جزء في عمل اليوم والليلة
للحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
اعتنى به: محمد بن أحمد آل رحاب
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ الذكر جلاء القلوب، وروح الأعمال، وهو الباب الذي لا يوصد بين العبد وبين ربِّه جلَّ وعلا، وهو أرجى الأعمال المنجية، يقول أبو حامد الغزالي: ليس بعد تلاوة كتاب الله عز وجل عبادة تؤدى باللسان أفضل من ذكر الله تعالى. ويدل على فضل الذكر: قوله سبحانه: {فاذكروني أذكركم} (البقرة: ١٥٢)؛ وقوله جلَّ شأنه: {ولذكر الله أكبر والله} (العنكبوت: ٤٥)، وفي الحديث الذي رواه أحمد في مسنده -بسندٍ صحيح، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم -(يقول الله عز وجل: أنا مع عبدي ما ذكرني، وتحركت شفتاه بي).
والذكر ثلاثة أنواع: ذكر يتواطأ عليه القلب واللسان وهو أعلاه، وذكر بالقلب وحده وهو بالدرجة الثانية، وذكر باللسان المجرد وهو بالدرجة الثالثة.
وهذا جزءٌ حديثيٌّ نفيس، لما ينبغي أن يقوله المكلف في يومه وليلته، ذكر فيه الحافظ ابن حجر وظائف كل وقتٍ وخصيصته، وما ينبغي فيه، وقد انتخب فيه عشرين حديثاً من صحاح الأحاديث وحسناها، مما يهم المسلم في جملة يومه وليلته، وجُلُّها في أذكار الصباح والمساء.
وفيه:
1-حديث سيد الاستغفار.
2-وما يقول من أصابته حُمّة.
3-وما يقول حين يُصبح وحين يُمسي.
4-كيف يُعتق المرء نفسه من النار.
5-ما يقول إذا أمسى.
6-سؤال الله العافية.
7-كيف يؤدي شكر يومه؟
8-فضل كلمة التوحيد.
9-ما القدر الذي يقرأه لئلا يكتب من الغافلين.
10-ما القدر الذي يقرأه لكي يُكتب من القانتين.
* فوائد ذكر الله تعالى:
هذه الفوائد ملخصة من كتاب "الوابل الصيب" لابن القيم، رحمه الله تعالي:
1 - أنه يطرد الشيطان، ويقمعه، ويكسره.
2 - أنه يرضي الرحمن، عز وجل.
3 - أنه يزيل الهم والغم عن القلب.
4 - أنه يجلب للقلب الفرح، والسرور، والنشاط، والحبور.
5 - أنه يقوي القلب والبدن.
6 - أنه ينور القلب والوجه.
7 - أنه يجلب الرزق.
8 - أنه يكسو الذاكر الجلالة، والمهابة، والنضرة.
9 - أنه يورث المحبة التي هي روح الإسلام، وقطب رحى الدين، ومدار السعادة والنجاة؛ فقد جعل الله لكل شيء سببا، وجعل سبب المحبة دوام الذكر؛ فمن أراد أن ينال محبة الله، فليلهج بذكره.
10 - أنه يورث الإنابة، وهي الرجوع إلى الله، فمن أكثر الرجوع إلى الله بذكره، أورثه ذلك رجوعه بقلبه في كل أحواله، فيبقى الله عز وجل مفزعه، وملجأه، وملاذه، ومهربه عند النوازل والبلايا.
11 - أنه يورث القرب من الله تعالى، فعلى قدر ذكره لله يكون قربه منه، وعلى قدر غفلته يكون بعده عنه.
12 - أنه يفتح له بابا من أبواب المعرفة، وكلما أكثر من الذكر، ازداد من المعرفة.
13 - أنه يورث ذكر الله لعبده؛ كما قال تعالى: {فاذكروني أذكركم} [البقرة: 152].
ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها, لكفى به شرفا وفضلا.
14 - أنه يحط الخطايا ويذهبها؛ فإنه من أعظم الحسنات، والحسنات يذهبن السيئات.
15 - أنه يزيل الوحشة التي بين العبد وربه، وهي لا تزول إلا بالذكر.
16 - أنه منجاة من عذاب الله، وأنه سبب نزول السكينة وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذكر.
17 - أنه سبب اشتغال اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش، والباطل، وسائر معاصي اللسان؛ فمن عود لسانه ذكر الله، صان لسانه عن الباطل واللغو، ومن يبس لسانه عن ذكر الله، ترطب بكل لغو وباطل وفحش، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي حديث أم حبيبة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل كلام ابن آدم عليه إلا أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر الله" [رواه الترمذي (2412) وابن ماجه (3974) وقال الترمذي: هذا حديث غريب].
18 - أنه أيسر العبادات، وهو من أجلها، وأفضلها، وأكرمها على الله؛ فإن حركة اللسان أخف حركات الجوارح، ولو تحرك عضو من أعضاء الإنسان في اليوم والليلة بقدر حركة اللسان، لشق عليه غاية المشقة، بل لا يمكنه ذلك.
19 - أنه غراس الجنة؛ ففي حديث ابن مسعود يرفعه: "إن الجنة طيبة التربة عذبة الماء، وإنها قيعان، وإن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" [رواه الترمذي (3462) وقال: حديث حسن غريب].
وعند الترمذي (3464) من حديث جابر مرفوعا: "من قال: سبحان الله وبحمده، غرست له نخلة في الجنة" وقال: حديث صحيح.
20 - أن العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال؛ كما دلت على ذلك أحاديث فضل التسبيح، والتحميد، والتهليل، وغيرها.
21 - أن دوام ذكر الرب يوجب الأمان من نسيانه الذي هو شقاء العبد في معاشه ومعاده؛ قال تعالى: {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون (19)} [الحشر]، فلو لم يكن في فوائد الذكر وإدامته إلا هذه الفائدة، لكفى بها.
قال في الكلم الطيب: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، يعني: ذكر الله وامتلاء القلب بمحبته، والفرح والسرور به.
ففيه: ثواب عاجل، وجنة حاضرة، وعيشة مرضية، لا نسبة لعيش الملوك إليها ألبتة، وفي النسيان والإعراض عنه: هموم، وغموم، وأحزان، وضيق، وعقوبات عاجلة، ونار دنيوية، وجهنم حاضرة، أعاذنا الله منها.
22 - أن الإتيان بالذكر عمل يسير يأتي به العبد، وهو قاعد على فراشه، وفي سوقه، وفي حال صحته وسقمه، وفي حال نعيمه، ولذته، ومعاشه، وقيامه، وقعوده، واضطجاعه، وسفره، وإقامته، فليس في الأعمال شيء يعم الأوقات والأحوال مثله؛ حتى إنه يسير على العبد، وهو نائم على فراشه، فيسبق القائم مع الغفلة؛ وذلك فضل من الله يؤتيه من يشاء.
23 - أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، فليس لهم في مجالس الدنيا مجلس إلا هذا المجلس، وفيه حديث أبي هريرة في البخاري (6408) ومسلم (2689) وفيه: "هم القوم لا يشقى بهم جليسهم".
ومجالس الغفلة مجالس الشياطين، وكل يضاف إلى شكله وأشباهه.
24 - أن الله عز وجل يباهي ملائكته بالذاكرين؛ كما في حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم، وهذه المباها؛ دليل على شرف الذكر عنده، ومحبته له، وأن له مزية على غيره من الأعمال.
25 - أن جميع الأعمال إنما شرعت لإقامة ذكر الله؛ فالمقصود بها تحصيل ذكر الله؛ قال تعالى: {وأقم الصلاة لذكري (14)} [طه:]، والأظهر: أنها لام التعليل، أي: لأجل ذكري.
26 - أن إدامة الذكر تنوب عن التطوعات، وتقوم مقامها، سواء أكانت بدنية، أو مالية، أو بدنية مالية؛ كحج التطوع، وقد جاء ذلك صريحا في حديث أبي هريرة وفيه: "ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى" [رواه البخاري (843) ومسلم (595)]؛ فجعل الذكر فيه عوضا لهم عما فاتهم من الحج، والعمرة، والجهاد، والصدقة، أنهم يسبقون بهذا الذكر.
27 - أن الذكر يسهل الصعب، وييسر العسير، ويخفف المشاق، فقلما ذكر الله على صعب إلا هان، ولا عسير إلا تيسر، ولا مشقة إلا خفت، ولا شر إلا زال، ولا كربة إلا انفرجت، فذكر الله هو الفرج بعد الشدة، واليسر بعد العسر، والفرج بعد الهم أو الغم.
28 - أن الذكر يذهب عن القلب مخاوفه، وله تأثير عجيب في حصول الأمن, فليس للخائف الذي اشتد خوفه أنفع من ذكر الله، حتى كأن المخلوق يجدها أمانا له، والغافل خائف مع أمنه، حتى كأن ما هو فيه من الأمن كله مخاوف، ومن له أدنى حس شعر بهذا؛ فقد جرب هذا.
29 - أن الذكر يعطي الذاكر قوة؛ حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لا يطيق فعله بدونه.
قال ابن القيم: وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- أمرا عجيبا؛ فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر، وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمرا عظيما، وقد علم النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنته فاطمة وعليا التسبيح، والتكبير، والتحميد، كل واحد منها ثلاثا وثلاثين، لما شكت إليه ما تلقى من الطحن، والسقي، والخدمة، وقال: "إنه خير لكما من خادم".
30 - أن في دوام الذكر في الطريق، والبيت، والحضر، والسفر، والبقاع، تكثير الشهود للعبد يوم القيامة؛ قال تعالى: {يومئذ تحدث أخبارها (4)} [الزلزلة]، وفي حديث أبي هريرة يرفعه: "أخبارها: أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا" [أخرجه الترمذي (2429) وقال: الحديث حسن صحيح].
إلى غير ذلك من الفوائد.
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق