جزء تحرير الجواب عن حكم ضرب الدواب
للعلامة الحافظ أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902 هـ)
تحقيق هادي بن حمدي المريّ
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذا جزءٌ حديثيٌّ لطيف أبرز فيه الحافظ السخاوي الأحاديث التي وردت في الرفق بالدواب والإحسان إليها، والأحاديث التي حثَّتنا على العناية والرحمة بها، وقد أجاد وأفاد بما لا مزيد عليه-رحمه الله تعالى.
وقد جاءت الشريعة الإسلامية بالرفق في معاملة الدواب والرقيق وسياستهم، وأمرت بالإحسان إليهم وإكرامهم في الطعام والشراب، وحرَّمت إجاعتهم أو إعطاشهم، أو إهانتهم، أو تكليفهم فوق ما يطيقون، ولكن قد تنشز الدابة ويعصي الرقيق، فيلجأ الإنسان إلى الضرب، الذي يُراد منه التأديب والتعليم والتدريب والحثُّ على السير، لا الضرب الذي يؤذي البدن، فيشقُّ اللحم أو يكسر العظم.
وقد علَّمنا نبيُّ الرحمة صلى الله عليه وسلم آداب ركوب الدابة، من ذكر الله والدعاء عند ركوبها، وبيَّن لنا أن المركب الصالح من سعادة ابن آدم، وعلمنا ما يُقال إذا نشزت الدابة، وحثَّنا على تخصيص كل دابة بما تُطيقه من العمل، والمبادرة إلى حلِّ الرحال عند النزول عنها، وتقديم علفها على أكل صاحبها، وكذا المبادرة إلى سقيها، وإجمامها، وجعل على ذلك أجراً، وكل ذلك شفقةً وإبقاءً عليها.
وينبغي أن لا يجمع المرء بين ركوبه ومتاعه في الحمل، إلا إن كانت الدابة المركوبة محتملةٌ للحمل عليها؛ فتُركب سالمةً، وتُترك سالمة، وإذا مرَّ بأرضٍ مخصبةٍ فيها كلاً مباح أن يتركها لترعى فيه، وإذا أجاد الحداء أن يحدو بالإبل كي تنشط وتُسرع، لكن شرط ألا يكون ذلك بالآلات المُحرَّمة كالرّباب ونحوه.
ويحرم ضرب الدواب ذا أبطأت من فرط إعيائها وتعبها وقلة طعامها وشرابها، وكذلك يحرم ضربها إذا كلفها ما لا تُطيقه من حملٍ أو سير، ولا يضربها على تعثرها بوحلٍ وحجرٍ ونحوهما، وإذا ضربها فليجتنب الوجه أيضاً، ولا يضرب خدَّها، وكما أن الدواب تقتصُّ من بعضها، فقصاصها من صاحبها الظالم أولى.
كما أنه يُكره للمرء أن يفجع حيواناً بولده، أو الوقوف على ظهر الدابة، أو اتخاذها منابر أو كراسي، أو يتقصَّد بها الطريق الحزن الصَّعب.
ويحرم لعن الدَّابة، وكذا وضع الجرس في عنقها، ووسمها في وجها، والتحريش بين البهائم، لثبوت النهي عنه.
ويُسنُّ الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم إذا سمع نهيق الحمار، ويستعيذ بالله من شرِّ ما رأى، خلاف أصوات الديمكة، فإنه يُسن سؤال الله الرحمة عندها والرغبة إليه، وكذلك يٍُتحب ذكر الله عز وجل عند هدير الحمام.
ويستحب تسمية الرجل دابته، والاعتقاب عليها في السفر، وجواز ركوب الثلاثة عليها إذا كانت مُطيقة، وأحقية صاحبها بمقدمها إلا أن يأذن لغيره، والاكتفاء بمركب واحد في الدنيا، وكراهة اصطحاب الإبل الجنايب -السِّمان.
وفي هذا الجزء اللطيف: حديث جُعيل الأشجعي، وأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ضرب فرسه بدُرَّة، ودعا له.
وحديث الفتى الذي يُريد الزواج، وله ناقةٌ يغزو عليها، وقد ضربها النبيُّ صلى الله عليه وسلم برجله.
وحديث جابر: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ضرب ناقته الهزيلة بقضيب، أو محجنة فأسرعت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق