَقٌ، فَمَا يَضَعُ عَنْهُ الثَّوْبَ لِيُفِيضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، يَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ».
خوفه من الله تعالى:
كان عثمان شديد الخوف من الله تعالى، وكان كثير قيام الليل، ويبكي عند ذكر القبور؛ لأنها أول منازل الآخرة العظيمة، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ". قَالَ: هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ.
علي بن أبي طالب رضي الله عنه
فضائله:
1-أنه عند الرسول بمنزلة هارون من موسى.
2-محبه مؤمن ومبغضه منافق.
3-عظم منزلته عند الرسول فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا».
زهده:
الزهد خلق عظيم حث عليه الإسلام، وليس الزهد أن تكون فقيرًا، أو أن تلبس الثياب المُرَقَّعَة، بل الزهد أن تكون الدنيا مهما بلغت في يديك لا في قلبك؛ لذلك كان علي بن أبي طالب حريصًا على الزهد في الدنيا، والبعد عن طلبها، فعن عمرو بن قيس أنَّ عليًّا رئي عليه إزارٌ مرقوعٌ، فعوتب في لبوسه، فقال: "يقتدي بي المؤمن، ويخشع له القلب".
علمه:
كان علي بن أبي طالب ملازمًا للرسول، ونهل من علمه الكثير، وبعد وفاة النبي كان مشعلًا علميًّا يشع بنور الهداية في كل مكان وزمان، فكان يفتي في عهد الخلفاء الثلاثة السابقين له حتى وصل الأمر بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يستعين به، ويتعوذ من مسألة لا يُستعان بها فيه، وقال عامر بن واثلة: كان عليٌّ يقول: " سلوني سلوني، وسلوني عن كتاب اللَّه تعالى، فواللَّه ما من آية إلا وأنا أعلم أنزلت بليل أو نهار".
بطولاته الجهادية:
كان لعلي بن أبي طالب الكثير من البطولات الجهادية في المعارك، ومن ذلك ما كان في بدر، والخندق، وخيبر.
ففي غزوة بدر: خرج حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث لمبارزة عتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وشيبة بن ربيعة، فَقَتَلَ اللَّهُ تَعَالَى عُتْبَةَ، وَشَيْبَةَ، ابْنَيْ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ، وَجُرِحَ عُبَيْدَةُ، وظهرت بطولة الشاب الصغير علي بن أبي طالب جليَّة في هذه المبارزة.
وفي غزوة الخندق: قام علي بن أبي طالب بمبارزة عمرو بن عبد وُدٍّ، وهو من الأشداء، وقتله.
وفي غزوة خيبر: كان عليٌّ قائد هذه الغزوة، حيث أعطاه الرسول (الراية بعد أن قال: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ»، أَوْ: «يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ»، وقد حصلت المبارزة بينه وبين مرحب اليهودي، وقتله).
طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه
طلحة بن عبيد اللَّه بن عثمان القرشيُّ التيميُّ، أبو محمد، وهو أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وَكَانَ استشهاده سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ.
فضائله:
أعظم ما ورد في فضائل طلحة بن عبيد الله أنه شهيد يمشي على الأرض: قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ».
إنفاقه في سبيل الله:
كان طلحة بن عبيد الله محبًّا للخير، ويخاف من كنز المال في بيته، ويحرص على إنفاقه في سبيل الله تعالى، ويظل في حالة هَمٍّ وغَمٍّ حتى يصرف هذا المال في وجهه، بل قال قَبِيصَةُ بْنُ جَابِرٍ: "مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ أَعْطَى لِجَزِيلٍ مِنَ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ"، قَالَ سُفْيَانُ: وَكَانَ أَهْلُهُ يَقُولُونَ: «إِنَّ رَسُولَ الله سَمَّاهُ الْفَيَّاضَ».
بطولاته الجهادية:
كان طلحة بن عبيد الله مجاهدًا عظيمًا، وقد وقف سدًّا منيعًا لحماية الرسول من المشركين حال اضطراب الصفوف في معركة أحد، فكان أمة وحده، يقاتل وينافح حول قائد الأمة، ولم يسمح لأحد أن يأتي من قِبَلِهِ، أو يخترق ثغره، وأصيب ما يزيد على سبعين إصابة، وشُلَّت يده.
بشارته بالشهادة:
بَشَّرَ الرسول طلحة بن عبيد الله بالشهادة، وجعله ممن قضى نحبه، وهذه شهادة حق من الرسول لهذا الرجل الذي ضحى بكل شيء حماية لدين الله تعالى، ولم يدخر جهدًا في حماية حمى الإسلام.
الزبير بن العوام رضي الله عنه
الزُّبير بن العوَّام بن خويلد القرشي الأسدي، أبو عبد اللَّه، حواريُّ رسول اللَّه، وابن عمته صفية، أسلم وله اثنتا عشرة سنة، واستشهد سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ.
فضائله:
1- حواريُّ الرسول: عن جَابِر بن عبد الله قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيَّ، وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ».
2-أنه من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح: عَنْ عروة بن الزبير، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ}، قَالَتْ لِعُرْوَةَ: يَابْنَ أُخْتِي، كَانَ أَبَوَاكَ مِنْهُمْ: الزُّبَيْرُ، وَأَبُو بَكْرٍ.
3-جمع الرسول أبويه له: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ أَبَوَيْهِ للزبير، فقال: «فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي»، وذلك بعد أن أتاه الزبير بخبر بني قريظة.
مواقفه الجهادية:
في غزوة بدر: أصيب الزبير بن العوام بإصابة في كتفه، وكان عروة ابنه يدخل أصابعه فيها، وهو صغير .
في غزوة أحد: بعث الرسول سبعين رجلًا لملاحقة المشركين بعد انتهاء الغزوة، كان منهم الزبير بن العوام، وفيهم نزلت هذه الآية: "الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ".
إنفاقه في سبيل الله تعالى:
لقد تربى الصحابة على النفقة في سبيل الله تعالى، وكانوا يحرصون عليها كما نحرص نحن على كنز هذه الأموال، فهم يعلمون أن النفقة زيادة لهم عند الله تعالى، قال سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: «كَانَ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَلْفُ مَمْلُوكٍ يُؤَدُّونَ إِلَيْهِ الْخَرَاجَ، فَكَانَ يَقْسِمُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ، ثُمَّ يَقُومُ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَلَيْسَ مَعَهُ مِنْهُ شَيْءٌ».
أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه
عامر بن عبد اللَّه بن الجراح القرشي الفِهريُّ، مشهور بكنيته، وبالنسبة إلى جدِّه، أحد العشرة السابقين إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا وما بعدها.
فضائله:
١-أمين الأمة: عَنْ حُذَيْفَةَ بن اليمان قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عن أبي عبيدة: «هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ»
٢-مدح الرسول له: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: "نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ، نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ...".
مواقف أبي عبيدة الجهادية:
كان أبو عبيدة منغمسًا في الجهاد من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه، فلم يدع لحظة واحدة من عمره تمر في غير الجهاد في سبيل الله تعالى، ومن ذلك:
في غزوة بدر:
قام أبو عبيدة بن الجراح في هذه الغزوة بقتل أبيه المشرك، حيث ذهبت أواصر القرابة أدراج الرياح؛ لأنها تعارضت مع دين الله تعالى، وحب نبيه، فلا يلتقي الإسلام والشرك أبدًا؛ لأن رابطة الإسلام أقوى من العلاقات الاجتماعية.
في غزوة أحد:
أصيب الرسول بسهمين في وجهه، وقام أبو عبيدة بنزعهما بأسنانه، فسقطت إِحْدَى ثَنِيَّتَيْهِ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَهْتَمَ الثَّنَايَا، ومن هذا الموقف يتبين لنا حب أبي عبيدة للرسول، وبذله لأسنانه حماية للمصطفى، ونزع حلقتي المِغْفَر من وجنتيه، فإذا كان يبذل روحه في سبيل الله تعالى، فأقل القليل أن يبذل أسنانه.
زهده:
كان أبو عبيدة زاهدًا في الدنيا، ولم يكن في بيته إلا سَيْفَهُ وَتُرْسَهُ وَرُمْحَهُ، فلما رأى عمر بن الخطاب ذلك قال: "لَوِ اتَّخَذْتَ مَتَاعًا أَوْ شَيْئًا، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: "يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ هَذَا سَيُبَلِّغُنَا الْمَقِيل".
وفاته:
عَنْ طَارِقِ بن شهاب الأحمسي أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فِي الطَّاعُوْنِ: إِنَّهُ قَدْ عَرَضَتْ لِي حَاجَةٌ، وَلاَ غِنَى بِي عَنْكَ فِيْهَا، فَعَجِّلْ إِلَيَّ. فَلَمَّا قَرَأَ الكِتَابَ، قَالَ: عَرَفْتُ حَاجَةَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّهُ يُرِيْدُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ مَنْ لَيْسَ بِبَاقٍ. فَكَتَبَ: إِنِّي قَدْ عَرَفْتُ حَاجَتَكَ، فَحَلِّلْنِي مِنْ عَزِيْمَتك، فَإِنِّي فِي جُنْدٍ مِنْ أَجْنَادِ المُسْلِمِيْنَ، لاَ أَرْغَبُ بِنَفْسِي عَنْهُم فَلَمَّا قَرَأَ عُمَرُ الكِتَابَ، بَكَى، فَقِيْلَ لَهُ: مَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ؟ قَالَ: لاَ، وَكَأَنْ قَدْ، قَالَ: فَتُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَانْكَشَفَ الطَّاعُوْنُ.
لقد اختار أبو عبيدة أن يموت مع عامة المسلمين، ولم يرضَ لنفسه أن يترك المسلمين يواجهون مصير الموت، ويتمتع هو بالحياة بعدهم، فاختار لنفسه الموت معهم، وهذا هو القائد المتميز.
عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه
عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف القرشي الزهري، أبو محمد، ولد بعد عام الفيل بعشر سنين، وأسلم قديمًا قبل دخول دار الأرقم، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا، وسائر المشاهد، وتوفي سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
فضائله:
١-دعاء الرسول أن يسقيه من سلسبيل الجنة.
٢-ائتمام الرسول به.
٣-أنه من خيار المسلمين: عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، أَنَّ النَّبِيَّ قال: «أَنْكِحُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَإِنَّهُ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ...."
عِفَّة النفس:
هاجر عبد الرحمن بن عوف إلى المدينة، وترك زهرة الحياة الدنيا في مكة، فخرج خاوي اليدين من حظ الدنيا من أجل مرضاة الله تعالى، فرزقه الله تعالى بأخٍ صالحٍ صادقٍ، وهو سعد بن الربيع الذي أراد أن يعطيه شطر المال والبيت، وأجمل الزوجتين، ولكن عبد الرحمن كان مثالًا لعفة النفس رغم حاجته لأدنى المال، ومن ترك شيئًا عِفَّةً عوضه الله خيرًا منه، فرزقه الله بالتجارة رزقًا حسنًا.
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
سعد بن مالك بن أُهَيْب القرشيُّ الزهريُّ، أبو إسحاق، وهو أول من رمى بسهم في سبيل اللَّه، آخر العشرة المبشرين بالجنة موتً حيث تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ.
فضائله:
١-خال الرسول: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَقْبَلَ سَعْدٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ: "هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ".
٢-دعاء الرسول له باستجابة دعوته: عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لَهُ إِذَا دَعَاكَ - يَعْنِي سَعْدًا».
٣-جمع النبي أبويه له: حيث قال له النَّبِيُّ يوم أحد: «ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي»ِ.
جهاده في غزوتي بدر وأحد:
كان سعد بن أبي وقاص يرمي السهام على المشركين، ويدعو عليهم، وكان النبي يدعو له باستجابة دعوته، وكذا كان دوره في أحد.
قائد القادسية:
كان سعد بن أبي وقاص قائد معركة القادسية ضد الفرس، وقد انتصر عليهم نصرًا مؤزرًا، وهزم الفرس هزيمة ساحقة.
اعتزاله الفتن:
كانت وجهة نظر سعد بن أبي وقاص الحفاظ على دينه، وعدم الوقوع في الفتن الداخلية التي حدثت بين المسلمين، قال الذهبي: "اعْتَزَلَ سَعْدٌ الفِتْنَةَ، فَلاَ حَضَرَ الجَمَلَ، وَلاَ صِفِّيْنَ، وَلاَ التَّحْكِيْمَ، وَلَقَدْ كَانَ أَهْلاً لِلإِمَامَةِ، كَبِيْرَ الشَّأْنِ".
سعيد بن زيد رضي الله عنه
سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدويُّ، أسلم قبل دخول الرسول دار الأرقم، وكان إسلام عمر عنده في بيته؛ لأنه كان زوج أخته فاطمة، وتُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ.
أمير دمشق: كان سعيد بن زيد مجاهدًا مقاتلًا في سبيل الله تعالى، فشهد المشاهد كلها مع النبي عدا بدر؛ لعدم وجوده في المدينة، وشَهِدَ معركة اليرموك، وحِصَارَ دِمَشْقَ، وَفَتَحَهَا، فَوَلاَّهُ عَلَيْهَا أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَمِلَ نِيَابَةَ دِمَشْقَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّة.
كرامة سعيد:
كان الصحابة موصولين بالله تعالى، فكان إذا حزبهم الأمر، وعجزوا عنه، رفعوا أَكُفَّ الضراعة إلى الله تعالى، فتأتيهم الاستجابة من الله عز وجل، فقد ادَّعَتْ أَرْوَى بِنْتُ أُوَيْسٍ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِهَا، فدعا عليها سعيد، فَقَالَ: «اللهُمَّ، إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَعَمِّ بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا». قال عروة بن الزبير: «فَمَا مَاتَتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا، ثُمَّ بَيْنَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا، إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ».
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
فضائله:
1-حث النبي على تلقي القرآن عنه: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، بَشَّرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ».
2-شهادة الرسول له بأنه مؤمن يعمل الصالحات: عَنْ ابن مسعود، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ «قِيلَ لِي أَنْتَ مِنْهُمْ».
حال عبد الله بن مسعود مع القرآن:
كان عبد الله بن مسعود من أعلم الناس بكتاب الله تعالى، وقد طلب منه النبي أن يقرأ القرآن الكريم عليه، فعَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ «اقْرَأْ عَلَيَّ» قُلْتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: «فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي» فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا}. قَالَ: «أَمْسِكْ»، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ.
فهذا خير الخلق يريد أن يستمع للقرآن من غيره، فيؤثر فيه القرآن، وتخضل اللحية من الدموع الشريفة، إنه التأثر بروعة وجمال الآيات العظيمة، التي تبهر العقل، وتجذب العاطفة، فما أعظم الكلام! وما أروع الأسلوب!
تعذيب عبد الله بن مسعود وانتقامه ممن ظلمه:
كان عبد الله بن مسعود لا يخاف في الله لومة لائم خاصة وهو يتلو كتاب ربه عز وجل، فهو أول من جهر بالقرآن الكريم من الصحابة، وتعرض بسبب ذلك للإيذاء، فعن يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ أَوَّلَ مَنْ جَهَرَ بِالْقُرْآنِ بِمَكَّةَ بَعْدَ النَّبِيِّ عِنْدَ الْبَيْتِ، وَقُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهَا قَرَأَ سُورَةَ: "الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ القرآن". فَقَامُوا إِلَيْهِ، فَضَرَبُوهُ، ولكن رغم التعذيب والمحن فالله عز وجل سينصر دينه وأولياءه المستضعفين، فالرجل الذي عَذَّبَ أولياء الله تعالى كان الخلاص منه على يد أضعف الخلق، فلا بد للمسلم أن ينتقم ممن ظلمه إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة، فوقع ذلك في بدر فانتقم ابن مسعود من أبي جهل.
أبو موسى الأشعري رضي الله عنه
عبد اللَّه بن قيس بن الأشعري، أسلم وهاجر إلى الحبشة، وقدم المدينة بعد فتح خيبر، واستعمله النبيُّ على بعض اليمن، واستعمله عمر على البصرة، ثم استعمله عثمان على الكوفة، وتُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ من الهجرة.
فضائل أبي موسى الأشعري:
حب الرسول له ولقومه الأشعريين: قال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَدًا أَقْوَامٌ هُمْ أَرَقُّ قُلُوبًا لِلْإِسْلَامِ مِنْكُمْ». قَالَ: فَقَدِمَ الْأَشْعَرِيُّونَ فِيهِمْ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ.
حسن صوته في القرآن الكريم، ومشابهته لصوت نبي الله داود عليه الصلاة والسلام: عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ لَهُ: «يَا أَبَا مُوسَى لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ»، وفي رواية مسلم قال له: «لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ، لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ».
فها هو النبي أعار اهتمامًا لأحد أصحابه، وهو يقرأ القرآن، فأنصت لقراءته، وتأثر بها، ثم أكد له شدة تأثيره في المستمع، فصوته جميل في القرآن لدرجة مشابهته لحسن صوت النبي داود - عليه الصلاة والسلام-.
عبادة أبي موسى: وصف الإمام الذهبي الصحابي الجليل أبا موسى الأشعري بقوله: "كَانَ أَبُو مُوْسَى صَوَّاماً قَوَّاماً رَبَّانِيّاً زَاهِداً عَابِداً، مِمَّنْ جَمَعَ العِلْمَ وَالعَمَلَ وَالجِهَادَ وَسَلاَمَةَ الصَّدْرِ، لَمْ تُغَيِّرْهُ الإِمَارَةُ، وَلاَ اغْتَرَّ بِالدُّنْيَا"، وقد بلغ تأثيره في المواعظ على الناس إلى حد وصفه بالجزار، فعَنْ لِمَازَةَ بْنِ زَبَّارٍ قال: قَالَ سُلَيْمَانُ أَوْ غَيْرُهُ: "مَا كَانَ يُشَبَّهُ كَلاَمُ أَبِي مُوسَى إِلاَّ بِالْجَزَّارِ الَّذِي لاَ يُخْطِئُ الْمَفْصِلَ".
عفته وحياؤه: كان أبو موسى الأشعري عفيفًا مبتعدًا عن كل ما يغضب الله تعالى، وكان يستحيي من ربه تعالى، فالله أحق أن يُستحيا منه، فعَنْ لاحق بن حُمَيْد، أَنَّ أَبَا مُوسَى قَالَ: "إِنِّي لأَغْتَسِلُ فِي الْبَيْتِ الْمُظْلِمِ، فَأَحْنِي ظَهْرِي حَيَاءً مِنْ رَبِّي"، وعن سعد بن إياس الشيباني، أنَّ أَبُا مُوْسَى قال: "لأَنْ يَمْتَلِئَ مَنْخِرِيْ مِنْ رِيْحِ جِيْفَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ مِنْ رِيْحِ امْرَأَةٍ".
أبو هريرة رضي الله عنه
كان اسم أبي هريرة في الجاهلية عبد شمس بن صخر، فسماه الرسول عبد الرحمن، وكُنِّيَ بهذا الكنية لاعتنائه بأولاد الهِرَّة، وكَانَ إِسْلَامُهُ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ للهجرة عَامَ خَيْبَرَ، ومن هنا نلحظ قصر فترة إسلامه التي لا تتعدى الأربع سنوات، ورغم ذلك فقد كان أحفظ الصحابة لحديث النبي، وذلك لملازمته له طيلة هذه الفترة، وتوفي سنة سبع وخمسين للهجرة.
فضائله:
١- دعاء الرسول له بتحبيبه للناس.
٢- عدم نسيان أي شيء سمعه من الرسول: عن عبد الرحمن بن هرمز، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: «مَنْ يَبْسُطْ ثَوْبَهُ فَلَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي» فَبَسَطْتُ ثَوْبِي حَتَّى قَضَى حَدِيثَهُ، ثُمَّ ضَمَمْتُهُ إِلَيَّ، فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ.
معاناة:
تحمل أبو هريرة المعاناة، والصبر في طلب العلم إلى حدٍّ كبير جدًّا، فقد تقلل من الدنيا، ورغب في الدار الآخرة، وقد أعطاه الله تعالى على هذا الصبر الجزاء الحسن المتمثل في شدة الحفظ، وخدمة السنة النبوية.
حفظ أبي هريرة لأحاديث الرسول:
كان سبب كثرة محفوظات أبي هريرة لزومه لمجلس النبي، وعدم الانشغال بالدنيا، قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: يَقُولُونَ: "إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدْ أَكْثَرَ، وَاللهُ الْمَوْعِدُ"، وَيَقُولُونَ: "مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يَتَحَدَّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ؟" وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: "إِنَّ إِخْوَانِي مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَرَضِيهِمْ، وَإِنَّ إِخْوَانِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ، وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا، وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا".
فلا بد لأبناء الأمة المسلمة اليوم أن يهتموا بطلب العلم، وملازمة العلماء، والجلوس بين أيديهم، والتأدب معه، فعلى طالب العلم أن يحب سنة النبي، ويندفع للتعلم، ولا يتعالى ويترفع على أي كلمة يسمعها، وأن يُدَوِّنَ كل ذلك، وأن يطلب دعاء شيخه له، ويستعين على حفظ العلم بتقربه بالعبادة لله تعالى.
أبو الدرداء رضي الله عنه
عويمر بن عامر بن قيس الأنصاري المتوفى سنة ٣٢ للهجرة.
فضائله:
١- أحد الأربعة الذين جمعوا القرآن على عهد الرسول: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " مَاتَ النَّبِيُّ وَلَمْ يَجْمَعِ القُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ".
٢- أنه أحد العاقِلَين: عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يَقُولُ: حَدِّثُونَا عَنِ الْعَاقِلَيْنَ. فَيُقَالُ: مَنِ الْعَاقِلانِ؟ فَيَقُولُ: مُعَاذٌ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ.
زهده:
لقد كان أبو الدرداء حريصًا على طاعة الله تعالى، وعلى الزهد في الحياة الدنيا طلبًا للدار الآخرة وما عند الله تعالى، فترك الدنيا لأهلها، واتجه إلى الاهتمام بدينه؛ لأنه لم يستطع أن يوفق بين العمل للآخرة، والعمل للدنيا، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: "كُنْتُ تَاجِرًا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ، فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ زَاوَلْتُ التِّجَارَةَ وَالْعِبَادَةَ، فَلَمْ تَجْتَمِعَا، فَأَخَذْتُ الْعِبَادَةَ، وَتَرَكْتُ التِّجَارَةَ".
علمه:
بلغ علم أبي الدرداء مبلغًا عظيمًا في الفقه، وإقراء القرآن الكريم، ونواحي الدين الأخرى، كيف لا يكون كذلك، وقد عاش حياته من أجل العلم؟ لقد ترك الدنيا لأصحابها، وحرص على الاستزادة من العلم الشرعي، فكان محط أنظار الصحابة بعد وفاة الرسول.
قال يزيد بن معاوية: "كان أبو الدرداء من الفقهاء العلماء الذين يشفون من الداء".
وأما عن إقرائه للقرآن الكريم فقد كان يشرف على الكثير من حلقات الإقراء، فقيل إن الَّذِيْنَ فِي حَلْقَةِ إِقْرَائه كَانُوا أَزْيَدَ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ، وَلِكُلِّ عَشْرَةٍ مِنْهُم مُلَقِّنٌ، وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَطُوْفُ عَلَيْهِم قَائِماً، فَإِذَا أَحْكَمَ الرَّجُلُ مِنْهُم، تَحَوَّلَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ -يَعْنِي: يَعْرِضُ عَلَيْهِ-.
وهذه الطريقة هي التي يتبعها المقرئون في هذا العصر، بأن يشرفوا على حلقات الإقراء، فإذا تميز الطالب في حلقة الإقراء، وأتقن برنامج التأهيل انتقل بعدها إلى أخذ السند المتصل عن مشايخه، فلهم في ذلك سبق تاريخي، وأسوة حسنة من زمن الصحابة.
مواعظه:
لقد كان أبو الدرداء صاحب عبارات بليغة مؤثرة في الناس، وكانت جمله كأنها مكتوبة بماء الذهب على وجه القمر، ومن هذه المواعظ:
١- " اطلبوا العلم، فإن عجزتم فأحبوا أهله، فإن لم تحبوهم فلا تبغضوهم".
٢- " ويل للذي لا يعلم مرة، ولو شاء الله عَلَّمَه، ويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات"
٣_ " تولدون للموت، وتعمرون للخراب، وتحرصون على ما يفنى، وتذرون ما يبقى، ألا حَبَّذَا المكروهات الثلاث: الموت، والمرض، والفقر".
حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه
حمزة بن عبد المطلب، أبو عُمَارة، عمُّ النبيِّ، وأخوه من الرَّضاعة، وُلِدَ قبل النبي بسنتين، وأسلم في السنة الثانية من البعثة، وهاجر إلى المدينة، واستشهد في غزوة أحد.
فضائله:
١- أسد الله: عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: " كَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يُقَاتِلُ يَوْمَ أُحُدٍ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ وَيَقُولُ: أَنَا أَسَدُ اللَّهِ.
٢- سيد الشهداء: قَالَ جَابِرُ بن عبد الله: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَمْزَةُ».
مواقفه في معركة بدر:
كان حمزة بن عبد المطلب أسد الله تعالى بحق، وكان له جهاد عظيم في معركة بدر حيث قتل الأسود بن عبد الأسد المخزومي، وبارز عتبة بن ربيعة، ثم قتله.
موقفه في معركة أحد:
بدأت معركة أحد حامية الوطيس، وقبل أن يأتي القدر المحتوم، فقد قَتَلَ حمزة بن عبد المطلب بسيفه قبل أن يُقْتَل أكثر من ثلاثين نفسًا.
استشهاده:
لا بد من ضريبة للجهاد في سبيل الله تعالى، فهذا هو جبير بن مطعم يريد الانتقام والثأر ممن قتل عمه في معركة بدر الكبرى، وبالفعل بعث وحشي بن حرب ليقتل هذا الرجل المغوار، وكان ثمن ذلك الحرية لوحشيٍّ، فخرج لا يريد إلا رأس حمزة.
مصعب بن عمير رضي الله عنه
مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، أحد السابقين إلى الإسلام، كنيته أبو عبد اللَّه، وكان إسلامه في دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة، ثم رجع إلى مكة، فهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا، ثم شهد أحدًا، ومعه اللواء، فاستشهد.
حرمانه من النعيم بسبب إسلامه:
الابتلاء سنة الله تعالى في عباده المؤمنين يُبتلى المؤمن على قدر دينه، والتمسك بالإيمان يؤدي إلى الإيذاء، والتعرض للكثير من المتاعب الجسدية، والإيذاء من قبل أهل الكفر والشرك، فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، يَقُولُ: "إِنَّا لَجُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ طَلَعَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، مَا عَلَيْهِ إِلاَّ بُرْدَةٌ لَهُ مَرْقُوعَةٌ بِفَرْوٍ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ بَكَى لِلَّذِي كَانَ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ وَالَّذِي هُوَ اليَوْمَ فِيهِ".
مصعب الداعية:
كان مصعب بن عمير سفير الإسلام الأول، فقد اختاره النبي للذهاب للدعوة إلى الله تعالى في يثرب بعد أن بايع الأنصار بيعة العقبة الأولى، وكانت مهمته تتمثل في الدعوة إلى الله تعالى، وتفقيه المسلمين، وإقراء القرآن الكريم، وكان يأتيهم في دورهم فيدعوهم إلى الإسلام، فأسلم منهم خلق كثير، وفشا الإسلام فيهم، وكتب إلى رسول الله يستأذنه أن يقيم صلاة الجمعة، فأذن له، فَجَمَّع بهم في دار خيثمة، ثم قدم على رسول الله مع السبعين الذين وافوه في بيعة العقبة الثانية فأقام بمكة قليلًا، ثم قدم قبل رسول الله المدينة، فهو أول من قدمها.
جهاده:
كان مصعب بن عمير حامل اللواء في معركة بدر، وكذلك في معركة أحد، وقد استشهد في هذه المعركة.
سعد بن معاذ رضي الله عنه
سعد بن معاذ بن النعمان الأنصاريُّ الأشهليُّ، سيِّد الأوس، ويكنى أبو عمرو، شهد بدرًا باتفاق، ورمي بسهم يوم الخندق، فعاش بعد ذلك شهرًا، حتى حكم في بني قريظة، وأجيبت دعوته في ذلك، ثم انتقض جرحه، فمات، وذلك سنة خمس.
فضائله:
١- مناديله في الجنة ألين من الحرير: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، يَقُولُ: أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللهِ حُلَّةُ حَرِيرٍ، فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَلْمِسُونَهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ لِينِهَا، فَقَالَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذِهِ؟ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ، خَيْرٌ مِنْهَا وَأَلْيَنُ».
٢- اهتزاز عرش الرحمن لموته: عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ».
٣- حمل الملائكة لجنازته: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا حُمِلَتْ جَنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ الْمُنَافِقُونَ: مَا أَخَفَّ جَنَازَتَهُ؛ وَذَلِكَ لِحُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ فَقَالَ: "إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ".
إسلامه:
لما رأى سعد بن معاذ انتشار الإسلام على يد مصعب بن عمير في يثرب بعث نائبه أسيد بن حضير لإيقاف دعوة الله تعالى، ولكن كانت المفاجأة إسلام أسيد، فقرر سعد بن معاذ سيد بني عبد الأشهل أن يتوجه بنفسه لإيقاف هذه الدعوة المباركة، ولكن حصل العكس، فقد طلب منه الداعية الصابر الحكيم أن يستمع إليه فإن أعجبه ذلك أخذ به، وإلا فهو وشأنه، فَعَرَضَ عَلَيْهِ مصعب الْإِسْلَامَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فعرف مصعب، وأسعد بن زرارة في وجه سعد الإسلام قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ؛ لِإِشْرَاقِهِ وَتَسَهُّلِهِ، فأسلم، وذهب إلى قومه، ودعاهم إلى الله، وكان إسلامه سببًا في دخول جميع قومه في دين الله تعالى أفواجًا.
وهكذا نريد من أبناء الدعوة أن يقوموا دائمًا بواجبهم تجاه دين الله تعالى الذي آمنوا به، فهذا الرجل لم يمضِ على إسلامه لحظات حتى أدخل جميع أهله وأقاربه في الدين.
إصابته:
كان سعد بن معاذ مجاهدًا في سبيل الله تعالى، فخرج إلى غزوة الخندق، وقد أصيب يومها بعد أن رماه حِبَّانُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْعَرِقَةِ بسهم فَقَطَعَ مِنْهُ الْأَكْحَلَ، وقد أقرَّ الله عينه بالحكم في بني قريظة فحكم فيهم بحكم الله تعالى من فوق سبع سماوات.
زيد بن ثابت رضي الله عنه
زيد بن ثابت الأنصاريُّ الخزرجيُّ، استصغر يوم بدر، ويقال: إنه شهد أحدًا، وكتب الوحي للنَّبيِّ، وكان من علماء الصحابة، وهو الَّذي تولَّى قسم غنائم اليرموك، وتوفي سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
فضائل زيد بن ثابت:
١- شهادة الرسول له بأنه من علماء المواريث: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: « وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ».
٢- جمعه للقرآن الكريم على عهد الرسول: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " جَمَعَ القُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ».
سعة علم زيد بن ثابت:
كان زيد بن ثابت من علماء الصحابة، بل هو من المتخصصين في علوم القرآن الكريم، وعلم الفرائض والمواريث، بل هو من أصحاب الفتوى، وممن جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق، وعثمان بن عفان، فقد كان موسوعة قرآنية فقهية.
قال ابن عبَّاس: "لقد علم المحفوظون من أصحاب محمَّد أنَّ زيد بن ثابت كان من الرَّاسخين في العلم"، وقال أبو هريرة يوم وفاته: "اليوم مات حبر هذه الأمة، وعسى اللَّه أن يجعل في ابن عباس منه خَلَفًا"
خطيب الرسول ثَابِتُ بْنُ قَيْس رضي الله عنه
ثابت بن قيس بن شَمَّاس بن زهير بن مالك الأنصاريُّ الخزرجي، وكنيته: أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، خَطِيْبُ الأَنْصَارِ، كَانَ مِنْ نُجَبَاءِ الصحابة، شَهِدَ أُحُداً، وَبَيْعَةَ الرُّضْوَانِ، واستشهد في معركة اليمامة.
فضائله:
١- مدح الرسول له: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: "نِعْمَ الرَّجُلُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ".
٢- أنه من كُتَّاب الوحي: ذكر ذلك ابن القيم.
٣- أنه من أهل الجنة: في حديث أنس بن مالك: فقَالَ رَسُولُ اللهِ: «بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»- يقصد: ثابت بن قيس-.
الخطيب المُفَوَّه:
قال الذهبي: "كَانَ جَهِيْرَ الصَّوْتِ، خَطِيْباً بَلِيْغاً"، ومن أمثلة خطبه ما رواه أنس بن مالك حيث قال: خَطَبَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ عِنْدَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ الْمَدِينَةَ، فَقَالَ: نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا وَأَوْلَادَنَا، فَمَا لَنَا؟ قَالَ: «الْجَنَّةُ». قَالَ: "رَضِينَا".
خوفه من الله تعالى:
لَمَّا نَزَلَ قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}، خاف ثابت بن قيس، وأخذ يقول أنه من أهل النار؛ لأنه كان رفيع الصوت، فأكد النبي أنه من أهل الجنة.
أبو دجانة رضي الله عنه
سماك بن خَرَشَة السَّاعِدِيُّ، استشهد في معركة اليمامة ضد مسيلمة الكذاب سنة اثنتي عشرة، وذلك بعد أن شفى الله تعالى صدره بالمشاركة في قتل عدو الله مسيلمة.
ومن أهم فضائله:
إعطاء الرسول سيفه له: عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: «مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا؟» فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ، كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ: أَنَا، أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ؟» قَالَ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ. فَقَالَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ: أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ. قَالَ: فَأَخَذَهُ، فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ.
جهاده في سبيل الله تعالى:
اتفق العلماء على شهود أبي دجانة غزوة بدر ، وقد ورد قبل قليل أنه أخذ سيف النبي فقاتل به المشركين، وقد حصلت له قصة وهو يقاتل بسيف الرسول، فعن الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، قَالَ: عَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: " مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ فَقَامَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ، فَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَخَرَجَ، فَاتَّبَعْتُهُ، فَجَعَلَ لَا يَمُرُّ بِشَيْءٍ إِلَّا أَفْرَاهُ وَهَتَكَهُ، حَتَّى أَتَى نِسْوَةً فِي سَفْحِ جَبَلٍ، وَمَعَهُمْ هِنْدُ...، قَالَ: فَحَمَلَ عَلَيْهَا، فَنَادَتْ يَا آلَ صَخْرٍ، فَلَمْ يُجِبْهَا أَحَدٌ، فَانْصَرَفَ، فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ صَنِيعِكَ قَدْ رَأَيْتُهُ فَأَعْجَبَنِي غَيْرَ أَنَّكَ لَمْ تَقْتُلِ الْمَرْأَةَ، قَالَ: إِنَّهَا نَادَتْ، فَلَمْ يُجِبْهَا أَحَدٌ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَضْرِبَ بِسَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ امْرَأَةً لَا نَاصرَ لَهَا. فها هو يُجَنِّبُ سيف رسول الله أن يقتل النساء اللاتي لا مغيث لهن، فهذا السيف أعظم من ذلك، وهذا يدل على حبه للنبي، وتنزيه سيفه أن يقتل النساء.
صفات أبي دجانة:
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: دُخِلَ عَلَى أَبِي دُجَانَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ، وَكَانَ وَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ، فَقِيلَ لَهُ: مَا لِوَجْهِكَ يَتَهَلَّلُ؟ فَقَالَ: " مَا مِنْ عَمَلِي شَيْءٌ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنَ اثْنَتَيْنِ: أَمَّا إِحْدَاهُمَا، فَكُنْتُ لا أَتَكَلَّمُ فِيمَا لا يَعْنِينِي، وَأَمَّا الأُخْرَى فَكَانَ قَلْبِي لِلْمُسْلِمِينَ سَلِيمًا". فهو يفتخر هنا أنه لا يتدخل فيما لا يعنيه، وأن قلبه سليم تجاه إخوانه المسلمين، وهما صفتان لو تمسك بهما المسلمون اليوم لابتعدوا عما يُنَغِّصُ علاقاتهم الاجتماعية.
حسَّان بن ثابت رضي الله عنه
حسَّان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاريُّ الخزرجيُّ، كني بأبي الوليد، وهي الأشهر، تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ للهجرة.
فضائله:
١- تأييد الوحي جبريل له: كان الرسول يَقُولُ لحسان: «أَجِبْ عَنِّي، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ»، وفي رواية: «اهْجُهُمْ - أَوْ هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ».
٢- وصف الرسول له بأنه من المؤمنين الذاكرين: عَنْ أَبِي الْحَسَنِ، مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، وَحَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ أَتَيَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ {طسم} الشُّعَرَاءِ يَبْكِيَانِ وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَيْهِمْ: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ}، حَتَّى بَلَغَ {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، قَالَ: «أَنْتُمْ» {وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا}، قَالَ: «أَنْتُمْ» {وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا}، قَالَ: «أَنْتُمْ».
حكم الشعر:
يجوز قول الشعر، لأنه كان للنبي صلَّى الله عليه وسلم شعراء منهم: حسان، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، وقد مدحوه، وأعطى الرسول بردة كانت عليه كعب بن زهير لما أنشده القصيدة اللامية: "بانت سعاد"، وحكم الشعر حكم الكلام في حظره وإباحته، وكراهيته واستحبابه ورد الشهادة به، فَحَسَنُهُ كَحَسَنِهِ، وقَبِيحُهُ كَقَبِيحِهِ.
وأما عن شعراء الرسول، فقد ذكر محمد بن سيرين أنهم ثلاثة، وهم: عَبْدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ، وَحَسَّانُ بنُ ثَابِتٍ، وَكَعْبُ بنُ مَالِكٍ.
شعر حسان عن مدينة الرسول:
بطيبةَ رسمٌ للرسولِ ومعهدُ منيرٌ، وقد تعفو الرسومُ وتهمدُ
ولا تنمحي الآياتُ من دارِ حُرْمَةٍ بها مِنْبَرُ الهادي الذي كانَ يَصْعَدُ
ووَاضِحُ آياتٍ، وَبَاقي مَعَالِمٍ وربعٌ لهُ فيهِ مصلى ومسجدُ
بها حجراتٌ كانَ ينزلُ وسطها مِنَ الله نورٌ يُسْتَضَاءُ، وَيُوقَدُ
معاذ بن جبل رضي الله عنه
معاذ بن جبل الأنصاريُّ الخزرجيُّ، كنيته أبو عبد الرحمن، تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ.
فضائله:
١- حث النبي على تلقي القرآن عنه:
عَنْ مَسْرُوقٍ قال: ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ: «خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ».
٢- أعلم الصحابة بالحلال والحرام:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ... وَأَعْلَمُهُمْ بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ».
٣- مدح الرسول له:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: "نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ".
معاذ بن جبل أحد علماء الصحابة:
لقد كان معاذ بن جبل من علماء الصحابة، فقد وصفه الرسول بأنه من أعلم الصحابة بالحلال والحرام، فقد كان فقيهًا عالمًا، فعن مسروق قال: "شاممت أصحاب محمد فوجدت علمهم انتهى إلى ستة: عمر، وعلي، وعبد الله، ومعاذ، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت".
اختصاص الرسول معاذًا بوصية مهمة:
قال حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِّيُّ، عَنْ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ الله أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ»، فَقَالَ: " أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"، وَأَوْصَى بِذَلِكَ مُعَاذٌ الصُّنَابِحِيَّ، وَأَوْصَى بِهِ الصُّنَابِحِيُّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وهذا الإسناد يسمى المسلسل بالمحبة، وما زال يروى بإسناده إلى النبي، ويقول كل شيخ لتلميذه: "وإني أحبك فقل..."، وهذا يدل على محبة النبي لهذا الصحابي العظيم، واهتمامه بشأنه.
أمهات المؤمنين
عَظَّمَ القرآن الكريم حق أمهات المؤمنين؛ لأنهن أزواج النبي خير الخلق، وجعل لهن فضائل كثيرة، ومن ذلك:
١- تسميتهن أمهات المؤمنين.
٢- مضاعفة الأجر لهن على الطاعة وعمل الصالحات.
٣- أفضل نساء العالمين.
٤- تطهيرهن من الرجس.
٥- تشريف الله تعالى لهن بتلاوة القرآن والحكمة في بيوتهن.
٦- منع النبي من التزوج عليهن، أو تطليق واحدة والزواج بغيرها.
عدد أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن
اختلف في عدد أمهات المؤمنين اللاتي دخل بهن الرسول، فقيل: اثنتا عشرة، وقيل: إحدى عشرة، وسبب الاختلاف هو في مارية القبطية هل هي زوجة أو مِلْك يمين؟ والراجح أنها مِلْك يمين؛ لأن النبي لم يكن يقسم لها مع زوجاته، وكذا وقع الخلاف في ريحانة بنت زيد القرظية، والأرجح أنها مِلْك يمين أيضًا.
ويجمعهن جملة: (خس مع جزر صحه)، حيث إن كل حرف يتضمن اسمًا، عدا حرف الزاي فإنه يدل على اسمين.
وهن كالتالي حسب الترتيب الزمني لزواجهنَّ:
(1) خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ.
(2) سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ.
(3) عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.
(4) حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
(5) زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ الْهِلاَلِيَّةُ.
(6) أُمُّ سَلَمَةَ هند بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّةُ.
(7) زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الأَسَدِيَّةُ.
(8) جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيَّةُ.
(9) أُمُّ حَبِيبَةَ رملة بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ الأمَوِيَّةُ.
(10) صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ النَّضِيرِيَّةُ.
(11) مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلاَلِيَّةُ.
خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
خديجة بنت خويلد الأسدية، وأول من صَدَّقَتْ ببعثته مطلقًا، وكانت تُدْعى قبل البعثة الطاهرة، وكانت عند أبي هالة بن زرارة، ثم عند عتيق بن عائذ، وتوفيت قَبْلَ الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ.
فضائلها:
١- أنها خير النساء: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ، قَالَ: «خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ».
٢- الله تعالى يُقْرِؤُها السلام، ويبشرها ببيت من قصب: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ، وَلاَ نَصَبَ".
٣- كثرة ذكر الرسول لها، ووفائه لها بعد الموت: عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ: مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي، لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا...، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيُهْدِي فِي خَلاَئِلِهَا مِنْهَا مَا يَسَعُهُنَّ».
زواج الرسول منها:
ذهب النبي في تجارة لخديجة مع غلامها ميسرة، وكان ميسرة يرى وقت الحَرِّ مَلَكَيْنِ يُظِلَّانِهِ مِنْ الشَّمْسِ، ولما قدم مكة باعت ما جاء به فكان أضعافًا كثيرة، فحدثها ميسرة عما رأى، فبعثت إلى رسول الله أنها قد رغبت فيه؛ لقرابته، وأمانته، وحسن خُلُقه، وصدق حديثه، فبعث عمه حمزة بن عبد المطلب، فخطبها، وتزوجها، وَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا حَتَّى مَاتَتْ، وقد ولدت له جميع أولاده إلا إبراهيم، وهم: (القاسم، وعبد الله، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة).
دور الزوجة الصالحة الدعم والمساندة:
كانت خديجة تشجع الرسول على الخلوة في عبادة ربه، فلم تكن غاضبة من غياب زوجها عنها في الجبال في غار حراء، بل كانت تعد له الزاد للخروج لخلواته، ولما جاءه الوحي، وكان خائفًا هدَّأت من روعه، ووصفته بأنه واصل الرحم، ومقري الضيف، والمعين على نوائب الحق، وذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكانت أول من آمن به، وساندته في كل المحن.
عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها
عائشة بنت عبد اللَّه بن عثمان القرشي التَّيْمِيُّ، وُلِدت في الإسلام، تُوُفِّيَتْ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
فضائلها:
١- نزول صورتها من السماء.
٢- تفضيل عائشة على النساء: عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ».
٣-حب النبي لها: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ العَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلاَسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: " أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: "عَائِشَةُ".
٤-زوجة الرسول في الدنيا والآخرة.
زواج الرسول منها:
عن عروة بن الزبير، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ، فَوُعِكْتُ فَتَمَرَّقَ شَعَرِي، فَوَفَى جُمَيْمَةً، فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ...، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ».
قصة حادثة الإفك وتبرئة الله تعالى لأم المؤمنين:
تتلخص قصة حادثة الإفك في ذهاب عائشة لغزوة بني المصطلق مع الرسول، وقد حُمِلَتْ على هودجها، فلما انتهت الغزوة ضاع عقدها، فأخذت تبحث عنه، وغادر الجيش دون أن يُحِسُّوا بعدم وجودها في الهودج؛ لأنها كانت خفيفة اللحم، وبقيت في انتظار فقد الرسول لها، فنامت، فجاء صفوان بن المعطل في الليل فعرفها، فقال: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، وكان يعرفها قبل نزول الحجاب، ولم يكلمها، ثم أناخ راحلته فركبت، وانطلق بها صوب الجيش، فاتُّهِمَتْ به، وكان الذي تولى كبره منهم: عبد الله بن أبي بن سلول، وتبعه على ذلك بعض المؤمنين منهم: حسان بن ثابت، وحَمْنة بنت جحش، ثم أنزل الله تعالى تبرئتها من فوق سبع سماوات في آيات تتلى إلى يوم القيامة: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
علمها:
كانت أم المؤمنين واسعة العلم، وفقيهة النساء. قَالَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ: "كَانَتْ عَائِشَةُ أَفْقَهَ النَّاسِ، وَأَحْسَنَ النَّاسِ رَأْياً فِي العَامَّةِ". وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: "لَوْ جُمِعَ عِلْمُ عَائِشَةَ إِلَى عِلْمِ جَمِيْعِ النِّسَاءِ، لَكَانَ عِلْمُ عَائِشَةَ أَفْضَلَ". وقد بلغ من علمها الواسع أنها كانت تعرف الطِّبَّ.
خوفها من الله تعالى:
كانت أم المؤمنين عائشة حريصة على علاقتها بربها، فعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ قَبْلَ مَوْتِهَا، فَأَثْنَى عَلَيْهَا، قَالَ: "أَبْشِرِي زَوْجَةَ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَمْ يَنْكِحْ بِكْرًا غَيْرَكِ، وَنَزَلَ عُذْرُكِ مِنَ السَّمَاءِ". فَدَخَلَ عَلَيْهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ خِلافَهُ، فَقَالَتْ: "أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَلَمْ أَكُنْ أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ أَحَدًا الْيَوْمَ يُثْنِي عَلَيَّ، لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا". وعَنْ إِبْرَاهِيمَ النخعي قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: "يَا لَيْتَنِي كُنْتُ وَرَقَةً مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ".
زينب بنت جحش رضي الله عنها
زينب بنت جحش بن رياب الأسدي، وأمها أمية عمة النبيِّ، تزوَّجها النبي سنة ثلاث، وقيل سنة خمس، وتُوُفِّيَتْ سَنَةَ عِشْرِيْنَ من الهجرة.
زواجها بزيد بن حارثة:
كان النبي يحب زيد بن حارثة كحب الولد، بل وكان في الجاهلية ابنًا له، فكان يسمى: زيد بن محمد، وقد اهتم النبي بتزويج هذا الشاب فخطب له ابنة عمته، رغم أن زيدًا من الموالي، فرفضت في البداية، ثم تقبلت الأمر استجابة لله تعالى، ولما أراد الإسلام إنهاء عادة التبني وإبطالها إلى الأبد أَمَرَ رسوله بالزواج من زينب بنت جحش، وهي زوجة ابنه من التبني، وكان هذا الزواج من مفاخر زينب أمام جميع الناس، حيث كانت تَقُولُ: "زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ". فالذي زَوَّجَهَا هو الله، وهذه فضيلة سامية لهذه المرأة.
نزول آية الحجاب بسببها:
نزلت آية الحجاب بعد زواج الرسول بزينب، ومكوث الصحابة وقتًا طويلًا في بيت الرسول، فأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ}. الآيَةَ. وهذه فضيلة ومنقبة عظيمة لزينب أن أنزل الله آية الحجاب بسببها.
إنفاقها في سبيل الله:
كانت أم المؤمنين زينب عابدة لله، وقد وصفها الذهبي بقوله: "كَانَتْ صَالِحَةً، صَوَّامَةً، قَوَّامَةً، بَارَّةً، وَيُقَالُ لَهَا: أُمُّ المَسَاكِيْنِ"، فكانت محبة للنفقة في سبيل الله، فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا» قَالَتْ: فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا، قَالَتْ: فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا، وَتَصَدَّقُ.
ورع زينب:
كانت زينب بنت جحش ورعة في قولها وفعلها. قالت عائشة: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَسْأَلُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ: «يَا زَيْنَبُ، مَا عَلِمْتِ مَا رَأَيْتِ»، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا خَيْرًا، قَالَتْ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالوَرَعِ.
خاتمة البطاقات التعريفية
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، ولم يجعل له عوجًا، فَبَدَّدَ بقوله: "اقرأ" سنوات عجافًا من الجهل والتخلف، وأرسى عهدًا فيه يُغاث الناس، وفيه يَعصرون، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هاديًا، ومبشرًا، ونذيرًا، فكان في رابعة النهار كالشمس وضحاها، وإن حلَّ الليل البهيم كالقمر إذا تلاها، وإن تزاحمت الرؤوس والأفكار كالنهار إذا جلَّاها، فأخرج الناس من ضيق البصر إلى سعة البصيرة، وإلى الفراديس العُلا من أرض الجزيرة، وبعد.
لقد قيَّض الله جنودًا لخدمة دينه، وحمل لواء دعوته، وهم الصحابة الكرام، فالصحابة هم أفضل البشر بعد أنبياء الله تعالى، كيف لا وهم تلاميذ مدرسة النبوة؟ فقد تربوا عند أفضل الخلق، وضحوا بكل ما يملكون في سبيل الله تعالى، ونصرة دينه، فلابد من دراسة سيرهم؛ للتشبه بهم، والنَّهل من سيرتهم العطرة.
لقد كتبت البطاقات التعريفية لا لأجغرف تاريخ الصحابة، فجغرافيته واضحة معلومة، ولا لِتُبَاع وتشترى في أسواق الوراقين؛ لأن علماءنا أفهمونا أن قميص يوسف لا يباع ولا يشترى؛ لأن أبانا بانتظار القميص ليعود مبصرًا، إذن هي رسالة وفاء من ابن وفيٍّ لآباء أوفياء، هي رسالة مني لآبائي أصحاب المصطفى، ولأقدم هذه الصفحات العظيمة إلى كل أحبابي وخِلَّاني عن الصحابة عظامِ الإيمان؛ لأنهم محل الاقتداء، والأسوة الحسنة بعد الأنبياء.
وهذه شجرة غرستها في خِضَم البساتين الواسعة، وشجرة الصحابة أصلها ثابت، وفرعها في السماء.
وكتبه:
أخوكم ومحبكم: عطوة بن محمد القريناوي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق