أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 16 فبراير 2022

إتحاف الغيور بحكم تلقين الميت عند الاحتضار وعلى القبور د. محمد سيد أحمد شحاته

إتحاف الغيور بحكم تلقين الميت عند الاحتضار وعلى القبور

د. محمد سيد أحمد شحاته

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ تعتبر مسألة تلقين الميت (وهي تذكير الميت بكلمة التوحيد) بعد دفنه من المسائل التي شاع فيها الخلاف بين المسلمين، وكانت منتشرة في زمن الإمام أحمد، وفي قرطبة ونواحيها في القرن السادس الهجري، وشاع ذلك في كثير من بلدان المسلمين كاليمن والحجاز ومصر والمغرب، وأعدل الأقوال في هذه المسألة أن يُقال: إنه -أي تلقين الميت بعد دفنه -لا يُسنُّ ولا يُكره، ولو فعله المرء لم يكن عليه إثم، وهو قول الشيخ تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله تعالى، واستحبَّه أصحاب المذاهب الأربعة.

هذا البحث يتناول مسألتين من المسائل المهمة التي تدور حول تلقين الميت:

الأولى (وهي محل اتفاق بين العلماء)، وهي تلقين الميت ساعة الاحتضار.

الثانية: (وهي محل الخلاف بين العلماء) وهي تلقين الميت بعد دفنه.

وأصل الخلاف في هذه المسألة: هو اختلافهم في تصحيح الأحاديث الواردة في تلقين الميت بعد دفنه:

1-فمن يرى المنع من التلقين بعد الدفن كالإمام الصنعاني، والألباني ومحمد رشيد رضا، ويرى أن ذلك بدعة، يقول إن الحديث في ذلك ضعيف، ولا يرتقي بحالٍ من الأحوال، وما ذكره المجيزون من الشواهد ليس فيها إلا الدعاء للميت وسؤال التثبيت له، وليس فيها ما يدلُّ على التلقين بعد الموت، وما ذُكر في صريح التلقين ما فيه إلا مقطوع أو موقوف، وليس فيه شيءٌ مرفوع.

2-أما من يرى جاوز التلقين، فهو يرى أن حديث التلقين صالحٌ للاحتجاج به، وأنه يشهد له حديث: (واسألوا له التثبيت)، ووصية عمرو بن العاص، وهما صحيحان، بالإضافة إلى عمل بعض السلف بذلك، كما رواه سعيد بن منصور عن راشد بن سعد، وضمرة بن حبيب، وحكيم بن عمير، والحكم بن الحارث السُّلمي، وأن ذلك يندرج في فضائل الأعمال؛ فيندفع بذلك كونه بدعة، وأن الميت إذا كان يسمع قرع النعال، فلأن يسمع تلقين الأحياء له أولى وأحرى، وكذلك هو ورادٌ تحت أصلٍ معمولٍ به، وهو: نفع المؤمن أخاه: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}، والتلقين ينفعه؛ لأن الميت يسمع النداء.

أما حديث التلقين، فهو ما رواه الطبراني في "الكبير" و"الدعاء"، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ماتَ الرجلُ منكم فدفَنتُموه فليقم أحدُكم عندَ رأسِهِ، فليقُلْ: يا فلانَ ابنَ فلانةٍ ! فإنَّه سيسمعُ، فليقل: يا فلانَ ابنَ فلانةٍ، فإنَّه سيستَوي قاعدًا، فليَقلْ: يا فلانَ ابنَ فلانةٍ فإنَّه سَيقولُ: أرشِدني أرشِدني رحمَكُ اللهُ، فليقُلْ: اذكر ما خرجتَ علَيهِ من دار الدُّنيا شهادةِ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، وأنَّ الساعةَ آتيةٌ لا ريبَ فيها، وأنَّ اللهَ يبعثُ مَن في القبورِ، فإنَّ منكرًا ونَكيرًا يأخذُ كلُّ واحدٍ منهما بيدِ صاحبِهِ ويقولُ لهُ: قُم، ما نصنعُ عندَ رجلٍ قد لُقِّنَ حُجتَهُ، فيكونُ اللهُ حَجيجَهَما دونَهُ).

 وأخرجه الربعي في "وصايا العلماء"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"، وذكرها الذهبي في "السير"، و"تاريخ الإسلام"، والسيوطي في "الدر المنثور".

وهذا الإسناد ضعيفٌ جداً، فيه: محمد بن إبراهيم بن العلاء الحضرمي، قال ابن عدي: منكر الحديث، وعامة أحاديثه غير محفوظة، وقال أبو الحسن الدارقطني: كذاب، وقال ابن حجر: منكر الحديث من التاسعة. وفيه: عبد الله بن محمد القرشي، قال الحافظ ابن حجر: لا يُدرى من هو. وسعيد بن محمد الأودي ذكره أبو حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وذهب الباحث إلى أن هذه الروايات على ضعفها ووهائها تصلح للاحتجاج على تلقين الميت بعد دفنه، وتدل على أن للحديث أصلاً، بينما المتأمِّلُ لهذه الأحاديث يعرف أن هذه النتيجة قد يعتريها بعض التساهل، وأن الأحاديث الواردة في ذلك تدلُّ على الدعاء للميت، وسؤال الله تعالى أن يُثبته.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق