أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 11 فبراير 2022

موقف الشافعية المتأخرين من بدع القبور والاستغاثة وتحرير موقف الشيخين السُّبكي والهيتمي إعداد: علاء حسن إسماعيل

موقف الشافعية المتأخرين من بدع القبور والاستغاثة

وتحرير موقف الشيخين السُّبكي والهيتمي

إعداد: علاء حسن إسماعيل

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا البحث النفيس هو بيانٌ لموقف السادة الشافعية من شرك القبور، وتحرير موقف الشيخين تقي الدين السُّبكي، وابن حجر الهيتمي من الاستغاثة بغير الله؛ فإن البعض قد يظنُّ أنهما يُجيزان تلك الشركيات التي يقوم بها كثيرٌ من المتصوفة من دعاءالأموات وطلب قضاء الحوائج منهم، ولكن هذا الأمر ليس بصحيح، ولا يجوز أن يُظن بعلماء الأمة أنهم يُجزيون الشرك الصريح المقطوع به، ولكن دخل هذه المسألة نوع إجمالٍ تسبب بنوعٍ من التساهل لدى عامة المتأخرين من الصوفية، وبسبب ذلك ظهر من يُكفر العلماء تارة، وكذلك ظهر من يتعصَّب لأقوالهم وكلا الأمرين مذموم، والصواب تحرير ما قالاه، وبيان وجه الصواب والخطأ.

وبيَّن المؤلف -حفظه الله -المراد بالشافعية المتأخرين، وهم كل ما انتسب إلى مذهب الإمام الشافعي، ليشمل الذين قرروا معتمد المذهب وغيرهم. 

وأوضح أن موقف متأخري الشافعية في هذه المسألة هو ذاته موقف غيرهم من علماء الأمة؛ فهم موافقون للإجماع، وكذلك تعليلهم في تحريم المغالاة في أصحاب القبور وتعظيمها موافق لتعليل الجمهور.

ونقل كلام الإمام النووي (ت 676 هـ)، وابن الرفعة (ت 710 هـ)، والدميري (ت 808 هـ)، والذهبي (ت 748 هـ)، وابن كثير (ت 774 هـ)، وابن النحاس (ت 814 هـ)، وأبو زرعة العراقي (ت 826 هـ)، وابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، وتقي الدين المقريزي (ت 845 هـ)، وبدر الدين حسين بن عبد الرحمن الأهدل الشافعي (ت 855 هـ)، وجلال الدين السيوطي (ت 911 هـ).

وبيَّن أن القول بوجوب تأويل أفعال من يأتي بقول الشرك وفعله لمجرد أنه يشهد الشهادتين هو قولٌ فاسدٌ عقلاً ونقلاً، وأن قولهم بتحريم دعاء غير الله لا ينفي صفة الشرك عنه .. وناقش مسألة اعتقاد التأثير التي يدافع بها كثيرٌ من المتصوفة عن جملة أفعالهم الشركية.

كما بحث قضية ما يرد في كثير من قصائد المتأخرين من استغاثات ونحوها حتى صار هو الغالب على كثيرٍ منهم، وبيَّن أن أكثرهم يريد بذلك: الاستغاثة إلى الله بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم. 

وقام بتحرير مذهب الإمامين الجليلين التقي السُّبكي وابن حجر الهيثمي من قضية الاستغاثة بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وبين أن مفهومها عندهما نوعين:

النوع الأول: طلب الغوث بالدعاء، أي: يستغيثوا لله عز وجل بمقام النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو عين التوسل به.

النوع الثاني: طلب الغوث من صاحب القبر نفسه، وهو أيضاً قسمين:

الأول: أن يطلب من النبيِّ صلى الله عليه وسلم نفسه عند الزيارة بأن يشفع له ويدعو، وهي من البدع المنكرة التي انتشرت في المتأخرين، لكنها ليست من الشرك الأكبر، وقد أجازها الشيخان متأولين الآية.

الثاني: أن يطلب من النبيِّ صلى الله عليه وسلم مباشرةً ما لا يقدر عليه إلا الله، على سبيل التسبب، شرط أن لا تحتمل اللغة العربية معنىً آخر نحو "أسألك مرافقتك في الجنة"، فهذه محمولةً على اعتبار أنك تطلب من النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لك بذلك، وهذ على معنى التوسل أيضاً. بخلاف ما يطلبه منه مباشرةً مثل "اهدني"، و"ارزقني"، و"اشفني"، و"اغفر لي"، ونحو ذلك، فإن ذلك كفرٌ.

وعليه؛ فهما أجازا الاستغاثة في صورة معينة، ولم يجوزوا الاستغاثة بالأولياء والصالحين كما فهمه كثيرٌ من متصوفة الغفلة، وإنما أجازوا التوسل والتشفع وخصُّوها بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، لما له من خُصِّ به من الشفاعة التي حباه الله إياها، ومن ثمَّ التبس الأمر على كثيرٍ من الصوفية المتأخرين، وبنوا عليه الشرك المحض، وظنوا أن صرف المسألة والعبادة لغير الله جائز.

وخلاصة مذهب الشافعية:

1- تحريم تعظيم القبور وبناء المساجد عليها.

2- جواز التوسل بالصالحين إلى الله تعالى، وتحريم الاستغاثة بهم وجعلوه شركًا أكبر.

3- حكموا عمليا على أن العامة يقعون في الشرك، وهذا خلاف ما يقرره القبورية من أنه يجب تأويل أفعالهم.

4- السبكي والهيتمي قد وافقا الشافعية في جميع ما سبق، إلا أنهما جوّزا الاستغاثة بالرسول بمعنى التوسل به إلى الله تعالى أو سؤاله الدعاء، وهذه الأخيرة من البدع كما أسلفنا.

ومما سبق يتبيّن بجلاء موافقة الشافعية لبقية المذاهب الفقهية في تحريم بدع القبور بكافة أنواعها، واعتبار بعضها من الشرك الأكبر المخرج من الملة، وأنهم مطبقون على ذلك، ومخالفة بعضهم إنما هي مخالفة في أمورٍ مستثناة لا تنسحب لتكون أصلًا عاما أو قاعدة مطردة عند قائله.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلِّم.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق